غزة: في تحدّ للصعاب والمخاطر... الصحافيون الفلسطينيون يواصلون ممارسة مهنتهم
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
إعداد: فارس بوشية | بهار ماكويي إعلان اقرأ المزيد
بعد مرور تسعة عشر يوما على الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل، لا يزال الوصول إلى قطاع غزة مستحيلا، إلى غاية الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك لوسائل الإعلام. لم يتمكن أي صحافي من مغادرة القطاع أو الوصول إليه، إذ يقوم المراسلون المحليون بنقل المعلومات من موقع الحدث، رغم وجودهم بين مطرقة وسندان القصف والحصار الإسرائيلي.
"قلة التغطية الإعلامية لقطاع غزة... جراء مقتل أكثر من 12 صحفيا، والقصف، وانقطاع الكهرباء والإنترنت. لكننا ما زلنا نحاول المقاومة ومواصلة التغطية لكي يرى العالم جرائم إسرائيل في غزة"... هذا ما كتبه المصور الصحافي رشدي السراج في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا)، قبل أن يُقتل بدوره في قصف إسرائيلي على بيته بحي تل الحلوة في مدينة غزة، فيما أصيبت زوجته وابنته البالغة من العمر سنة واحدة بجروح.
ومع وفاة رشدي السراج في 22 أكتوبر/تشرين الأول، ارتفع عدد الصحافيين الذين قتلوا في هذه الحرب إلى 23، بينهم 19 فلسطينيا لقوا حتفهم في غزة، وفقا لأحدث تقرير صادر عن لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك.
A lack of media coverage from Gaza ..
due to the killing more than 12 journalists, the bombing, and the blackout of electricity and the Internet.
However, we are still trying to withstand and continue coverage so the world can see the israili crimes in Gaza. pic.twitter.com/ELlmUN2984
وكان هذا الأب الشاب البالغ 31 عاما، يعمل كمنسق لـ "راديو فرانس" و"فرانس تلفزيون" منذ العام 2021، ولصحيفة لوموند وبي بي سي أيضا وللعديد من وسائل الإعلام الأخرى. وكان قد أسس بقطاع غزة، مع زوجته، وكالة صحافة خاصة بقطاع السمعي-البصري أُطلق عليها اسم "عين ميديا"، إلى جانب صديقه ياسر مرتجى الذي قتل في العام 2018 برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء تغطيته لمظاهرة على حدود الفصل مع إسرائيل.
وقال راديو فرانس في مقال تكريما له: "أولئك الذين عرفوا رشدي السراج وعملوا معه، يحيون الصحافي المتميز". وأضاف: "بفضل عمله، تم وصف وسرد حياة الفلسطينيين ورعب الحرب، على إذاعة فرانس إنتر".
ومن جهتها، كتبت على منصة إكس الصحافية أليس فروسار التي تعمل في نفس الإذاعة: "كان أول من يعطينا المعلومة، مخاطرا بحياته من أجل ذلك، في الوقت الذي كان يستحيل لأي كان الدخول إلى المنطقة".
“Sending love to you”. Voilà son dernier message. En bombardant sa maison, Israël a tué mon ami @RoshdiSarraj, mon fixeur, celui sans qui je n’étais rien là bas. Il était journaliste et réalisateur, il avait créé @AinMedia. Il avait 31 ans, c'est bien trop jeune pour mourrir. pic.twitter.com/f3Mg39JDxB
— Alice Froussard (@alicefrsd) October 22, 2023 مخاوف من التعتيم الإعلاميوذكرت منظمة مراسلون بلا حدود، التي تحقق حاليا في ملابسات وفاة رشدي السراج، مقتل تسعة صحافيين في غزة أثناء تأديتهم واجبهم أو استهدفوا بسبب مهنتهم. وقالت المنظمة "إن الإجراءات العامة مثل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ فترة طويلة والذي تم تعزيزه مؤخرا، إضافة إلى التهجير القسري للمدنيين في الأيام الأخيرة تؤثر على الصحافيين المحليين وأسرهم. كما حذرت المنظمة من "خطر محدد يأخذ عدة أشكال، يطال طواقم التحرير والصحافيين" ويجعل المنظمة تخشى "تعتيما إعلاميا حقيقيا" في القطاع.
وقد سجلت المنظمة غير الحكومية المدافعة على حرية الإعلام التدمير الكلي أو الجزئي بالصواريخ الإسرائيلية لعدد من المراكز الإعلامية. وأوضحت منظمة مراسلون بلا حدود: "في 19 أكتوبر/تشرين الأول، دمرت غارة جوية مكتب تحرير موقت في خيمة تضم فرقا من بي بي سي، ورويترز، والجزيرة، ووكالة الأنباء الفرنسية ووكالات صحفية محلية، بدون التسبب في إصابات، بالقرب من مستشفى ناصر بخان يونس". وبحسب اتحاد الصحافة الفلسطيني، فإن 50 مقرا إعلاميا أصبحت الآن خارج الخدمة.
هذا، واضطرت وكالة الأنباء الفرنسية، التي تضم فريقا من تسعة موظفين في القطاع، إلى إخلاء مكتبها الواقع في مدينة غزة. ويشرح فيليب تشيتويند، مدير الأخبار في الوكالة الفرنسية الوضع قائلا: "نتوزع الآن على عدة شقق بالجنوب، مع صحافيينا وعائلاتهم أيضا، أي ما يقارب الخمسين شخصا.. إن عمل صحافيينا صعب للغاية في مثل هكذا ظروف. إنهم يعيشون تحت ضغط مستمر. يقومون بتغطية الأخبار ويفكرون في مصير أسرهم وفي الوقت ذاته. فَقَد أحد مصورينا الليلة الماضية [في ليلة 22 أو 23 أكتوبر] عددا من أقربائه".
كاميرات موجهة نحو سماء غزةوفي غياب مبعوثين خاصين إلى عين المكان أي داخل غزة، تصبح المعلومات التي ينقلها صحافيو وكالة الأنباء الفرنسية في الموقع مادة ذات قيمة أكبر بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية.
هذا، وقد تم وضع ثلاث كاميرات للوكالة وبشكل دائم، موجهة إلى سماء غزة لالتقاط وتوثيق القصف الإسرائيلي وعواقبه. ولا تزال إحدى هذه الكاميرات موجودة على سطح مقر مكتب الوكالة الفرنسية السابق في مدينة غزة وأخرى عند معبر رفح، أما الثالثة فتلتقط الصور من الأراضي الإسرائيلية.
ولكن، مثلما هو الحال بالنسبة للمراسلين النادرين الموجودين في القطاع، تعاني وكالة الأنباء الفرنسية أيضا من شح في الماء والبنزين، كما يوضحه فيليب تشيتويند: "لدينا قليل من البنزين لمدة يومين أو ثلاثة فقط لتشغيل مولداتنا. ونحن نبحث عن حلول للمستقبل. ومن دون إمدادات، ستنطفئ الكاميرات الموجودة على أرض غزة، وحينها سيتوقف العالم عن رؤية ما يجري هناك".
وإلى ذلك، تعتمد معظم وسائل الإعلام الفرنسية، غير القادرة على إرسال صحافيين إلى غزة، على المنسقين ووكالات الأنباء المتواجدين في عين المكان.
وتعتمد قنوات فرانس24 مثلا على كاميرات البث المباشر لوكالة الأنباء الفرنسية بشكل دائم، كما أنها تنقل الأخبار بفضل مراسلتها الناطقة باللغة العربية في غزة مها أبو الكاس، التي نجت قبل أسبوعين من قصف للجيش الإسرائيلي. فقد أصيبت بجروح طفيفة وتم إجلاؤها من منطقة سكنها مع عائلتها. وبشجاعة تواظب عملها في ظروف قاسية وبوسائل محدودة للغاية على غرار انقطاع الكهرباء والهاتف والإنترنت في معظم أنحاء القطاع.
07:04 مراسلة فرانس24 في غزة مها أبو الكاس تعرضت وعائلتها لخسائر مادية جسيمة جراء قصف إسرائيلي. 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. © صورة ملتقطة من شاشة فرانس24هذا، ويعمل فريق مراقبون في فرانس24 أيضا على التحقق من صحة الصور المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي. ويعمل الصحافيون أيضا مع مراقبين في غزة للوصول إلى معلومات تم التحقق منها حول ما يحدث في القطاع.
Alors que l'accès des #médias internationaux est très limité à #Gaza, beaucoup de citoyens et de journalistes continuent à rapporter sur le quotidien difficile dans l'enclave sous la menace permanente des bombardements israéliens. pic.twitter.com/GsJCtME08t
— Les Observateurs (@Observateurs) October 25, 2023 تحقيقات صحفية مستقلةإن القصف الذي تعرض له مستشفى الأهلي في غزة، وأسفر عن مئات القتلى في 17 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب حركة حماس، أثار مصدره تضاربا إعلاميا كبيرا، وأظهر حاجة ماسة إلى توفر مصادر محلية مستقلة وحرة في التنقل داخل القطاع بدون التعرض للخطر، وذلك لإجراء تحقيقات صحفية والوقوف على الحقائق على أرض الواقع.
ويذكّر جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، أن "هؤلاء الصحافيين الفلسطينيين الموجودين على الأرض هم خط الدفاع الأول في مواجهة الأخبار المضلّلة والدعاية التي وللأسف تشتد حدتها في مناطق النزاع".
فبالإضافة إلى كونهم أهدافا محتملة للقصف الذي تتعرض له غزة، فهم يواجهون أيضا ومنذ سنوات عدة ضغوطات تمارسها عليهم حركة حماس في القطاع.
وفي هذا الصدد يؤكد جوناثان داغر قائلا: "يشرح لنا الصحافيون العشرون الذين نتواصل معهم في غزة أن المخاطر الرئيسية الحالية تتعلق بالغارات الجوية الإسرائيلية والحصار المفروض والتهجير القسري. ولكن قبل هذه الحرب كانوا تحت ضغط حماس".
كما سبق وأن تعرض العديد منهم للاعتقال أو الترهيب بمجرد إثارة مواضيع كتلك التي تتعلق بسوء الإدارة أو الفساد، من جانب حركة حماس السلطة الحاكمة في القطاع.
ويردف رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود قائلا: "هناك مؤيدو دعاية حماس الذين يعملون معهم، ولكن يوجد أيضا صحافيون محترفون في غزة، يقومون بعمل صحفي حقيقي، ويجدون أنفسهم عالقين بين قمع حماس والحصار العنيف الذي تفرضه إسرائيل".
هذا، وكانت قد دعت منظمة مراسلون بلا حدود العام 2019 كلا من حركة حماس والسلطة الفلسطينية إلى "عدم جعل الصحافيين -ضحايا جانبيين- لخلافاتهما" في غزة والضفة الغربية.
ويذكر أنه، وفقا للتصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2023 الذي أصدرته مراسلون بلا حدود، تحتل فلسطين المرتبة 156.
النص الفرنسي بهار ماكويي / النص العربي فارس بوشية
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج غزة الحرب بين حماس وإسرائيل إسرائيل حماس فلسطينيون حرية الصحافة للمزيد حصار غزة وکالة الأنباء الفرنسیة أکتوبر تشرین الأول رشدی السراج فی القطاع حرکة حماس فی غزة
إقرأ أيضاً:
ماذا لو نجحت "صفقة الممر الآمن" وعادت غزة للسلطة الفلسطينية؟
مر أكثر من عام كامل على الحرب التي دمرت قطاع غزة، ولم تتوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن قتل المدنيين وترويع الصغير والكبير، واعتقال الشباب، وتحويل القطاع إلى كومة ركام، ومكان غير صالح للعيش، ونعلم جميعا مدى تغير المشهد في غزة بعد اغتيال إسرائيل ليحيى السنوار زعيم حركة حماس، وكذلك استهداف عناصر ومقرات الحركة في رفح وجميع ربوع غزة، وفي خضم هذه الأحداث عادت من جديد جهود الوساطة المصرية والقطرية برعاية الولايات المتحدة الأميركية من أجل التهدئة في غزة ووقف الحرب، ولكن تصر إسرائيل على شروطا غير قابلة للنقاش لوقف هذه الحرب الشعواء.
ومن بين شروط إسرائيل، هو إبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس تشمل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين "دفعة واحدة"، ومنح قادة حماس ممراً آمناً للخروج من غزة إذا ألقوا أسلحتهم، وفي المقابل يتم الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ولكن بشرط تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
وفي الحقيقة، فإن هذا الشرط هو الأنسب والأفضل لأهالي غزة، لأنه يمكن أن يوقف الحرب التي زادت عن العام، هذا إضافة إلى أن السلطة الفلسطينية هي سلطة حكيمة وراشدة وتستطيع أن تتعامل بدبلوماسية مع إسرائيل، حتى تحصل على حقوق أهالي غزة في العودة لبيوتهم مع وقف الحرب، واستمرار التهدئة، لتقوم بعد ذلك بتنفيذ خطة إعمار غزة بشكل تدريجي، كما تستطيع الحصول على الدعم المادي من جميع بلدان العالم والمنظمات الدولية من أجل دعم وتعزيز إعادة إعمار القطاع مجددا وحق أهله في العودة إلى بيوت آمنة.
وأعلنت بعض قيادات الحركة أن حماس منفتحة على أي اتفاق أو أفكار تُنهي معاناة شعب غزة، وتوقف إطلاق النار بشكل نهائي، وتؤدي إلى انسحاب الاحتلال من كامل القطاع ورفع الحصار وتقديم الإغاثة والدعم والإيواء لأهالي القطاع، وأيضا قد تدرس الخروج الآمن لها ولجميع مقاتليها من غزة إلى السودان، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، ووقف الحرب تماما، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، خاصة وأن فرص حماس في حكم قطاع غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها باتت شبه مستحيلة.
وهنا قد تحصل الحركة على مكاسب مالية وسياسية، خاصة مع إبداء الجيش السوداني موافقته على استضافة جميع قادة حماس، ومقاتليها على أراضيه، مع تحرير أموالهم المحتجزة في البنوك السودانية، وتسليمهم كل العقارات والأموال والمحطة التلفزيونية التي كانت تملكها الحركة في الخرطوم، إبان حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
أما عن وسطاء الصفقة، فهم يعملون الآن على إقناع حماس وإسرائيل بمقترح لوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة وتبادل محدود للأسرى، والتي تعتبر هي الصفقة الجزئية كعلامة على حسن النية من الطرفين، على أن تبدأ المفاوضات الفورية لوقف إطلاق النار بشكل دائم في غزة في ظل عدم وجود اشتباكات جارية، وقد تثمر هذه الصفقة عن شيوع الهدوء في المنطقة سواء على صعيد فلسطين ولبنان وتحسين الظروف الاقتصادية لباقي دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن تسببت الاضطرابات الجيوسياسية في أزمات اقتصادية متتالية.
وإذا تمت الصفقة بالفعل، فهنا يبقى أهل الأرض وسكانها الأصليون، وتنسحب قوات جيش الاحتلال من غزة، وتخرج حماس عبر معبر رفح إلى مصر، وبعدها إلى السودان، بعد أن تتولّى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، والتي يجب عليها من الآن أن تفتح باب الحوار والمشاركة أمام نخبة غزة المهاجرة ومنظمات المجتمع المدني من أجل الإعداد للمرحلة المستقبلية لما بعد الحرب، وهي الورقة الكفيلة بقطع الطريق أمام مخطط عودة السلطة العسكرية الإسرائيلية ومن هنا يأتي الخير للبلاد والعباد.
لكننا لا نعرف حتى الآن النية الإسرائيلية الحقيقية لهذه الصفقة، فدائما ما يراودني سؤال وهو، هل نية إسرائيل في الإنسحاب من غزة حقيقية، وفي حالة إذا انسحبت حماس فهل تنسحب إسرائيل بشكل كامل هي الأخرى، ويتركا الشعب الفلسطيني في حاله؟ وتنتهي الخطة الإسرائيلية لتدمير البيوت ومراكز الإيواء والمستشفيات وغيرها، ويعود الأهالي إلى العيش بدون حرب وتحت مظلة السلطة الفلسطينية، أم أنها مجرد أحلام، ويظل نتانياهو مستمرًا في نهج الهروب إلى الأمام، وإلقاء الكرة في ملعب حماس، ويُرحِل حسم وقف إطلاق النار في غزة إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية؟