ما وراء دعم واشنطن "الأعمى وغير المحدود" للكيان
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
ولد الكيان الصهيوني المحتل من رحم أزمة، ظلت قائمة، كونه وليد مشروع أريد له أن يكون على أساس مشروع كامبل بينرمان في 1905 والمتمثل في زرع كيان بشري غريب في قلب الأمة، لذلك ظل الكيان في صراع وجود، على أساس صراع صفري غير متناه، خلال العقود السبعة الماضية، إلا أن الولايات المتحدة كانت الحليف الأكثر ثباتاً وأهمية لهذا الكيان على مدى عقود، حيث ما فتئت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء ديمقراطية كانت أو جمهورية تلح بأن العلاقات مع الكيان تشكل أساس سياستها في الشرق الأوسط.
وعلى أساس البعد الإستراتيجي والحيوي للعلاقة بين الكيان والولايات المتحدة، لا يتردد المسؤولون الأمريكيون في التصريح بوضوح أن على الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً في الدفاع عن الكيان، وهو ما تُرجم على شكل مساعدات سياسية وعسكرية ومالية غير متناهية ساهمت المساعدات والأسلحة المتطورة التي تقدمها الولايات المتحدة للكيان، في تطوير الجيش الصهيوني، ولكن أيضا في دعم اقتصاد الاحتلال.
لقد كانت الولايات المتحدة من أولى الدول التي سارعت في الاعتراف بالكيان الغاصب المعلن عنه من قبل دافيد بن غوريون في 15 ماي 1948، كما سارعت إلى تعيين جيمس ماكدونالد مستشار الرئيس هاري ترومان أول سفير لها، ففي 12 ماي 1948 نظم اجتماع ثلاثي بين الرئيس ترومان والجنرال جورج مارشال كاتب الدولة للخارجية وكلارك كليفورد مستشار الرئيس، ورغم اعتراض مارشال لفكرة الاعتراف، إلا أن الفكرة التي تم إبرازها لدعم مسألة الاعتراف هي "أن اليهود يشكلون كتلة انتخابية مهمة وسيدعون طلب الاعتراف"، وساد ذلك في وقت كان ترومان يحرص على إعادة انتخابه لعهدة ثانية.
وظلت محورية الكيان في مقاربة السياسة الأمريكية، ويبرز ذلك عبر عدد من المؤشرات، أهمها: قيمة ومستوى الدعم المالي الأمريكي المقدم للكيان، فالمساعدات العسكرية المقدمة معتبرة ومنتظمة، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن الكيان أكبر طرف مستفيد من الموارد الأمريكية، وحسب تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي صادر في مارس 2023، فإنه ما بين 1946 و2023 استفاد الكيان من 260 مليار دولار، أكثر من نصفه عبارة عن مساعدات عسكرية أي ما يفوق 142 مليار دولار.
بالمقابل، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 82 مرة، منها 43 مرة ضد القضية الفلسطينية، وفي عام 1976 أسقطت الولايات المتحدة تقريراً لتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم وحق تقرير المصير، في القرار رقم 3236 الصادر عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 1980 رفضت الولايات المتحدة التصويت ضد إدانة الأمم المتحدة للكيان بمحاولات ضم القدس الشرقية، كانت الولايات المتحدة وحدها التي صوتت ضد القرار الأممي 478 في مقابل جميع الدول الأعضاء.
بالمقابل، وفي عام 2001 أعدت المجموعة العربية قراراً طلبت فيه نشر مراقبين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لتحجيم التمدد الصهيوني، صوتت 12 دولة من أصل 15 بالموافقة على القرار، وامتنعت دولتان عن التصويت، ولكن فرضت واشنطن رفضها، كما صوتت واشنطن في مجلس الأمن مستخدمة الفيتو عام 2003 ضد القرار رقم 891 الذي يطالب الاحتلال بعدم ترحيل أو تهديد سلامة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وفي المحصلة، فإن نسبة 53 في المائة من الفيتو الأمريكي كان لكبح توصيات تخص الكيان.
ولطالما طرحت الأسئلة بشأن خلفيات العلاقة القائمة بين واشنطن والكيان، ودوافع مسارعة الإدارات الأمريكية إلى نجدة الكيان ودعمه بصورة مطلقة، مبرزين ذلك بطبيعة الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية أو للتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، أو لدور اللوبي وجماعات اليهود الأمريكيين، أو لذلك مجتمعة، على أساس دور وثقل جماعات الضغط على رأسها "ايباك" ولكن أيضا الثقل اليهودي عبر شبكاته التي تؤثر على مسار صنع القرار الأمريكي وتوجهه لمصلحة الكيان، فضلا عن تعاطف الإدارات الأمريكية مع الكيان كونها امتداد للقيم والحضارة الغربية في الشرق الأوسط وتصنيف الكيان كنقطة متقدمة لتحجيم القوى المناوئة للمصالح الأمريكية في المنطقة.
وظلت العلاقات بين الكيان والولايات المتحدة ترتبط بمقومات وأسس تبناها النظام السياسي الأمريكي، فقد وصف هنري كيسنجر كاتب الدولة الأسبق خلاف الكيان والولايات المتحدة حدث في 1975، نتيجة تعنت الكيان في مباحثات فض الاشتباك الثاني في سيناء بخلاف عائلي، علما بأنه في مجال مرتكزات الأمن الصهيوني، فإن القرار الإستراتيجي الأمريكي يتوازن مع الهدف الصهيوني، على أساس أن اختلال الأمن يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
لذا، لطالما سارعت واشنطن لدعم الكيان في مختلف الأزمات المتلاحقة، بصورة مطلقة، سواء في الحروب العربية الصهيونية أو حروب إقليمية، وقد اعترف كاتب الدولة للخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، بأنه والرئيس في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون، وبقية طاقمه، عملوا بشكل قوي وحثيث في حرب أكتوبر 1973، على توفير الدعم المباشر والخدمات الحاسمة للكيان، حتى لا يتحقق نصر عربي عليها، بل أدى ذلك ليس فقط للتأثير على سير المعارك على الأرض، بل كان له وزن كبير في المحادثات اللاحقة التي انتهت بما عرف اتفاقيات كامب ديفيد في 1978، وتحييد مصر في ميزان القوى.
وفي زيارته التضامنية للكيان بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر، لم يتردد كاتب الدولة الأمريكي، أنطوني بلينكن، بالتصريح إن إدارة الكونغرس تعمل للتأكد من أن احتياجات الكيان الدفاعية المتزايدة تُلبى، موضحا أنه لم يأتِ كونه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته "يهوديا فرّ جده من القتل"، مضيفا أن زيارته التي تمت في 12 أكتوبر 2023، تحمل رسالة مفادها أنهم سيكونون دائما موجودين إلى جانبهم، وليسوا مضطرين للدفاع عن أنفسهم بمفردهم، على حد قوله.
المصدر: الخبر
كلمات دلالية: الولایات المتحدة کاتب الدولة الکیان فی على أساس
إقرأ أيضاً:
حرب الجبال... ماذا وراء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في اليمن؟
اعتمدت الولايات المتحدة منذ إطلاقها العملية العسكرية الثانية ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن، استراتيجية تكتيكية مُغايرة لتلك التي اعتمدتها في عملياتها العسكرية الأولى، فيما رأى خبراء أن الخطوات العسكرية الأمريكية تسير وفق مخطط تصاعدي عبر التدرج من الأدنى إلى الأعلى.
وبات يطلق توصيف "حرب الجبال" على العمليات الأمريكية التي بدأت منذ منتصف الشهر الجاري، للتركيز على ضرب مخابئ وملاجئ عسكرية تتواجد في عمق الجبال التي تتميز بها التضاريس الجغرافية اليمنية.
*حرب الجبال*
وقال الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية العميد ثابت حسين، إنه "يمكن تسمية الضربات الأخيرة للطائرات الأمريكية، على مواقع وتحصينات حوثية في صعدة تحديدًا بـ(حرب الجبال)".
وأوضح حسين أن "هذه الحرب وفقًا للاستراتيجية المُتبعة، تُعدّ من أعقد أنواع الحروب، بما تتطلبه من أسلحة نوعية وقنابل ذات قدرات تدميرية وتفجيرية هائلة".
ونوّه بأن "الضربات الجوية وحدها لا تكفي لشل قدرة الحوثيين نهائيًا وإفقادهم القدرة على تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومهاجمة أصول أمريكية"، متوقعا أن تشهد المرحلة المقبلة حربا بريّة.
*من الساحل للمرتفعات*
وبدوره، رأى الخبير في الشؤون العسكرية وتكنولوجيا النقل البحري علي الذهب، أن "الاستهداف الحاصل للحوثيين يمثل توسعا في خريطة الأهداف التي توجّه القوات الأمريكية هجماتها إليها، وذلك نتيجة تطور بنك الأهداف".
وقال الذهب إن "الملاحظ في هذه الهجمات هو الانتقال من استهداف المناطق الساحلية والمدن إلى المرتفعات، بناءً على معلومات مستجدة بشأن وجود أنفاق ومخابئ للقوى الحوثية ووسائلها التهديدية".
وأضاف أن "التحصينات التي أنشأها الحوثيون خلال فترة الهدنة الداخلية منذ 2 أبريل/نيسان 2022 وحتى الوقت الحالي، تم استهداف جزء كبير منها، ولكن الحوثيين اتخذوا تدابير وقائية لحمايتها".
*انسحاب إيران*
من جهته، رأى الصحفي والمحلل السياسي خالد سلمان، أن مايحدث "هو عملية شاملة تتمدد على طول خارطة سيطرة الجماعة الحوثية، من الشواطئ وحتى المدن والجبال، حيث مركز السلطة وكرسي المذهب وقيادات الصف الأول".
وأضاف سلمان : "لايبدو من واقع استمرارية العملية غير المقيدة بسقف زمني، أنها مجرد رسالة وفعل محدود في المكان والزمان، بل هي تحمل خطة عمل تنتهي باجتثاث الخطر الحوثي المميت ،والمحدق بالتجارة الدولية وبمصالح واشنطن وأمن الحلفاء".
وتوقع أن الضربات الأمريكية "ستستمر وستتصاعد وتيرتها، وسيشتد الحصار على ميليشيا الحوثيين بقرارات اقتصادية، تجفف الموارد المالية ومصادر تهريب السلاح".
ورجح سلمان، تخلي إيران عن الحوثيين؛ لأنها "في حساب المصالح ستختار بقاء نظامها مقابل التضحية بالحوثي".