فى لعبة السياسة هناك من يجيدون تغيير ثوابتهم وفق مصالحهم الضيقة وتبديل مبادئهم وكأنها أزياء يختارون منها ما يناسب الحدث، لكن تبقى الدول ذات الحضارة متمسكة بمبادئها وقابضة على ثوابتها، ومصر نموذج لهذه الدول صاحبة الحضارة والتاريخ، لا تغير ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية بل لا تفكر حتى فى أن تغير مكانة القضية فى أولوياتها، رغم أن الثمن قد يكون كبيرا، لكن مصر تظل متمسكة ليس بمجرد التضامن مع القضية وإنما بالدفاع عنها والسعى بلا توقف من أجلها، لا فارق فى ذلك بين قيادة أو حكومة أو شعب، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لنا كمصريين جزء لا يتجزأ من أمننا القومى، نقاتل من أجله إن تطلب الأمر، والتاريخ على مدى أكثر من ٧٥ عاما يؤكد هذا ويكشف حجم التضحيات التى قدمتها مصر للقضية الفلسطينية، وفى التصعيد العسكرى الأخير كان موقف مصر السياسى والشعبى كالعادة هو الأوضح والأكثر حسما فى التأكيد على أنه لا قبول بأى محاولة لتصفية القضية وأنه لا مجال لعودة الاستقرار والأمن إلا بعد أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة فى دولتهم المستقلة على حدود ٤ يونيو ٦٧.
كما كان التحرك المصرى العاجل الذى قاده الرئيس السيسى من أجل توفير المساعدات الإنسانية والإغاثية لأبناء غزة والإصرار على دخولها رغم التعنت الإسرائيلى وبالفعل نجحت الجهود المصرية فى كسر الحصار الإسرائيلى على غزة وإدخال الموجة الأولى من المساعدات.
كما كان التحرك السياسى الكبير الذى قادته قيادة مصر ودبلوماسيتها لوقف الحرب والتصعيد العسكرى، فكانت الاتصالات والمباحثات والمشاورات المصرية فى كل اتجاه وفى أيام قليلة نجحت مصر بثقلها وعلاقاتها أن تجمع أكثر من ٣٤ دولة وممثلى المنظمات الدولية والإقليمية فى مؤتمر القاهرة للسلام من أجل أن تضع ثوابت القضية الفلسطينية أمام الجميع كما تضع أمامهم حقائق الواقع المؤلم الذى يعيشه الفلسطينيون بسبب الاحتلال وجرائمه ويسمع الأوروبيون رؤية مصر والعرب بشكل أوضح.
هذا الجهد الضخم الذى بذلته مصر فى أيام معدودة هو ترجمة لثوابتها التى تؤكد أن قضية فلسطين هى قضية مصر الأولى، وأنها لن تتخلى عنها، ولن تتوقف عن جهدها حتى يتحقق حلم الدولة الفلسطينية.
وإذا كان الموقف المصرى بشأن محاولات إسرائيل التهجير القسرى للأشقاء إلى سيناء مرجعة أن هذا يتعارض مع الأمن القومى المصرى وتجاوز للسيادة المصرية، فإنه أيضا موقف يجسد حرص مصر الواضح على أن تظل فلسطين باقية ولا تتم تصفيتها أو إنهاؤها بألاعيب إسرائيل الخبيثة، فخروج الفلسطينيين من أرضهم معناه أن حلم دولتهم انتهى إلى الأبد وهذا ما لا تسمح به مصر مهما كان ثمن موقفها.
المؤكد أن موقف مصر من القضية لا يقبل المزايدة من أحد بل هو موقف صامد واضح يقدره كل فلسطينى يحب وطنه، ويحترمه العالم، أما من يتلقون التعليمات من عواصم أخرى أو ينتمون لتيارات وجماعات لا تعترف بالوطن أصلا، فهؤلاء لا تهمنا رؤيتهم ولا مواقفهم لأنهم ينفذون مخططا يستهدف بالأساس إبعاد مصر عن القضية الفلسطينية حتى يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم التى لا تخدم فلسطين بل تخدم أجندات أخرى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحدث امننا القومي للقضية الفلسطينية مصر القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
سوريا.. حنين لا يغادر محبيها
حلم الرجوع يداعب أقلام الطيور المهاجرة
أدب العودة.. أمل تحقق أم سيظل طريدا؟
هذى دمشق.. وهذى الكأس والراح
إنى أحب... وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقى.. لو شرحتم جسدى
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
و لو فتحـتم شرايينى بمديتكـم
سمعتم فى دمى أصوات من راحوا
زراعة القلب.. تشفى بعض من عشقوا
وما لقلـبى –إذا أحببـت جـراح
مآذن الشـام تبكـى إذ تعانقـنى
و للمـآذن.. كالأشجار.. أرواح
هنا جذورى.. هنا قلبى... هنا لغـتى
فكيف أوضح؟ هل فى العشق إيضاح؟
خمسون عاماً.. وأجزائى مبعثرةٌ..
فوق المحيط.. وما فى الأفق مصباح
تقاذفتنى بحـارٌ لا ضفـاف لها..
وطاردتنى شيـاطينٌ وأشبـاح
هكذا عبر نزار قبانى فى قصيدته الدمشقية عن ذلك الحنين الساكن فى حنايا قلوب المغادرين لأوطانهم قهرا..
نعم، إنه الوطن، جرح غائر، تستبيحه الغربة وتمد فى عمقه نصلا من نار، لا يشعر به إلا كل ذى وطن مستلب، باحتلال كان أو تهجير قسرى، أو حتى ظلم داخلى..
ولأنه الأنشودة الخالدة فى دماء العرب، ستظل العودة إلى الوطن أو إعادته حلم كل حالم، وزائرا دائما فى منامات العاشقين، وفوق أقلام المبدعين، لا يغادر ما يسطرون ولا تنساه أفئدتهم مهما ذاقوا استقرارا أو هدوءا فى بلاد الغربة.. فالوطن يقبع هناك، بين أدمى ربوة فى القلب.
منذ اندلاع الثورة السورية فى 15 مارس 2011، وما صاحبها من حرب ظلت نيرانها مستعرة لسنوات، وراح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، فقد شهدت السنوات التالية على تلك الثورة عملية نزوح واسعة للمبدعين السوريين، الذين هاجروا لبلدان عربية وأوروبية، ليأمنوا فيها على أنفسهم وعائلاتهم، ويمارسوا إبداعهم الأدبى بحرية، ولمعت أسماء الكثيرين منهم فى سماوات الأدب وشقوا طريقهم بقوة إلى العالمية، عبر أعمالهم التى ألقى الواقع السورى الراهن بظلاله عليها.
ويعد الأدب السورى أعظم شاهد على المرحلة الأهم والأخطر من تاريخ سوريا المعاصر، فلا تكاد تخلو الأعمال من ثيمات الحرب والحلم والحب والموت والغربة والهجرة ومعاناة اللجوء.
ولا شك أن الأدب المهجرى السورى قد أسهم مساهمة جلية فى التعبير عن معاناة الشعب السورى فى ظل ثورته، حيث نجد كتّابًا توزعوا فى بلدان العالم حاملين معهم همهم الوطنى، وأحلامهم المؤجلة، وحنينهم الذبيح وظلّوا مخلصين فى كتاباتهم لما آمنوا به، رغم أوضاعهم النفسية الموسومة بالإحباط والوحشة، ومع ذلك بقيت قلوبهم معلقة فى وطنهم تقطر ألمًا جسدوه من خلال أقلامهم التى ما فتئت تبث الظلم والقهر الممزوجين بأمل الانتصار وحلم العودة.
* سوريا حاضرة فى أقلام أبنائها
هكذا تناول الأديب السورى فى مغتربه موضوعات شتى، لكن الأغلب الأعم طغى عليه المضمون (الاحترابى السياسى) وما خلفه من تداعيات، تبدى هذا جليا فى الكثير من الأجناس الأدبية التى اتخذها أدباء سوريا أداة لتعبيرهم، وبرزت على سطح الأدب أسماء مهمة، ربما لم تنل من الشهرة على أرض الوطن ما نالته فى بلدان المهجر، وربما استطاعوا التعبير بحرية أوسع وبأقلام أكثر انطلاقا من تلك التى وصمتهم بالتقييد والخوف والارتعاش تحت سماء الوطن المستلب.
وقد تبدى ظل الوطن حاضرا بين إبداع ما بعد ثورة سوريا، نذكر على سبيل المثال القليل، رواية «باب الأبواب» ليوسف دعيس، ورواية «الخميادو» لإبراهيم جبين، ورواية «حتى إذا بلغت الأربعين» لليندا الشبلى، ورواية «اغتصاب الياسمين» لرشا الحسين، وكذلك ديوان «فراشة ونور» لسمية علونى، وديوان «أناشيد ميونخ المؤجلة» لفواز القادرى، رواية «جمهورية العبث» لفواز العلو، و«صداع فى رأس الزمن» لعواد الجدى، رواية «أرمان»، مجموعتا «جرح الفينيق»، «الشهيد الحى» لريتا بربارة.، روعة سنبل «دو يك»، ناهدة شبيب».
فأغلب هذه النصوص الأدبية مهما تشعب سردها، أو اختلفت طريقة تناولها وزاوية ولوجها، يبقى الناظم الجامع لها، والمحور الأساس الذى تدور حوله هو الوطن ولا شىء سواه... ولنا أن نطالع بعض تلك النماذج:
ريتا بربارة:
قاصة وروائية سورية، مقيمة بمصر، لها العديد من الإصدارات، أحدثها رواية «أرمان»، تتناول فيها ذوى الشهداء ومعاناتهم لفقدانهم أولادهم، كما تتطرق الرواية إلى الحرب وإفرازاتها من فساد وفقر وعهر.
كما تتناول رواية ريتا بربارة، ظهور تنظيم داعش فى مدينة الرقة والإرهاب الذى حدث فى سورية.. والرواية تتحدث عن بعض الشهداء الأبطال بأسمائهم الحقيقية مثل البطل الشهيد كريكور وعن والدته أمل التى حولت ألمها وحزنها إلى حالة إجابية رائعة.
تأخذنا الكاتبة ريتا بربارة من خلال روايتها أرمان، لنحيا معها لحظات وأحداث قد عايشتها بألم ووجع لا يدركه إلا من عايش الحرب فى وطنه.
لا تفقد ريتا الأمل فى العودة والانتصار، فهى تؤكد عبر «أرمان» أن سوريا ستنهض وتنفض عنها غبار الفقد والوجع والألم لتحيا من جديد كما طائر الفينيق وهذا ما أظهرته لنا من خلال مسيرة بطلتها «أمل».
* روعة سنبل
روائية وقاصة ومسرحية سورية، تعبر مجموعتها القصصية الأحدث «دو. يَك» عن شعور الفقد والاغتراب، وتحاكى الحياة بوصفها لعبة يكون فيها الربح والخسارة محكومَين بالحظ والمصادفات. وتشتمل المجموعة التى تقع فى 104 صفحات، على 15 نصًّا، بعدد الأحجار المخصصة لكل لاعب نرد. و«دو. يَك» هى رمية مرتبطة غالبا بالخسارات، التى هى الهاجس الأساسى للمجموعة القائمة بأكملها على فرضية أن عشر سنوات ثقيلة ومنهكة مر بها بلدها كافية ليكون الجميع خاسرين حتى من «نَجا» منهم.
وتدور القصص فى ثلاثة فضاءات، هى: «ذاكرة»، و«دروب»، و«ليل». وتعتمد سنبل تقنيات متنوعة فى القصّ، من دون أن تنتمى بصرامة إلى الواقعية، إذ تنطلق أحيانا نحو فضاءات المتخيل الفانتازى، فى محاولة لمجاراة عبثية الراهن وغرائبيته. وتتناول القصص ثيمات مختلفة تدور فى فلك الخسارات، مثل: الأحلام التى دُفنت، وأزمات الذاكرة التى خسرها أصحابها طوعا أحيانا للتخلص من عبء ما حملوه، أو كرها، لأن هناك من يشوهها ويطمسها، وكذلك الأزمات الوجودية لشخصيات خسرت ذواتها، وتحولت إلى كيانات أخرى لا تشبهها، أو خسرت كرامتها التى هُدرت فى طوابير طويلة بانتظار كفاف اليوم، أو سُفحت ثمنًا للخوف الذى يتنفسه الجميع.
ويمكن القول: إن الفقد والوحدة والاغتراب هى الثيمات الحاضرة فى أجواء المجموعة، وإن الذاكرة والأغنيات والحكايات تشكل عناصر متلاحمة مع السرد.
ناهدة شبيب
شاعرة سورية، تتضمن مجموعتها الشعرية الأحدث «أجراس الحنين» 38 قصيدة على الشكلين العمودى والتفعيلة،، تتنوع قصائد الكتاب بين الوجدانية والوطنية نزفت فيها الشاعرة من جرح الوطن صهيلا موجعا.
عرجت الشاعرة بروحها على المخيمات وحالة الفقر والجوع وترجمت معاناة المهاجرين فى البحر على متن سفن الموت وفى قصيدتها المزاد شرحت واقع الحال وماآلت إليه البلد من الخراب وراحت على رأيها تهرول فى صحراء الروح باحثة عن الخلاص بالكثير من الحسرة.
* أيا سوريا جرح لا يغادر منذ الأقدمين
ولأن تاريخ سوريا يحفل بالاستلاب والظلم، يظل الهم السورى البطل الأوحد والأهم فى إبداع من أبدعوا، منذ الرواد والأقدمين، ليس فقط فى سطور المعاصرين والحداثيين، من برزوا بعد ثورة سوريا، بل هو ضارب فى عمق أقلامهم، كما يضرب حلم استعادة فلسطين فى عمق سطور كل عربى، فمن الشعراء السوريين الذين حملوا راية الوطن نذكر: محمد البزم خير الدين الزركلى.. خليل مردم بك..شفيق جبرى بدوى الجبل..نزار قبانى، سليمان العيسى، عبد الباسط الصوفى، على كنعان.. أدونيس.. فايز خضور، ممدوح سكاف، وآخرون.
ومن الروائيين والقصاصين والمسرحيين: حنا مينة ونبيل سليمان وعبد النبى حجازى وعبد السلام العجيلى وفارس زرزور ووليد إخلاصى وأحمد يوسف داوود وهانى الراهب وغادة السمان وناديا خوست وخليل النعيمى وحيدر حيدر.
فواز حداد ونهاد سيريس ومحمد أبو معتوق وممدوح عزام وعلى عبد الله سعيد وخليل الرز وعبد العزيز الموسى، سعيد حورانية وعبد الله عبد وزكريا تامر وجميل حتمل وإبراهيم صموئيل وغادة السمان وهيفاء بيطار)، سعدالله ونوس، حمدى موصللى ووليد فاضل ومحمد الماغوط وعبد الفتاح قلعه جى ورياض عصمت، الذين اعتمدوا على جهود سابقة قدمها ممدوح عدوان ووليد إخلاصى.
* ألفت الإدلبى
ومن الروائيين والقصاصين الذين اتخذوا من الوطن هما لا يغادر، الروائية السورية ألفت الإدلبى، والتى تعد إحدى أشهر رواياتها “صبرية: دمشق يا بسمة الحزن” التى كتبتها عام 1980، وتصور معاناة فتاة سورية شابة بين يدى المحتل الفرنسى وضغوط المجتمع المتمثل بعائلتها وبحثها عن هويتها الشخصية والوطنية، وتمتْ كتابتها لتلائم عملاً تلفزيونياً سورياً، وأصبحت واحدة من الآثار الكلاسيكية الهامة فى الأدب السورى.
* خالد خليفة
أما خالد خليفة فهو الروائى والكاتب الحاصل على جوائز عديدة، والذى أحدثت أعماله جدلاً كبيراً فى بلده الأصلى، واجه خليفة من خلال أدبه وقائع المجتمع السورى المعاصر والحكومة.
أحد أهم موضوعاته وأكثرها تكراراً هو التوتر القائم بين الفرد والنظام السياسى ومعاناة الأول على يد الأخير، ولذلك قد منعت كتبه بشكل متكرر فى بلده سورية.
* حنا مينة:
كان لتصريحه الشهير: «ستصبح الرواية فى القرن الحادى والعشرين للعرب مكان ما هو عليه الشعر اليوم». الفضل فى أن يُنسب ل»حنا مينة» الريادة فى التقاليد الروائية السورية، وتعتبر روايات مينة أمثلة بارزة على الواقعية الاجتماعية، وتستكشف رواياته صعوبات وصراعات المواطنين العاديين الذين يعيشون فى المجتمع السورى.
أحد أهم أعماله «المستنقع» الذى استوحى من طفولته فى الاسكندرونة، والذى يعد مثالاً حياً على الفقر، الصراعات الطبقية والمرونة البشرية.
سعد الله ونوس:
على غرار كتّاب المسرحية الأوروبيين مثل «بيرتورت بريخت – Bertolt Brecht»، تدور أعمال ونوس حول العلاقة بين الهياكل الفردية والاجتماعية والسلطات، مستخدماً المسرح كمنصة لإشراك الجمهور بالأسئلة السياسية المثيرة بشأن المجتمع العربى المعاصر.
بهذه الطريقة، فإن مسرحياته تمثل نقد وردّ على الأدب والثقافة التى تسيطر عليها الحكومة.
لا يسعى ونوس لصنع السياسة اليومية، بل بدلًا من ذلك يسعى لاستجواب السياسة فى الحياة اليومية.
* سمر يزبك
الوعى السياسى والاجتماعى العميق الجذور المتشارك مع القضايا المعاصرة، والذى تنسجه فى أعمالها، هو ما يجمع كل إبداعها، ويعد كتابها «امرأة فى تبادل إطلاق النار: يوميات الثورة السورية 2012» أبرز مثال لذلك، وهو قصة مشاركتها فى الاحتجاجات ضد النظام السياسى فى سورية قبل هروبها النهائى والنفى إلى باريس، وحصل الكتاب على جائزة «PEN Pinter»، والتى تمنح سنوياً لكاتب دولى تعرض للاضطهاد بسبب أعماله.
* محمد الماغوط
احترف محمد الماغوط الفن السياسى، وقام بتأليف العديد من المسرحيات الناقدة. وتعتبر مسرحية غربة، ومسرحية خارج السرب، ومسرحية العصفور الأحدب، ومسرحية المهرج من أهم مسرحياته.
* نزار قبانى
رغم رومانسيته التى اشتهر بها، إلا أن شعره يواجه قضايا اجتماعية عميقة وخطيرة، جامعاً جمال وبساطة الأسلوب مع الحديث عن الثقافة والقومية العربية، ومكانة المرأة فى المجتمع، الأمر الذى جعل منه واحداً من أبرز الأصوات التقدمية المناصرة للمرأة فى سورية.
* حيدر حيدر
كثير هو إبداعه المقاوم والثائر، لكن يمكن اعتبار المجموعة القصصية «الفيضان»، أحد أشكال أدب المقاومة، فهى على تصويرها لمآل الدول العربية التى اُحتلت فى فترات ما من التاريخ الحديث، والإشارة سواء ضمنيًا أم مباشرة لتلك الحروب التى عانى ويلاتها وطننا العربى، إلا أن تجاوزها لمجرد الرصد الشكلى، وعبورها إلى الانعكاسات النفسية والاجتماعية، ودعوتها الضمنية للمقاومة والثورة على الظلم، كل ذلك إنما يرجح كفة انتمائها لأدب المقاومة فى معناه الأشمل والأعمق.
ففى مجموعته تلك تتمثل ذات حيدر الثائرة، وكأننا نراه فى ظلال أبطالها، فهو إذن ذلك السورى الذى غادر دمشق إلى الجزائر ليشارك فى ثورة التعريب، وهو نفسه من لحق بالمقاومة الفلسطينية مع بدايات الحرب اللبنانية.
إنه ذلك الأديب الثائر، الذى لم يكتفِ بالقلم سلاحًا، بل تجاوزه لفعل المشاركة، إنه العروبى القومى الذى أبى إلا أن يفنى عمره مقاومًا ثائرًا ضد الظلم أينما كان ووجد.
هكذا، توحد الكاتب مع أبطال قصص المجموعة، ففى كل قصة منها نلمح جيفارا العرب، الناقم الثائر على كل ضيم، والباحث الدائم عن حرية الشعوب وخلعها عباءة الاستسلام والمداجنة.
إذن، إذا كان الأدب الذى كُتِبَ فى سنوات الحرب السورية، بأقلام كتّاب وكاتبات أجبروا أو آثروا النزوح عن سوريا منذ أول رصاصة شهدتها التظاهرات التى عمّتِ البلاد، فهل بعدما تغير المشهد الآن، وما تشهده سوريا من عودة أبنائها إلى أرضها، وفرحتهم التى لا ينكرها شاهد، هل ننتظر أدبا من نوع آخر، قد يغادره حلم العودة والحنين إلى الوطن وبكاء التهجير والظلم والاستلاب؟ هل ننتظر أدبا يتغنى بواقع الاستعادة، ويرفل طربا بين ذراعى دمشق وحلب وغيرهما؟ هل يتحول حلم العودة الذى تحقق إلى أغنيات فرح وهزيج طرب فوق ربوع الوطن؟ أم أن القراءة الواقعية للمشهد السياسى تجعلنا نتريث فى انتظارنا هذا.. وربما أجلناه طويلا؟ ربما.