لجريدة عمان:
2025-03-16@23:44:28 GMT

طوفان الأقصى.. دروس وعبر

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

نقترب من إتمام شهر كامل منذ بدء عملية طوفان الأقصى والحصار والإبادة الوحشية التي يتعرض لها أهل غزة الأباة، ومع استمرار هذه العملية ولفاعلية وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بديلا قويا وحياديا للإعلام الكلاسيكي، أصبح العالم كله يرى حقيقة ما يحدث «هناك» في غزة وفلسطين ككل.

وبما أننا تحدثنا عن «هناك»، فإن الواقع اليوم وما تتيحه وسائل التواصل من تشكيل للوعي الجمعي، فإن الآلة الصهيونية لم تغفل هذا القطاع الإعلامي المهم، بل جيشت له علماء وأطباء وأناسا فائقي الذكاء ومؤثرين من شتى القطاعات والمجالات ليسردوا السردية المعروفة منذ بدء الاحتلال الصهيوني على فلسطين والتي تبرئ المحتل وتمنحه حقا في أرض مغتصبة وصكا للمجازر المرتكبة يوميا.

وكي لا نترك الأمور على عواهنها، فوصفي لبعض المنتفعين مما تمنحه لهم الدعاية الصهيونية من أموال وتأثير ومكان سياسي لا يندرج تحت أسطورة المؤامرة التي تعيشها الشعوب والحضارات المقهورة أمام قاهريها. إنما هي خطة عمل تقوم بها جهات كثيرة في الشرق والغرب، وتختلف نجاعة الخطة وفق ما تملكه الجهة الداعمة والمساندة لها من وسائل الترغيب والترهيب وبمقدار تغلغلها في المجتمع والاقتصاد والعمل السياسي. بمعنى أبسط، ليست هناك مؤامرة حقيقية يشترك فيها قادة من الشرق والغرب لتحقيق نتائج موحدة ومتفق عليها، بل هناك مخططات لكل القوى في سبيل نفعها سواء تضرر الطرف الآخر أم لا.

«لا أكترث بما يحدث هناك، لكن ليس لهذا الأحمق أن يفعل ما يريده هنا» تعليق قرأته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية ردا على منشور يظهر فيه مناصرون للقضية الفلسطينية يمزقون الدعاية الكاذبة للمحتل ويستبدلونها بالحقيقة الدموية المؤلمة، واستوقفتني كلمة «هناك» ودلالاتها النفسية والسياسية والاجتماعية. فنحن نكني الشيء حين نكرهه ونعلم أن الحق معه وله، أو يخيفنا، أو حين لا نكترث لأمره ولكننا في الوقت نفسه نخشى من الهجوم. بمعنى أنه لن يستطيع رجل أن يقول صراحة وعلى الملأ «لا أكترث بمن يموت في غزة وفلسطين ما دام الأمر لن يصل إلى بلدي» لأنه سيتعرض للهجوم والنقد وستتضح ملامح المرض النفسي الذي قتل فيه روح العدالة الإنسانية وحرمة الدم. إن كلمة «هناك» التي كنا نسمعها في الغرب «اعتدنا أن يحدث هذا هناك في الشرق الأوسط، وليس في أوروبا» انتقلت إلى كثير من العرب بفعل الدعاية الدائمة لفصل البلدان عن بعضها في المنطقة العربية خصوصا، لما تتمتع به هذه المنطقة من خيرات طبيعية عظيمة ترى القوى الاستعمارية بأنها ليست أهلا لها ولا تستحقها، فتقسيم المنطقة إلى طوائف وأحزاب وبلدان ما يفرقها يطغى ويغطي ما يجمعها، مما يخدم مصالح هذه القوى ويحقق أقصى استفادة لها. ومن المفارقات العجيبة أن الوعي الذي نستبشر به في الجيل الجديد الذي راهن الكثيرون على أنه جيل مغيب عن الواقع ذو اهتمامات ضئيلة؛ أثبت نقيض هذه المقولة ودحضها تماما. فالجيل الذي أطلق عليه المتعالون على الواقع «جيل البرجر» و«جيل الآيباد» استخفافا وتهميشا، يقوم بدوره الفاعل في شتى المجالات حسب استطاعته. فهذا الشاب الذي يدافع عن بلده بالمحتوى المميز الذي يبين الصورة الحقيقية لبلده، وهذا الآخر الذي ينقل الصورة الكاملة لا المجتزأة كما في الإعلام المدفوع، وذاك الذي يرى بأن الوطن العربي الكبير كله وطن له وأهله أهل له، كلها دلائل على أن القوى الاستعمارية ليس لها يد حقيقية ولا فاعلة في تحييد وعي الشعوب وتقسيمها، رغم ما تجيّش له من وسائل لتحقيق أهدافها التي لن تتحقق إلا بالفُرقة والشقاق.

إن عملية طوفان الأقصى أعادت توجيه البوصلة وهدمت أوهاما عدة كانت ترددها جوقة المنتفعين بالأنظمة السياسية القائمة في المنطقة، فقد كان النقاد التاريخيون ونقاد الحركة الصهيونية مثل الدكتور عبدالوهاب المسيري يرون اختلافا جوهريا بين الإبادات التي جرت بحق السكان الأصليين في الأمريكيتين وأستراليا وجنوب إفريقيا وبين ما يحدث في فلسطين، وكانوا يراهنون على أن الاحتلال لن يستطيع إبادة شعب في عصر الصورة وأن الشعوب الغربية المغيبة عن الواقع ستثور لوقف الجرائم أمام قادتها الذين يحكمون العالم، ولكن أثبتت هذه النظرية فشلها. فنحن أمام وحش استيطاني لا ينفك عن طلب المزيد، ولو قلنا جزافا بأن الحل يكمن في حل الدولتين أو في دولة واحدة اسمها إسرائيل؛ فإن المحتل الحالي لا يختلف عن أي محتل آخر، بل هو أكثر جرما ووحشية وسيطلب مزيدا من الأرض كلما طال بقاؤه، رغم أن ما بني على باطل -الاحتلال- فهو باطل، فمن الغريب أن تطرح مسألة إقامة دولة للمحتل. ورغم أننا نرى هذا كله عيانا ولم يكبدنا المحتل عناء تخيل الفظاعة عبر القصص والكتب التي تروى عن هذه الإبادة، بل يرتكبها على مرأى ومسمع من الجميع ولم يفعل أي أحد -سوى المقاومة- شيئا غير التنديد والخطابات المهلهلة التي تتبدى فيها ملامح الهزيمة النفسية والرضا بواقع الضعف.

أعاد طوفان الأقصى توجيه البوصلة وتصحيح المسار، فمن كان يراهن على المجتمع الدولي أو على الحلفاء من بني جلدته وجنسه وعرقه ودينه؛ يرى بأم عينيه كيف تخلوا عنه جميعهم في مشهد يشبه السخرية السوداء. فكيف أقول للمقاوم بأنه مجرم حين يدافع عن وطنه وأرضه؟ وكيف أطلب من المقاوم أن يتبع المقاومة السلمية بينما يباد أهله وذووه؟. إنه أشبه بأن نقول إن الإمام البطل ناصر بن مرشد الذي حرر وطننا الحبيب من قبضة البرتغاليين بأنه إرهابي! وبأنه كان ينبغي أن نقدم للمحتل الورود كي يغادرنا بسلام ومحبة! فعجبا من هذا المنطق المأفون.

تحدثت في مقالي السابق «المقاومة بالكلمة» عن أهمية تصحيح المسار، وأرى بأن المناهج الدراسية التي تحتفي بالأرض والوطن وترسّخ قدسيتها لدى النشء حاجة ملحة وعاجلة. ونحن نرى كل يوم أصواتا غابت عنها هذه المفاهيم، فترى الوطن كالشركة التي يأخذ منها الموظف راتبه، ومتى انقطع الراتب غادرها إلى شركة أخرى. إن هذه المسألة خطيرة يجب علاجها عاجلا غير آجل، ويجب التعامل معها كما نتعامل مع مسائل الأمن القومي. فلا الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي يحميان أحدا بحق، وكان الرأي العربي سابقا يظن بأن المجتمع الدولي لا يحمي العربي فقط؛ لكن الحرب الروسية الأوكرانية شاهد ناطق عن واقع الحال الذي يعيشه العالم المليء بالوحشية والظلم تطبيقا لمبدأ الغاب «البقاء للأقوى».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

الحملة الامنية في طرابلس مستمرة

واصلت القوى الأمنية في محافظة الشمال عموما وطرابلس خصوصا، حملتها الامنية لليوم الثاني على التوالي، لضبط الأمن وقمع مخالفات الدراجات النارية والحد من انتشار السلاح المتفلّت وعمليات النشل وإطلاق النار.   وقد تم حجز عدد كبير من الدراجات النارية المخالفة، ما لاقى استحسانًا لدى المواطنين بعد تسجيل انخفاض ملحوظ في الإشكالات المتنقلة وعمليات السلب في المدينة.

وتواصل القوى الأمنية المشاركة في الحملة، بكل حزم، تنفيذ المزيد من الإجراءات والتدابير الهادفة بالدرجة الأولى إلى حماية أمن المواطنين وتعزيز استقرار المدينة. (الوكالة الوطنية للإعلام) مواضيع ذات صلة قائد الحملة الأمنية في طرطوس:قواتنا فرضت سيطرتها على مدينة طرطوس وبدأت الانتشار في أحيائها (الجزيرة) Lebanon 24 قائد الحملة الأمنية في طرطوس:قواتنا فرضت سيطرتها على مدينة طرطوس وبدأت الانتشار في أحيائها (الجزيرة) 14/03/2025 10:17:53 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 ريفي أشاد بأداء وزير الداخلية: نتمنى أن تستمر الخطة الأمنية في طرابلس Lebanon 24 ريفي أشاد بأداء وزير الداخلية: نتمنى أن تستمر الخطة الأمنية في طرابلس 14/03/2025 10:17:53 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 في اللاذقية.. اشتباكات وحملة أمنية موسعة Lebanon 24 في اللاذقية.. اشتباكات وحملة أمنية موسعة 14/03/2025 10:17:53 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 كرامي: لدينا نقص في عديد القوى الأمنية في طرابلس والشمال ونطالب وزير الداخلية بمعالجته Lebanon 24 كرامي: لدينا نقص في عديد القوى الأمنية في طرابلس والشمال ونطالب وزير الداخلية بمعالجته 14/03/2025 10:17:53 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً للرياضيين.. هكذا يمكنكم الحفاظ على نشاطكم خلال رمضان Lebanon 24 للرياضيين.. هكذا يمكنكم الحفاظ على نشاطكم خلال رمضان 03:30 | 2025-03-14 14/03/2025 03:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بدء اللقاء السياسي الموسع في دارة الرئيس ميقاتي بطرابلس (صور) Lebanon 24 بدء اللقاء السياسي الموسع في دارة الرئيس ميقاتي بطرابلس (صور) 04:11 | 2025-03-14 14/03/2025 04:11:12 Lebanon 24 Lebanon 24 رابطة قدماء القوى المسلحة تهنئ القادة الجدد وتؤكد دعمها للمؤسسات الأمنية Lebanon 24 رابطة قدماء القوى المسلحة تهنئ القادة الجدد وتؤكد دعمها للمؤسسات الأمنية 04:03 | 2025-03-14 14/03/2025 04:03:28 Lebanon 24 Lebanon 24 هل تغيّر الانتخابات النيابية المقبلة التوازنات الحالية؟ Lebanon 24 هل تغيّر الانتخابات النيابية المقبلة التوازنات الحالية؟ 04:00 | 2025-03-14 14/03/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هاشم: لا بد من خطة واضحة لإعادة الإعمار Lebanon 24 هاشم: لا بد من خطة واضحة لإعادة الإعمار 03:52 | 2025-03-14 14/03/2025 03:52:16 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس! Lebanon 24 حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس! 11:04 | 2025-03-13 13/03/2025 11:04:01 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل 08:03 | 2025-03-13 13/03/2025 08:03:32 Lebanon 24 Lebanon 24 الجناة يقيمون في منزل مقابل لها.. ابنة الأم السورية "المكلومة" التي هزت العالم تروي تفاصيل مؤلمة (فيديو) Lebanon 24 الجناة يقيمون في منزل مقابل لها.. ابنة الأم السورية "المكلومة" التي هزت العالم تروي تفاصيل مؤلمة (فيديو) 05:22 | 2025-03-13 13/03/2025 05:22:40 Lebanon 24 Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية 12:30 | 2025-03-13 13/03/2025 12:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 مجلس الوزراء أقرّ التعيينات العسكريّة... إليكم مقررات الجلسة Lebanon 24 مجلس الوزراء أقرّ التعيينات العسكريّة... إليكم مقررات الجلسة 06:38 | 2025-03-13 13/03/2025 06:38:22 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 03:30 | 2025-03-14 للرياضيين.. هكذا يمكنكم الحفاظ على نشاطكم خلال رمضان 04:11 | 2025-03-14 بدء اللقاء السياسي الموسع في دارة الرئيس ميقاتي بطرابلس (صور) 04:03 | 2025-03-14 رابطة قدماء القوى المسلحة تهنئ القادة الجدد وتؤكد دعمها للمؤسسات الأمنية 04:00 | 2025-03-14 هل تغيّر الانتخابات النيابية المقبلة التوازنات الحالية؟ 03:52 | 2025-03-14 هاشم: لا بد من خطة واضحة لإعادة الإعمار 03:33 | 2025-03-14 الجميّل في ذكرى 14 آذار: اللبنانيون مصمّمون على استعادة بلدهم سيداً حراً مستقلاً فيديو "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) 02:26 | 2025-03-14 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية 05:00 | 2025-03-12 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو 00:20 | 2025-03-12 14/03/2025 10:17:53 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • رئيس الشاباك يكشف أسباب إقالته وعلاقة طوفان الأقصى بالقرار
  • المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع لـ سانا: مجموعة من ميليشيا حزب الله تقوم وعبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود السورية اللبنانية قرب سد زيتا غرب حمص، قبل أن تقتادهم للأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم تصفية ميدانية
  • الرئيس السيسي: المجتمع عانى 3 سنوات بعد المشاكل التي واجهت الشرطة في 2011
  • درس التراويح بالجامع الأزهر يبيّن الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى
  • كيف تأتي النعم من قلب المحن؟.. دروس من قصة يوسف عليه السلام
  • دماء تسيل وقتـ لي تتساقط على الحدود اللبنانية السورية.. ماذا يحدث هناك؟
  • هاليفي: حماس نجحت في خداع إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى
  • التصعيد الأمريكي… إلى أين؟  
  • عون: لا استقرار بلبنان ما دام هناك احتلال في الجنوب
  • الحملة الامنية في طرابلس مستمرة