الجامع الأزهر: الإلحاد من أخطر المعارك الفكرية
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
عقد الجامع الأزهر اليوم الندوة الثالثة من الموسم السابع من البرامج الموجهة للمرأة تحت عنوان «التربية والتحديات المعاصرة»، وحاضر في الندوة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة، والأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات، وحنان مصطفى مدبولي، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، استشاري صحة نفسية والإرشاد الأسري، وأدارت الندوة حياة العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف.
وبحسب بيان عن الجامع الأزهر قالت الدكتورة إلهام شاهين إننا نخوض الآن معركة من أخطر المعارك الفكرية، وهي معركة الإلحاد الذي يؤجج الحرب في اليقين بالله والشك في عدله -سبحانه وتعالى- ومن ثم التشكيك في وجود الله أصلا -عياذا بالله- فعلى الأم أن تنتبه لهذا حتى لا يقع أطفالها في براثن مثل هذه الأمور، وعليها أن تربي أبناءها على أن الدين هو اليقين بالله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبادة لله عز وجل للعبادة، مؤكدة أن أداء الفرائض هي حائط الصد الأول للوقاية من مثل هذه الأفكار الهدامة، فعلى الزوجة أن تحفز زوجها وأولادها للذهاب إلى المسجد للصلاة وتحفيزهم على فعل الخيرات بالكلام الطيب، فالكلمات الطيبة لها أثرها الطيب في النفوس.
اللغة العربيةوأضافت إلهام شاهين: «هناك أمر نريد أن ننتبه إليه وهو تحدٍ هام تواجهه اللغة العربية للقضاء عليها، فهناك حرب شعواء قامت على لغتنا العربية - لغة القرآن، فكان للأزهر دوره البارز في مواجهة هذا التحدي والنهضة بالتعليم على مدى القرون وفي معظم بلدان العالم، فهو ثاني أقدم الجامعات التي عرفها العالم ومنه انبثقت البعثات العلمية التي كانت بمثابة مشاعل نورٍ أضاءت سماوات الجهل، وإلى أروقته وفد طلاب العلم من شتى بلدان العالم لينهلوا من معينه الصافي».
وتابعت مساعد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: «خُصصت الأروقة بأسماء تلك البلدان التي لازالت موجودة حتى الآن شاهدة على دور الجامع الأنور، مثل رواق المغاربة ورواق الأتراك والشوام وغيرها من البلاد الإسلامية التي بعثت بطلابها ليتعلموا أمور الدين وشرائعه وينطقوا لغته العربية الصحيحة، ويعودوا إلى أهلهم وينشروا العلم الصحيح، وقامت محاولات فاشلة لسلب اللغة العربية، بدعوى أنها لغة ثقيلة، والاستيعاض عنها باللغات الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية، زعما أنها لغة التحضر والمدنية، ثم ما لبثت أن قوبلت هذه الدعوى برفض شديد جدا من علماء الأزهر الذين كان لهم دور بارز سُطر بماء الذهب في هذا الصدد».
دور الزوجة في التربيةمن جهتها، بينت د. حنان مصطفى مدبولي، أن التربية ليست دورًا تقوم به الزوجة وحدها، بل على الآباء مراقبة أبنائهم في استخدام مواقع الإنترنت وعدم الانشغال عنهم، لابد أن يكون الأبوان قدوة حسنة لأولادهم، وأن يعلموا أولادهم كيفية التفكير الإيجابي والنقد البنّاء والاستماع إليهم وإنشاء حوار مشترك بين الأولاد وبينهم، وتعليمهم المشاركة داخل الأسرة لأنه بهذا سيتعلم المشاركة مع الآخرين في الخارج، وتعليمهم الثقة بالنفس في ضوء تعاليم القيم الإسلامية.
وشددت على أنه لا بد من الحرص على التمسك باللغة العربية، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم، على تعليم اللغات الأخرى، لكن بعد ترسيخ اللغة العربية لدينا فهي لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة، فبدونها لن يفهم الأولاد دينهم ولا عقيدتهم.
وأوضحت د. حنان مصطفى، أن اللغة العربية تهاجَم بشكل غير مباشر بتعلم اللغات الأخرى عن طريق انتشار مدارس اللغات من مرحلة الطفولة إلى ما بعد الجامعة، وأصبح بعض أولياء الأمور ينهون أبناءهم عن التحدث باللغة العربية في المنزل، وأحياناً بعض الأسر تهاجر خارج البلاد من أجل التهرب من اللغة العربية.
تحديات تربية الأبناءوأضافت: «تتعدد التحديات التي تواجهنا في تربية الأبناء، فقديما كان يقوم بتربية الأبناء الآباء والأجداد والمدارس ودور العبادة، أما الآن فنحن نواجه في تربية أبنائنا العديد من التحديات منها ماهو ثقافي أو فكري أو قيمي أو تكنولوجي، وكلٍ يؤثر بدوره في التربية الثقافية والفكرية والقيمية».
وأوضحت حياة العيسوي، أن الحكم التشريعي نبهنا إلى أن صاحب الالتزام بالمنهج، يطمئن إلى لقاء ربه ويطمئن إلى جزائه، فعمل الرجل الصالح ينعكس على أولاده من بعده، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً}، ولنا في الخليل إبراهيم عليه السلام، حينما ابتلاه الله -سبحانه وتعالى- في بداية حياته بالإحراق في النار، ولأنه قوى الإيمان؛ فقد جعل الله النار برداً وسلاماً، وابتلاه الله في آخر حياته برؤيا ذبح ابنه، ولعظم إيمانه؛ امتثل لأمر الرحمن الذي افتدى إسماعيل بكبش عظيم.
واسترسلت: «الإنسان في العمر المتأخر يكون تعلقه بأبنائه أكبر من تعلقه بنفسه، وهكذا كان الترقي في ابتلاء الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام، فالحق سبحانه يريد من عباده أن يؤمّنوا على أولادهم بالعمل الصالح، قال الله عز وجل في سورة الكهف {وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المدينة وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً}، فكان صلاح الأبوين سببا في الحفاظ على ميراث الأولاد».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأزهر الجامع الأزهر اللغة العربية الجامع الأزهر اللغة العربیة سبحانه وتعالى
إقرأ أيضاً:
الإيمان والعلم
الإيمان والعلم يتكاملان ولا يتناقضان، وصحيح العقل لا يتناقض مع صحيح فهم الشرع، فبالعلم نصل للإيمان، حيث يقول الحق سبحانه: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، ويقول سبحانه: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»، والإيمان يحثنا على طلب العلم، حيث يقول الحق سبحانه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن فى السَّمواتِ ومن فى الأرضِ، حتَّى الحيتانِ فى الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
كما أنه لا تناقض بين الإيمان والعلم على الإطلاق، فالعلم قائم على الأخذ بالأسباب، والإيمان يدعونا إلى الأخذ بأقصى الأسباب، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق» ويقول: اللهم ارزقنى، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وحتى فى حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، قال أهل العلم وشراح الحديث: إن الطير تأخذ بالأسباب، فتغدو وتروح، ولا تقعد فى مكانها وتقول: اللهم ارزقنى.
ونقل بعض الرواة أن أحد الناس خرج فى تجارة فلجأ إلى حائط بستان للاستراحة فيه، فوجد طائرًا كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله ما لهذا الطائر الكسير كيف يأكل؟ وكيف يشرب؟ وبينما هو على هذه الحال إذا بطائر آخر يأتى بشىء يسير من الطعام فيضعه أمام الطائر كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله، سيأتينى ما قسمه الله لى، فقال له صاحبه: كيف رضيت لنفسك أن تكون الطائر المسكين الكسير مهيض الجناح؟ ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر القوى الذى يسعى على رزقه ويساعد الآخرين من بنى جنسه، وقد قال أحد الحكماء: لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأله سبحانه أن يقوى ظهرك.
ويقول الحق سبحانه: «فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور»، ولم يقل اقعدوا وسيأتيكم الرزق حيث كنتم، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «تَدَاوَوْا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ»، ولم يقل أحد على الإطلاق إن الدعاء بديل الدواء، إنما هو تضرع إلى الله (عز وجل) بإعمال الأسباب التى أمرنا سبحانه وتعالى بالأخذ بها لنتائجها.
ولم يقل أحد على الإطلاق من أهل العلم إن الفقه بديل الطب بل إن الفقه الصحيح يؤكد أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وقد يرقى فى بعض الأحوال إلى درجة فرض العين على البعض.
ونؤكد أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه، وأن الأولوية لأحدهما ترتبط بمدى الحاجة الملحة إليه، فحيث تكون حاجة الأمة يكون الثواب أعلى وأفضل ما صدقت النية لله (عز وجل).
وعلينا ونحن نأخذ بأقصى الأسباب ألا ننسى خالق الأسباب والمسببات، مَنْ أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فنجمع بين أسباب العلم وأسباب الإيمان معًا، مؤكدين أنه لا تناقض بينهما بل الخير كل الخير والنجاء كل النجاء أن نحسن الجمع بينهما والأخذ بهما معًا.
الأستاذ بجامعة الأزهر