إن الذرية والنشأ من أكبر نعم الله على هذه الأمة وإنهم رجال المستقبل الذين يحملون راية التوحيد والإيمان ويدافعون عن الأمة ويوصلون الأمانة إلى من بعدهم، فوجب علينا رعايتهم وتربيتهم والمحافظة عليهم، فالصبي أمانة عند والديه، وقلبه جوهرة قابلة لكل نقش، فإن عُوِدَ الخير نشأ عليه، وشاركه أبواه ومعلمه فى ثوابه، وإن عُوِدَ الشر نشأ عليه، وكان الوزر فى عنق وليّه، فلذلك ينبغى أن يصونه ويؤدبه ويهذبه، وأن يعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء.


ومن حسن التربية عدم التعود على حب أسباب الرفاهية والتنعم، فيضيع عمره فى طلبها إذا كبر، وطيب مطعم الصبى يبدأ منذ الرضاعة، فلا يستعمل فى إرضاعه وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه.
وعلى هذا عندما يبدأ فى الصبى مخايل التمييز، وأولها الحياء ـ والحياء كله خير ـ وذلك من علامات النجابة، وهذا يبشر بكمال العقل عند البلوغ، فهذا يستعان به فى تأديبه بحيائه، وينبغى على الوالدين تعليم الصبى والصبية آداب الطعام، حتى لا يشبان على شرهه، ويقبحان عندهما كثرة الأكل، ويمنعان من مخالطة وصحبة الأطفال الذين تعودوا على كثرة التنعم.
ومن أهم وسائل التربية اشغال الأطفال بحفظ القرآن والحديث، وأخبار الأخيار ليغرس فى قلبهم حب الصالحين، وإذا ظهر من الطفل خلق جميل وفعل محمود، فيلزم أن يكرم عليه ويجازى بما يفرح به، ويمدح بين الناس ليشجعه ذلك على الزيادة، فإن حدث له فتور فى العمل الصالح أو خالفه فى بعض الحوال تُغُوفِلَ عنه، ولا يكاشف، فإن تكرر ذلك عُوتِبَ سرًا وخُوِّفَ من اطلاع الناس عليه، ولا يكثر عليه العتاب؛ لأن ذلك يهون عليه سماع الملامة، وليكن حافظًا هيبة الكلام معه.
وعلى الأم أن تخوفه بالأب، ويُراقَبُ الطفل فى تصرفاته وحركاته وأقواله، ويُمنع من النوم نهارًا لأنه يورث الكسل، ولا يمنع من النوم ليلا، ويُتعَود الخشونة فى المفرش والمطعم والمأكل، ويُعود المشى والجرى والسباحة الرياضة، ليقوى بدنه ولا يغلب عليه الكسل ولا يقع فى مستنقع المخدرات القاتلة المهلكة، ويُمنع أن يفاخر أقرانه بما يملكه أبواه أو بمطعمه أو ملبسه، ويُعَود على التواضع والإكرام لمن يعاشره أو يخالطه، ويُمنع أن يأخذ شي~ًا من صبى مثله، ويُعلم أن الخذ دناءة وأن الرفعة فى الإعطاء، ويُقَبحُ عنده حب الذهب والفضة، لأن حب الدنيا يأتى من ورائهما، ويعود الطفل ألا يبصق فى مجلسه، ولا يتمخط ولا يتثائب بحضرة غيره، ولا يضع رجلا على رجل ويمنع من كثرة الكلام، ويعود أن لا يتكلم إلا مجيبًا، وأن يحسن الاستماع إلى غيره إذا تكلم من هو أكبر منه، وأن يقوم لمن هو فوقه وأن يجلس بين يدية، ولا يزال للحديث بقية إن شاء الله تعالى، والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.

د. أحمد طلعت حامد سعد
كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية
AHMEDTHALAT468@GMAIL.COM

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

البرلمان يسلم قانون العفو العام إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه

بغداد اليوم -  


مقالات مشابهة

  • مشيرب: من يقوم بالثورة عليه أن يحكم.. وهذا أمر يفرضه الشرع
  • البرلمان يسلم قانون العفو العام إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه
  • "حيرة بسبب كثرة النجوم" تشكيل الأهلي المتوقع بعد الصفقات الجديدة
  • سيف بن زايد يبحث مع الأمين العام لـ«الإنتربول» الارتقاء بالتعاون الدولي لمواجهة التحديات الأمنية العالمية
  • استشارية نفسية: التظاهر بالأخلاق يتسبب في صراع داخلي مع النفس
  • القائم بأعمال وزارة الصحة: الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين ‏وتلبية ‏احتياجات جميع المشافي
  • سعيد بن سلطان: الرعاية السامية لمجمع عُمان الثقافي تعزز جهود الارتقاء بالإسهامات الثقافية العُمانية
  • لجنة الرقابة الشرعية بالبورصة تدرس إطلاق مؤشر جديد يجمع بين الشريعة والاستدامة
  • لجنة الرقابة الشرعية تدرس إطلاق مؤشر جديد يجمع بين معايير الشريعة والاستدامة
  • لجنة الرقابة الشرعية تدرس إطلاق مؤشر جديد بالبورصة يجمع بين معايير الشريعة والاستدامة