في الوقت الذي كان فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل قرابة ألف طفل فلسطيني كانت شبكات تلفزيونية غربية كبرى مثل «سي إن إن» و«بي بي سي» تسهم في انتشار الأكاذيب الإسرائيلية، مثل تلك الكذبة المزرية عن ذبح مقاتلي المقاومة الفلسطينية لأطفال إسرائيليين رُضّع أثناء الهجوم على مستوطنات غلاف غزة.
نقلت تلك الوسائل الإعلامية عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله إنه «تأكد» من أن مقاتلي حماس قاموا «بقطع رؤوس الأطفال الرضع» فيما شبكة «سي إن إن» تنقل تصريحات الناطق باسم مكتب «أكذب رئيس حكومة في إسرائيل» حسب معلقين إسرائيليين، وتعيد تكرار الخبر بأصوات متهدجة للمذيعين والمراسلين، الذين نقلوا خبر «ما لا يقل عن 40 طفلاً رضيعاً فُصلت رؤوسهم عن أجسادهم، ونزعت أحشاؤهم» ليدخل الرئيس الأمريكي جو بايدن على الخط، حيث عبر عن صدمته لذبح «الإرهابيين» الأطفال، لأنه لم يكن يتصور «الإرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال» رغم أنه في الواقع لم ير أية صورة، وهو ما أكده لاحقاً البيت الأبيض، بالقول «إن أياً من المسؤولين لم ير صوراً» لهذه المذبحة المزعومة.
وزير الخارجية الأمريكي، «اليهودي» أنتوني بلينكن، في زيارته لإسرائيل ردد ما قاله الإعلام الإسرائيلي عن «ذبح الأطفال الرضع، وإحراق اليهود أحياء، وقتل الأبناء أمام أعين آبائهم وأمهاتهم، بالإضافة إلى اغتصاب النساء» وهي الأكاذيب التي لم يعتذر عنها كبار المسؤولين الذين رددوها، رغم انكشاف أمرها.
يمكن لنظرة سريعة على التغطيات الإعلامية الغربية للحرب على غزة أن تلحظ تجاوزات خطيرة لضوابط مهنة الإعلام، وخروجاً على المهنية، بالانحياز للجلاد ضد ضحايا يريد هذا الإعلام أن يحرمهم حتى من وصول أصواتهم إلى العالم.
المهم، مذيعة ومراسلة «سي إن إن» سارة سيدنر كانت تسأل مراسلتهم في إسرائيل عن «ذبح الأطفال الرضّع» بصوت متهدج وهي تذيع خبر قطع رؤوسهم، لتتقمص المراسلة «المهنية جداً» دوراً سياسياً بالقول إنه «لا يمكن أن يكون هناك سلام مع حماس، إذ لا يمكن وجود سلام مع جماعة ترتكب هذه الفظاعة» التي «لم يشهد لها اليهود مثيلا منذ زمن الهولوكوست» على حد تعبيرها.
يبدو أن سارة سيدنر، وهي أيضاً مراسلة تلفزيونية، تحمست للذهاب إلى المنطقة لمزيد من التغطيات، وقد بكت وهي تستقل طائرة الخطوط الجوية الفرنسية عندما سمعت الطاقم يغني أغنية عبرية تعاطفاً مع الضحايا الإسرائيليين، قبل أن ترى المحرقة الحقيقية التي يتعرض لها الغزّيون، لتقول فيما بعد إن «الجحيم لا تزال تمطر على غزة».
ثم ماذا؟
بما أن حماس «منظمة إرهابية» وبما أن إسرائيل «ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط» فإنه يجوز الكذب لصالح «الديمقراطية» ضد «الإرهاب، مجرد «كذبة بيضاء»!
انكشفت الكذبة واختبأ الكثير ممن روج لها، واعتذرت قلة قليلة من مروجي هذه الفرية التي ابتكرها أحد قادة المستوطنين المتطرفين، والتي ظلت تنتشر رغم انكشاف زيفها، لأنه يسهل تقبل الأخبار الصادمة، حتى ولو كانت كاذبة، في حين يصعب تقبل نفيها المؤكد، إذ يحدث أحياناً أن تكون أكثر الأخبار انتشاراً هي تلك التي لا يمكن تصديقها، حيث يساعد الرعب الذي تثيره على سرعة تقبلها، في حين أنها تُختلق من أجل التبرير والتغطية على المجازر التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والتسويق لهذه الحرب على أساس أنها دفاع إسرائيلي عن النفس، وإظهار المجرم في ثوب الضحية، مع إبراز الضحية على صورة الجلاد، وتصدير صورة المحتل كمدافع عن النفس، وتصوير المقاومة على هيئة من يمارس العدوان.
ثم إنه، وبما أن حماس «منظمة إرهابية» وبما أن إسرائيل «ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط» فإنه يجوز الكذب لصالح «الديمقراطية» ضد «الإرهاب» الافتراء هنا عبارة عن «كذبة بيضاء» هدفها شريف، وهو دعم «الديمقراطية الإسرائيلية» ضد «الإرهاب الفلسطيني».
وقبل أيام، وفي لقاء على «بي بي سي» القناة الرابعة كررت سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة تسيبي هوتوفلي كذبة إن حركة الجهاد الإسلامي هي من قصفت المستشفى المعمداني في غزة، وعندما تحداها مقدم البرنامج كريشنان غورو مورثي أن تثبت ذلك قالت إن لدى «الموساد» أدلة أطلع عليها الأمريكيون الذين شهدوا بذلك، على طريقة: «قال مين يشهد للعروسة؟ قال أمها».
وعندما قال المذيع مورثي إن حماس والجهاد نفيا أن يكونا وراء تلك المذبحة، قالت السفيرة: كيف تصدق حركات إرهابية، وتكذب الدولة الديمقراطية؟! على أساس أن تلك الديمقراطية لم تبتكر حكاية «ذبح أربعين رضيعاً إسرائيلياً» في هجوم يوم سبعة تشرين أول/أكتوبر الحالي، وهي الكذبة التي شاركت السفيرة هوتوفلي في الترويج لها.
دعونا نرجع ل «سي إن إن» حيث انتشر فيديو، قبل أيام بشكل واسع النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، سمع فيه صوت أحد مخرجي نشرات الأخبار على القناة «الرصينة» وهو يوجه أفراد فريق القناة الذي يغطي الحرب بأن يظهروا بمظهر المرعوب من صواريخ المقاومة، وتظهر المراسلة وهي تحاول القيام بالدور الدرامي، والمخرج يطلب منها المزيد من تقمص الدور، غير أنها كانت تكتم ضحكة ساخرة، وتسأل زملاءها: شباب، هل ترون حالتنا أو وضعنا؟ وهو ما يؤشر إلى انتقال الإعلام من مهنة «تغطية الحدث» إلى محاولة «صناعته» عبر تقمص الأدوار، والتظاهر بالرعب لإظهار همجية الهجمات الجوية التي ترد بها مقاومة غزة على المحرقة الإسرائيلية في القطاع.
وفي مثال آخر على الفجور الإعلامي، تطل علينا حكاية «علم تنظيم داعش» الذي زعم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أذرعي أنه وجد ضمن مضبوطات حرَّزها جيش الاحتلال إثر هجوم المقاومة على مستوطنات غلاف غزة، وبطبيعة الحال فإن الهدف واضح من محاولة الربط بين المقاومة وتنظيم داعش، وهو تشويه الفلسطينيين، وتأليب الرأي العام العالمي ضدهم، والقول بأن المقاومة لا تشكل خطراً على إسرائيل وحدها، ولكنها تشكل خطراً على «العالم الحر» حسب التصنيف «الحضاري» للعالم بقسمته إلى «فُسطاطين: فسطاط حرية لا عبودية فيها، وفسطاط عبودية لا حرية فيها» إذا ما استعرنا عبارات تنظيم القاعدة.
ولمزيد من توسيع حالة «الدعشنة» تستمر «بي بي سي» في نهجها، وتقول عن المتظاهرين المؤيدين لغزة بأنهم متظاهرون مؤيدون لحماس، لأغراض معروفة من بينها تشويه المتظاهرين وتحريف أهداف المظاهرات، وترهيب الناس كيلا يحتجوا، دون أن نغفل عن نية مبيّتة لاختصار القضية الفلسطينية في العمل المسلح، واختصار المقاومة الفلسطينية في حماس التي صنفتها دول غربية حركة إرهابية، وبالتالي فإن أي متعاطف مع القضية الفلسطينية سيعد متعاطفاً مع الإرهاب، ويمكن أن يقع تحت طائلة القانون.
ختاماً، يمكن لنظرة سريعة على التغطيات الإعلامية الغربية للحرب على غزة أن تلحظ تجاوزات خطيرة لضوابط مهنة الإعلام، وخروجاً على المهنية، بالانحياز للجلاد ضد ضحايا يريد هذا الإعلام أن يحرمهم حتى من وصول أصواتهم إلى العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطيني غزة حماس بايدن فلسطين حماس غزة بايدن مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سی إن إن
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية