(طريق الشعب ) .. وطريق ( الحقيقة) ..
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
أذكر أننا اجتمعنا في غرفة التحرير قبل إصدار العدد الاول من جريدة الحقيقة قبل حوالي أربعة عشر عاماً، وقد سألني أحد الزملاء الذين لهم خبرة وكفاءة وتجربة طيبة في العمل الصحفي، قائلا: الآن وقد أجرينا (الإحماء) واقتربت ساعة المباراة، ما هي الخطة والطريقة التي سنلعب بها ؟!
فضحكت وقلت له: ليس لديّ أي خطة، أو طريقة، إنما لديّ نموذج صحفي عراقي متقدم، سنضعه أمامنا، ونعمل مثله، حتى يشتد عودنا، ونكتسب هويتنا الخاصة ونؤسس تجربتنا الشخصية.
نظر اليّ ذلك الزميل مندهشاً ثم قال: (معقولة أستاذ فالح، تريد تصدر جريدة يومية، وإنت ما عندك أي فكرة عن خط الجريدة، ولا عن مسارها، أو هدفها.. ثم من هو هذا النموذج (العظيم)، وهذه الجريدة الفذة التي تريدنا أن نمضي خلفها، ونتعلم منها.. !
ثم أكمل حديثه متسائلاً: وهل في العراق هذه الأيام جريدة، تستحق أن يمضي فالح حسون الدراجي، ومعه هذه الكوكبة الصحفية الرائعة، خلفها، ويتعلم منها، وأغلبها صحف جديدة ليس لها خبرة تذكر ؟!
قلت له: كلامك غير صحيح، لأن في العراق الان صحفاً ذات تجارب (عظيمة)، وفي مقدمتها، طريق الشعب !
قال: أنا أحترم تجربة جريدة طريق الشعب، ذات التاريخ الحافل بالمهنية والوطنية، لكن اسمح لي أن أقول، انك ستفشل حتماً لو طبقت ما قلته، وقد لا تكمل سنة واحدة، وأسباب ذلك كثيرة، من بينها أن القارئ لن يشتري نسختين من جريدة واحدة، اللهم إلا إذا كان بحاجة لورقهما في مسح زجاج البيت مع الاعتذار للجريدتين.. أما السبب الثاني، والذي سيقضي على جريدة الحقيقة بفترة قياسية، فهو أن خط الجريدة (اليساري) معرض لحرب شعواء، بمعنى أن جريدة (الحقيقة) ستتعرض لهذه الحرب بمجرد أن تصدر عددين أو ثلاثة، لأن ثمة مؤسسات وأفراداً وشركات ومصارف ودوائر حكومية تكن العداء للفكر الشيوعي، وللخط الذي تنتهجه جريدة طريق الشعب، وستنالون أنتم نفس النصيب، مادمتم ستسيرون على نهج وخط طريق الشعب.. وأقصد به نهج الانحياز للفقراء، ومساندة الكادحين، ودعم رغيف خبزهم، فطريق الوطنية والنزاهة، ومحاربة الفساد والتصدي للفاسدين، طريق صعب، وموحش لا يمشي فيه إلا عدد قليل جداً.. ويكمل زميلي قوله: وإذا كان (ظهر) طريق الشعب قوياً، مسنوداً بامكانات حزب تاريخي له جذور ضاربة في العمق الوطني، ومعها جماهير واسعة، ومحمية بأسماء صحفية وسياسية رنانة، ولها ثقل كبير، لا يجرؤ أحد على مواجهتها، فضلاً عن امكانات طريق الشعب الفنية والطباعية وغيرها .. فأنت لا تملك ظهراً قوياً، ولا مالاً، ولا سنداً جماهيرياً، ولا إمكانات طريق الشعب .. ثم هل يمكن لك أن تقول لي من سيدعمك غداً، ومن يسندك، حين يقف في طريقك الفاسدون الذين يسيطر الكثير منهم على الدوائر والشركات، وحين يقطعون عنك وعن الجريدة موارد عيشها المعروفة، كالاعلانات، والاشتراكات في الجريدة، والتحقيقات المدفوع ثمنها، وغيرها..؟
وحين اكمل مداخلته قلت له: خلصت؟!
قال: نعم خلصت..
قلت: إذاً إسمعني يا صديقي.. أولاً، إن جريدة طريق الشعب، كانت المدرسة الصحفية الأولى التي دخلتها وأنا لم أزل فتىً يافعاً، ورغم أن عملي كان تطوعياً، ولم يستغرق أكثر من سنة، لكني أعترف بأنها علمتني خلال هذه السنة ما لم أتعلمه في غيرها طيلة خمسين عاماً، وستصاب بالدهشة لو قلت لك إني عملت في صحف كثيرة وكبيرة مثل الجمهورية، والزمان التي عملت فيها منذ العدد صفر، وجريدة (المؤتمر) التي كان الأستاذ حسن العلوي رئيس تحريرها، وغيرها من الصحف .. وقد استفدت كثيراً من هذه الصحف المهمة، ومن الأساتذة والزملاء الذين عملت معهم.. لكن
تجربتي في طريق الشعب قبل نصف قرن تقريباً، كانت تجربة مختلفة تماماً، ليس لأني جئت اليها (خام)، لا أميز قط بين الخبر، والتحقيق، ولا بين المقال، والدراسة، ولا أفرق بين المانشيت و (الترويسة)، فعلمتني دروساً صحفية وفنية مهمة، بحيث غادرتها وأنا (صحفي).. إنما الشيء الاهم الذي تعلمته في (بيت الشعب)، هو الإخلاص للحقيقة، والإنتماء الصادق للوطن، والانحياز المطلق للناس، وقد بقيت محافظاً على تلك الدروس، ولن أتخلى عن قيمها، ومعانيها حتى اليوم الأخير في حياتي ..
وأذكر حين جئت لطريق الشعب نسبت آنذاك الى قسم التصحيح، بمقترح من الراحل الكبير شمران الياسري، حيث استفدت كثيراً من عملي في هذا القسم، لأنه يتيح للعاملين فيه الاطلاع على جميع الصفحات والموضوعات، كما يمهد لهم الوقوف على الأخطاء اللغوية والاملائية والتعبيرية، ناهيك من الاستفادة من خبرات الزملاء في القسم ذاته، وفي مقدمتهم رئيس القسم الشاعر الكبير والصحفي البارز الشهيد ذياب گزار ( أبو سرحان)..
أما في بقية الأقسام وما فيها من الأسماء العظيمة فحدث بلا حرج .. إذ يكفي أن يكون موجوداً معك الراحل عبد الرزاق الصافي والكبار فخري كريم، وزهير الجزائري وفالح عبد الجبار وفاطمة المحسن وسعدي يوسف وصادق الصائغ وجمال العتابي، ويوسف الصائغ، والفريد سمعان، وخليل الأسدي، ومنعم جابر ورضا الظاهر، وغير ذلك من الأسماء الفذة والمهمة..
ولو أردت الحديث عن القيم الأخلاقية والوطنية والإنسانية، التي يحملها الزملاء في طريق الشعب، فمن المؤكد أني لن أقدر على الوصف بما تستحقه هذه القيم الرفيعة، وما يستحقونها اولئك الزملاء من مكانة مهنية واخلاقية.
لقد كانت طريق الشعب عائلة، ومدرسة، وبيتاً، وثقافة، ووعياً، وانتماء، وحباً لكل من ينتسب لها. وصدقاً فإني لم اجد طيلة حياتي صحيفة أسرية مثل طريق الشعب .. ولعل أروع ما فيها أنك تكتسب منها شهادة مهنية، وشهادة وطنية، وأخلاقية، وشهادة حسن سلوك (اعتبارية) ستفخر بها ما حييت، وهذا ما كان يميزها عن الكثير من الصحف.. لذلك فإني اريد ان أنقل كل ما تعلمته في هذه المدرسة فنياً ومهنياً واخلاقياً للزملاء الشباب في جريدة الحقيقة، وان أسير بهم ومعهم في هذا الطريق الشريف، مثلما سار بي، اولئك الزملاء الأنقياء، انه جزء من الوفاء لمدرسة طريق الشعب، وجزء من أمانة المهنة التي يجب ان أنقلها للجيل الجديد، وإلا ما نفع تلك الدروس التي تعلمناها، وما فائدة التجربة إن لم تفد بها زملاءك الجدد، وحتى القدامى الذين لم تتح لهم الفرصة للتعلم في (طريق الشعب)؟!
فقاطعني زميلي قائلاً: أستاذ الله يخليك، انا اتحدث عن خط الجريدة التي سنصدرها، وانت تقول لي حسن سلوك !!
قلت له: لأن حسن السلوك وسمو الأخلاق، ركيزة مهمة من ركائز بناء العمل الصحفي، ومن المستحيل على أي جريدة أن تحقق نجاحاً بدون أن تمضي في طريق واضح تحرسه القيم الأخلاقية، والوطنية، والسلوك المهني السليم. ولما تسمعني اتحدث عن طريق الشعب، فأنا أتحدث عن جريدة ستكون قدوة ومثالاً لنا.. وهذا لا يعني أننا نقلدها تقليداً فنياً وحرفياً أعمى، إنما أقصد فقط المضي في الطريق ذاته الذي مضت فيه طريق الشعب، ولكن برؤية وعقلية وشخصية واسلوبية مستقلة، وخاصة بنا..
قال: نعم فهمت، وأحترم رؤيتك، ومنهجك، لكني أعتذر عن العمل معكم.. فأنا لا أريد أن أضع اسمي في جريدة لن تستمر سنة، وقد لا توقد حتى شمعة واحدة من عمرها !
ثم صافحني، وخرج .. ولم اره إلا بعد١٢ سنة، أي قبل سنتين، حيث كنا قد أوقدنا ( ١٢ شمعة) من عمر (الحقيقة)، وليس (شمعة واحدة) .. !
فسألني مداعباً: ها شلونها (طريق الحقيقة) ؟!
قلت بخبث: حاولت أمس الاتصال بك ودعوتك للحفل الذي أقيم بمناسبة مرور ١٢ سنة على (الحقيقة)..!
ابتسم وقال مقهقهاً : وصلت خويه الرسالة ..!!
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات طریق الشعب فی طریق
إقرأ أيضاً:
آرثر شوبنهاور .. فيلسوف التشاؤم أم الحقيقة؟
يُعرف آرثر شوبنهاور بأنه أحد أكثر الفلاسفة إثارةً للجدل في التاريخ، إذ اشتهر بفلسفته التشاؤمية التي ترى الحياة سلسلة من المعاناة الدائمة، تحركها رغبات لا تنتهي. لكن هل كان شوبنهاور متشائمًا حقًا، أم أنه ببساطة واجه الحقيقة بواقعية قاسية؟
الحياة كمعاناة: الأساس الفلسفيفي كتابه الأشهر “العالم إرادة وتمثل”، طرح شوبنهاور فكرته الأساسية بأن الإرادة القوة المحركة لكل شيء، بما في ذلك الإنسان. هذه الإرادة تدفعنا بشكل مستمر لتحقيق رغباتنا، لكن بمجرد تحقيقها، تظهر رغبات جديدة، مما يخلق دورة لا نهائية من التوق والمعاناة. يرى شوبنهاور أن السعادة الحقيقية غير ممكنة، لأن الإنسان محكوم بالسعي المستمر دون راحة.
التشاؤم أم الواقعية؟يرى البعض أن فلسفة شوبنهاور ليست تشاؤمية بقدر ما هي واقعية، إذ أنه لم ينكر وجود لحظات من السعادة، لكنه شدد على أنها قصيرة وعابرة، بينما الألم والمعاناة هما الحالة الطبيعية للحياة. في نظره، الإدراك الحقيقي لطبيعة الحياة لا يجب أن يقود إلى اليأس، بل إلى التحرر من الأوهام الزائفة حول السعادة الدائمة.
الهروب من المعاناة: ما الحل؟على الرغم من نظرته القاتمة، قدم شوبنهاور بعض الطرق للخلاص من المعاناة، مثل:
• التأمل في الفنون والموسيقى، حيث رأى أن الموسيقى تمنح الإنسان فرصة للهروب مؤقتًا من قبضة الإرادة.
• التخلي عن الرغبات الشخصية، وهي فكرة استوحاها من الفلسفات البوذية والهندوسية، حيث دعا إلى تقليل التعلق بالماديات والسعي نحو حياة زاهدة.
التأثيرات الفلسفيةأثرت أفكار شوبنهاور بشكل كبير على فلاسفة لاحقين مثل فريدريش نيتشه، الذي تبنى بعض أفكاره لكنه رفض نظرته التشاؤمية، كما ألهمت فلسفته علماء النفس مثل سيغموند فرويد، الذي تأثر بفكرته حول اللاوعي والرغبات.