البوابة نيوز:
2024-07-03@18:44:11 GMT

المماليك.. غلمان الحروب اعتلوا عرش مصر

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

كان المماليك طائفة من الرقيق، تم شراؤهم بالمال بهدف تطعيم الجيوش وتقويتها، وكانوا خليطًا من الأتراك والجراكسة، والروم، وأقلية أوروبية، تمت تربيتهم وسط نظام عسكري صارم ليجيدوا فنون الحرب، وكان لكل مملوك "أستاذ" هو سيده وقائده الذي يبذل نفسه من أجله. ومع خفوت نجم الدولة الأيوبية -التي انتهت بالسلطان نجم الدين أيوب- صعد المماليك لحكم مصر، مُنذ تولت العرش السُلطانة "شجر الدرّ"، إحدى أشهر نساء التاريخ، إلى أن شنق العثمانيون آخر سلاطينهم "طومان باي" على باب زويلة.

منذ أن تم جلبهم من مختلف الأقطار، بدأ المماليك في التدرج في مناصب الدولة المصرية، وعاشوا كطائفة منفصلة عما حولها، واحتفظوا بشخصيتهم، ولم يختلطوا بالمصريين، وأُطلق عليهم "المماليك البحرية" لأنهم كانوا يسكنون جزيرة الروضة في بحر النيل، وقد كُثر عدد المماليك وزادت قوتهم لتتكون منهم طبقة خاصة تتقلد المناصب المهمة، خاصة في أواخر الدولة الأيوبية.

أم خليل

كان وصول المماليك للعرش على يد السُلطان الصالح نجم الدين، آخر سلاطين الدولة الأيوبية، عندما اصطفى واحدة من جواريه وهي شجر الدرّ، أو شجرة الدّر كما أطلق عليها البعض، خوارزمية الأصل، وقيل أنها أرمينية، اشتراها السلطان، وحظيت عنده بمكانة عالية، حتى أعتقها وتزوجها، ولُقبت بـ "عصمة الدين أم خليل"، وهو ابنها من السُلطان الذي لم يعش طويلًا.

وقد توفى السلطان أيوب خلال حربه مع الصليبيين، وقررت زوجته إخفاء الخبر حتى لا يؤدى إلى انخفاض روح الجيش المعنوية، وأرسلت في طلب وريثه "توران شاه"، الذي كان في حصن كيفا؛ فاتجه مُباشرة للمنصورة، واستطاع أن يُنهي، بمعاونة مماليكه، موقعة المنصورة بنصره على ملك فرنسا لويس التاسع، الذي وقع أسيرًا وتم اقتياده إلى دار القاضي لقمان.

ولكن السُلطان الجديد كان فظًا في مُعاملة زوجة أبيه وقادته من المماليك، ما دفعهم جميعًا للتآمر عليه وقتله، ليُنادى بشجر الدرّ سُلطانة على مصر.

لكن السلطانة لم تبقَ على العرش سوى ثمانين يومًا، اضطرت بعدها للتخلي عن الحكم تحت ضغط الخليفة العباسي "المستنصر بالله"، والذي قيل إنه أرسل من بغداد ساخرًا، يُبدي استعداده أن يُرسل رجلًا لحُكم مصر "إن كانت قد عدِمت الرجال"، وكذلك عدم اقتناع أهل مصر بأن تتولى أمورهم امرأة.

الملك المُعز

رأت شجر الدرّ أن زواجها من مملوك يضمن ولاءهم، وهم القوة الحقيقية، فتنازلت عن العرش لزوجها الجديد عزّ الدين أيبك، وتلقب بـ "الملك المُعّز"، ليُصبح المملوك الصالحي البحري ثاني مملوك يجلس على عرش مصر.

وبالفعل، بدأ الوضع في الاستقرار في وجود قبضة شجر الدرّ الناعمة التي توّجه السُلطان من الحرملك. لكن لم تمض أربعة أشهر حتى قام أمراء الأيوبيين بالشام -والذين استقلوا بعد مقتل توران شاه- بمحاولة استرداد مصر من قبضة المماليك، فخرج إليهم السُلطان، وكانت معركة العباسية بصحراء الزقازيق، التي انتصر فيها المُعّز، وتستقر قدماه على العرش، وترتفع شعبيته بين المصريين.

وقد زادت سيطرة أيبك على الحُكم من كراهية المماليك، خاصة أقطاي صديقه القديم وقائد جيشه، والذي كان يبُادله كراهية مُعلنة، وبدأ التجهيز للزواج من إحدى الأميرات الأيوبيات، فأدرك أيبك أن أقطاي قد يبدأ بالمُطالبة بالعرش لكونه زوجًا لأميرة أيوبية، مُستندًا إلى قوته وبأسه وشعبيته وسط المماليك، كذلك تاريخه العسكري وقيادته للجيش في موقعة المنصورة، فأمر بقتله، وقام بالتنفيذ المماليك المُعّزية.

صراع المماليك

بعد مقتل أقطاي قوت شوكة المماليك المُعّزية، وأصبح قطز الرجل الثاني في الدولة، بينما لم تستطع شجر الدرّ مساعدة المماليك البحرية الذين يدينون لها بالولاء بعد مقتل أستاذهم. وبدأ كبارهم في الإعداد للرحيل عن مصر خوفًا من إعمال القتل فيهم، فهربوا إلى الشام، وعلى رأسهم ركن الدين بيبرس البندقداري -الذي عرفته صفحات التاريخ فيما بعد باسم الظاهر بيبرس- واستقر الكثير من المماليك هناك.

كان الملك المُعّز يُريد توسعة مُلكه، فقرر الزواج من بنت حاكم الموصل، فدبرت شجر الدرّ مؤامرة لقتله وكانت النهاية الشهيرة، عندما أمرت زوجة السُلطان الأولى أم نور الدين جواريها بقتل شجر الدرّ ضربًا بالقباقيب.

وانحازت المماليك المُعّزية لابن سُلطانهم نور الدين على، وقاموا بتنصيبه سُلطانًا على مصر، ولُقِّب بالملك المنصور، أما المماليك الذين كانوا في الشام، وكان من بينهم بيبرس وقلاوون الألفي، فرفضوا الاعتراف بسلطنة المنصور، وحاولوا الاستيلاء على مصر مع الملك المُغيث ملك الكرك الأيوبى، وتصدت لهم قوات قطز.

وفي إحدى المعارك تمكنت المماليك المُعّزية من أسر الألفي، وعاد قطز إلى قلعة الجبل، وتم إعدام بعض المماليك والأمراء الذين هربوا أثناء المعركة.

بعد اقتراب المغول من مصر قام قطز باعتقال المنصور وأخيه وأمهما داخل برج بالقلعة، ونُصّب قطز سُلطانًا بعد أن وعد بالاستقالة بعد النصر على المغول، واستمر في الإعداد للمعركة، وبدأ إعداده بالصُلح مع المماليك البحرية لتكوين جبهة واحدة، وحشّد المصريين خلفه، حتى خرج لمُلاقاة المغول في معركة عين جالوت الشهيرة؛ والتي قُتل فيها "كتبُغا" قائد المغول، وعند عودته عادت نوايا المماليك للسوء وظنوا منه الغدر، فقاموا باغتياله ليتولى ركن الدين بيبرس السلطنة، ولُقّب بـ "السُلطان الظاهر".

دولة الظاهر

عقب تولي الظاهر -الذي اتصف بالحزم- مقاليد الحكم بدأت دولة المماليك في الاستقرار، واتخذ عدة إجراءات تهدف إلى تثبيت أقدامه في الحكم، منها التقرب من الخاصة والعامة، وتخفيف الضرائب، وعفا عن السُجناء السياسيين.

وقام الظاهر بيبرس بالقضاء على الحركات المناهضة لحكمه، كما أعاد إحياء الخلافة العباسية ونقلها للقاهرة. أيضا، حارب ما تبقى من الإمارات الصليبية وهي أنطاكية، وطرابلس، والجزء الباقي من مملكة بيت المقدس، حتى انتصر عليهم.

وكان استقرار الحُكم على يد الظاهر بيبرس سببًا في دوام دولة المماليك، ويتسلم الحُكم المنصور بن قلاوون الذي استمرت أسرته في الحُكم أربع عشرة ومائة سنة، فحكم هو وأولاده وأحفاده، ولم يخرج أمر مصر من أيديهم سوى خمس سنوت، إذ حكم العادل كتبغا والمنصور لاجين أربعة سنوات، والمظفر بيبرس الجاشنكير لمدة سنة، وقد قُتِلَ ثلاثتهم وكانوا من الجراكسة.

المماليك الجراكسة

جاءت دولة المماليك البُرجية، وهم المماليك الجراكسة، على يد قلاوون أيضًا، حيث قام السُلطان بالاستكثار منهم، والاعتماد عليهم، وأسكنهَم في أبراج القلعة، ولذا عُرِفوا بـ "البُرجية" تمييزًا لهم عن المماليك البحرية، وكان أول سلاطينهم هو السُلطان برقوق.

وبدأ منذ ذلك الحينِ حكمُ طائفة المماليك الجراكسة، والذي امتد لأربعة وثلاثين ومائة سنة، وتقلَّد السلطنة منهم خمسة وعشرون سُلطانًا، عدا اثنين من أصل رومي هما خشقدم وتمريغا.

وقد اتسم عهد الجراكسة بكثرة الدسائس والمؤامرات، والصراعات المُستمرة، ولكنه كذلك شهد جانبا إيجابيًا بتشجيع سلاطينهم للعلم والأدب، وبناء المساجد والمدارس، وكان لهم دور كبير في حماية بلاد الشام من أطماع الملك المغولي تيمور لنك.

كما وجهوا ضربات أُخرى للقوى الصليبية المجاورة لهم في جزر البحر المتوسط، وكان الأشرف قايتباي من أعظم سلاطين الجراكسة وأطولِهم عهدًا، فقد حكم تسعة وعشرين عامًا، ظهرت خلالها كفاءته السياسية والعسكرية، وفي عهده بدأ خطر العثمانيين الذين أسماهم مؤرخو ذلك العصر "أصحاب القُسطنطينية"، فأنفق الكثير من الأموال على الجيوش لردّهم عن حلب وما حولها.

دخول العثمانيين

كان تفشي الظلم في الدولة المملوكية ورغبة أهل الشام ومصر في التخلص من هذا الظلم، هو ما دفع قُضاة المذاهب الأربعة والأشراف لكتابة عريضة نيابة عن الجميع يخاطبون فيها سليم الأول -سُلطان الدولة العُثمانية- يدعونه فيها للقدوم إلى بلادهم، ورفع ظلم المماليك الذي يخالفون الشرع، فاستشار السُلطان علماءه فأشاروا عليه بضم الشام ومصر لدولته لرفع المظالم وتطبيق الشرائع.

وبينما يتبادل السُلطان قنصوة الغوري الرسائل مع الشاه إسماعيل الصفوي، لتوطيد حلف ضد العُثمانيين، قرر سليم الأول التوجه للمماليك، وزحف بجموع غفيرة إلى الشام، وتحرك الغوري هو الآخر محاولًا وقف زحف العثمانيين.

التقى الجيشان عند "مرج دابق" على مشارف حلب، وانتصر العثمانيون رغم المقاومة التي أبداها الغوري حتى قتلوه، وكان في الثمانين من العمر، ودخل السُلطان سليم حلب، ثم دمشق، وسانده الأعيان وأمراء الشام، وأكرم العثمانيون الغوري بعد مقتله وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه في مكان لائق.

وواصل سليم الأول زحفه إلى مصر، وأرسل إلى زعيم المماليك طومان باي برسالة يدعوه فيها لطاعة الدولة العُثمانية، ولكنه سخر من هذه الرسالة، وقتل حاملها، فأسرع سليم بجيوشه ومن دخل في طاعته من أهل الشام إلى مصر.

استعد طومان باي للقتال، والتقى الجيشان في منطقة الريدانية، وهي حي العباسية الآن في القاهرة، وحاول المماليك صد الهجوم، واستبسلوا في القتال خاصة طومان باي، الذي قاد مجموعة فدائية بنفسه، واقتحم مُعسكر سليم الأول، وقبض على وزيره سنان باشا وقتله بيده مُعتقدًا أنه سليم الأول، ولكن المعركة انتهت بانتصار السُلطان سليم، والقبض على طومان باي الذي تم شنقه على باب زويلة.

وبينما انتهت دولة المماليك، فإن من تبقى منها انخرط داخل نظام الحُكم الجديد، فكانوا جُباة للضرائب، واليد الباطشة التي يستخدمها الوالي العُثماني للسيطرة على المصريين، وشارك بعضهم في مُقاومة الحملة الفرنسية.

وانتهى وجود المماليك تمامًا على يد محمد علي باشا، عندما قام بتصفيتهم جميعًا في مذبحة القلعة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المماليك الحرب مصر الجيوش سلیم الأول الملک الم الس لطان س لطان ا على ید

إقرأ أيضاً:

من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية

أصبح التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين هو المنافسة الجيوسياسية المحددة في القرن الحادي والعشرين، حيث اتسع نطاقه ليشمل السياسات الاقتصادية، والاستراتيجيات العسكرية، والطموحات الإقليمية، والتقدم التكنولوجي.

وتتجلى هذه المنافسة المتعددة الأوجه بوضوح في حربهما التجارية، التي تميزت بالتعريفات العقابية التي تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية والتحالفات الاقتصادية من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية. وفي الساحة العسكرية، تستفيد الولايات المتحدة من شبكتها الواسعة من القواعد والتحالفات عبر منطقة المحيط الهادئ الهندية، في حين تعمل الصين على تعزيز نفوذها في بحر الصين الجنوبي وتوسيع مبادرة الحزام والطريق، مما يعكس استراتيجيات متباينة للسيطرة على المناطق البحرية والإقليمية الحاسمة.

ويشكل الغزو المحتمل لتايوان نقطة اشتعال متقلبة، حيث يجعل الموقع الاستراتيجي للجزيرة منها ساحة معركة حاسمة لاستعراض القوة، حيث تدعم الولايات المتحدة تايوان من خلال مبيعات الأسلحة والضمانات الدبلوماسية، التي تواجهها التدريبات العسكرية المكثفة والضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الصين.

وفي الوقت نفسه، فإن السباق من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي يشهد قيام البلدين بالاستثمار بكثافة في البحث والتطوير، حيث تستفيد الولايات المتحدة من مراكز الابتكار لديها، بينما تقوم الصين بتسخير موارد البيانات الهائلة والمبادرات التي تقودها الدولة.

يستكشف هذا المقال كيف تستخدم الولايات المتحدة والصين أصولهما الجغرافية بشكل استراتيجي لتأمين الانتصارات في مجالات المنافسة الرئيسية هذه، مما يوفر تحليلا شاملا للآثار الأوسع على الاستقرار العالمي وتوازن القوى المتغير.

معركة التعرفة الجمركية

رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن الرسوم الجمركية بشكل حاد على السلع المصنوعة في الصين في أيار/ مايو، مدعيا أن "الحكومة الصينية خدعت الولايات المتحدة من خلال ضخ الأموال في الشركات الصينية، مما ألحق الضرر بالمنافسين الذين يحترمون قواعد التبادل التجاري". وتسلط هذه الخطوة الحاسمة الضوء على استراتيجية أوسع في ظل إدارة بايدن، وتهدف إلى إحياء صناعات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، وخاصة من الصين. وتتضمن الاستراتيجية تقديم إعانات دعم كبيرة لقطاعات الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات، مما يضمن بقاء الولايات المتحدة في طليعة الإبداع التكنولوجي. وتشكل زيادة الرسوم الجمركية عنصرا حاسما في هذه الاستراتيجية، مما يؤكد من جديد التزام الإدارة بتكافؤ الفرص أمام الشركات الأمريكية.

ومع ذلك، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه التعريفات. وفي مناورة جديدة، تهرّب المصدرون الصينيون من الرسوم الجمركية الأمريكية عن طريق إعادة توجيه البضائع عبر المستودعات بالقرب من الحدود المكسيكية. على هذه النقطة الحدودية بالذات، يتم تفريغ الحاويات وإعادة تعبئتها، ثم نقلها إلى الولايات المتحدة، مستغلين ثغرة في قواعد التجارة الأمريكية المعروفة بإعفاء "الحد الأدنى". وتسمح هذه القاعدة للطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في مثل هذه الواردات. وفي عام 2023، وصلت صادرات الصين تحت هذا الإعفاء إلى أكثر من 1.4 مليار حزمة بقيمة لا تقل عن 66 مليار دولار، مقارنة بـ500 مليون حزمة في عام 2019. وتسلط هذه الزيادة الكبيرة الضوء على التحديات التي تواجه إنفاذ التعريفات الجمركية والتشوهات المحتملة في البيانات التجارية التي تسببها.

الثغرة ليست مجرد سهو بسيط؛ فهو يمثل خللا كبيرا في استراتيجية الرسوم الجمركية الأمريكية. ويسعى بعض المشرّعين الأمريكيين الآن إلى سد هذه الثغرة، وهي خطوة، على الرغم من كونها ضرورية، قد تؤثر بشكل غير متناسب على الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض الذين يعتمدون على السلع المستوردة الأرخص.

التنافس على الأسواق الاقتصادية والأنظمة البنكية

وبالإضافة إلى حرب الرسوم الجمركية، هناك صراع موازٍ يختمر حول نفوذ الشركات الصينية الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصا بعد الزيارات الأخيرة للرئيس الإماراتي محمد بن زايد ومن ثم زيارات المسؤولين السعوديين إلى الصين. وقد شهد الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، استثمارات كبيرة من الشركات الصينية مثل شركة "Xiaomi". وتؤكد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة بين الإمارات والصين على عمق العلاقات الاقتصادية التي بدأت تقلق الولايات المتحدة. ودعت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا إلى الحد من نفوذ الشركات الصينية، وضغطت على الدول العربية لإعادة النظر في عقود النفط والغاز المبرمة مع الصين.

ويمتد هذا الصراع الجيوسياسي إلى النظام المالي العالمي، حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين على الهيمنة. ويشكل ظهور "البترو يوان" تطورا مهما في هذا السياق. تمثل العضوية الكاملة للمملكة العربية السعودية في مشروع "M Bridge"، وهي مبادرة للعملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)، تحولا نحو معاملات العملات الفورية ومنخفضة التكلفة عبر الحدود. وتتحدى هذه الخطوة، التي تسمح ببيع النفط السعودي إلى الصين باستخدام اليوان، هيمنة الدولار الأمريكي في تجارة النفط العالمية.

تايوان في وسط التنافس الأمني والعسكري

تقع تايوان حاليا في قلب التنافس الأمني والعسكري المتصاعد الذي له آثار كبيرة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وتقوم الصين بتكديس المعادن والموارد الحيوية الأخرى، وهو ما يفسره الكثيرون على أنها مقدمة محتملة لمحاولة غزو تايوان والسيطرة عليها. ويذكرنا هذا المخزون الاستراتيجي بالسوابق التاريخية، مثل تكديس ألمانيا النازية للمعادن وأهمها النحاس، قبل غزوها لبولندا في عام 1939.

تنبع مناورات الصين الاستراتيجية من قلقها المتزايد بشأن الجهود الدولية الرامية إلى الحد من صعودها كقوة عالمية. وقد أعرب الرئيس الصيني شي جين بينج بصراحة عن أن البيئة الخارجية للصين أصبحت على نحو متزايد غير مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها، واتهم الولايات المتحدة صراحة باتباع سياسة "الاحتواء الكامل والقمع الكامل للصين". ويسلط هذا الاتهام الضوء على التوترات المتزايدة بين القوتين العظميين.

وفي الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة بنشاط على مواجهة طموحات الصين في مناطق مختلفة. وفي بحر الصين الجنوبي، تكثف الولايات المتحدة جهودها لتحدي مطالبات الصين الإقليمية التوسعية وعسكرة المنطقة. وأصبح الممر المائي الاستراتيجي، الذي يعد حيويا للتجارة الدولية، نقطة اشتعال للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تقوم الولايات المتحدة بعمليات حرية الملاحة وتعزيز التحالفات مع الشركاء الإقليميين.

علاوة على ذلك، تعمل الولايات المتحدة على كبح النفوذ العسكري الصيني في الشرق الأوسط. وحثت الحلفاء على الامتناع عن التعاون العسكري مع الصين، خاصة في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وقطاعات الدفاع الأخرى. ودفعت العلاقات العسكرية المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة والصين الولايات المتحدة إلى وضع عقبات أمام تسليم طائرات إف-35 إلى الإمارات، مما يسلط الضوء على التزامها بالحد من موطئ قدم الصين العسكري في المنطقة.

الذكاء الاصطناعي أحد أهم مساحات الصراع

تعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي جانبا مهما من التنافس الاستراتيجي الأوسع بينهما. وتستثمر الدولتان بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار، حيث حققت الصين خطوات كبيرة بسبب استثماراتها الكبيرة في رأس المال الاستثماري وقدرتها على تعبئة مجموعات كبيرة من البيانات. وفي عام 2017، شكلت الصين 48 في المئة من رأس المال الاستثماري العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنحو 38 في المئة للولايات المتحدة. وقد أدى هذا الالتزام المالي إلى تسريع تقدم الصين في مجالات مثل تقنيات التعرف على الوجه والمراقبة.

على الرغم من التقدم السريع الذي حققته الصين، تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها في مجالات حيوية مثل مواهب الذكاء الاصطناعي والأبحاث المتطورة. تستفيد الولايات المتحدة من نظام جامعي قوي وتركيز عالٍ من أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي. وتتصدر الشركات الأمريكية، مثل "Google" و"OpenAI"، تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بما في ذلك نماذج اللغات الكبيرة التي تظل متفوقة على نظيراتها الصينية مثل روبوت "ERNIE" التابع لشركة "Baidu".

يعد الذكاء الاصطناعي أيضا عنصرا حاسما في الاستراتيجيات العسكرية لكلا البلدين. وتهدف الصين إلى تحقيق "ذكاء" جيشها، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملية صنع القرار، وتحسين الأنظمة المستقلة، وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة. ويشكل هذا الهدف جزءا من طموح الصين الأوسع لتصبح قوة عسكرية عالمية المستوى بحلول منتصف القرن. وعلى العكس من ذلك، تركز الولايات المتحدة على دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية ولكنها تواجه تحديات، مثل مقاومة شركات التكنولوجيا الكبرى للانخراط في مشاريع الذكاء الاصطناعي العسكرية. وتتناقض هذه المقاومة مع التكامل السلس الذي حققته الصين بين جهود الحكومة والقطاع الخاص.

كما تشكل المنافسة الشديدة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين مخاطر استراتيجية، بما في ذلك الصراعات العسكرية المحتملة والتهديد بالحرب النووية. ولإدارة هذه المخاطر، تبنت الولايات المتحدة نهجا متعدد الأوجه، بما في ذلك الحد من وصول الصين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وإدارة الذكاء الاصطناعي العسكري بشكل مسؤول، ومواصلة الجهود الدبلوماسية للتخفيف من المخاطر الاستراتيجية. على سبيل المثال، يقيد "قانون تشيبس" صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، بهدف الحد من قدراتها على تطوير الذكاء الاصطناعي.

وتؤكد الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى الولايات المتحدة، على وجود ربط أمريكي بين الحصول على التكنولوجيا الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي وبين تقليل الاعتماد على الشركات الصينية في هذا المجال، بحسب السفير وليام روباك، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول ‏الخليج في واشنطن.

مقالات مشابهة

  • جلالة السلطان يعزي رئيسة الهند
  • أمير صلاح الدين لـ "الفجر الفني": شخصيتي في "قصر الباشا" مفاجأة بالنسبة لي
  • مقتل لص أمام منزل فنانة .. فيديو
  • من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية
  • إدارة مولودية وهران تحسم أولى صفقاتها الصيفية
  • الانتقالي يحذر و يتوعد بهاوية من الحروب وعدم الاستقرار في البلاد
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل سفير اليونان بمصر
  • التهديد الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية
  • يغذيها الحوثي.. تصاعد الحروب القبلية في مناطق سيطرة المليشيات
  • في ذكرى وفاته .. اليمن يقطف ثمار تحركات عالمه الرباني السيد بدرالدين الحوثي