ألسنة اللهب وأعمدة الدخان ماتزال تحرق- وتخنق- كل قلب عربى. العالم اليوم يشاهد نسخة مزيدة ومنقحة ومطورة ٢٠٢٣ من فيلم «مدافع نافارون».. نسخة ٢٠٢٣. أبطالها ليسوا ابطال النسخة القديمة (ايرين باباس.. انتونى كوين..جريجورى بيك..ديفيد نيفين وآخرون) وإنما أبطالها زعماء العالم «الحر»: بايدن ونتانياهو وسيدات الحكم فى إنجلترا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا.
ما يحدث اليوم غير الذى سيحدث غدا.. التدمير الذى نراه هو الطبيعى المعتاد للعدو، لكن ماذا عن الغد؟ ذلك الذى سقط منا سهوا ولم نفكر فيه وكأنه حقيقة مُسَلَّمة لا رجوع عنها! عملية «التشفية» والتصفية التى يستعد لها الكيان المتجرد من الإنسانية، لم تحظ بأى قدر من الجهد لايقافها أو منعها!
محنة غزة مثلما كشفت أن «العالم الحر» أكذوبة، كشفت أيضاً أن مصر وأرضها ستظل مطمعًا، وأن الحل فى قوة مصر وتماسكها من الداخل. كل الملفات يجب أن تفتح: بناء الإنسان أولاً. تعليمه وتربيته وصحته. أزماتنا الاقتصادية العاصفة.. الفساد.. التجاوزات. الشعب الذى يستشعر الخطر واتون النار ويخرج تلقائيا ليعلن افتداءه للوطن لابد أن يكون لذلك ثمن. الثمن نهضة مصر من جديد وكأنها طائر فينيق يصعد من تحت الرماد. الأولويات يجب أن تتغير. وسائل المواجهة ستبقى المدرسة والمصنع والسنبلة والماكينة.. العلم والفكر والادب والثقافة. تعلمنا قديما أن هناك يدًا تبنى وأخرى تصنع -وتحمل–السلاح.. والسلاح هنا هو كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ. المواجهة ليست بالتشييد والعمران فحسب، وإنما بالفهم والوعى والعقل والدماغ. نقد التراث..والأفكار..كثيرون انتقدوا خطبة الجمعة، لكن ملايين -كنت منهم–ثمنوا رسالة الرئيس إلى العالم: التهجير فيه تصفية للقضية الفلسطينية وتدمير لمعاهدة السلام. مهمتنا الآن هى إعادة الروح للجسد..وزراء.. نواب.. مراكز أبحاث.. جامعات.. مسارح.. اعلام.. تليفزيون.. اختيار الكفاءات.. التغيير حان أوانه لنهضة مصر. الخوف كل الخوف على مصر من فقر الفكر وفقر الطموح وفقر العقول وفقر الأشخاص. لاتدعوا مصر تشيخ فى مكانها، فتظل خارج التاريخ كما يقول المثقفون وعلماء الاجتماع!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود الشربيني ألسنة اللهب أعمدة الدخان مطورة
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...