حكم دفع الصدقات لفض المنازعات.. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز شرعًا دفع الصدقات لفض المنازعات بين الناس، وهو أمر مطلوب شرعًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْر﴾ [النساء: 128]، وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، لكن إذا كان القائم على أمر الصدقة موكَّلًا من آخرين فليس له أن يدفعها في غير ما خصَّصها له أصحابُها.
أضافت الإفتاء، أن الله سبحانه وتعالى ذكر مصارف الزكاة، فقال في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
أوضحت الإفتاء، أن الأصل في الزكاة ألَّا تعطى إلَّا إلى الأصناف الثمانية المنصوص عليها؛ قال الإمام البيضاوي في "تفسيره مع حاشية الخفاجي": [أي: الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم].
وتابعت الإفتاء: أما صدقة التطوع فبابها أوسعُ من باب الزكاة، من حيث إنه يجوز إعطاؤها لتلك الأصناف الثمانية ولغيرها، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، مسلمين أم غير مسلمين، بخلاف الزكاة، كما أن الزكاة يُشترط فيها ما لا يُشترط في الصدقة، كامتلاك أموال معينة، ومرور الحول، وبلوغ النِّصاب، وإخراج مقدار محدد منها؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 236، مكتبة الإرشاد): [تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل].
حفظ الأمن في المجتمع من مقتضيات مقاصد الشريعة الإسلاميةوبينت أن حفظ الأمن في المجتمع من مقتضيات مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن مظاهر حفظه: القضاء على المنازعات بين الناس؛ لأن صاحب الحقِّ لا يهدأ عادةً حتى يستردَّ حقَّهُ، وقد يضرُّ بمن عليه الحق أو بالمحيطين به حتى يُحصَّلَ له ذلك؛ ولذلك أَسَّس الشرع الشريف نظام القضاء وجعله من أُسُس قيام الدولة الإسلامية، فهو الوسيلة المشروعة التي يلجأ إليها صاحب الحقِّ لاسترداد حقِّه.
وقالت الإفتاء: دفع الصدقة لصاحب الحق إرضاءً له وتعويضًا له عن حقِّه المسلوب هو من حفظ الأمن، ومن التكافل الاجتماعي الذي حثَّ عليه الدين الإسلامي ورغَّب فيه، حتى وإن كان صاحب الحق غنيًّا أو غير مسلم؛ فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنهما: أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ رضي الله عنهما انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِى النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ رضي الله عنهم إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «كَبِّرِ الْكُبْرَ -أَوْ قَالَ- لِيَبْدَأ الأَكْبَرُ» فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ». قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ، قَالَ: فَوَدَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قِبَلِهِ.
قال الإمام النووي في "المنهاج": [إنما وَدَاهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعًا للنزاع، وإصلاحًا لذات البين، فإنَّ أهل القتيل لا يستحقُّون إلا أن يحلفوا أو يستحلفوا المدعى عليهم، وقد امتنعوا من الأمرين، وهم مكسورون بقتل صاحبهم، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم جبرهم وقطع المنازعة وإصلاح ذات البين بدفع ديته من عنده، وقوله: "فوداه من عنده" يحتمل أن يكون من خالص مالِه في بعض الأحوال صادف ذلك عنده، ويحتمل أنه من مال بيت المال ومصالح المسلمين].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الافتاء فض المنازعات الصدقة صلى الله علیه وآله وسلم
إقرأ أيضاً:
حكم النيابة فى الحج عن الغير .. الإفتاء توضح
الحج ركنُ الإسلام، وعبادةٌ واجبةٌ حقًّا لله تعالى على كلِّ مستطيع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فقال رجلٌ: كُلَّ عام يا رسول الله؟ فسَكَت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثم قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أخرجه الشيخان.
وجوب الحج على المستطيعوأجمع العلماءُ على وجوب الحج على المستطيع مرةً واحدةً في عُمره، وهي حَجَّةُ الإسلام، فإنْ أدَّاها سَقَط عنه الفرضُ ولا يُطالَب به مرةً أخرى؛ كما في "الإجماع" للإمام ابن المُنْذِر (ص: 51، ط. دار المسلم).
النيابة في الحج عن المريضالإنابة: مشتقةٌ مِن مادة (نوب)، ونَابَ عنِّي فلانٌ يَنُوبُ نَوْبًا ومَنَابًا؛ أي: قام مقامي، وناب عني في هذا الأمر نيابةً إذا قام مقامك؛ كما في "لسان العرب" لجمال الدين ابن مَنْظُور (1/ 774، ط. دار صادر).
وأجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حَجَّةُ الإسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنَفْسه، فلا يُجزئه أنْ يحج غيرُه عنه؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المُنْذِر (3/ 389، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة (3/ 223، ط. مكتبة القاهرة).
ومِن سماحة الشريعة الإسلامية، ومِن باب رَفْع الحرج والمشقة عن المكلفين، فإنَّ المريض -شابًّا كان أو مُسِنًّا- بمرضٍ مزمنٍ لا يُرجَى بُرؤُه ولا زوالُه، بأن يكون مِن الأمراض التي تَستمر مع صاحبها إلى الموت كضعف عضلة القلب، وهشاشة العظام، ونحو ذلك، وكذلك كبير السن -رجلًا كان أو امرأةً- العاجز عن بذل مجهود الحج؛ لتأثُّره بالأمراض التي تتعلق بكِبَرِ السن وتَقَدُّم المرحلة العُمرِيَّةِ كعدم التوازُن، والتهاب المفاصِل، وضَعْف الحركة أو ثِقَلِهَا أو العجز عنها، وحدوث مُضاعَفَاتٍ صحيةٍ بسبب عدم قدرة الجسد على تَحَمُّل مشقة السفر؛ لما فيه من جهدٍ زائدٍ غير مُعْتَادٍ، إذ يكون مصحوبًا عادةً بكثرة الحركة وطول المُكْثِ في وسيلة السفر أو غير ذلك مما لا يتحمله كبار السن، وكذلك المرأة التي لا تَجِدُ مَن يرافقها في الحج تأمن معه على نفسها -إذا وَجَد أيُّ واحدٍ مِن هؤلاء مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فالمختار للفتوى: مشروعية النيابة في أداء الحج عنه؛ لكونه فاقدًا للاستطاعة بنَفْسه لكنه مستطيعٌ بغيره، ولأنَّ الحج عبادةٌ تَجري فيها النيابةُ عند العجز لا مطلقًا، توسطًا بين العبادة الماليَّة المحضة والعبادة البَدَنيَّة المحضة، ويُشترط أن يغلب على الظن استمرار العذر مع صاحبه إلى الموت، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، على تفصيلٍ بينهم في شروط النيابة وضوابطها، وكونها واجبةً مِن عدمه عند تحقُّق القدرة المالية.
وقال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 212، ط. دار الكتب العلمية): [النيابة في الحج... لا تجوز النيابة فيه عند القدرة اعتبارًا للبدن، وتجوز عند العجز اعتبارًا للمال، عملًا بالمَعْنَيَيْن في الحالَيْن] اهـ.
وقال بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (4/ 471، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا تجري) ش: أي: النيابة. م: (عند القدرة لعدم إتعاب النفس، والشرط: العجز الدائم)، ش: أي شرط جواز النيابة في الحج عن الغير هو العجز المستمر الدائم] اهـ.
وأكد المُلَّا علي القارِي الحنفي في "المَسْلَك المُتَقَسِّط" (ص: 233-234، ط. الترقي الماجدية): [(ويتحقق العجزُ بالموتِ والحَبْسِ والمَنْعِ).. (والمرضِ الذي لا يُرجَى زوالُه) أي: كالزَّمِنِ والفَالِج (وذهابِ البَصَرِ) أي: بأنْ صار أعمى، (والعَرَجِ) بفَتْحَتَيْن، (والهَرَمِ) بفَتْحَتَيْن، أي: الكِبَرِ الذي لا يَقْدِرُ على الِاسْتِمْسَاكِ معه، (وعدمِ المَحْرَم) أي: بالنسبة إلى المرأة، (وعدمِ أَمْنِ الطريق) أي: باعتبار الغَلَبَة (كلُّ ذلك إذا استمر إلى الموت)] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [وتجوز النيابة في حج الفرض... في حق مَن لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير معتادة؛ كالزَّمِن والشيخ الكبير] اهـ.
وأضاف الإمام الرافعي الشافعي في "العزيز شرح الوجيز" (3/ 300، ط. دار الكتب العلمية): [لا يخفى أنَّ العبادات بعيدةٌ عن قبول النيابة، لكن احتمل في الحجِّ أن يحج الشَّخْصُ عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزًا عن الحَجِّ بنفسه، إما بسبب الموت، وإمَّا بِكِبَرٍ، أو زَمَانَةٍ، أو مَرَضٍ لا يُرْجَى زوالُه] اهـ.
وأوضح علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 405، ط. دار إحياء التراث العربي): [أَلْحَقَ المصنِّفُ وغيرُه بالعاجز لِكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجى بُرْؤُه: مَن كان نِضْوَ الخِلْقة، لا يَقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقةٍ غير محتمَلة. قال الإمام أحمد: أو كانت المرأةُ ثقيلةً لا يَقدر مِثلُها أنْ يَركب إلا بمشقةٍ شديدةٍ، وأطْلَق أبو الخطاب وغيرُه عدمَ القدرة. قوله: (لزمه أن يقيم عنه مَن يحج عنه ويعتمر) يعني: يكون ذلك على القدرة كما تَقدَّم] اهـ.
وقال أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 519، ط. عالم الكتب): [(والعاجز) عن سعيٍ لحجٍّ أو عُمرةٍ (لِكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجى برؤه) لنحوِ زمانةٍ (أو لِثِقَلٍ) بحيث (لا يقدر معه) أي: الثِّقَل، على (ركوب) راحلةٍ ولو في مَحْمِلٍ (إلا بمشقةٍ شديدةٍ) غير مُحْتَمَلَةٍ (أو لكونه) أي: واجِدِ الزادِ والراحِلَةِ وآلَتَيْهِمَا (نِضْوَ الخِلْقَةِ) بكسر النون (لا يقدر ثبوتًا على راحلةٍ إلا بمشقةٍ غير مُحْتَمَلَةٍ، لَزِمَهُ أن يُقيم مَن يَحُجُّ ويَعتَمْرُ عنه)] اهـ.
مشروعية النيابة في الحج والعمرةالنيابة في الحج مشروعةٌ، وثابتةٌ بالسُّنَّة المشرفة؛ فعن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» أخرجه الأئمة: ابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، والترمذي وابن ماجه والنسائي والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
ودِلالة الحديث واضحةٌ في النيابة ومشروعيتها في الحج والعُمرة على السواء مِن حيثُ الأصلُ؛ كما في "مرقاة المفاتيح" للملا علي القَارِي (5/ 1751، ط. دار الفكر)، و"شرح المصابيح" لأمين الدين ابن المَلَك الكَرْمَانِي (3/ 247، ط. إدارة الثقافة الإسلامية).