"فلسطين داري ودرب انتصاري"
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
قديما كانت حكايات الجدات والأمهات عن الضمائر الحية وبلاد النضال والزيتون والمعالم الإسلامية والتاريخية بفلسطين، وصوت الثكالي والناي الحزين وبكاء الطفل ونحيب الأمهات، وتضحيات الرجال، وملاحم الفداء والبطولات، يصطحبنا في هدهدات الليل وتهويدات ما قبل النوم والسفر المؤقت، الذي من خلاله كنا نغط في سبات عميق، حتى يخلع الليل سجاله وظلمته وعتمته وسجاياه، وتنهى في سويعاته أحاديث العشاق وتأملات الحالمين على قارعته، التي عادة ما تكون متنوعة بحسب الحال والمشاعر والأحاسيس وقتئذ، وبعض منها كان ممهورا بالكثير من المآسي والمحن والأتراح والأحزان وألم الفراق، الذي كان يتلظى شيء منه على مشاعر مسلوبة محرومة مجروحة، تتغذى بقاياها على الأسى والوجع والوهن والضعف وقلة الحيلة والعوز، وتشغل بأثرها وبمؤثرها مساحات الفكر وأعماق القلوب.
وفي هكذا ظروف ومواقف هناك من يتنعم بالجمال والحب والراحة، غير آبه بغيره، ومن قساوته، لم يكن مستشعرا بخيره، وكان لديه قسط وفير من الأمان والحياة الصاخبة المرفهة والعيش الكريم، بينما نجد في الوجه المقابل لذلك، من كان يتسمر في مخدعه مكلوما محزونا مهموما، جافى النوم عينيه، ومعدته خاوية فارغة لانعدام الزاد والقوت، ينتظر أن يخلع الليل حجابه، لكي يزهر بعده وجه الفجر الذي يبدأ الأصحاء بالنشور فيه، طلبا للرزق وسعيًا لسد الحاجة.
منذ قرون عديدة والعالم في أجزاء منه يتقدم ويتنامى ويتحدث وينهض، بينما في أصقاع أخرى منه، يتساقط مجاهدون وفدائيون وأحرار وناس وحكومات، وتنهض في سدة الحكم والسلطة، مجموعة جديدة من البشر، من منهم مضى بما عندهم ولديهم، بينما بعضهم لا زال جاثما على صدور الأحرار والشرفاء والأبطال والمستضعفين، يمثل دور المحب والغيور، والقائد الناجح والرئيس الفالح. وكانت الفترة الزمنية القديمة التي ولت، تعج بالجهل والتخلف في بلدان كثيرة، منها مثلا ما كان عندنا في الخليج العربي، وكان الأطفال في مدارسهم آنذاك، يسمعون عن نضال الفلسطيينين ودولة الاحتلال واليهود الذين ساندتهم وتساندهم حتى اليوم دول كثيرة، اختارت التطبيع الكامل، لأنها ترى مصالحها لديها. فاليوم تتوالى الأحداث في أصقاع المعمورة، وطفلنا يكبر على جرح الوطن العربي الذي يموج بخلافات شتى، وبصراعات إقليمية ودولية قهرية، وبنزاعات مسلحة ولفظية مفخخة، أفشلتنا وذهبت بهيبتنا وببريق وحدتنا.
منذ طوفان الأقصى وفلسطين تعيش حربًا لا هوادة فيها، وتعيش خذلاناً منقطع النظير من السلطات والحكومات العربية والإسلامية المهيمنة على إرادة شعوبها، والتي تحترق على ما يجري في فلسطين من عدوان غاشم وتهجير وترويع للآمنين، الذين يعيشون في بلد مسلوب الحرية والحقوق، ويتنقلون في أوضاع مأساوية جدا؛ فإسرائيل انتهكت حرمات الجوامع والمساجد ودمرتها، وقتلت النساء والأطفال بدون وجه حق، ونحن نشأ ناشيء الفتيان فينا، مؤمنا بهذه القضية المحورية، ألا وهي قضية فلسطين، معتبرا إياها دولة ذات سيادة، وقد احتلت إسرائيل أراضيها بالقوة، وإن حق مواطنيها مسلوب.
إننا ونحن نشاهد المجازر البشعة التي ترتكبها إسرائيل، فليس بمقدورنا فعل شيء، إلا الدعاء لهم، والخروج في مظاهرات واعتصامات سلمية، نرفع فيها شعارات الرفض والتنديد بما يحصل لإخواننا المسلمين في فلسطين، ونشجب وندين الكثير من المواقف والقرارات والتصرفات والأوامر والممارسات المتعجرفة، الخارجة عن القانون، وتنادي بالاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وعاصمتها القدس. لقد خسر الشعب الفلسطيني الكثير ولا زال يخسر ويهان ونحن نتفرج وليس بالإمكان نصرته إلا بالدعاء والمعونات الغذائية وغيرها، لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ". ولكي نحصل على التمكين والنصرة، علينا أولا أن نطلب القوة والعون من الله تعالى، شريطة أن نقوم ونتقيد بأوامره ونواهيه ومن ثم "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ".
إن الشغل الشاغل للشعوب العربية الآن وبعض المتضامنين معها من غير العرب، هو القيام بأقل ما يمكن عمله مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الغاشم إن كان ذلك يجدي نفعًا؛ فالمسجِد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال نبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، تحت سيطرة اليهود، فهل برأيك عزيزي القارئ ستكون لدينا مستقبلا القدرة على تخليصه منهم، وهل سنعتصم بالله ليأتينا النصر، أم سنظل على ما نحن عليه نندد ونشجب وندين ونتحدث أكثر مما نفعل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
باحثة فرنسية: اليمنيون مواقفهم موحدة بشأن القضية الفلسطينية.. بينما الانتقالي يتحفّظ على ذلك (ترجمة خاصة)
قالت الباحثة الفرنسية في الشؤون اليمنية "هيلين لاكنر" إن اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، إلا أن هناك تحفظ من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.
واضافت هيلين لاكنر في حوار مع صحيفة " Jewish Currents" العبرية وترجم أبرز مضمونها للعربية "الموقع بوست" إن شعبية جماعة الحوثي المتمردة، التي كانت في السابق غير محبوبة بين رعاياها وهامشية في المنطقة، ازدادت نتيجةً دعها لغزة ضد حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت لاكنر، التي غطت اليمن لأكثر من 50 عامًا وعاشت في ثلاث محافظات يمنية قائمة في تلك الفترة، لفهم دور فلسطين في السياسة اليمنية؛ والجوانب الجيوسياسية لهجمات البحر الأحمر؛ وكيف منحهم موقف الحوثيين من غزة الشرعية ومساحة للمناورة في أراضيهم وخارجها.
وعن تاريخ علاقة اليمن بالقضية الفلسطينية، تقول هيلين لاكنر: قبل الحرب الأهلية بين الحوثيين والجماعات المتفرقة في التحالف المدعوم من الخليج والذي يشكل الحكومة المعترف بها دوليًا، كانت الأنظمة المختلفة في اليمن مؤيدة لفلسطين بشكل منهجي. كان اليمن واحدًا من 13 دولة صوتت ضد خطة تقسيم الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين يهودية وعربية في عام 1947. لاحقًا، عندما طُردت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في عام 1982 [بعد غزو إسرائيل لبيروت]، قُسِّم اليمن إلى نظامين اشتراكي ورأسمالي، لكن كلاهما دعا قوات منظمة التحرير الفلسطينية المنفية إلى بلديهما. كان النظام الاشتراكي أكثر انحيازًا للفصائل الفلسطينية اليسارية بينما كان النظام الرأسمالي أقرب إلى فتح، لكن الفلسطينيين عمومًا كانت لهم علاقات مع كل من عدن (العاصمة الاشتراكية) وصنعاء (الرأسمالية).
واشارت إلى أن موقف اليمنيين بكل أطيافهم موقفهم موحد بشأن القضية الفلسطينية، لافتة إلى أن هناك تحفظ في عدن والمدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعم من الإمارات.
وذكرت أن المظاهرات تُقمع بشكل أساسي، في عدن والمناطق المحيطة بها التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي (وهي جماعة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة تسيطر على جنوب اليمن ولديها اتفاقيات لتقاسم السلطة مع الحكومة الشرعية في اليمن ولكنها تحمل طموحات انفصالية).
وأفادت "عندما وقعت الإمارات العربية المتحدة على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، قال الرجل الثاني في المجلس الانتقالي الجنوبي في ذلك الوقت، هاني بن بريك، إنه يتطلع إلى زيارته الأولى لإسرائيل - نتيجة لتحالف المجلس الانتقالي الجنوبي مع الإماراتيين.
وأردفت "الآن، ومع تحدي الحوثيين للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لا يجرؤ المجلس الانتقالي الجنوبي على قول أي شيء ضد أي تصريحات مؤيدة للفلسطينيين من شعبه، حتى لو كانوا يمنعون بالتأكيد أي أعمال مؤيدة لفلسطين".
وأكدت أن التصريح بتأييد إسرائيل علنًا في السياق اليمني الحالي أمرٌ مرفوض.
وحسب الباحثة الفرنسية فإن الحوثيين يحركون ثلاثة أمور في هجماتهم على إسرائيل والسفن في البحر الأحر: التضامن مع فلسطين؛ وموقف متشدد في السياسة الخارجية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل؛ واعتبارات سياسية داخلية.
وأشارت إلى أن شعبية الحوثيين قبل السابع من أكتوبر، كانت بين 70٪ من اليمنيين الذين يحكمونهم في أدنى مستوياتها بسبب حكمهم القمعي وسياسات الضرائب الابتزازية وسوء تقديم الخدمات، من بين أمور أخرى. وبينما لم يتغير أي من هذه الديناميكيات الأخرى، فإن تدخل الحوثيين لدعم الفلسطينيين كان شائعًا للغاية، ومنحهم مساحة أكبر للمناورة بين الناس. وقد ارتفعت وتيرة تجنيدهم العسكري بشكل كبير، حيث يسارع الشباب للانضمام إلى فكرة أنهم سيقاتلون في فلسطين بينما في الواقع من المرجح أن يتم إرسالهم إلى إحدى الجبهات اليمنية "الداخلية" المختلفة الأكثر عرضة لإعادة الفتح.
وبشأن الغارات الجوية المتجددة في عهد ترامب، قالت إنها تتعلق بالسيطرة على البحر الأحمر والضغط على إيران بشأن اتفاق نووي، لأن نهج ترامب يبدو أنه يعتبر الحوثيين مجرد تابع لإيران.
وعن تغير موقف الحوثيين الإقليمي والعالمي في أعقاب حملة البحر الأحمر والرد الأمريكي تقول هيلين لاكنر إن الشرعية التي اكتسبها الحوثيون من دفاعهم عن فلسطين منحتهم نفوذًا في المنطقة. خلال العام الماضي، لم يُنطق بكلمة واحدة ضد الحوثيين من قِبل السعوديين أو أي جهة أخرى في العالم العربي، لأن هذه الشعوب مؤيدة بشدة للفلسطينيين. على سبيل المثال، عندما حاولت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا فصل بنوك الحوثيين عن النظام المصرفي العالمي في صيف عام 2024، هدد الحوثيون بقصف المملكة العربية السعودية إذا طُبق ذلك، فضغط السعوديون على الفور على الحكومة الشرعية للتراجع عن قرارها. وقد فعلت ذلك بالضبط؛ لم يكن لديها خيار آخر.
وقالت إن قوة الحوثيين ازدادت بين حلفاء إيران، خاصةً مع إضعاف حزب الله وسوريا. وبينما يُرجّح أن تكون إيران وراء تحسين مدى صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، أعتقد أنها غير راضية عما يفعله الحوثيون. سعت إيران مؤخرًا إلى الدبلوماسية - عبر التواصل أكثر مع السعوديين والمبعوث الخاص للأمم المتحدة وآخرين - لكن كغيرها، لا تستطيع قول أي شيء، حتى لو كان سرًا، عندما يتصرف الحوثيون باستقلالية. وحتى لو طلب الإيرانيون من الحوثيين تقليص هجماتهم، فأنا لست متأكدًا من أنهم سيستمعون".
وأكدت أن هجمات الحوثيين نجحت في لفت الانتباه الدولي إلى غزة، وقالت "لكن يبدو أنها لن توقف ما تفعله إسرائيل هناك".
وزادت "ربما لو كانت التكاليف أكبر على دول الشمال العالمي - التي تتحملها مصر الآن بشكل رئيسي - لكان ذلك قد أجبر الغرب على الضغط على إسرائيل، ولكن في الوقت الحالي، استمرت الدول الغربية في الحديث عن حرية الملاحة في البحر الأحمر متظاهرة بأن لا علاقة لها بالحرب في غزة".
واستطردت "هناك عدم استعداد تام لفهم أن للقضية الفلسطينية صدى أوسع في العالم العربي، ولا أحد على استعداد للاستجابة لقول الحوثيين إنهم سيضعون حداً لهذه الأعمال إذا انتهت الحرب. لذلك نستمر في وضع يخلق فيه غياب العمل الدولي ضد إسرائيل فراغًا لا يملأه سوى الحوثيين - الذين ارتكبوا بانتظام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من جانبهم. إنهم لا يزالون الوحيدين المستعدين لاتخاذ إجراءات ملموسة لدعم القانون الدولي والدفاع عن غزة".