لجريدة عمان:
2024-09-19@13:31:03 GMT

زيف مؤسسات النظام العالمي وقيمه

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

زيف مؤسسات النظام العالمي وقيمه

إذا كانت إسرائيل قد تجاوزت كل الحدود التي يمكن تصورها في ارتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين خلال حروبها ضد الفلسطينيين وبشكل خاص جدا خلال حربها الحالية على قطاع غزة، فإن مؤسسات النظام العالمي الذي يقاتل الغرب من أجل بقائه واستمراره باعتباره أرقى ما يمكن للعقل البشري أن يصل له قد تجاوزت هي الأخرى كل الحدود الأخلاقية التي يمكن تصورها عبر صمتها عن قتل الأطفال والنساء وكبار السن، حتى أن هذه الحرب القذرة يمكن أن توصف بأنها أول حرب في التاريخ تكون موجهة بشكل أساسي ضد الأطفال، وهدفها التطهير العرقي لكل سكان قطاع غزة وهدم مدنهم المكتظة فوق رؤوسهم دون أن يرف للغرب وساسته ومؤسسات المجتمع الدولي أي رمش.

تقترب الحرب من إكمال أسبوعها الثالث وقد ارتكبت فيها جرائم لم ترتكب في أي حرب قبلها من حيث قتل الأطفال فيما تبقى منظمات الأمم المتحدة مشلولة عن الحركة لا تقوى في بعض الأحيان حتى على التنديد والشجب، وهو الدور الذي اكتفت بممارسته طوال العقود الماضية عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وما ترتكبه إسرائيل فيها من جرائم ضد الإنسانية.

إن هذه الحرب وما صاحبها من سقوط إنساني وأخلاقي للكثير من أنظمة العالم وساسته تعيد بشكل جلي طرح قضية حاجة عالمنا إلى نظام عالمي جديد تستطيع مؤسساته تحقيق ولو الحد الأدنى من العدالة وحماية الضعفاء وحل الخلافات الدولية وفق القوانين والأنظمة.

استطاعت المنظمات واللوبيات التي تتلاعب بالإدراك العام في العالم السيطرة في الكثير من المواقف، على السردية الرائجة في العالم والمتمثلة في أن إسرائيل الآن في حالة دفاع عن النفس، دون أن يسأل أحد في هذا العالم المتقدم والمتحضر ما دخل قتل الأطفال والنساء وهدم المنازل السكنية والتهجير القسري في الدفاع عن النفس!

ومثل هذا التأطير يحب الحقيقة ويبرر القتل في لحظة ينشغل فيها الفلسطينيون في البحث عن الأطفال والنساء تحت أنقاض الأعمال الإرهابية التي ترتكبها «دولة» إسرائيل، ويكتفي العالم أجمع بالمراقبة والتعبير عن مجرد «القلق» الذي لا يؤمّن أطفال غزة من خوف ولا يطعمهم من جوع.

وتقوم إسرائيل بدعم من الدول الكبرى في العالم والكثير من المنظمات الدولية وبعض المؤسسات الإعلامية الغربية بصناعة استراتيجية «الموافقة» والتي تقوم فيها آلة اللوبي الصهيوني بإملاء الخطاب العام وتشكيله لخدمة إسرائيل، فلا أحد يتحدث إلا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أما أصل المشكلة فلا أحد يتحدث عنه، والجرائم المروعة وما خلقته من أزمة إنسانية فإنها غائبة عن الخطاب وسردياته أو أنها مجرد حاشية في لعبة جيواستراتيجية أكبر.

إن بناء سردية فلسطينية وعربية توصل حقيقة ما يحصل في فلسطين وغزة بشكل خاص أصبحت اليوم مهمة يضطلع بها العرب جميعا أفرادا ومؤسسات لصناعة تحول في نظرة العالم إلى القضية الفلسطينية ولكشف نفاق المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام الغربية، وهذا تحول ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا في ظل توفر وسائل التواصل الجديدة.

الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة اليوم هي جرائم إسرائيلية ولكنها، أيضا، أعراض لمرض أعمق في نظامنا العالمي ولا يبدو أن ثمة أملا في أن يتخلص هذا النظام من أمراضه المستعصية إلا بظهور نظام عالمي جديد يقدر حقا معنى الإنسانية ويؤمن بفكرة المساواة بين البشر ليس على مبدأ لون العينين أو لون بشرة الجسم ولكن على مبدأ أن الجميع بشر وإن اختلفت ألوانهم أو أعراقهم أو جنسياتهم أو أديانهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم

إقرأ أيضاً:

المـؤتمر الوطني والحسـابات الخاطئة والخاسـرة

 

المـؤتمر الوطني والحسـابات الخاطئة والخاسـرة

الواثـق البريـر

 

ليس عبثاً أو تجنياً ترفض القوى المدنية الديمقراطية إشراك المؤتمر الوطني في العملية السياسية التي تهدف إلى إنهاء الحرب والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، وإنما التزاماً واضحاً بمقاصد ثورة ديسمبر المجيدة. تلك الثورة التي أنهت ثلاثة عقود من الإستبداد والديكتاتورية والقمع والقهر؛ وادراكاً لحجم الدمار والخراب الذي خلفته تجربة المؤتمر الوطني حكماً ومعارضة وأجندته الشريرة المستمرة.

 

تساءلت بعض الأصوات عن جـدوى إستبعاد المؤتمر الوطني من العملية السياسية، بحجة أن المؤتمر الوطني باعتباره جزءاً من المشكلة؛ قد يكون أيضاً جزءاً من الحل. هذا الطرح يتجاهل مسيرة المؤتمر الوطني، ودوره في إنقلاب 25 أكتوبر، وفي إشعال حرب 15 أبريل، ورفضه المتكرر للحلول السلمية، كما يغفل طبيعة الحزب القائمة على أيدولوجية تغلب الانتماء الأعمى على الحقائق والواقع، مما جعله يتخذ قرارات مؤذية للشعب السوداني ومقسمة للبلاد.

 

هناك عدة دوافع وراء استبعاد المؤتمر الوطني من أي عملية سياسية لإنهاء الحرب:

1. المؤتمر الوطني لم يتعلم من أخطائه وجرائمه السابقة، ويصر على ارتكابها ويتمادى فيها وأصبحت عقيدة يتكئ عليها، فهو لا يدرك خطأه وجرمه ولم يتلقن الدرس بعد، ولم يعترف بالذنب والعمل على تصحيحه، بل لا يعي ما فعله أساساً بهذا الشعب.

2. المؤتمر الوطني يرفض التطور ويتعامل مع التغيرات المحلية والإقليمية والدولية بذات المنهج القديم ويكرر اساليبه التي تتعارض مع الشعارات الإسلامية التي يرفعها، حيث تميزت حقبته بالفساد، الحروب، البطش، القمع، وانتهاك حقوق الإنسان، لا سيما حرية التعبير والصحافة التي شهدت خلال فترة حكمه تقييداً غير مسبوق وفرض رقابة صارمة.

3. المؤتمر الوطني ارتكب جرائم لا تغفر خلال فترة حكمه؛ جرائم القتل والسحل والإخفاء القسري والتعذيب والاعتقالات التعسفية، ومازالت قياداته مطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية. وبعد اندلاع الحرب الحالية تواصلت ممارساته القمعية؛ هذه الجرائم لم تكن حالات معزولة، بل جزء من عقيدة إجرامية قمعية ضد معارضيه لخدمة شهوة السلطة.

4. المؤتمر الوطني يسعى بكل قوة إلى إقصاء القوى السياسية الديمقراطية لصالح حكم الحزب الواحد الشمولي، وإلى تقويض المجتمع المدني، وتسييس الإدارة الأهلية والمجموعات الدينية، وقمع أصوات النساء، وتكوين المليشيات، ودعم التطرف والإرهاب.

5. المؤتمر الوطني أفسد النظام القضائي، مما جعل المؤسسات القضائية عاجزة عن محاكمة المجرمين، بل أفلت كثيرون من العقاب بفقه التحلل والهروب إلى دول أخرى، مما جعل العدالة غائبة، وطيلة سنواته لم يقدم مجرم للعدالة بل وضعهم في قمة هرم مؤسسات الدولة.

6. المؤتمر الوطني خرب الاقتصاد ونهب موارد البلاد، وأدى الفساد وسوء الإدارة إلى انهيار مؤسسات الدولة الإقتصادية والتنموية، واستنزف الموارد في الحروب المستمرة حتى الآن، وشرّد الملايين لمعسكرات النزوح واللجوء، وفصل جزء عزيز من أرض السودان نتيجة سياسات التهميش التمييزية، ومازال يصدر خطاب الكراهية والعنصرية وفتق النسيج الاجتماعي.

7. المؤتمر الوطني اتبع سياسة التمكين التي أدت إلى طرد الآلاف من وظائفهم وتهميشهم، في مقابل بناء نظام مبني على المحسوبية والفساد، مما أدى إلى تقويض مبادئ الحكم الرشيد وتدهور الخدمات العامة سيما التعليم والصحة، واتبع سياسة خارجية أفضت إلى عزل البلاد وإضعاف دورها الإقليمي والدولي، وسيطر أنصاره على مفاصل الدولة، مما حولها إلى دولة أمنية قمعية لا تخضع للمساءلة.

8. المؤتمر الوطني لا يؤمن بالمشاركة والتعددية والتداول السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي، وينتهج سياسة فرق تسد للتحكم في مصير البلاد.

9. المؤتمر الوطني اخترق المؤسسة العسكرية وعمل على تجريفها من الكفاءات الوطنية وخلق مليشيات موازية، وبّدد طاقاتها في حروب لا نهاية لها.

10. المؤتمر الوطني ارتكب جرائم ضـد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور وفي جبال النوبة/ جنوب كردفان وثقتها الأمم المتحدة، وأصدر مجلس الامن العشرات من قرارات الإدانة، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم.

في هذا السياق، تأتي تصريحات قياداته مثل الإستعداد للجلوس مع قوات الدعم السريع ورفض الحوار مع القوى السياسية، مع تهديد وجود السودان واستقراره في حالة اقصائهم، وبيان القطاع السياسي للمؤتمر الوطني أمس الذي تبنى استمرار الحرب والدعوة لتكوين حكومة انتقالية، مما يؤكد عدم تغيير الحزب لمواقفه أو تقييم ومراجعة تجربته، واصراره على حساباته الخاطئة ورهانه الخاسر على الحرب.

 

إبعاد المؤتمر الوطني من العملية السياسية هو رفض لممارساته القمعية والفاسدة، وتأكيد على ضرورة بناء نظام جديد قائم على العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية، فالشعب السوداني الذي ضـحى وصبـر يستحق نظام يحترم حقوق الإنسان ويحقق السلام والتنمية المستدامة.

 

مستقبل المؤتمر الوطني مرهون بالتخلي عن أجندته الحربية والشمولية، والاعتراف بأخطائه وجرائمه، والإستعداد للمحاسبة وتقديم المجرمين للعدالة، وإجراء مراجعات فكرية وسياسية جوهرية نقداً لتجربته والاعتذار عنها، وتغيير نهجه الإقصائي الرافض للآخر، ووقف التحشيد، والتراجع عن استمرار الحرب وبث خطاب الكراهية، والإلتزام بالنهج السلمي، ورفع يده عن المؤسسة العسكرية، ودعم الأجندة الوطنية. حينها يبقى الباب مفتوحاً أمامه للمشاركة في البناء الوطني.

 

▪︎▪︎▪︎

الوسومالمؤتمر الوطني المحلول الواثق البرير حسابات

مقالات مشابهة

  • لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تندد "بالانتهاكات الجسيمة" التي ترتكبها إسرائيل في غزة للمعاهدة العالمية لحماية الأطفال
  • أسعار خدمة ‘‘ستارلينك’’ والاشتراك الشهري بالريال اليمنية.. والكشف عن المناطق التي تتوفر فيها الخدمة
  • في خريف عمره بايدن يريد حلا لمشكلة السودان المستعصية التي أعيت الطبيب المداويا
  • تعذيب الأطفال واسترقاق النساء: جرائم تلاحق قادة الدعم السريع
  • أستاذ قانون دولي: الـ 12 شهراً القادمة ستحدد مصداقية النظام العالمي في مواجهة الاحتلال
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • الأمم المتحدة: إسرائيل أصدرت 55 أمر إخلاء لسكان غزة منذ بداية الحرب
  • المـؤتمر الوطني والحسـابات الخاطئة والخاسـرة
  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • رسالة خاصة من السنوار إلى الحوثي بعد وصول صاروخ فرط صوتي إلى إسرائيل.. ماذا قال فيها؟