قال المطران جورج خضر مطران الروم الارثوذكس في لبنان، في تصريح له، إن الانجيل يقول «اتلوا معًا مزامير وتسابيح وأناشيد روحيّة» (أفسس ٥: ١٩). هذه النقولة لبولس الرسول تعود حرفيًّا في رسالته إلى أهل كولوسي ٣: ١٦ ما يدلّ على أنّ كنيسة الرسل أخذت بالموسيقى. ويشهد العهد القديم أنّ الموسيقى عُرفت منذ بدء الإنسانيّة ثمّ عزف العبرانيّون بالآلات.

«سبّحوه بلحن البوق، سبّحوه بالمزمار والقيثارة. سبّحوه بنغمات الصنوج» (مزمور ١٥٠: ٣-٥). ولم تأخذ الكنيسة الآلات من الهياكل الوثنيّة لأنّها كانت تكرهها ولذلك بقيت الكنيسة في الشرق والغرب لا تعرف الآلة. ودخلت هذه كنائس الغرب بعد الانشقاق.

ثمّ بظهور الحركة الرهبانيّة ونموّ الذوق النسكيّ صارت بعض الكنائس تقلع عن الترتيل ذاته خوفًا من الطرب. إلّا أنّنا لاحظنا دخول الموسيقى مع القدّيس رومانوس المرنّم الحمصيّ المولود والنشأة والذي خدم في كنيسة بيروت وتوفّي في القسطنطينيّة في منتصف القرن السادس. وتعاظم الترتيل مع القدّيس يوحنّا الدمشقيّ ووضْعه أو تثبيته للألحان الثمانيّة. وعشنا على تراثه حتّى يومنا هذا حتّى نهضت الموسيقى البيزنطيّة نهضة كبيرة في مطلع القرن الماضي وتكيّفت بعبقريّة الشعوب الأرثوذكسيّة وأحسسنا أنّ الصوت البشريّ يكفي للتسبيح.

وقد ساعد التلحين على ألّا يملّ الشعب الأرثوذكسيّ النصوص المتلوّة وساعد على حفظها وتناولها واحتضن هذا المناخُ الجماليّ تقوانا كما تعهّدت العمارة والأيقونة تقوانا.

ووضعت الكنيسة ضوابط على الملحنين الكنسيين كما وضعت ضوابط لرسم الأيقونة التي يجب أن تخضع لقوانين في الرسم، فلا ندخل إلى كنائسنا لوحات من الفنّ الإيطاليّ يسودها الجمال البشريّ. الخشوع، ترتيلًا ورسمًا وبناءً، يسود حياتنا الطقوسيّة.

من هنا إنّنا في الأصل نجعل للمرتّل رسامة كما نجعل للقارئ رسامة إذ نتحقّق أنّه يعرف القراءة فإذا أعجب الأسقف يقرأ ويرتّل. ومن هنا أنّ عندنا في الكاتدرائيّات «بروتوبسالتي» أي أوّل المنشدين. وعندنا المرتّل الثاني الذي يقف إلى الشمال أو عندنا منذ القرن الرابع جوقة إلى اليمين وجوقة إلى اليسار تتناوبان بخضوع الكلّ إلى أوّل المنشدين.

إنّ الشعب يسمّي المرتّل عندنا المصلّي أي إنسانًا ينحصر في التقوى ويخضع في الأداء للكاهن. فالكاهن يسهر على حسن الأداء ويأمر بالمطوّل أو غير المطوّل حسبما يراه نافعًا للمؤمنين. نحن لسنا فئة مستقلّة في الهيكل وفئة أخرى مستقلّة على «القرّاية». نحن كتلة واحدة تصلّي رئيسها الكاهن إِمام الصلاة.

لهذا تخضع الكتب الموسيقيّة لإذن صريح من المجمع المقدّس فلا إطالة في غير محلّها ولا طرب يسوقك إلى الألحان الدنيويّة. لذلك نسعى إلى أن يأتي الترتيل من التراث الحافظة لإنشاد تقلّدناه عن السلف. والذين يعتبرون أنفسهم مبدعين ينبغي أن يكونوا محافظين على روح الكنيسة ضمن التقليد الأرثوذكسيّ كما يبدع الرسامً في إطار الأيقونة التراثيّة.

وقد نصَّت المجامع على روحانيّة المرتّل فجاء في المجمع الرابع المسكونيّ أنّه يجب أن يكون متزوّجًا من امرأة أرثوذكسيّة (قانون ١٤).

أمّا في مجال الأداء فقد جاء في القانون ٧٥ لمجمع تروللو «إنّ المرتّلين في الكنائس يجب ألّا يستعملوا أصواتًا خارجة عن النظام أو يقسروا الطبيعة بالصراخ أو يخرِجوا أنغامًا لا يليق سماعها في الكنيسة. بل يجب أن يقوموا بالتسابيح لله بانتباه وخشوع تامَّين وهو المطَّلع على سرائر القلوب...».

ونحن ننبّه إلى أنّ بعضًا من المنشدين في الجوقات يحاولون أن ينفردوا لتُسمع أصواتهم. فالتواضع هو المطلوب وكذلك الانسجام حتّى لا يَطلب أحدٌ مجدًا لنفسه. والتواضع يفرض على أنّ الأولويّة في الكنيسة نعترف بها للذين يتقنون الموسيقى لا للذين بقوا على السماعي. الإنشاد صلاة وفضيلة لكي يبقى الله هو المُسبَّح.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

هيئة الموسيقى تُنظّم حفل روائع الأوركسترا السعودية بالرياض

برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى، تنظم هيئة الموسيقى، لأول مرة، حفل روائع الأوركسترا السعودية على أرضها وبين جمهورها في العاصمة الرياض، خلال ثلاثة أيام متتالية ابتداءً من يوم الخميس 16 يناير الجاري، على مسرح مركز الملك فهد الثقافي، وذلك في إطار جهودها لتعزيز حضور الأغنية السعودية محليًا.

ويُعد حفل روائع الأوركسترا السعودية في الرياض المحطة السادسة في سلسلة الجولات العالمية للأوركسترا والكورال الوطني السعودي، امتدادًا لمسيرة عالمية متألقة خطّتها الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، حيث حملت ألحانها أصالة التراث السعودي إلى أعرق المسارح الدولية بدءًا من باريس، وأبهرت العالم بأصدائها في قاعة دو شاتليه، ثم حطت رحالها في المكسيك على خشبة المسرح الوطني، وواصلت إبداعها على مسرح دار الأوبرا متروبوليتان في نيويورك، ثم في لندن على مسرح سنترل هول وستمنستر، مختتمة جولاتها الدولية خلال عام 2024م بحفلها الذي أقيم في نوفمبر الماضي على مسرح طوكيو أوبرا سيتي في العاصمة اليابانية طوكيو.

اقرأ أيضاًالمجتمع“صقر الغروب” طائر معرض للانقراض تم تسجيل تعشيشه في “محمية الملك سلمان”

وبتنظيم هذا الحفل، تسعى هيئة الموسيقى إلى إثراء المشهد الموسيقي في المملكة، والاحتفاء بجمال الأغنية المحليّة والاعتزاز بأصالة ألحانها وامتداد تاريخها، وصون التراث الموسيقي للأغنية السعودية بتعزيز حضوره ونشره، وإتاحة الفرصة للجمهور المحلي بالحضور للأوركسترا والكورال الوطني السعودي، حيث ستُطرح التذاكر قريبًا.

وتجسد حفلات روائع الأوركسترا السعودية حدثًا استثنائيًا ينقش إبداعه على خارطة الفن والثقافة، ليكون شاهدًا على رحلة موسيقية آسرة تأخذ جمهورها بين أروقة التراث السعودي وأصالة ألحانه العريقة، في تناغم يفيض بلمسات تُبرز تنوع المملكة الثقافي وغناها الفني.

مقالات مشابهة

  • سليم سحاب: الموسيقى واللحن الجميل يبكيانني
  • أحمد موسى: إحنا مش أي شعب والقيادة اللي عندنا مش موجودة في أي مكان
  • لميس الحديدي عن قانون المسؤولية الطبية: الطبيب لو إيده مرتعشة مش هيشتغل
  • العلاج بالصدمة للتعددية
  • هيئة الموسيقى تُنظّم حفل روائع الأوركسترا السعودية بالرياض
  • جسور تعرف زوار ولاية بدية بالثقافة العمانية
  • بنكيران بأسلوب دنيء : السواسة جاو عندنا لا يملكون شيئاً و اليوم كينافسو أهل فاس
  • محمد شرارة يجمع الموسيقى العربية بموسيقى الجاز بالأوبرا
  • الخولي يتساءل حول الكميات الحقيقية للثروة المعدنية في مصر
  • تسجيل صوتي للمشتبه به في هجوم نيو أورليانز شمس الدين جبار: الموسيقى صوت الشيطان