زيف مؤسسات النظام العالمي وقيمه
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
إذا كانت إسرائيل قد تجاوزت كل الحدود التي يمكن تصورها في ارتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين خلال حروبها ضد الفلسطينيين وبشكل خاص جدا خلال حربها الحالية على قطاع غزة، فإن مؤسسات النظام العالمي الذي يقاتل الغرب من أجل بقائه واستمراره باعتباره أرقى ما يمكن للعقل البشري أن يصل له قد تجاوزت هي الأخرى كل الحدود الأخلاقية التي يمكن تصورها عبر صمتها عن قتل الأطفال والنساء وكبار السن، حتى أن هذه الحرب القذرة يمكن أن توصف بأنها أول حرب في التاريخ تكون موجهة بشكل أساسي ضد الأطفال، وهدفها التطهير العرقي لكل سكان قطاع غزة وهدم مدنهم المكتظة فوق رؤوسهم دون أن يرف للغرب وساسته ومؤسسات المجتمع الدولي أي رمش.
تقترب الحرب من إكمال أسبوعها الثالث وقد ارتكبت فيها جرائم لم ترتكب في أي حرب قبلها من حيث قتل الأطفال فيما تبقى منظمات الأمم المتحدة مشلولة عن الحركة لا تقوى في بعض الأحيان حتى على التنديد والشجب، وهو الدور الذي اكتفت بممارسته طوال العقود الماضية عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وما ترتكبه إسرائيل فيها من جرائم ضد الإنسانية.
إن هذه الحرب وما صاحبها من سقوط إنساني وأخلاقي للكثير من أنظمة العالم وساسته تعيد بشكل جلي طرح قضية حاجة عالمنا إلى نظام عالمي جديد تستطيع مؤسساته تحقيق ولو الحد الأدنى من العدالة وحماية الضعفاء وحل الخلافات الدولية وفق القوانين والأنظمة.
استطاعت المنظمات واللوبيات التي تتلاعب بالإدراك العام في العالم السيطرة في الكثير من المواقف، على السردية الرائجة في العالم والمتمثلة في أن إسرائيل الآن في حالة دفاع عن النفس، دون أن يسأل أحد في هذا العالم المتقدم والمتحضر ما دخل قتل الأطفال والنساء وهدم المنازل السكنية والتهجير القسري في الدفاع عن النفس!
ومثل هذا التأطير يحب الحقيقة ويبرر القتل في لحظة ينشغل فيها الفلسطينيون في البحث عن الأطفال والنساء تحت أنقاض الأعمال الإرهابية التي ترتكبها «دولة» إسرائيل، ويكتفي العالم أجمع بالمراقبة والتعبير عن مجرد «القلق» الذي لا يؤمّن أطفال غزة من خوف ولا يطعمهم من جوع.
وتقوم إسرائيل بدعم من الدول الكبرى في العالم والكثير من المنظمات الدولية وبعض المؤسسات الإعلامية الغربية بصناعة استراتيجية «الموافقة» والتي تقوم فيها آلة اللوبي الصهيوني بإملاء الخطاب العام وتشكيله لخدمة إسرائيل، فلا أحد يتحدث إلا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أما أصل المشكلة فلا أحد يتحدث عنه، والجرائم المروعة وما خلقته من أزمة إنسانية فإنها غائبة عن الخطاب وسردياته أو أنها مجرد حاشية في لعبة جيواستراتيجية أكبر.
إن بناء سردية فلسطينية وعربية توصل حقيقة ما يحصل في فلسطين وغزة بشكل خاص أصبحت اليوم مهمة يضطلع بها العرب جميعا أفرادا ومؤسسات لصناعة تحول في نظرة العالم إلى القضية الفلسطينية ولكشف نفاق المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام الغربية، وهذا تحول ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا في ظل توفر وسائل التواصل الجديدة.
الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة اليوم هي جرائم إسرائيلية ولكنها، أيضا، أعراض لمرض أعمق في نظامنا العالمي ولا يبدو أن ثمة أملا في أن يتخلص هذا النظام من أمراضه المستعصية إلا بظهور نظام عالمي جديد يقدر حقا معنى الإنسانية ويؤمن بفكرة المساواة بين البشر ليس على مبدأ لون العينين أو لون بشرة الجسم ولكن على مبدأ أن الجميع بشر وإن اختلفت ألوانهم أو أعراقهم أو جنسياتهم أو أديانهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم
إقرأ أيضاً:
هل يمكن وقف الحرب في أوكرانيا؟
جاء قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية لضرب الأراضي الروسية بعد أن نقلت روسيا بالفعل العديد من الأهداف الرئيسية خارج النطاق؛ بعد أن أنفقت أوكرانيا إمداداتها القليلة من الصواريخ الأمريكية على استهداف مواقع أقل أهمية سُمح بها سابقاً.
وذكر تحليل لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن بريطانيا سمحت، بناءً على السياسة الأمريكية الجديدة، بنشر صواريخها "ستورم شادو" ضد مخبأ قيادة في مدينة مارينو الروسية، الأربعاء، مما أدى إلى إصابة وربما مقتل جنرال كوري شمالي.
Russia has long benefited from the stability provided by NATO. Any deal struck among Trump, Zelensky and Putin had better keep this in mind, writes Holman Jenkins https://t.co/o3f7gPfHhh
— Wall Street Journal Opinion (@WSJopinion) November 23, 2024 حرب أوسع!اليوم يتعين على الولايات المتحدة أن تكون متيقظة لهجوم كوري شمالي على المصالح الأمريكية أو البريطانية، وهو أحد المسارات العديدة المؤدية إلى حرب أوسع نطاقاُ، بحسب الصحيفة.
وذكر عضو هيئة تحرير الصحيفة، هولمان دبليو جنكينز، بالنسبة للبعض في عالم ترامب، فإن انتقاد قرار بايدن هو "هدية مجانية" لا تزيد إلا من الفوضى التي تتركها الإدارة. لكن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى إجابة على نشر روسيا لقوات كورية شمالية، وتم الإشارة إلى سلطة الضرب الموسعة باعتبارها الخطوة التالية على سلم التصعيد الذي لا يمكن التخطيط له في واشنطن.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الافتقار إلى التخطيط هو النهج الذي تبناه بايدن منذ البداية، وإن كان تم وصفه خطأً في كثير من الأحيان على أنه قياس دقيق لـ"خطوط بوتين الحمراء".
وفي دفاعه، كان أي شيء آخر على الأرجح خارج نطاق الرئيس الأمريكي بايدن، وحالياً أو مستقبلاً لا يستطيع الديمقراطيون حتى إلقاء اللوم على الرئيس المنتخب العائد إلى البيت الأبيض (ترامب).
وبحسب الصحيفة، أصبح حلفاء أوكرانيا مرهقين وجيشها يخسر على الأرض، وأن شعارات بايدن مثل "طالما استغرق الأمر" و "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا" لم تخف سوى عدم التقاء العقول الخطير بين الولايات المتحدة وكييف بشأن شبه جزيرة القرم وأهداف الحرب الأخرى. حتى الهجوم الأوكراني الفاشل في عام 2023 وأصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى، أنه كان نتيجة ثانوية تعيسة لمحاولة كييف تخمين وإدارة السياسة الداخلية لحليفها الأمريكي الذي لا غنى عنه ولكنه أسلوب عدواني سلبي.
Representative Marjorie Taylor Greene wrote that President Joe Biden "is dangerously trying to start WWIII."
Read More ⬇️
????- https://t.co/bL06JqJnKy pic.twitter.com/3vBF7nYzbx
ونقلت الصحيفة، عن المحلل السياسي والقاضي الأكثر صداقة للرئيس جو بايدن، مايكل أوهانلون من مؤسسة بروكينغز، قوله إن "هناك حاجة إلى "استراتيجية جديدة بغض النظر عمن فاز في الانتخابات الأمريكية هذا الشهر".
وبحسب جنكينز، كان ينبغي أن يكون السؤال طوال الوقت هو ما إذا كانت مثل هذه الضربات تخدم المصالح الأمريكية. والجواب هو نعم، لأنها توفر أفضل الوسائل المتاحة على الفور لرفع تكلفة الحرب التي يجب على بوتين أن ينهيها طواعية وكذلك النقاش الباهت حول ما إذا كان القانون ونظرية العلاقات الدولية تبتسم أو تجهم على الاستيلاء على الأصول المالية الروسية في الخارج.
ويرى الكاتب أنه يجب أن نكون قد تجاوزنا المجاملات وموكب التزامات الميزانية والأسلحة لمرة واحدة في واشنطن وأوروبا بالإشارة إلى من أعلنوا عن خطط مدتها 5 و 10 سنوات لتدريب وتجهيز أوكرانيا وفقاً لمعايير حلف شمال الأطلسي.
ويخمّن الكاتب، أنه من المؤسف أن فضائل (مميزات) ترامب المعروفة تجعل من غير المرجح، حتى لو تمكن الآن من التوصل إلى مفاوضات لوقف إطلاق النار، أن ينتج أي شيء يشبه الاستقرار في المنطقة.
وهذا يقود لسؤالين على درجة كبيرة من الأهمية الأول هل من الممكن وقف الحرب في هذه المرحلة؟ والثاني هل تصبح أوكرانيا أفغانستان جديدة وسط أوروبا؟.
US incrementalism has helped the Kremlin offset and mask its weaknesses. The Kremlin remains vulnerable to an adversary who can generate momentum against Russia and deny the Kremlin opportunities to regroup and adapt. A serious US strategy on Ukraine would prioritize achieving… pic.twitter.com/OK0USYf1fh
— Nataliya Bugayova (@nataliabugayova) November 17, 2024 المكاسب الإقليميةويشير الكاتب إلى أن الأوكرانيون أظهروا أنهم غير قابلين للسيطرة من موسكو أو واشنطن وسوف يجدون صعوبة في التسامح مع خسائرهم. ومن جانبه، لابد أن يدرك الرئيس الروسي بوتين أن "المكاسب الإقليمية" التي يواصل السعي وراءها، بتكلفة باهظة لجنوده، سوف تكون مصدر إزعاج له في المستقبل، والأرجح أنها سوف تكون مصدراً من شأنه أن يضعف الدولة الروسية وينتشر في جميع أنحاء المنطقة لعقود قادمة.
وترى الصحيفة، أن الحرب كانت وما تزال كارثة بالنسبة لموسكو وكييف، رغم أن بوتين يصف نفسه بالفائز في أي نتيجة كانت وربما يكون طلبه الرئيسي هو "ملحق سري" في أي اتفاق قادم يحظر عبارة "الهزيمة الاستراتيجية لروسيا" التي أصبحت مزعجة له بوضوح.
لكن بوتين يعرف سراً أن روسيا استفادت منذ فترة طويلة من الاستقرار الذي يوفره حلف شمال الأطلسي، والذي لولاه لكان تفكك الاتحاد السوفييتي قبل 35 عاماً أكثر خطورة، بالإشارة إلى أن أي صفقة يتم التوصل إليها الآن بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين لابد وأن تضع هذا في الاعتبار. وستكون هناك حاجة إلى استثمار مالي وعسكري كبير ودائم من أوروبا والولايات المتحدة لتجنب سيناريو أفغانستان جديدة في أوكرانيا.