إعداد: فارس بوشية | بهار ماكويي إعلان اقرأ المزيد

بعد مرور تسعة عشر يوما على الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل، لا يزال الوصول إلى قطاع غزة مستحيلا، إلى غاية الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك لوسائل الإعلام. لم يتمكن أي صحافي من مغادرة القطاع أو الوصول إليه، إذ يقوم المراسلون المحليون بنقل المعلومات من موقع الحدث، رغم وجودهم بين مطرقة وسندان القصف والحصار الإسرائيلي.

"قلة التغطية الإعلامية لقطاع غزة... جراء مقتل أكثر من 12 صحفيا، والقصف، وانقطاع الكهرباء والإنترنت. لكننا ما زلنا نحاول المقاومة ومواصلة التغطية لكي يرى العالم جرائم إسرائيل في غزة"... هذا ما كتبه المصور الصحافي رشدي السراج في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا)، قبل أن يُقتل بدوره في قصف إسرائيلي على بيته بحي تل الحلوة في مدينة غزة، فيما أصيبت زوجته وابنته البالغة من العمر سنة واحدة بجروح.

ومع وفاة رشدي السراج في 22 أكتوبر/تشرين الأول، ارتفع عدد الصحافيين الذين قتلوا في هذه الحرب إلى 23، بينهم 19 فلسطينيا لقوا حتفهم في غزة، وفقا لأحدث تقرير صادر عن لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك.

A lack of media coverage from Gaza ..
due to the killing more than 12 journalists, the bombing, and the blackout of electricity and the Internet.
However, we are still trying to withstand and continue coverage so the world can see the israili crimes in Gaza. pic.twitter.com/ELlmUN2984

— Roshdi Sarraj (@RoshdiSarraj) October 17, 2023

وكان هذا الأب الشاب البالغ 31 عاما، يعمل كمنسق لـ "راديو فرانس" و"فرانس تلفزيون" منذ العام 2021، ولصحيفة لوموند وبي بي سي أيضا وللعديد من وسائل الإعلام الأخرى. وكان قد أسس بقطاع غزة، مع زوجته، وكالة صحافة خاصة بقطاع السمعي-البصري أُطلق عليها اسم "عين ميديا"، إلى جانب صديقه ياسر مرتجى الذي قتل في العام 2018 برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء تغطيته لمظاهرة على حدود الفصل مع إسرائيل.

وقال راديو فرانس في مقال تكريما له: "أولئك الذين عرفوا رشدي السراج وعملوا معه، يحيون الصحافي المتميز". وأضاف: "بفضل عمله، تم وصف وسرد حياة الفلسطينيين ورعب الحرب، على إذاعة فرانس إنتر".

ومن جهتها، كتبت على منصة إكس الصحافية أليس فروسار التي تعمل في نفس الإذاعة: "كان أول من يعطينا المعلومة، مخاطرا بحياته من أجل ذلك، في الوقت الذي كان يستحيل لأي كان الدخول إلى المنطقة".

“Sending love to you”. Voilà son dernier message. En bombardant sa maison, Israël a tué mon ami @RoshdiSarraj, mon fixeur, celui sans qui je n’étais rien là bas. Il était journaliste et réalisateur, il avait créé @AinMedia. Il avait 31 ans, c'est bien trop jeune pour mourrir. pic.twitter.com/f3Mg39JDxB

— Alice Froussard (@alicefrsd) October 22, 2023 مخاوف من التعتيم الإعلامي

وذكرت منظمة مراسلون بلا حدود، التي تحقق حاليا في ملابسات وفاة رشدي السراج، مقتل تسعة صحافيين في غزة أثناء تأديتهم واجبهم أو استهدفوا بسبب مهنتهم. وقالت المنظمة "إن الإجراءات العامة مثل الحصار المفروض على قطاع غزة منذ فترة طويلة والذي تم تعزيزه مؤخرا، إضافة إلى التهجير القسري للمدنيين في الأيام الأخيرة تؤثر على الصحافيين المحليين وأسرهم. كما حذرت المنظمة من "خطر محدد يأخذ عدة أشكال، يطال طواقم التحرير والصحافيين" ويجعل المنظمة تخشى "تعتيما إعلاميا حقيقيا" في القطاع.

وقد سجلت المنظمة غير الحكومية المدافعة على حرية الإعلام التدمير الكلي أو الجزئي بالصواريخ الإسرائيلية لعدد من المراكز الإعلامية. وأوضحت منظمة مراسلون بلا حدود: "في 19 أكتوبر/تشرين الأول، دمرت غارة جوية مكتب تحرير موقت في خيمة تضم فرقا من بي بي سي، ورويترز، والجزيرة، ووكالة الأنباء الفرنسية ووكالات صحفية محلية، بدون التسبب في إصابات، بالقرب من مستشفى ناصر بخان يونس". وبحسب اتحاد الصحافة الفلسطيني، فإن 50 مقرا إعلاميا أصبحت الآن خارج الخدمة.

هذا، واضطرت وكالة الأنباء الفرنسية، التي تضم فريقا من تسعة موظفين في القطاع، إلى إخلاء مكتبها الواقع في مدينة غزة. ويشرح فيليب تشيتويند، مدير الأخبار في الوكالة الفرنسية الوضع قائلا: "نتوزع الآن على عدة شقق بالجنوب، مع صحافيينا وعائلاتهم أيضا، أي ما يقارب الخمسين شخصا.. إن عمل صحافيينا صعب للغاية في مثل هكذا ظروف. إنهم يعيشون تحت ضغط مستمر. يقومون بتغطية الأخبار ويفكرون في مصير أسرهم وفي الوقت ذاته. فَقَد أحد مصورينا الليلة الماضية [في ليلة 22 أو 23 أكتوبر] عددا من أقربائه".

كاميرات موجهة نحو سماء غزة

وفي غياب مبعوثين خاصين إلى عين المكان أي داخل غزة، تصبح المعلومات التي ينقلها صحافيو وكالة الأنباء الفرنسية في الموقع مادة ذات قيمة أكبر بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية.

هذا، وقد تم وضع ثلاث كاميرات للوكالة وبشكل دائم، موجهة إلى سماء غزة لالتقاط وتوثيق القصف الإسرائيلي وعواقبه. ولا تزال إحدى هذه الكاميرات موجودة على سطح مقر مكتب الوكالة الفرنسية السابق في مدينة غزة  وأخرى عند معبر رفح، أما الثالثة فتلتقط الصور من الأراضي الإسرائيلية.

ولكن، مثلما هو الحال بالنسبة للمراسلين النادرين الموجودين في القطاع، تعاني وكالة الأنباء الفرنسية أيضا من شح في الماء والبنزين، كما يوضحه فيليب تشيتويند: "لدينا قليل من البنزين لمدة يومين أو ثلاثة فقط لتشغيل مولداتنا. ونحن نبحث عن حلول للمستقبل. ومن دون إمدادات، ستنطفئ الكاميرات الموجودة على أرض غزة، وحينها سيتوقف العالم عن رؤية ما يجري هناك".

وإلى ذلك، تعتمد معظم وسائل الإعلام الفرنسية، غير القادرة على إرسال صحافيين إلى غزة، على المنسقين ووكالات الأنباء المتواجدين في عين المكان.

وتعتمد قنوات فرانس24 مثلا على كاميرات البث المباشر لوكالة الأنباء الفرنسية بشكل دائم، كما أنها تنقل الأخبار بفضل مراسلتها الناطقة باللغة العربية في غزة مها أبو الكاس، التي نجت قبل أسبوعين من قصف للجيش الإسرائيلي. فقد أصيبت بجروح طفيفة وتم إجلاؤها من منطقة سكنها مع عائلتها. وبشجاعة تواظب عملها في ظروف قاسية وبوسائل محدودة للغاية على غرار انقطاع الكهرباء والهاتف والإنترنت في معظم أنحاء القطاع.

07:04 مراسلة فرانس24 في غزة مها أبو الكاس تعرضت وعائلتها لخسائر مادية جسيمة جراء قصف إسرائيلي. 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. © صورة ملتقطة من شاشة فرانس24

هذا، ويعمل فريق مراقبون في فرانس24 أيضا على التحقق من صحة الصور المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي. ويعمل الصحافيون أيضا مع مراقبين في غزة للوصول إلى معلومات تم التحقق منها حول ما يحدث في القطاع.

Alors que l'accès des #médias internationaux est très limité à #Gaza, beaucoup de citoyens et de journalistes continuent à rapporter sur le quotidien difficile dans l'enclave sous la menace permanente des bombardements israéliens. pic.twitter.com/GsJCtME08t

— Les Observateurs (@Observateurs) October 25, 2023 تحقيقات صحفية مستقلة

إن القصف الذي تعرض له مستشفى الأهلي في غزة، وأسفر عن مئات القتلى في 17 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب حركة حماس، أثار مصدره تضاربا إعلاميا كبيرا، وأظهر حاجة ماسة إلى توفر مصادر محلية مستقلة وحرة في التنقل داخل القطاع بدون التعرض للخطر، وذلك لإجراء تحقيقات صحفية والوقوف على الحقائق على أرض الواقع.

ويذكّر جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، أن "هؤلاء الصحافيين الفلسطينيين الموجودين على الأرض هم خط الدفاع الأول في مواجهة الأخبار المضلّلة والدعاية التي وللأسف تشتد حدتها في مناطق النزاع".

فبالإضافة إلى كونهم أهدافا محتملة للقصف الذي تتعرض له غزة، فهم يواجهون أيضا ومنذ سنوات عدة ضغوطات تمارسها عليهم حركة حماس في القطاع.

وفي هذا الصدد يؤكد جوناثان داغر قائلا: "يشرح لنا الصحافيون العشرون الذين نتواصل معهم في غزة أن المخاطر الرئيسية الحالية تتعلق بالغارات الجوية الإسرائيلية والحصار المفروض والتهجير القسري. ولكن قبل هذه الحرب كانوا تحت ضغط حماس".

كما سبق وأن تعرض العديد منهم للاعتقال أو الترهيب بمجرد إثارة مواضيع كتلك التي تتعلق بسوء الإدارة أو الفساد، من جانب حركة حماس السلطة الحاكمة في القطاع.

ويردف رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود قائلا: "هناك مؤيدو دعاية حماس الذين يعملون معهم، ولكن يوجد أيضا صحافيون محترفون في غزة، يقومون بعمل صحفي حقيقي، ويجدون أنفسهم عالقين بين قمع حماس والحصار العنيف الذي تفرضه إسرائيل".

هذا، وكانت قد دعت منظمة مراسلون بلا حدود العام 2019 كلا من حركة حماس والسلطة الفلسطينية إلى "عدم جعل الصحافيين -ضحايا جانبيين- لخلافاتهما" في غزة والضفة الغربية.

ويذكر أنه، وفقا للتصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2023 الذي أصدرته مراسلون بلا حدود، تحتل فلسطين المرتبة 156.

النص الفرنسي بهار ماكويي / النص العربي فارس بوشية

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج غزة الحرب بين حماس وإسرائيل إسرائيل حماس فلسطينيون حرية الصحافة للمزيد حصار غزة وکالة الأنباء الفرنسیة أکتوبر تشرین الأول رشدی السراج فی القطاع حرکة حماس فی غزة

إقرأ أيضاً:

عمى متعدد الطبقات.. قراءة إسرائيلية بالفشل الاستخباراتي في 7 أكتوبر

كان الحنق الإسرائيلي جراء الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول أشد ما يكون موجها بشكل أساسي إلى شعبة الاستخبارات العسكرية عموما وإلى وحدة الأبحاث 8200 خصوصا، فشعبة الاستخبارات ووحدة الأبحاث هما المسؤولتان عن توفير الإنذار أو التحذير المسبق الذي يسمح لبقية القوات بالاستعداد لمواجهة التطورات المتوقعة.

وما زاد في الحنق هذه المرة أن هناك تجربة فشل سابقة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 اضطرت إسرائيل إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة وضعت أسسا جديدة للتعامل والتقدير الاستخباري.

لكن كل العبر والدروس والمتطلبات والترتيبات ضاعت تحت غبار الغطرسة والعنجهية والاعتقاد السائد بأن "الاستخبارات تعرف كل شيء".

وبحسب تقرير يوآف زيتون المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الغطرسة والعمى كثقافة مستمرة في شعبة الاستخبارات جعلت "المفاجأة كاملة"، وكان هناك استنتاج واحد مخيف بشأن عمق الفشل، والذي نشأ عن سير إسرائيل بعينين مفتوحتين نحو ذلك السبت المؤلم الذي غيّر مجرى التاريخ: كان الفشل والمفاجأة أكثر خطورة في 7 أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بحرب يوم الغفران، والتي اندلعت قبل 50 عاما.

لم تحذّر

وتعد وحدة الأبحاث في جهاز الاستخبارات الهيئة التي يتم توجيه كافة المنتجات الاستخبارية إليها، فتدرسها وتحللها وتعممها وتستخلص النتائج.

إعلان

ومن المفترض أن تقوم وحدة الأبحاث بإصدار التحذير للحرب، لكنها لم تقدم التحذير، وعلى العكس من ذلك خلصت إلى عدم وجود مثل هذا السيناريو، وهذا يعد أحد أعظم إخفاقات الاستخبارات في التاريخ، إنه أكبر من فشل عام 1973.

لقطة تظهر موقع الوحدة 8200 ويشار إليها أحيانا باسم وحدة "سيغينت" (خرائط غوغل)

ومن وجهة نظر تحقيقات وحدة الأبحاث "لم يكن هذا فشلا معزولا، لم يكن هذا "البجعة السوداء" (حدث متطرف لا يمكن التنبؤ به)، ولم يكن هذا خطأ في التنبؤ، لقد كان كسوفا للشمس "فجوة طويلة ومتواصلة وعميقة في فهم الواقع".

وأضافت "لقد استمر هذا لسنوات، لم يخترعوه في وحدة الأبحاث، لقد كان فشلا منهجيا اجتاح كل الأنظمة والهيئات في كافة مؤسسات الأمن وفي وحدة الأبحاث، قمنا بترسيخه وتفسيره والإيمان به".

وجاء في أحد التحقيقات الأساسية بالجيش "هذه المرة، لم يرَ أحد أو يتعرف على أي علامة على التحضير لهذا الحدث الذي كان من الممكن أن يولد تنبيها استخباراتيا حتى على أدنى مستوى، كانت المفاجأة كاملة وظرفية وجوهرية في مواجهة الخداع الإستراتيجي الذي استمر لسنوات، والخداع العملي للعمل الذي تم تنفيذه، والخداع التكتيكي طوال الليلة التي سبقت الغزو"، ولم يكن هناك أيضا أي نقاش مسبق بشأن ما إذا كان ينبغي استدعاء قوات الاحتياط.

السيناريو الأسوأ

وفي مناقشات قيادة الجبهة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي في صيف ما قبل الحرب وبناء على التقديرات والمعطيات الاستخبارية كان السيناريو الأسوأ هو تسلل نحو 70 مقاتلا فلسطينيا من غزة من موقعين، لكن ما حدث هو اقتحام أكثر من 5 آلاف مقاتل الحدود من أكثر من 100 موقع.

وبحسب ما كن متوفرا من معلومات، فإنه قبل 3 أشهر من 7 أكتوبر/تشرين الأول أمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الجيش بالتركيز على إيران وحزب الله والضفة الغربية وتهدئة قطاع غزة.

إعلان

وأظهرت التحقيقات في الفشل وجود فجوة مستمرة بين المفاهيم والتصورات بشأن حماس والواقع، ففي العامين السابقين للحرب كانت هناك 10 إشارات وفرص ضائعة لتغيير المفهوم، لكن شعبة الاستخبارات غضت الطرف، وقالت "لقد قرأنا، لكننا لم نرَ ما هو مكتوب بين السطور "بقي هناك شعور بالزيف في الهامش، ولم تكن المفاجأة في مركز التفكير".

جنود إسرائيليون ينقلون في 10 أكتوبر 2023 جثة إسرائيلي سقطت في مستوطنة كفر عزة المحاذية لقطاع غزة (رويترز)

وقد توصلت تحقيقات شعبة الاستخبارات إلى عدم وجود إهمال أو تسيب من جانب أي طرف أدى إلى الفشل، بما في ذلك في الليلة التي سبقت الغزو.

وهذا يعني أنه لم يكن هناك أحد "نام في الحراسة" أو أهمل مهمته أو فشل في الإبلاغ عن إشارة مشبوهة اكتشفها.

وطبعا هناك كثيرون انتقدوا هذه الخلاصة التي تعني أن الفشل كان مفهوميا وليس شخصيا، ومع ذلك أقرت التحقيقات بأن أسلوب البحث في شعبة الاستخبارات لم يكن نقديا، وافتقر إلى فهم لغة وثقافة الإسلام المتطرف، ولم تعالج إسرائيل سوى نوايا حماس وليس قدراتها.

وبالإضافة إلى ذلك تم العثور على أوجه قصور وإخفاقات مستمرة في الثقافة التنظيمية بشعبة الاستخبارات على مر السنين، بما في ذلك عدم إثارة الشكوك والتحديات في جميع المجالات حتى بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتبين أن اثنين على الأقل من الضباط المشاركين في إدارة المخابرات غير لائقين لمنصبيهما.

وكشف التحقيق أن الفشل الاستخباراتي هو "نتيجة لمشاكل عميقة وجوهرية ونظامية تكمن في صميم نظام الاستخبارات والمهنة والثقافة التنظيمية"، وقد حدد التحقيق 3 إخفاقات رئيسية: فجوة كبيرة ومستمرة بين المفاهيم في الاستخبارات بشأن حماس والواقع، الفشل في التحذير من وقوع هجوم مفاجئ في الأيام التي سبقت ذلك، وهناك فجوة في إدراك وتجسيد الفهم للقضايا الجوهرية في حماس.

إعلان براغماتية حماس

كان فهم حماس قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول هو أن هذه المنظمة وزعيمها يحيى السنوار "براغماتيان" على أساس يومي حتى لو لم يتنازلا عن "الرؤية"، وينظران إلى الحكومة كأصل إستراتيجي، ويلتزمان بالنظام والهدوء كإستراتيجية رائدة.

وبدا لهم أن حماس تراجعت عن فكرة الحرب، وركزت على الدفاع وإطلاق الصواريخ.

وفي عام 2023 -كما كتب- تم تقويض الردع في ضوء الضعف الداخلي الإسرائيلي، ولكن حتى في ذلك الوقت كان يُعتقد أن حماس ملتزمة بالحفاظ على السلام وأنها تركز على الضفة الغربية.

كانت إسرائيل تنظر للسنوار وحماس قبل 7 أكتوبر على أنهما تراجعا عن فكرة الحرب (الجزيرة)

 

لقد أظهر توجه حماس نحو الحرب الفعلية -كما تم تحليله بأثر رجعي- أن الواقع كان مختلفا تماما، وأن "تحرير فلسطين" هو الهدف الرئيسي لحماس، والذي اعتبرته المنظمة هدفا واقعيا وقابلا للتحقيق.

لقد كان الترويج للهجوم العسكري هو المسار الإستراتيجي الرائد لتحقيق الأهداف الشاملة، في حين لم تكن التفاهمات مع إسرائيل ("التسوية") بديلا إستراتيجيا، وكانت تهدف إلى معالجة الوضع المدني.

وفي كل حال شملت العلامات الدالة في الليلة التي سبقت الهجوم -من بين أمور أخرى- مؤشرات على إطلاق الصواريخ، ونزول عناصر حماس إلى الأنفاق، وتفعيل العشرات من أجهزة المراقبة الإسرائيلية نحو الساعة التاسعة مساء.

وذكر التحقيق أنه إلى جانب هذه الإشارات وغيرها كانت هناك إشارات مطمئنة أيضا.

وأشار إلى أن "كل علامة على حدة لم تشر إلى نشاط كبير، لكن تراكم العلامات معا كان أمرا غير معتاد"، وقد تم نقل المعلومات بشأن هذه الإشارات في الليلة التي سبقت الهجوم من جهاز الشاباك إلى الجيش الإسرائيلي في رسالة عبر تطبيق واتساب، ولكن لم تعمل مقرات الاستخبارات بشكل سليم ولم ترفع مستوى التأهب للحرب.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى ذلك أن "ثقافة العمل عن بعد ومن خلال أنظمة الاتصالات المشفرة أدت إلى انخراط المقرات ومراكز الاستخبارات في الوحدات في لعب دور الوساطة بنقل المعلومات بدلا من إدارة العمل الاستخباراتي".

وبحسب التحقيقات، لم يكن كل العناصر الذين كانوا مطلعين على الشؤون السرية في الجيش في الليلة التي سبقت الغزو على علم بكل العلامات التي تشير إلى ذلك.

وتم نقل ملخصات تقييمات الوضع الليلية في الوقت الحقيقي إلى مكاتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، لكن السكرتيرين العسكريين لم ينبها نتنياهو.

سكرتير نتنياهو لم ينبهه إلى تقييمات العلامات التي سبقت هجوم 7 أكتوبر (رويترز)

 

ورأت "يديعوت أحرونوت" أنه "لتفسير الفشل الاستخباراتي الذي أدى إلى الخطأ الفادح في 7 أكتوبر/تشرين الأول يكفي وصف المساء والليلة التي سبقت هجوم حماس، والتي كانت -وفقا لمحققي الجيش الإسرائيلي- نموذجا مصغرا للمفهوم بأكمله، فقد تلقت الاستخبارات العسكرية والقيادة الجنوبية خلال هذه الساعات ما لا يقل عن 5 إشارات تشير إلى هجوم محتمل من جانب حماس، بما في ذلك عشرات من شرائح الهواتف المحمولة التي تم تنشيطها في غزة، وحركة مشبوهة في صف الصواريخ، وغير ذلك من المؤشرات غير الواضحة.

إعلان

ورغم ذلك فإن مسؤولي الاستخبارات وجدوا تفسيرا مرضيا لكل منها، وكان التفسير الرئيسي هو تكرار مثل هذه الحالات في الأسابيع والأشهر والسنوات التي سبقت الحرب.

العيوب الرئيسية

ووفق التحقيق، فإن العيوب الرئيسية فيما يتعلق بسلوك القوات الإسرائيلية في الليل تتعلق بعدم إجراء تقييم استخباراتي منهجي، بل الاعتماد على افتراضات ثابتة ومتناقضة لتفسير سبب عدم كون هذه الأحداث غير عادية على الرغم من العلامات.

وبالتالي، لم يتم إصدار أي تحذير من أي نشاط مشبوه، وبالإضافة إلى ذلك تم إعطاء وزن مفرط لأمن مصادر الاستخبارات على حساب زيادة يقظة المقاتلين.

وعلى نحو مماثل أدى عصر "وفرة المعلومات" إلى طمس حدود الاختصاص والمسؤولية بين وكالات جمع المعلومات والبحث، وأثر على الخطاب الاستخباراتي العملي.

كان الفشل الرئيسي في تلك الليلة يتعلق بالخوف من كشف مصادر الاستخبارات، مثل بعض أساليب المراقبة، والتي أدت -كما في العديد من الحالات الأخرى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول- إلى الفشل في إبلاغ المقاتلين وقادتهم إذا كانت هناك أي علامات إنذارية (لم ترقَ إلى مستوى التحذير من هجوم)، بحيث لا تدرك حماس -التي تدير وحدات مراقبة وتكتشف أي تغييرات على الجانب الإسرائيلي من الحدود- أن أنشطتها السرية قد انكشفت.

وحسب التحقيقات، "كان العمى الاستخباراتي في ليلتي 6 و7 أكتوبر متعدد الطبقات: كانت هناك طائرة مسيرة ثابتة واحدة فقط للاستطلاع والهجوم تحوم في سماء القطاع بكاميرا مغلقة يتم تشغيلها نحو الساعة الرابعة، ولم تتمكن منظومة الاستطلاع القتالي -أي المراقبة من قبل القوات البرية- من رؤية عمق القطاع وراقبت كالمعتاد باتجاه منطقة الحدود، وكانت البالونات المخصصة للمراقبة قديمة ولم تكن تعمل، وسقط مشغلوها الجنود قتلى في اليوم التالي".

عمليات المراقبة الإسرائيلية ليلة الهجوم اقتصرت على مسيّرة كانت تحوم في سماء غزة (الفرنسية)

 

إجمالا، لخص ناحوم برنياع كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت" الوضع بقوله إن وحدة الأبحاث هي المسؤولة عن تقدير الوضع القومي، فهي "الوحدة النوعية التي مهمتها في الجيش استشراف المستقبل، عندما يبحث وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس أمان في مسائل من معنا؟ ومن ضدنا؟ من يستعد للحرب؟ ومن مرتدع؟ من قادر؟ ومن غير قادر؟ فإن أوراق وحدة الأبحاث تتحدث من حلقهم.

إعلان

هذا هو الوضع رغم أنه على مدى السنين في المفترقات الحرجة فشلت الدائرة في تقديراتها المرة تلو الأخرى.

وتحقيق الجيش الإسرائيلي عن وحدة الأبحاث حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول وفي أثنائه فتاك، والضابطان اللذان عرضاه أمامي -وهما عميد في الاحتياط ورائد في الاحتياط- وصفا صورة أسود من السواد "أناس أكفاء، مجموعة متميزة تعيش خارج الواقع"، قال المسؤول: "هذا فشل ذريع".

مقالات مشابهة

  • تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي
  • بالتفصيل.. الجيش الإسرائيلي يكشف خبايا معركة 7 أكتوبر
  • إعلام عبري: ما تم كشفه 10% فقط من فشل 7 أكتوبر
  • قناة إسرائيلية: ما تم كشفه 10% فقط من فشل 7 أكتوبر
  • “أطباء بلا حدود” تحذر من “عواقب مدمرة” لتعليق دخول المساعدات إلى غزة
  • شهداء في غزة بنيران الاحتلال والوسطاء يواصلون الضغط لبدء مفاوضات المرحلة الثانية
  • لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا
  • التكنولوجيا المالية 2025 في تركيا.. الاستثمارات والمخاطر في ازدياد
  • عمى متعدد الطبقات.. قراءة إسرائيلية بالفشل الاستخباراتي في 7 أكتوبر
  • الفلسطينيون في قطاع غزة يستقبلون رمضان ببهجة رغم الدمار