لماذا تعزز شركات النفط الكبرى أذرعها التجارية؟
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
في خمسينيات القرن الماضي كانت سوق النفط في يد الشقيقات السبع، فقد سيطرت هذه الشركات الغربية العملاقة على 85% من احتياطيات النفط العالمية إلى جانب عملية الإنتاج بأكملها من البئر إلى المضخة. وحددت الأسعار واقتسمت الأسواق فيما بينها. وكانت تجارة النفط خارج هذه المجموعة مستحيلة تقريبا.
بحلول أعوام السبعينيات تفككت هذه الهيمنة؛ فالمقاطعة النفطية العربية وتأميم إنتاج النفط في الخليج العربي وظهور الشركات التجارية مثل جلينكور وفيتول وترافيجورا أدت إلى فقدان الشقيقات السبع لنفوذها.
العالم مضطرب الآن مرة أخرى وذلك ليس فقط لاحتمال تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس على نحو ينذر بالخطر. فالحرب في أوكرانيا والتوترات الجيوسياسية بين الغرب والصين والمساعي العالمية المتقطِّعة لوقف التغير المناخي كلها عوامل تقود إلى التقلب في أسواق النفط.
لقد زاد إجمالي أرباح متداولي السلع التي تنتعش في أوقات البلبلة وانعدام اليقين بنسبة 60% في عام 2022 إلى 115 بليون دولار، وفقا لشركة اوليفر وايمان الاستشارية. لكن هذه المرة ليست الشركات الناشئة هي التي زاحمت في أسواق السلع، بل الشركات التي انحدرت من الشقيقات السبع وشركات النفط العملاقة الأخرى هي التي ترى في تجارة النفط جزءا متعاظما من نشاطها في المستقبل.
لا تحب الشركات الحديث عن هذا الجزء من عملياتها، فأرباح متداوليها يتم إخفاؤها في أجزاء أخرى من هيكلها التنظيمي، ويتجنب رؤساؤها التنفيذيون الإجابة عن الأسئلة الفاحصة بقولهم إن فتح الدفاتر يخاطر بكشف معلومات أكثر مما يلزم للمنافسين. لكن الأحاديث مع المحللين والعليمين ببواطن تجارة النفط ترسم صورة عن عمليات (تجارية) كبيرة ومعقدة وتتزايد في حجمها وتعقيدها.
إكسون موبيل أكبر الشركات الأمريكية التي تخلت عن تجارة النفط الواسعة النطاق قبل عشرين عاما أعلنت في فبراير أنها ستحاولها مرة أخرى. وتنافس أيضا الشركات الحكومية العملاقة في بلدان الخليج العربية. فأرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية وقطر للطاقة تتوسع في أنشطة مكاتبها التجارية وذلك في مسعى منها لمواكبة الشركات الأخرى. لكن الطموحات التجارية للشركات الأوروبية العملاقة هي الأقوى. يقول جورج ليون المسؤول بشركة ريستاد إنيرجي الاستشارية إن شركات بريتيش بتروليوم وشل وتوتال إنيرجي ظلت تتوسع في مكاتبها التجارية في صمت منذ أوائل العشرية الأولى.
في النصف الأول من العام الحالي حقق تداول النفط ربحا إجماليا بلغ 20 بليون دولار للشركات الثلاث وفقا لتقديرات شركة الأبحاث بيرنستين. وكان ذلك المبلغ يزيد بحوالي الثلثين عن الربح المتحقق خلال الفترة نفسها في عام 2019 وحوالي 20% من إجمالي إيراداتها. وذلك ارتفاعا من 14% تقريبا قبل أربع سنوات.
وتقدّر شركة أوليفر وايمان أن عدد متداولي النفط في أكبر شركات النفط الخاصة في العالم ازداد بنسبة 46% في الفترة بين 2016 و2022. تعزى معظم هذه الزيادة إلى شركات النفط الأوروبية الثلاث الكبرى. وكل واحد من هؤلاء المتداولين يحقق أيضا ربحا يزيد بنسبة 150% عما كان يحققه قبل 7 أعوام.
اليوم توظف شركة بريتيش بتروليوم 3000 متداول على نطاق العالم. ويُعتقد أن عددهم في شركة شل يصل إلى الآلاف. وربما لدى توتال إنيرجي 800 متداول. من المؤكد تقريبا أن هؤلاء أكثر عددا من متداولي النفط في الشركات المستقلة مثل ترافيجورا وفيتول والذين يقدّر عددهم بحوالي 1200 و450 متداولا على التوالي (بناء على عدد الموظفين من حملة الأسهم في الشركتين).
وربما ليس صدفة أن كارول هولي رئيسة القسم التجاري في بريتيش بتروليوم هي المرشحة الأولى لأعلى منصب في الشركة البريطانية بعد أن ترجَّل عنه بيرنارد لوني مؤخرا.
ومن المرجح أن تظل المكاتب التجارية بشركات النفط الكبرى مشغولة لفترة من الوقت. فمن المستبعد أن تهدأ أسواق النفط العالمية كما يبدو. وكما ذكر سعد رحيم المسؤول بشركة ترافيجورا نحن «ننتقل من عالم دورات السلع إلى عالم قفزات أسعار السلع»، ومثل هذا العالم يحلم به المتداولون.
احتدام النزاع الجيوسياسي أحد أسباب تصاعد التقلب. الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين أحدث مثال لذلك، مثال آخر الحرب في أوكرانيا. فعندما أوقفت روسيا في العام الماضي ضخ صادراتها من الغاز إلى الغرب بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوباته عقب نشوب الحرب ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى عنان السماء.
وكانت الأذرع التجارية للشركات الأوروبية الكبرى من بين تلك الجهات التي هرولت لسد الفجوة في العرض. لقد حصدت في مجموعها 15 بليون دولار من تجارة الغاز الطبيعي المسال في العام الماضي. وهو ما شكّل ثلثي أرباحها التجارية، وفقا لشركة برينستين.
يمكن أن يكون هذا البداية فقط، لقد رسم تقرير حديث من شركة مكنزي الاستشارية سيناريو تظهر فيه تكتلات تجارية إقليمية للمواد الهيدروكربونية. في هذا السيناريو ينساب الوقود الروسي شرقا إلى الصين والهند وتركيا بدلا من الغرب نحو أوروبا. في الوقت نفسه تحاول الصين اجتذاب الصادرات الخليجية الضخمة بعيدا عن الأسواق الغربية. وكل هذا يوجد فرصا مراجحة كبيرة للمتداولين (المراجحة نوع من المضاربة وتعني الاستفادة من اختلاف الأسعار في الأسواق المختلفة بالشراء بسعر أقل والبيع بسعر أعلى- المترجم).
سبب آخر لتوقع استمرار التقلب وهو التغير المناخي. فاقتران ارتفاع درجات الحرارة بارتفاع مستويات سطح البحر والطقس المتطرف سيعرقل انتظام إمدادات الوقود الأحفوري. في عام 2021 قلصت موجة برد في تكساس ما يقرب من 40% من إنتاج النفط في الولايات المتحدة لمدة أسبوعين. وهنالك احتمال كبير في أن تتعرّض حوالي 30% من احتياطيات النفط والغاز حول العالم لمخاطر مناخية مماثلة، بحسب لشركة تقييم المخاطر فيرسك مابلكروفت.
ثم هنالك التحوّل إلى موارد الطاقة المتجددة والذي يقصد به تلافي أوضاع مناخية أسوأ. في الأجل الطويل من المحتمل جدا أن يكون نظام الطاقة المتجددة أقل تقلبا من النظام الحالي الذي يرتكز على الوقود الأحفوري. وسيكون إنتاج الطاقة موزعا بقدر أكبر وبالتالي أقل تركزا في أيدي قلة من المنتجين في أجزاء غير مستقرة من العالم. لكن مسار الانتقال من الوقت الحاضر إلى مستقبل صديق للبيئة غير مضمون.
تضغط بعض الحكومات والناشطين من حملة الأسهم على شركات النفط، خصوصا في أوروبا، لتقليص استثماراتها في الوقود الأحفوري. وتقدّر شركة ريستاد إنيرجي أن ذلك أحد أسباب توقع انخفاض الاستثمار في إنتاج النفط والغاز بنسبة 35% إلى 540 بليون دولار في هذا العام من ذروته التي بلغها في عام 2014.
في الأثناء يستمر الطلب على النفط في الارتفاع. ويقول أحد مسؤولي شركة مكنزي إن ذلك سيشكل ضغطا في نظام الطاقة ويتيح فرصا للمتداولين ليس فقط في قطاع النفط.
ويشير المسؤول إلى أن الاستثمار الضخم في الموارد المتجددة دون أن تكون زيادة متزامنة في قدرات نقل الكهرباء سيتسبب أيضا في اختناقات.
في بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا ما يزيد على 150 جيجاوات من الكهرباء التي يمكن توليدها من طاقة الرياح والشمس أو ما يكافئ 83% من إجمالي القدرة التوليدية الحالية للطاقة المتجددة في البلدان الثلاثة لا يستفاد منها لأن شبكات الكهرباء تعجز عن نقلها، حسب شركة الأبحاث بلومبيرغنيِف.
تجار الطاقة لا يمكنهم بناء الشبكات لكن في مقدورهم التخفيف من اختناقات نقل الكهرباء بالمساعدة في تحويل الموارد إلى استخداماتها الأكثر ربحية.
شركات النفط الأوروبية الثلاث تنشط في مجالات الطاقة الكهربائية وأرصدة الكربون وأيضا وبقدر كبير في الغاز الذي بوصفه أقل نواع الوقود الأحفوري تلويثا للهواء يُعد ضروريا للانتقال إلى موارد الطاقة الخضراء.
في العام الماضي كان لديها ضعف عدد المتداولين في مثل هذه المجالات مقارنة بأعدادهم في عام 2016. ويقدر آرنست فرانكل المسؤول بشركة اوليفر وايمان أن إجمالي الأرباح التي حققها المتداولون من معاملاتهم ارتفع من 6 بلايين دولار إلى 30 بليون دولار خلال هذه المدة. وقد يمتد التداول إلى سلع «خضراء» أخرى.
ديفيد نايب الرئيس السابق لقسم التجارة في بريتيش بتروليوم والذي يعمل الآن بشركة باين الاستشارية يتوقع دخول بعض الشركات الكبرى في تجارة الليثيوم. إنه المعدن الذي يستخدم في صناعة البطاريات. وإذا انطلق اقتصاد الهيدروجين كما تأمل العديد من شركات النفط الكبرى سيتيح لها ذلك شيئا آخر ليس فقط لإنتاجه ولكن أيضا لشرائه وبيعه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوقود الأحفوری شرکات النفط تجارة النفط النفط فی فی عام
إقرأ أيضاً:
“أرحومة” يزور شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز
الوطن|متابعات
قام وزير العمل والتأهيل الدكتور عبدالله الشارف أرحومة رفقة مدير إدارة التدريب والتأهيل المهني ومدير إدارة المشروعات ومدير مكتب التعاون الدولي مساء اليوم الأحد بزيارة شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز بمقرها بمدينة البريقة.
واستقباله المهندس مصطفى هماد رئيس مجلس الإدارة وبعض أعضاء مجلس إدارة الشركة ومدير عام الخدمات وعدد من مدراء الإدارات بالشركة.
وخلال الزيارة قدم رئيس مجلس الإدارة درع العطاء تقدير وعرفان للوزير نظير مجهوداته ومتابعته الشخصية لكل ما يهم العمال.
ومنح أرحومة شهادة الاستحقاق عن عمله بالشركة لمدة عشر سنوات متوالية حتى 18 / 02 / 2011 ميلادية، مؤكدين على فخرهم به كونه أحد أبناء شركة سرت،وبالإنجازات التي تم تحقيقها سواء في وزارة العمل والتأهيل أو اللجان التي تولى رئاستها.
من جانبه أكد أرحومة على تعليمات دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور أسامة حماد على تذليل الصعاب أمام عمل الشركات والحقول النفطية وتوفير بيئة العمل المناسبة للعمال، وكما أثنى على دور القوات المسلحة وعلى رأسها القائد العام المشير أركان حرب خليفة بلقاسم حفتر في تأمين الحقول والمنشاءات والشركات النفطية التي تعتبر قوت الليبين وركيزة الاقتصاد الوطني.
الوسوم#ارحومة #شركة سرت لإنتاج النفط والغاز الحكومة الليبية وزير العمل