.. وفي رواية:
شربت مع المأمون كأسا
روية فأنهلك المأمون منها وعلكا
(يقصد بالمأمون في كل شطر رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم)
فلما بَعَثَ بها كعبٌ إلى أخيه بجير، وأتته القصيدة، فأبى أن يكتمَها رسولَ اللهِ، فأنشده قصيدةَ أخيه كعبٍ، فقال الرسول الكريم لما سمع البيت القائل:(سقاك بها المأمون…): (صدق، وإنه لكذوبٌ، أنا المأمون)، ثم كتب بجير لزهير ردًّا على قصيدته، يقول له فيها:
مَنْ مبلغٌ كعبًا فهل لك في التي
تلوم عليها باطلا وهْي أحـزمُ
إلى الله لا العزَى، ولا اللات وحده
فتنجو إذا كان النجاءُ وتســلمُ
لدى يومٍ لا ينجو وليس بمفلتٍ
من الناس إلا طاهرُ القلبِ مسلمُ
فلما بلغت كعبًا قصيدةُ أخيه بجير ضاقتْ به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به مَنْ كان في حاضره من عدوه، فقال: هو مقتولٌ، فلما لم يجد من شيءٌ بدا، قال قصيدته المشهورة التي يمدح فيها رسولَ الله:(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول…)، ثم خرج إلى المدينة، وغدا إلى رسول الله في صلاة الصبح، فصلى مع الرسول الكريم، وقدَّمه أحدُهم إلى الرسول، وقال: هذا كعب جاء يستأمنك، ويُسْلِمُ يا رسول الله، جاءك تائبًا مسلِمًا، فهل أنت قابلٌ منه، فقال الرسول: نعم، فقام كعبٌ، وقال يا رسول الله، أنا كعب بن زهير، فوثب عليه رجلٌ من الأنصار قائلًا: دعني يا رسول الله وعدو الله، أضرب عنقه؟، فقال الرسول الكريم الرحيم: دعْه عنك، فإنه جاء تائبًا نازعًا، فقام كعبٌ، وأنشد قصيدة (بانت سعاد) بين يدي الرسول الكريم، فأسلم، وحسن إسلامه، وأمسى شاعر الرسول يَذُبُّ عنه، وعن الإسلام، وبارك الله إسلامه، وأبلى بلاءً حسنًا.


والشاهد هنا هو تسمية الرسول بالأمين، وبالمأمون، من كلِّ الحاضرين، وكلهم لم يأل مَنْ هو؛ لعلمهم به، وفهمهم قدره، ومكانته.
وثمة صفة أخرى هي:(يتلو عليهم آياته)، وهي كناية عن طهارته، وكمال ما أُرْسِلَ به، وأنه دائم في كل العصور؛ لأن المضارع يفيد الاستمرار، وعليهم تفيد أن الآياتِ قد علتْهم، وشملتهم، وباركتهم، وظللتهم، وجمع الآيات تدال على كمالها، وغشيانها قلويهم وإحاطتها بهم، كمالًا وجلالًا.
وقوله:(ويزكيهم) كناية أخرى عن أوصافه الطاهرة المتواصلة المستمرة، حيث وردت بالمضارع، فتزكيته المؤمنين ثابتة أزلية سرمدية، وهو في تزكيته جاء لهم ولمجموعهم، وليس لآحادهم، وقوله:” ويعلمهم الكتاب والحكمة) فيها عارض التقديم الذي يدل على أهمية تعليمه، وأنهم المقصودون من التعليم، والكتاب كناية عن موصوف هو القرآن الكريم، والحكمة كناية عن موصوف كذلك، وهو السنة المطهرة، فهو يصبُّ في طهر الكتاب، وحكمة السنة اللذين هما جناحا كلِّ مؤمن إلى ربه، ويكون سببًا لدخول الجنة، ورضا الله- عز، وجل-، واستعمال المضارع في كلِّ تلك الأفعال يفيد الاستمرار، والسرمدية، والأزلية، حتى، وإنْ مات (صلى الله عليه وسلم)، فسيرته بين ناظري كل مسلم، وفي قلب كل مؤمن، ويمضي بها في حياته، يستدعيها بصورة منتظمة لحل كل ما يقف أمامه، أو يعرض له.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الرسول الکریم رسول الله

إقرأ أيضاً:

"تكريم الرسول للمرأة" ندوة لـ"خريجي الأزهر" بالوادي الجديد

عقد فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالوادي الجديد، ندوة بعنوان: تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة، وذلك بمسجد الشلايلة، بقرية أسمنت، حاضر فيها الدكتور مجدي عبدالمنعم حامد متولي، الأستاذ بجامعة الأزهر، عضو المنظمة، والدكتور رفاعي عبد الحق، الأمين العام لفرع المنظمة بالوادي الجديد، والأستاذ بجامعة الأزهر.

البحوث الإسلامية يعلن موعد المرحلة النهائية لاختيار مبعوث الأزهر لدول العالم أكاديمية الأزهر العالمية تحتفل باختتام فعاليات دورة إعداد الداعية المعاصر لأربعة وفود دولية

وأكد المحاضرون أن الله تعالى قد أمر بأن يُعاشر النساء بالمعروف، فقال جل ذكره: (وعاشروهن بالمعروف)، والمعروف: كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل، يقول الحافظ بن كثير رحمه الله في التفسير: “أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه”.

وأضافوا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كرم المرأة أختًا وابنة، قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يُهِنها، ولم يُؤْثِرْ ولده عليها – يعني الذكور – أدخله الله الجنة)، وقال أيضًا: (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسَنَ صحبتهن واتقى الله فيهن، فله الجنة)، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسَّرُ ويفرح لمولد بناته، فقد سُرَّ واستبشر صلى الله عليه وسلم لمولد ابنته فاطمة رضي الله عنها، وتوسم فيها البركة واليُمن.
 

مقالات مشابهة

  • للمرء منا أكثر من ميلاد
  • "التفاؤل في حياة الرسول".. ندوات دعوية بأوقاف الفيوم
  • أمين «البحوث الإسلامية»: الأزهر امتداد لمنهج الرسول في ترسيخ الأخوة الإنسانية
  • عن اغتيال أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه
  • تنشئة الأطفال على حب الرسول.. ندوة لـ"خريجي الأزهر" بالوادي الجديد
  • أذكار النوم.. كما وردت عن رسول الله
  • أبواب الفرج العشر كما وردت عن رسول الله
  • المتعافون من الإدمان لوكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية: أعطيتنا أملاً في الحياة
  • ذكر عن رسول الله يصل بك إلى درجة القانتين
  • "تكريم الرسول للمرأة" ندوة لـ"خريجي الأزهر" بالوادي الجديد