لجريدة عمان:
2024-12-24@18:39:51 GMT

نساء غزة في أماكن النزوح القسري

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

سافرت هبة الشابة الثلاثينية لمؤتمر للشباب حول الحوكمة الرقمية في دولة تونس الشقيقة قبل الحرب على غزة بأسبوعين، وتركت خلفها ثلاث بنات: لجين ذات العشر سنوات، وجوري ذات الثمانية والصغير كنزي التي لا يتجاوز عمرها الأربع سنوات، أخبرتني أنها كانت متحمسة للسفر؛ فهذه هي المرة الأولى التي تتاح لها فرصة السفر خصوصًا مع تعثر فتح معبر رفح المتكرر بسبب الحصار الخانق على غزة منذ عام 2007 م.

. استطردت وصوت بكاؤها يسبق صوتها لقد انتهى المؤتمر، قضيت أياما جميلة أتنقل بين مدن تونس الخضراء برفقة زميلاتي وبعدما انتهت رحلتنا، حجزنا عبر شركة الطيران للقاهرة، كانت ليلة الجمعة، وصلنا الفندق بسلام، كنت متحمسة لرؤية بناتي وزوجي وأنتظر يوم الأحد وهو اليوم الذي يُفتح فيه معبر رفح على أحرّ من الجمر. استيقظت صباحا وبدأت بتجهيز الحقائب للانطلاق نحو معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية ولكني تفاجأتُ بصديقتي تخبرني بإعلان بدء الحرب على غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد تمكن فصائل المقاومة الإسلامية بقيادة حركة حماس من اجتياز الحدود والدخول إلى مستوطنات غلاف غزة، وقد أسفر هذا الهجوم عن أسر العديد من الجنود والمدنيين الإسرائيليين ومقتل العشرات منهم.

قالت هبة شعرت بدوار في رأسي، ولوهلة تذكرت بناتي وكيف سيكون حالهنّ الآن وأنا التي عشت العديد من الحروب على غزة وأعلم كيف سيكون الأمر مروعًا.

تواصل حديثها: اتخذنا القرار وتوجهنا بشكل جماعي للمعبر المسافة لا تقل عن سبع ساعات متواصلة وما أن وصلنا حتى تم قصف معبر رفح البري من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي.

عدنا بخفي حنين نبكي حالنا ونتابع الأخبار عن كثب لحظة بلحظة، دموعي لم تجف وما زاد الطين بلة هو قطع الاتصالات والإنترنت لأيام متواصلة والذي أدى إلى إعاقة تواصلي مع بناتي وأهلي وزوجي. إنها معاناة أعيشها منذ بدء الحرب والتي أتمنى أن تنتهي في أسرع فرصة لرؤية بناتي واحتضانهنّ إن كُتبت لهنّ الحياة في ظل إيغال الاحتلال الإسرائيلي في قتل المدنيين من الأطفال والنساء.. هذا ما قالته هبة وهي تشعر بكثير من الخوف والوجل.

لم يكن حال نساء غزة أفضل من حال هبة؛ فالواقع الذي تعيشه المرأة الفلسطينية مرير منذ اليوم الأول للحرب على غزة خصوصًا بعدما اضطرت عوائل بأكملها إلى مغادرة مكان سكناها قسرًا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه للبحث عن الأمان تحديدًا مع تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف المدنيين العزّل من الأطفال والنساء.. هذا الواقع الذي فُرض على المرأة جعلها في حالة تحدٍ وصراع مستمر من أجل البقاء وتحقيق الأمن لعائلتها في بيئة نزوح لا ترقى لذلك ولا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة، زد على ذلك إضافة العديد من المتطلبات التي وقعت على عاتقها من تجهيز أماكن للنوم مع الحفاظ على الخصوصية في ظل مشاركة عائلات أخرى، ثم إعداد الطعام بقدر الإمكان وباستخدام أقل الإمكانيات، ثم الاصطفاف منذ الساعة السادسة صباحًا في طوابير الخبز لتوفير نصف ربطه للأفواه الجائعة، ويستمر هذا الأمر لساعات، ومن بعده تعود للاصطفاف في طابور الماء إنْ توفرت مياه صالحة للشرب.. وتهدئة الأطفال في حالة القصف والمحافظة على راحتهم أثناء النوم من خلال توفير ما تيسر من أغطية ومستلزمات للنوم أمر صعب للغاية. وغسل الملابس والأواني بأقل كمية من الماء يعتبر معجزة في أماكن النزوح البالغ عددها أكثر من 222 مركزا ما بين مدارس وساحات المستشفيات. لا مكان للرفاهية فكل النساء سواسية، كلهنّ يمارسن نفس الأدوار، هن منبع للعطاء ومثال للتضحية، وما زاد الأعباء عليهنّ استمرار أيام الحرب دون هدنة مطلقًا هذا سبب ظهور العديد من المشكلات الصحية عند الأبناء، منها الأمراض الجلدية والمعوية والإسهال وانتشار الجدري.

تجلس وئام برفقة أبنائها الأربعة وحيدة تحتضن أصغرهم الذي لم يتجاوز العامين تبكى حالها بعد أن استشهد زوجها وهو يؤدي الصلاة داخل أحد المساجد التي تم استهدافها في منطقة بيت لاهيا فأصبح أثرا بعد عين.. والخوف من استمرار القصف أجبرها للنزوح برفقة أهل زوجها وجيرانها للبحث عن أمان وهمي في ظل القصف المتواصل في جنوب قطاع غزة، عيونها تتوشح بسواد ينم عن عدم قدرتها على النوم، أعراض الأرق والقلق واضحة عليها، لم نفرح بمنزلنا الذي شيده زوجي قبل أشهر فتركناه ربما تدمر الآن، قالت عبارتها وهي تربت على كتف صغيرها بيدها المرتجفة.

جارتها سلمى التي تقاسمها غرفة الفصل الدراسي في مدرسة النزوح لم تكف عن الصراخ بسبب آلام المخاض التي جاءتها فجأة وهي في نهاية شهرها الثامن، ما جعل النساء يسرعن في البحث عن ممرضة لتوليدها داخل الفصل، خرج كل من بالفصل أمام ساحة المدرسة فتحولت إلى ساحة ترقّب من قبل الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، الكل يبتهل بالدعاء لهذه المسكينة التي حال الظلام الدامس بينها وبين خروجها للمستشفى، أسرعت بعض النسوة للمساعدة بتوفير الماء الساخن من أحد البيوت المجاورة، أمّا الأخريات فذهبن لتوفير بعض الملابس للطفل المرتقب.. صرخة مدوية أخرجتها المرأة ليسُمع بعدها صوت صراخ الطفل الصغير، تكبيرات من الخارج وهتافات بعد سماع نبأ ولادتها، أُطلق على الطفل اسم «عودة» تيمنًا بجده الذي ولد في إحدى خيام اللجوء عام 1949م.

كما سلمى التي وضعت طفلها الثاني في بيئة غير آمنة صحيًا بالمطلق هناك أكثر من 222 حالة ولادة يوميًا بمركز اللجوء على امتداد قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كم مربع، هذا الواقع يستدعي ضرورة التدخل الفوري ممن ينادون بحقوق المرأة والطفل لتطبيق المواثيق والقوانين الدولية التي تنادي بحق النساء في العيش بحياة كريمة أثناء الصراعات.

والأشد صعوبة هو مراعاتها للحالة النفسية للأبناء من كافة الأعمار في ظل القصف المتواصل والذي يستخدم فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي أعتى الأسلحة المحرمة دوليًا التي تسبب الخوف الشديد والقلق ونوبات الهلع والتبول اللاإرادي، هذه الظروف الاستثنائية تتطلب من المرأة ممارسة أدوار أخرى تسبب لها ضغطا نفسيا كونها كائنا عاطفيا بطبعه لا يمكن لها أن تتخيل فقد أحد من أبنائها في ظل تغول الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب جرائم بحق الأطفال والنساء وكأنه يسعى لتحقيق انتصار وهمي من وراء ارتكابه مزيدا من المجازر.

تحتاج المرأة والطفل لتوفر الأمن والأمان هذا حسب ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية في العالم لإنهاء هذا الصراع المستمر منذ عام 1948 م ولن يحدث ذلك إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی العدید من معبر رفح قطاع غزة على غزة

إقرأ أيضاً:

الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان ويواصل سياسة التهجير القسري شمال القطاع

بعد 443 يوماً من الحرب على قطاع غزة، استهدفت القوات الإسرائيلية مستشفى كمال عدوان شمال القطاع، مما أدى إلى تدمير أجزاء من المستشفى وانقطاع الاتصال بالفريق الطبي. وقال الدكتور حسام أبو صفية، مدير المستشفى، إن الجيش أبلغهم بضرورة إخلاء المستشفى فورًا، محملًا المجتمع الدولي مسؤولية ما يحدث.

اعلان

وفي سياق متصل، يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ سياسة التهجير القسري للسكان. وذكرت صحيفة "هآرتس" أن نحو 96 ألف فلسطيني أُجبروا على مغادرة مخيم جباليا بالقوة، حيث وزع الجيش منشورات تحذر السكان من مغادرة المنطقة على الفور، في محاولة لتفريغ شمال غزة من سكانه.

على الصعيد الإنساني، تواصل الغارات الجوية الإسرائيلية استهداف مناطق مختلفة في القطاع. ففي دير البلح، أسفرت غارة على منزل عن مقتل 12 شخصًا، بينما لا تزال فرق الإسعاف تبحث عن مفقودين تحت الأنقاض.

سياسياً، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن هناك فجوات كبيرة في المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس بشأن صفقة تبادل الرهائن، في وقت يواصل فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التأكيد على أن الحرب لن تنتهي قبل "القضاء" على حركة حماس، مما يطيل أمد الحرب.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية قصف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف مستشفى كمال عدوان في غزة.. وحماس تؤكد أن الاتفاق بات أقرب من ذي قبل غارة جوية إسرائيلية على وسط غزة تُسفر عن مقتل خمسة وإصابة سبعة آخرين حصيلة القتلى تتصاعد في غزة.. وحماس تتحدث عن "تطهير عرقي" وإسرائيل تعلن قصف أهداف للحوثيين بـ60 قنبلة حركة حماسقصفمستشفياتالصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلبنيامين نتنياهواعلاناخترنا لك يعرض الآن Next "نحفر للعثور على بلاط المنزل".. سوريون يعودون إلى منازلهم المدمرة بعد سنوات من النزوح يعرض الآن Next حادثة بـ"نيران صديقة" تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحمر يعرض الآن Next بعد تشكيل الحكومة الجديدة..آيسلندا تطرح استفتاء حول عضوية الاتحاد الأوروبي بحلول 2027 يعرض الآن Next قصف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف مستشفى كمال عدوان في غزة.. وحماس تؤكد أن الاتفاق بات أقرب من ذي قبل يعرض الآن Next مشروع كهروضوئي جديد في الفاتيكان.. خطوة نحو مدينة خضراء بالكامل اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحايابشار الأسدكوارث طبيعيةعيد الميلادتغير المناخهيئة تحرير الشام إعصارقطاع غزةسورياقصفألمانياأبو محمد الجولاني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تنسف مبانٍ بحى الزيتون جنوب غزة
  • نتنياهو: لن نكشف عن تفاصيل المفاوضات والإجراءات التي نقوم بها
  • أوكسفام تكشف عدد شاحنات المساعدات التي دخلت لشمال غزة
  • بينها الإعدام والاختفاء القسري.. موقف مصر من 9 اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان
  • هذه أبرز الأحداث التي شهدتها إيران خلال 2024.. بينها عملية اغتيال
  • عطوان: لماذا سيدخل الصاروخ الفرط صوتي اليمني الذي قصف قلب يافا اليوم التاريخ من أوسع أبوابه؟
  • “السنوار 2”.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
  • مظاهرة في نيويورك احتجاجاً على استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة
  • السنوار 2.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
  • الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان ويواصل سياسة التهجير القسري شمال القطاع