يعطي الخبراء المختصون بالاستثمار التنموي أرجح الاهتمامات للإدارة الماليَّة في أيِّ توجُّه تنموي عام يأخذُ بنظر الأهمِّية الحاجة إلى النهوض الاقتصادي المتوازن.
وأرى، أنَّ المنطق الاجتهادي الخاصَّ بهذه الدالَّة المعرفيَّة الاختصاصيَّة لا يستقيم حضوره إلَّا بأخذها من ثلاث زوايا متكاملة، الزاوية الأولى تتعلق بكفاية الغطاء المالي مع المزيد من الحرص على الترشيد الَّذي لا يتعارض مع حاجات التنمية إلى المواصلة، والثانية تتعلق بالشفافيَّة المعتمَدة في الصرف على المشروع مع احتمال الوقوع في خطأ الفساد غير المتعمَّد؛ لأنَّ للفساد المتعمَّد شأنًا آخر من المعالجة.
الزاوية الثالثة في موقع التأرجح بَيْنَ الاثنَيْنِ من منطلق التوازن الَّذي يصونهما ويديم انسيابيَّة قوَّة
العمل وحجم مخرجاته، إن كان يُلبِّي الخطَّة المرسومة، أو على العكس من ذلك ولهذا يقال إنَّ الرصيد الإداري الرصين لأيِّ عمل يكمن في الرصيد المالي وبالعكس أيضًا في إطار تكامل جدلي يحكمه النجاح حين يكُونُ العمل فيهما وفق المنطق الصحيح. إنَّ التجسير بَيْنَ موجودات المحفظة ومخرجات العمل واحدة من أهمِّ مرتكزات العمل، أي عمل تنموي مهما كان حجمه وأهدافه، ولذلك أصبح الاشتغال على تعزيز مؤهلات
الإدارة الماليَّة واحدًا من أسبقيَّات الإدارة التنمويَّة العامَّة إلى جانب متطلبات المطابقة في كُلِّ ما يتعلق بواقعيَّة التخطيط والإنجاز الموقعي والمخرجات، وهكذا حين يُعطى المزيد من الاهتمام لهذه الجزئيَّة الإداريَّة في البرامج التنمويَّة في سلطنة عُمان فلا شكَّ أنَّ ذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمتطلبات الحماية الإجرائيَّة من احتمالات النكوص والتراجع أو التذبذب. إنَّ من المنصف أن نشيرَ إلى الجهد العُماني في هذا المجال، وقَدْ استوقفني خلال الأيَّام القليلة الماضية عنوان المدير المالي ضِمْن العنوان الأشمل، الإدارة الماليَّة من خلال برنامج تدريبي مع أحَد المعاهد الهنديَّة المتخصِّصة في هذا المضمار الحسابي الدقيق. لقَدْ ركَّز البرنامج على تجسير ثلاث مهمات، إحداها أن لا يكُونُ التطوير مقتصرًا على العاملين في المجال الحكومي، وإنَّما العاملون في القِطاع التنموي الخاصِّ أيضًا، وبذلك يكُونُ البرنامج قَدْ عزَّز تطوير الإدارة الماليَّة ضِمْن نظرة وطنيَّة استيعابيَّة، أمَّا المُهمَّة الثانية فهي تتعلق بخصوصيَّة إعطاء المزيد من التركيز على تأهيل الإدارة الماليَّة لدى المؤسَّسات العُمانيَّة الناشئة حديثًا، أقصد المشاريع الصغيرة والمتوسطة الَّتي هي بطبيعة الحال حديثة العهد بهذا التوجُّه ومن الحتمي أنَّ بعضها يفتقر إلى فهْمِ منظومة الإدارة الماليَّة الحديثة، وبذلك فإنَّ زجَّها في إحداثيَّات الإدارة الماليَّة المعاصرة يرفع من أسْهُم النجاح الَّذي تنشده. النقطة الثالثة تتعلق بأن تكُونَ المكتسبات المعرفيَّة وفق أحدث المعارف المستجدَّة في هذا الشأن، وبمعنى مضاف مواكبة المكتسبات الأحدث عالَميًّا. بخلاصة استنتاجيَّة، إنَّ دلالة المدير المالي بالنسخة الَّتي يشهدها الواقع التنموي العُماني تعَبِّر عن رؤية لا تكتفي بتوظيفها ضِمْن الواقع الحالي وإنَّما العبور بها إلى المستقبل مع إضافات يحتِّمها التطوُّر الحاصل فيها. وبخلاصة أخرى، إنَّ الإدارة الماليَّة بكُلِّ مفرداتها المعمول بها، تقتضي ـ بجملة ما تقتضيه ـ تكوين حيِّز معرفي عام إلى جانب خصوصيَّتها الحسابيَّة المعروفة بحيث تصبح جزءًا من الثقافة التنمويَّة شأنها شأن المعارف ذات الخصوصيَّة المهنيَّة، الأمْرُ الَّذي يتطلب اهتمامًا بها على غرار معارف أخرى، وهنا يأتي دَوْر المؤسَّسات الإعلاميَّة لخلق بيئة واسعة بشأن أهمِّيتها. إنَّ من الصَّعب جدًّا إعطاء تعريف جاهز مغلق للمدير المالي إذا أخذنا بالمتحرك الَّذي يتطلبه العمل والإحداثيَّات التنمويَّة الإجرائيَّة الَّتي يقتضيها التطوُّر، ولذلك يبقى هذا العنوان مفتوحًا على المزيد من الإضافات الغنيَّة بالمستجدَّات.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
الإدارة المالی
المزید من
إقرأ أيضاً:
ورشة عمل لخارطة طريق استدامة مشروعات حياة كريمة وأثرها التنموي.. اليوم
أعلنت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا العلماء والباحثين في مجال الاقتصاد والإسكان والتنمية العمرانية وكذلك المسئولين عن مشروع حياة كريمة والمسئولين عن المشروعات الصغيرة للمشاركة وحضور ورشة العمل الختامية لخارطة طريق “استدامة مشروعات حياة كريمة وأثرها التنموي”، اليوم الخميس الموافق 23/1/2025 في تمام الساعة التاسعة صباحا بمقر الأكاديمية (101 شارع القصر العيني).
وينظم الورشة مجلس بحوث الإسكان والبناء بالتعاون مع مجلس البحوث الاقتصادية والإدارية وهما إحدى التشكيلات العلمية التابعة لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.
تعليم الإسكندرية: لا مشاجرات خلال امتحانات الإعدادية بالمنتزه
محافظ شمال سيناء: هناك غرفة أزمة لتنسيق إدخال المساعدات إلى قطاع غزة
وتهدف ورشة العمل إلى عرض نتائج الدراسة وخارطة الطريق لاستدامة الأثر التنموي لمبادرة حياة كريمة، وهي الدراسة التي تمت من خلال جزئيين متكاملين حيث يغطى الجزء الأول الجوانب العمرانية والاستدامة البيئية والاجتماعية والتشغيلية بينما يشمل الجزء الثاني على الآثار الاقتصادية وتقييم كفاءة الإنفاق الحكومي لمبادرة حياة كريمة، وتهدف أيضاً إلى وضع تصور قابل للتطبيق يضمن استدامة المرافق والخدمات والمستوى التنموي الذي تحقق بالقري المستهدفة، ومستوى الوفاء بخدمات البنية الأساسية وخدمات التنمية الاجتماعية.
وكذلك توصيف أهم التحديات المتعلقة بفرص الاستدامة والتغلب عليها، وقياس ودراسة الآثار الاقتصادية وتقييم كفاءة الإنفاق الحكومي لمبادرة حياة كريمة ودورها في خفض معدلات الفقر متعدد الأبعاد والتمكين الاقتصادي لدعم أهداف التنمية المستدامة في مصر.