عادت مصر إلى الواجهة كلاعبٍ إقليمي رئيسي، واستغلت موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعية والبشرية، ولا تزال مثلما كانت في الماضي، عاملا مهما ومؤثرا في استقرار الوطن العربي عموما ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فهي الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، ولديها أقوى جيش عربي، كما أن استقرار نظام حكمها يكتسي أهمية لدى الدوائر السياسية الغربية في منطقة تموج بالفوضى والتوترات، وهو ما تؤكد عليه دومًا الإدارة الأمريكية.


تُعد الجغرافيا العنصر الأكثر أهمية في تحديد الأمن القومي المصري وتصورات التهديد، تكمن أهمية مصر الجيوبوليتيكية في كونها تستطيع من خلال شبه جزيرة سيناء الاتصال بالشرق الأوسط وبلاد الشام برًّا وبحرًا من خلال البحر الأحمر والبحر المتوسط، فضلا عن قناة السويس، وقربها من منطقة الخليج الاستراتيجية نفطياً وجغرافياً وعسكرياً، بالإضافة لوجود دولة إسرائيل على حدودها الشرقية، وهو ما يعطيها الخيارات للعب أدوار أكثر في محيطها. 
داخليًا، اتخذت مصر عددًا من الخطوات الملموسة نحو ضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، حيثُ تم التصديق على دستور جديد في عام 2014 -أُدخلت عليه بعض التعديلات عام 2019- يؤكد على الشمولية والعدالة الاجتماعية، وقدمت الحكومة رؤية مصر 2030، وهي عبارة عن خارطة طريق مكونة من عشر ركائز لمعالجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
استطاعت مصر استعادة دورها الطبيعي دوليا وإقليميا بفضل ما يعرف بـ"الدبلوماسية الرئاسية" التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويقوم السيسي بالاشتراك مع مؤسسات الدولة برسم السياسة الخارجية، وتَعمل على تنفيذها وزارة الخارجية والجهات الأخرى ذات الصلة.
وتظل مسألة القوة الناعمة المصرية من أهم أصول السياسة الخارجية المصرية، وهناك خطوات ملموسة لـ مصر في هذا الصدد، كـدور الأزهر الشريف في دول القارة الإفريقية من خلال تقديم المنح العلمية، والحضور المباشر على الأرض مع مختلف القضايا الفكرية، كما أن القاهرة أسست في عام 2014 الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، ويعتبر تأسيس الوكالة بمثابة نقطة الانطلاق لنمط جديد من التفاعلات المصرية الأفريقية، في إطار دبلوماسية التنمية.
السياسة الخارجية المصرية في ظل القيادة الحالية تميزت ببعد النظر والقراءة المبكرة لمسار المتغيرات على الساحة الدولية، فخلال السنوات العشر الماضية نجحت مصر أن تتبوأ مكانتها ودورها الإقليمي الفعال، حيثُ لعبت مصر دورا في المساهمة في إنهاء الأزمات في المنطقة العربية.
في ظل التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، استقبلت مصر العديد من الاتصالات والزيارات على مستوى رؤساء ووزراء خارجية ومسؤولين دوليين، وهو ما يؤكد مكانة مصر في المنطقة والعالم، حتى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن صرحَ بعد عودته من زيارة إسرائيل بأن "السيسي يستحق بعض التقدير الحقيقي لأنه كان متعاونا"، وثمنت الأمم المتحدة جهود السيسي لخفض التصعيد، كما دعت القاهرة لقمة القاهرة للسلام لبحث مستجدات الأوضاع في قطاع غزة، استجابت لها أكثر من 30 دولة على رأسها قطر وتركيا واليونان والكويت.
مصر شريك مهمٌّ لأوروبا حتى أن الحكومة المصرية تمكّنت من الاستفادة من أزمة المهاجرين والمخاوف الأوروبية من الهجرة غير النظامية، ما دفع بعض العواصم الأوروبية لاستقبال السيسي بصفته زعيماً نجح في المحافظة على الاستقرار في المنطقة، ويمنع وصول دفعات من المهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا.
رغم التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد المصري بفعل الأزمات العالمية، كالحرب الروسية على أوكرانيا، ومن قبلهم وباء كورونا، إلا أن المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية وعلى رأسها البنك الدولي تتوقع تحقيق مصر أعلى معدل نمو بين أهم اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنهاية عام 2023.
ختامًا، عمِلت مصر على استعادة قدر كبير من التوازن في علاقتها مع القوى الكبرى من خلال استمرار العلاقة الاستراتيجية التي تجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لنجاحها في فتحِ آفاق جديدة للعلاقات مع قوى كبرى أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوربي، وكانت الأحداث التي وقعت في قطاع غزة مايو 2021، خير دليل على أن مصر قوة إقليمية مهمة، وبدونها من الصعب الوصول إلى حالة من الهدوء في المنطقة.
وفقا لما وصلت إليه مصر على الساحة الإقليمية واستعادة مكانتها بين دول الإقليم، والجهود التي بذلتها في مختلف القضايا، فإن مصر قامت بنقلة قوية في محيطها الخارجي في وقتٍ قياسي؛ حيث تحولت من دولة فقدت مكانتها الإقليمية وتراجع دورها الإقليمي، إلى دولة عادت مرة أخرى إلى الساحة الإقليمية؛ بفضل جهود بذلتها القيادة السياسية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی المنطقة من خلال

إقرأ أيضاً:

توقعات 2025.. مخاوف من انهيار الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي في العراق - عاجل

بغداد اليوم - بغداد

أكد الباحث في الشأن السياسي علي فضل الله، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024)، وجود مخاوف من انهيار الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي في العراق مع بداية العام الجديد.

وقال فضل الله، لـ"بغداد اليوم"، ان "العراق اليوم هو جزء من منطقة ملتهبة ساخنة ومنطقة تعيش أزمات مركبة، خاصة في ظل وجود توغل من الجانب الأمريكي والجانب الإسرائيلي على حساب دول المنطقة، وهناك تماهل لدى الكثير من الدول العربية مما يحصل من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، واعتداء سافر على الشعب اللبناني والفوضى العارمة التي حلت بسوريا بعد سقوط بشار الأسد".

وأضاف ان "كل تلك الاحداث تؤكد ان العراق أيضا هو في قلب هذه الازمات وهناك احتمالية بان يكون هناك احداث تهدد الاستقرار السياسي والأمني، وحتى المجتمعي في العراق مع بداية السنة الجديدة، ولهذا هناك تخوف من احداث ساخنة في العراق خلال الأيام المقبلة، وهذا ما يتطلب توحيد المواقف الوطنية للقوى السياسية وكذلك الفواعل الشعبية".

وشهد العام 2024 احداث ساخنة شهدتها المنطقة ابتداء من العدوان الإسرائيلي على غزة وما تلاها من استهداف لجنوب لبنان وبعدها اسقاط جيهة تحرير الشام للنظام السوري والتي من المتوقع ان تحدث اثرا على الأوضاع العراقية خلال الفترة القادمة بحسب مراقبين.

 


مقالات مشابهة

  • وزيرة التنمية المحلية تشهد احتفالية وزارة الخارجية باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • الأردن: نموذج الاستقرار والصمود وسط أزمات المنطقة
  • برلماني: رسائل الرئيس السيسي قوية وواضحة.. والشائعات عدو الاستقرار والتنمية
  • السيسي يثمن التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الشرطة وعائلاتهم في مواجهة الإرهاب
  • هند عصام تكتب: مفيش هرم للإيجار
  • توقعات 2025.. مخاوف من انهيار الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي في العراق
  • الخارجية الأمريكية تؤكد ثقتها في حفاظ القادة الليبيين على سيادة بلادهم
  • توقعات 2025.. مخاوف من انهيار الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي في العراق - عاجل
  • «التأمين» ركيزة للاقتصاد وحماية من المخاطر.. طفرة في حجم أعماله ونقلة نوعية في تطوير التشريعات (ملف خاص)
  • محمد فايز فرحات: عدم الاستقرار بالمنطقة يرتبط بسياسات الاحتلال الإسرائيلي