متابعة حركة التاريخ وحالة التدافع بَيْنَ الاحتلال الصهيوني وأصحاب الأرض الأصليِّين من أبناء الشَّعب الفلسطيني تستنبط بعض الحقائق الواضحة والمؤكَّدة بأنَّ هذا الكيان بدأ يحتضر ويقترب من ساعة الزوال. بعدما حدَث تحوُّل نوعي لافت في إطار الصراع من خلال بروز قوى المقاومة الشَّعبيَّة الَّتي تشكَّلت على السَّاحة الفلسطينيَّة، ففي العام الأربعين لقيام دَولة الاحتلال؛ أي في العام 1987م اشتعلت شرارة الانتفاضة الأولى الَّتي سُمِّيت انتفاضة الحجارة وبدأ معها جيل جديد من أبناء الشَّعب الفلسطيني يناضل من أجْل التحرير ، مؤكدا حقيقة واحدة وهي أنَّ الشَّعب الفلسطيني ماضٍ في مشروعه التحرُّري متمسكًا بقضيَّته العادلة وحقوقه المشروعة، وسوف يستعيدها بفعل نضاله الوطني، رغم استمرار الاحتلال في زيادة الاستيطان بالضفَّة، بالمقابل أصبح قِطاع غزَّة هو القاعدة الرئيسة للمقاومة، وحاول الاحتلال لاحقًا السيطرة على هذا التحوُّل الاستراتيجي للمقاومة في قِطاع غزَّة من خلال المعارك والاجتياحات الَّتي نُفِّذت على القِطاع منذ عام 2008م .
اليوم اختلف المشهد تمامًا فالمقاومة ضربت موعدًا جديدًا سجَّلت فيه المقاومة تاريخًا مفصليًّا في يوم السَّابع من أكتوبر عام 2023م، حيث أقْدَمت كتائب القسَّام على عمليَّة نوعيَّة نقلت المعركة إلى الأراضي المحتلَّة بالسيطرة على عدد من القواعد والمستوطنات، و لَمْ يتجرأ جيش الاحتلال التقَدُّم داخل قِطاع غزَّة، وباءت محاولة جسِّ النبض قَبْل أيَّام بالفشل، فقَدْ أصبح أغْلَب جنود الاحتلال مرعوبين فاقدي الثقة بقياداتهم، ، وحتَّى هذه اللحظة وبعد مُضي عشرين يومًا على العدوان لَمْ يتمكَّن الاحتلال من الإقدام على المجابهة البرِّيَّة، وهذا يعني أنَّنا أمام جيش مهزوم نفسيًّا مرعوب من المواجهة رغم الحشد المادِّي والمعنوي من قِبَل قوى الاستعمار الدَّاعمة لهذا الكيان اللقيط. كما أنَّ هذه المواجهة أكَّدت أنَّ مستقبل الاحتلال في فلسطين بات مجهولًا وقَدْ بدأت طلائع الهجرة العكسيَّة كنتيجة لحالة الرعب من المستقبل في ظلِّ تلك التطوُّرات على صعيد المواجهة مع المقاومة، وبالتَّالي فإنَّ دَولة الاحتلال الصهيوني الَّتي تزعم أنَّها القوَّة الرابعة عالَميًّا لَمْ تضْمَن مستقبلًا آمنًا لمستوطنيها في فلسطين؛ وقَدْ ذكر قادة الاحتلال ومنظِّروه وحاخاماته عقدة العَقد الثامن، فلَمْ يسبق لأيِّ دَولة صهيونيَّة تجاوز عمرها العام الـ80، وبالتَّالي فهذا الكيان يعيش في حالة رعب وعدم ثقة أكَّدتها المواجهة الأخيرة معركة طوفان الأقصى .
أعلنت قوى الاستعمار الغربيَّة وقوفها ودعمها للجريمة الفجَّة في قِطاع غزَّة ورفضت وقف إطلاق النَّار وهي تُنفِّذ الحملة الصليبيَّة العاشرة بعد حملتها التاسعة على العراق عام 2003م، اليوم تُنفِّذ حملتها الشرسة على المَدنيِّين في قِطاع غزَّة أمام مرأى العالَم، واستخدمت مختلف الذخائر والقنابل في حملة إبادة وتطهير عرقي، فقامت بمسح مربَّعات سكنيَّة عن وجْه الأرض وطمَرت معها كُلَّ مَا بها من أطفال ونساء وشَعب أعزل، في حملة إبادة عنصريَّة تتعارض مع كُلِّ الأعراف والقِيَم الإنسانيَّة الدوليَّة؛ وبالتَّالي فإنَّ هذه التحشد الغربي لمساندة كيان الاحتلال يؤكِّد حقيقة واحدة أنَّ قوى التحالف الغربي المُجرِمة أدركت في هذه اللحظة أنَّ هذا الجسم الغريب قَدْ حانت لحظة زواله واستئصاله، وهذا يعني استئصال مشروع استيطاني تمَّ زرعه منذ 75 عام، ومهَّدت له قوى الاستعمار منذ مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897م وشرَّعته بمؤامرة وعد بلفور عام 1917م. وبعد مرور سبعة عقود وانتصار حركة النضال الوطني الفلسطيني وانتصار إرادة المقاومة الفلسطينيَّة الَّتي زعزعت كيان الاحتلال كان لزامًا أن تتدافعَ قوى الاستعمار لحماية هذا المشروع السرطاني الَّذي حانت لحظة زواله واستئصاله.
هذا الكيان بدأ مرحلة الاحتضار، ولا شكَّ أنَّ أصحاب القضيَّة ماضون في تحقيق مشروعهم العظيم. وتلك المعركة الَّتي دمَّرت كُلَّ شيء في قِطاع غزَّة لم تتمكَّن من النَّيْل من رجال المقاومة الَّذين زكُّوا أنفُسَهم في سبيل الله، ونفَّذوا أوامره وتعاليمه من أجْلِ المشروع الأعظم وهو مشروع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. لذا فإنَّ كُلَّ قدرات العدوِّ الصهيوني وداعميه من قوى الإمبرياليَّة الَّذين يهرعون يوميًّا إلى المنطقة لِتقديم الدَّعم المعنوي للكيان العنصري الفاشي لَنْ يتمكَّنوا من مجابهة الله جلَّ جلاله الَّذي يؤيِّد هذه الفئة الصَّابرة الصَّامدة المحتسِبة، وما النَّصر إلَّا من عِند الله، وقَدِ اتضح بالفعل أنَّه بعد 20 يومًا على العدوان الصهيوني واستمرار مجازره بغطاء من قِبَل دوَل العدوان الأميركي الأوروبي لَمْ تُحقِّق له هذه الهجمة الإرهابيَّة تدمير موقع واحد لكتائب القسَّام، وكُلُّ ما يتشدَّق به متحدِّث جيش الاحتلال مجرَّد تطمينات ومحاولة لاستعادة الأمن المفقود، والتسويغ لاستمرار الإرهاب بدعم دولي معلن لإسقاط المزيد من الضحايا المَدنيِّين الأبرياء من الأطفال والنساء، وهذا ينمُّ عن حالة فشل وهزيمة نكراء وحالة هبوط للروح المعنويَّة تأكيدًا على أنَّ الكيان الصهيوني بدأ يحتضر، وأنَّ العاقبة للمتَّقين المؤمنين بعدالة قضيَّتهم، فهُمْ بَيْنَ نصر واستشهاد وانتظار لصلاة الفتح في القدس الشريف مدينة السَّلام بالمسجد الأقصى أُولى القبلتَيْنِ وثالث الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ، وما النصر إلَّا صبر ساعة، وقَدْ صبرتم وقَدْ آن الأوان لإعلان النصر، فانتظروا يا بني صهيون سنوات سوداء قَبْل انتهاء العقد الثَّامن، وإنَّ غدًا لناظره قريب .
حاملات الطائرات والبارجات الغربيَّة الَّتي جاءت لِتقَدِّمَ الدَّعم السِّياسي والمعنوي للمشروع الصهيوني ، وتحاول إعادة الثقة لأبناء الكيان المحتلِّ المارق، لكن سوف يسجِّل التاريخ أنَّ معركة «طوفان الأقصى» هي نذير شؤم لكُلِّ مَن قوَّى الطّغيان وقَدْ كسَرَ شوكتَها أبطالُ المقاومة الفلسطينيَّة، فهنيئًا لكُمْ أيُّها الأبطال هذا الانتصار العظيم والقادم أدهى وأمَرّ على عدوِّكم، وهنا أوجِّه نداء للمقاومة الباسلة في الضفَّة الغربيَّة بإشعال الأرض من تحت أقدام الصهاينة فهذه المعركة قَبْل الأخيرة الَّتي يعقبها النصر العظيم والفتح المُبِين.
اللهُمَّ انصر إخواننا في فلسطين، اللهُمَّ سدِّد رميَهم، اللهُمَّ ثبِّتهم ومكِّن لهم وحرِّر أرضهم، ، اللهُمَّ احفظ أرضهم وديارهم وأموالهم ودماءهم، اللهُمَّ آمن روعاتهم، اللهُمَّ وعدك الَّذي وعدت بنصرة المجاهدين في سبيلك وهم مجاهدون صابرون محتسبون مظلمون، اللهُمَّ عَلَيْك بأعدائهم فإنَّهم لا يعجزونك، اللهُمَّ سلِّط عَلَيْهم بأسك الشديد الَّذي لا يردُّ عن القوم المُجرِمين، اللهُمَّ أرنا فيهم عجائب قدرتك يا عزيز يا جبَّار.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: المقاومة ال هذا الکیان الله م
إقرأ أيضاً:
انتصار غزة.. حين تتحول التضحيات إلى حرية
في ليلةٍ امتزج فيها الألم بالأمل، وفي صباحٍ أشرقت فيه شمس الصمود، كتب الشعب الفلسطيني بدمائه وتضحياته فصلاً جديداً في تاريخ الحرية. خمسة عشر شهراً من الإبادة الجماعية والعدوان الوحشي لم تكسر عزيمة غزة، بل صنعت نصراً لم يكن مجرد تفوق عسكري، بل منعطفاً استراتيجياً غيّر موازين الصراع، وأعاد رسم معادلة الشرق الأوسط بدماء الشهداء وإرادة المقاومين الأحرار.
منذ اللحظة الأولى للعدوان، راهن الاحتلال على أن غزة ستنهار في أيام، وأن المقاومة ستستسلم خلال أسابيع، لكنه لم يدرك أن هذه الأرض الصغيرة تختزن قلوباً بحجم السماء، وأن من يسكنها ليسوا مجرد أرقام في قائمة الضحايا، بل رجال ونساء يكتبون التاريخ بصلابتهم وثباتهم.
لكن مع مرور الأيام، بدأت حسابات العدو تتهاوى أمام صمود غير مسبوق، فبدلاً من أن ينكسر الفلسطينيون تحت القصف والحصار، ازدادوا تصميماً على المواجهة، وتحولت الأزقة المدمرة إلى معاقل للمقاومة، مما أجبر الاحتلال على إعادة تقييم استراتيجيته الفاشلة.
لم يكن هذا الصمود محصوراً بين غزة والاحتلال فقط، بل امتد تأثيره إلى ميادين المواجهة الأوسع. وبينما كانت المقاومة الفلسطينية تخوض معركتها بشجاعة نادرة داخل القطاع، كانت جبهات الإسناد تبعث برسائل حاسمة من خارج الحدود.
من لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى إيران، توالت المواقف العملية، لتتحول المواجهة من حرب محصورة جغرافيًا إلى صراع إقليمي شامل، مما فرض على الاحتلال معادلة جديدة لم يكن مستعداً لها.
على مدار خمسة عشر شهراً، استُخدمت كل وسائل القمع والإبادة الجماعية، حيث استهدف الاحتلال المدارس، والمستشفيات، والأسواق، وحتى الملاجئ، محاولاً إبادة الحياة قبل المقاومة. ومع ذلك، لم يجد العدو أمامه سوى شعب يقاتل الجوع والقصف والتخاذل الدولي، دون أن يتراجع خطوة واحدة عن حقوقه المشروعة.
لكن في لحظة فارقة، وجد الاحتلال نفسه أمام حقيقة صادمة: المقاومة لم تنتهِ، غزة لم تسقط، و”اليوم التالي للحرب” لم يكن يوم انتصار إسرائيلي، بل يوماً فلسطينياً بامتياز.
اليوم، بينما تعم الاحتفالات في غزة، يدرك الجميع أن هذا ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة أكثر حساسية في الصراع. فبرغم الهزيمة المدوية التي لحقت بالاحتلال، لن يستسلم بسهولة، وسيسعى لإعادة ترتيب أوراقه، لكن المقاومة أثبتت أنها لم تعد مجرد كيان داخل غزة، بل باتت جزءاً من منظومة إقليمية أقوى من أي وقت مضى.
لم يعد بإمكان الاحتلال أن يختبر صبر المقاومة أو يتجاهل امتدادها الإقليمي، فالمعادلة تغيّرت جذريًا، وأصبح أي عدوان جديد على فلسطين يعني اشتعال جبهات متعددة.
من الصواريخ التي وصلت إلى تل أبيب، إلى الضربات البحرية التي شلّت الملاحة في البحر الأحمر، ومن المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، إلى الغضب الشعبي في الشوارع العربية والإسلامية، كان الرد واضحًا: كل محاولة إسرائيلية لكسر غزة ستؤدي إلى زلزال يضرب الاحتلال من كل الاتجاهات.
لم يكن هذا النصر مجرد إنجاز ميداني، بل إعادة إحياء للأمل بأن فلسطين لن تبقى محتلة إلى الأبد، وأن المقاومة ليست مجرد خيار، بل قدر لا مفر منه في معركة استعادة الحقوق.
لقد أثبت الفلسطينيون، مرةً أخرى، أن الشعوب لا تُهزم بالقنابل، وأن الاحتلال مهما طال، مصيره إلى زوال. فعلى الرغم من الركام، ودموع الأمهات، وصراخ الأطفال، خرجت غزة أقوى وأصلب، وأكثر إيماناً بأن النصر الحقيقي ليس في عدد القتلى أو حجم الدمار، بل في بقاء الإرادة التي لا تنكسر.
اليوم، يحتفل العالم الحر بانتصار غزة، لكن في قلوب المقاومين، هذه ليست النهاية، بل بداية نحو فجرٍ جديد، فجرٌ لا مكان فيه لمحتل، ولا مستقبل فيه لمن اعتقد أن القوة وحدها تصنع التاريخ.
غزة أثبتت أن الدماء تصنع النصر، وأن التضحيات تفتح أبواب الحرية، وأن شعبًا لم ينكسر تحت الحصار، لن ينكسر أبدًا حتى يرى وطنه محررًا من الاحتلال.
هذا ليس مجرد انتصار عسكري، بل إعلان بأن الاحتلال الإسرائيلي بدأ رحلته نحو النهاية المحتومة.