محمد فودة يكتب: كيف فرضت مصر إرادتها على الجميع؟
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
التاريخ سيكتب بحروف من نور فى سجلات التاريخ موقف القيادة السياسية من القضية الفلسطينية
مصر تقف بقوة ضد كل محاولات تصفية القضية وتحذير العالم من سيناريو التوطين
الرئيس السيسى يكشف للغرب خطر موقفه الداعم إسرائيل ويعمل على تخفيف الحصار عن غزة بكل قوة
يحتاج المشهد إلى كثير من القراءة والتأمل، يحتاج إلى مزيد من التحليل والتفسير، ويحتاج أيضا إلى روح وطنية متجردة لتعرف جيدا ما الذى قدمته مصر منذ اندلاع التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى غزة فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
شاء من شاء وأبى من أبى، فإن مصر هى حجر الزاوية فى الصراع الجارى الآن، ليس لأنها فقط راعية السلام فى المنطقة، ولكن لأن التصعيد هذه المرة صاحبه حديث متجدد عن خطة شيطانية وضعتها إسرائيل مبكرا، تقضى بنقل الفلسطينيين الموجودين فى غزة إلى سيناء.
أدارت مصر موقفها ببراعة سياسية ودبلوماسية شديدة، فى الوقت الذى تعمل فيه من أجل غزة وتخفيف الحصار عليها ودعم أبنائها فى مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، فإنها تتحرك وهى تعرف أنها مستهدفة، وأن هناك من يريد بها شرا وضرا وضررا هائلا.
من اللحظة الأولى دعت مصر إلى وقف التصعيد، حدث هذا بعد ساعات من أحداث ٧ أكتوبر، كانت مصر بخبرتها وتجربتها تعلم أن هذا المشهد سيتطور وستكون له عواقب شديدة، وهى العواقب التى لن تكون فى مصلحة أحد على الإطلاق.
كانت إسرائيل متشددة فى مواقفها، أعلنت أنها لن تتراجع حتى تصفى حركة حماس، وهو ما دعمها فيه الغرب سياسيا وإعلاميا، وهو ما دفعها إلى حصار غزة حصارا شاملا، فى الوقت الذى رفضت فيه مرور المساعدات إلى الداخل الفلسطينى عبر المعبر، واصلت قصفها، وكأنها تريد أن تقول لأهالى القطاع ليس لكم عندى إلا الموت.
كان الموقف المصرى واضحا، فهى ترفض ضرب الحصار على غزة، وترفض التعنت الإسرائيلى الذى يرفض دخول المساعدات عبر معبر رفح، بادرت مصر بتخصيص شاحنات المساعدات الغذائية والطبية التى تكفلت بها ونظمتها حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى، وجاءت بعد ذلك طائرات المساعدات الأخرى، لكن إسرائيل تمسكت بموقفها، رفضت دخول المساعدات.
هنا ظهرت قوة مصر وامتلاكها قرارها، فصدر قرار من القيادة المصرية بأن مصر لم تفتح المعبر من ناحيتها لمرور الرعايا الأجانب ومنهم أمريكان، إلا إذا سمحت إسرائيل بدخول المساعدات، كان هذا القرار مربكا جدا لأمريكا وإسرائيل، وأعتقد أن أحدا لم يكن ينتظره أو يتوقعه.
أصدرت مصر القرار وتمسكت به ولم تتراجع عنه، وكانت القيادة السياسية صلبة وواثقة من نفسها وهى تستقبل قادة وزعماء ومسئولى العالم، وهى تعلن موقفها الذى لن تتراجع عنه، وهو ما بدا جيدا فى لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى مع وزير خارجية أمريكا، الذى خرج من مصر دون أن يحصل على أى شيء.
جلس وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أمام الرئيس السيسى ليتلقى محاضرة فى تفسير سبب كراهية الشعوب العربية والإسلامية لإسرائيل، فقد كان اليهود يعيشون بيننا بلا مشاكل، كانوا آمنين وسالمين ولم يكن يتعرض لهم أحد، لكن عندما ظهرت إسرائيل تغير الوضع تماما.
سعت مصر إلى استخدام كل وسائلها السياسية والدبلوماسية لدفع الموقف إلى الأمام وكسر الحصار عن غزة، وكان مرتبا أن تكون هناك قمة رباعية تضم مصر والأردن وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية، وكان هناك تعويل على أن هذه القمة يمكن أن تساهم فى تخفيف الضغط على الفلسطينيين فى غزة.
كان الجميع يستعد لهذه القمة، وكان الرئيس الأمريكى فى طائرته متجها إلى الشرق الأوسط، ولكن جرى ما غير المعادلات كلها على الأرض، فقد أقدمت إسرائيل على حماقة كبرى عندما قامت بضرب مستشفى المعمدانى الذى استشهد فيه ما يزيد على ٥٠٠ فلسطينى من بين المصابين وأهالى الجرحى.
تم التنسيق بين مصر والأردن وفلسطين، وتم إلغاء القمة فى رسالة مهمة جدا إلى أن ما قامت به إسرائيل ليس مقبولا جملة وتفصيلا، وأنه ليس معقولا أن يلتقى القادة العرب بالرئيس الأمريكى على هامش الدماء التى لم تجف، فما الذى يمكن أن يقال، وهل يمكن أن تقبل الشعوب العربية والفلسطينيون أى كلام؟!
كان إلغاء القمة مع الرئيس الأمريكى رسالة قوية، وقفت مصر فى قلبها، ودلت بشكل أساسى على أننا نقف وبقوة وراء القضية ولن نفرط فيها أبدًا، بل يمكن أن نصل إلى أبعد مدى فى الدعم والمساندة، وهو ما بدا بعد ذلك، فبمجرد عودة جو بايدن بدأ يتحدث عن دور مصر فى الاتفاق على دخول شاحنات المساعدة إلى غزة، ويتوجه بالشكر المباشر والملائم مع دور الرئيس السيسى فى هذا الأمر.
بعد أيام بدأت الشاحنات المحملة بالمساعدة تدخل إلى غزة وهى ترفع علم مصر، فى إشارة واضحة إلى أن مصر فرضت إرادتها كاملة على الجميع ، فعلت ذلك بأدواتها السياسية والدبلوماسية، وبموقفها الواضح الذى لم تفاوض عليه ولم تساوم.
لم يتوقف الأمر عند هذا، فقد أصرت مصر على عقد مؤتمر السلام فى العاصمة الإدارية،وهو المؤتمر الذى شارك فيه عدد كبير من قادة وزعماء ومسئولى العالم ، ولم يكن متوقعا أن يصدر بيان يتفق فيه الجميع على رأى واحد، ولكن كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الحراك لصالح القضية، وهو ما جرى فقد قام الرئيس بوضع الغرب المساند لإسرائيل أمام مسئوليته.
فى كل المواقف كان الرئيس السيسى يتحدث بلسان مبين، فموقفه واضح، وهو ما كان واضحا فى رفض كل خطط ومحاولات تهجير الفلسطينيين ونقلهم إلى سيناء، وهو ما لاقى دعما هائلا من الشعب المصرى بكل طوائفه، وقد ترجم المصريون ذلك فى الوقفات المؤيدة لموقف القيادة السياسية يوم الجمعة، فقد خرج ملايين المصريين استجابة لدعوة الرئيس ليسمع العالم صوت المصريين الرافض كل الخطط التى تستهدف أمنهم القومى.
إن مصر تعيش الآن أزهى عصور المجد الوطنى، فهى تقف بقوة إلى جوار القضية الفلسطينية التى ترفض تصفيتها بكل الصور، وتقف بقوة أيضا فى مواجهة مخطط التوطين الذى يستهدف سيناء، وهو ما سيسجله التاريخ للقيادة السياسية بحروف من نور فى كتاب التاريخ الكبير .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الرئیس السیسى یمکن أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
محمد خزعل يكتب: تهويد القضية الفلسطينية
تعاني القضية الفلسطينية منذ عقود من محاولات التهويد والتغيير الديموغرافي الممنهج، حيث تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية الفلسطينية، وإعادة تشكيل التركيبة السكانية في الأراضى المحتلة لصالح المستوطنين اليهود.. ومن أبرز الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق ذلك، سياسة التهجير القسري للفلسطينيين إلى دول الجوار، خاصة مصر والأردن، بهدف تقليل الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.. بل إنها تسعى لتهويد القضية، من خلال عدة وسائل، أهمها:
الاستيطان: حيث تواصل بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بهدف تغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي للمناطق الفلسطينية.
التهجير: بالضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم عبر سياسات التهجير القسرى، مثل القصف المتواصل على أراضيهم وخصوصا غزة، وهدم منازلهم في الضفة الغربية، وسحب الإقامات من المقدسيين.
طمس الهوية الثقافية والدينية: بالسعى إلى السيطرة على الأماكن المقدسة «الإسلامية والمسيحية»، وتغيير المناهج التعليمية، ومحاولة فرض الطابع اليهودي على القدس.
فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية: بهدف إجبار الفلسطينيين على البحث عن حياة أفضل في الخارج، ما يسهل تهجيرهم بشكل غير مباشر.
وتعتمد إسرائيل على عدة استراتيجيات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة وطنهم، وتعد مصر والأردن من أبرز الوجهات المحتملة لهذا التهجير، لعدة أسباب:
بالنسبة لمصر: لقرب قطاع غزة من حدودها، ومعاناة الفلسطينيين من الحصار، تُطرح سيناريوهات تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو ما ترفضه مصر بشدة.
بالنسبة للأردن: تستقبل المملكة بالفعل أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وتحاول إسرائيل الدفع بمزيد من الفلسطينيين إلى الأردن لجعلها «الوطن البديل»، وهو ما ترفضه الحكومة الأردنية رفضا قاطعا.
وكان لمصر على مدار عقود أدوار بارزة تجاه القضية الفلسطينية، ودائما ما تكون الرسالة الواضحة لقيادتها السياسية بالتأكيد على أنّ الحل العادل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وليس عبر تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، وتأكد الموقف المصري من تهجير الفلسطينيين، حيث اتخذت القاهرة موقفا حاسما تجاه هذه المسألة، فأكدت القيادة السياسية مرارا رفضها القاطع لأي مخططات تهدف إلى التهجير القسري للأشقاء من غزة، حيث تؤكد مصر أنّ تهجير الفلسطينيين سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإعطاء الشرعية للاحتلال الإسرائيلي لمواصلة توسعه.
كما تعمل مصر دوما على القيام بدورها المسؤول، وتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للفلسطينيين في المحافل الدولية، لمنع تنفيذ أي مخططات إسرائيلية تستهدف تهجيرهم، وتصفية قضيتهم.
وكما هو الحال مع مصر، يرفض الأردن رفضا قاطعا أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيه، حيث يعتبر ذلك تهديدا لاستقراره وأمنه الوطني، حيث أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أيضا أن «الأردن ليس الوطن البديل»، مشددا على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية.
إن تهويد القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار يشكلان خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني، وهو ما يواجه برفض عربي ودولي.
وبجانب دور مصر والأردن في منع تهجير الفلسطينيين والتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، يبقى التحدي الأكبر هو مواجهة السياسات الإسرائيلية الساعية إلى فرض واقع جديد على الأرض، عبر المقاومة الدبلوماسية والسياسية، وتعزيز صمود الفلسطينيين على أراضيهم.