أكدت وزارة الصحة في غزة، اليوم الأربعاء، مقتل 756 فلسطينيا بينهم 344 طفلا في القصف الإسرائيلي على غزة خلال 24 ساعة الماضية. وقالت الوزارة إن "عدد القتلى الفلسطينيين في القطاع منذ 7 تشرين الاول بلغ 6546 من ضمنهم 2704 أطفال، و1584 سيدة، و364 مسنا، إضافة إلى إصابة 17439 مواطنا بجروح مختلفة".

الجيش الإسرائيلي استهدف المؤسسات الصحية بشكل مباشر وعمد إلى تهديد كل المستشفيات بالقصف إذا لم يتم إخلاءها وأخرج 12 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة جراء الاستهداف أو عدم إدخال الوقود.



وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن "القطاع الصحي يعاني من عجز كبير في الكادر البشري الذي استهدف الجيش الإسرائيلي جزء كبير منه وتم تشريد جزء كبير آخر الأمر الذي حال دون قدرة الكادر البشري على الوصول إلى المرافق الصحية".

وأضافت: "استهداف المنظومة الصحية أدى الى تضرر 57 مؤسسة ومقتل 73 من الطاقم الطبي وتدمير 25 سيارة إسعاف وخروجها عن الخدمة".

وتابعت الوزارة: "تلقت الوزارة 1600 بلاغا عن مفقودين منهم 900 طفل لا يزالون تحت الأنقاض".

المصدر: السومرية العراقية

إقرأ أيضاً:

ما هي أسباب قلق اللوبي الإسرائيلي إلى حدٍّ كبير!؟

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني

في شهر مايو من العام الماضي، اعتقلت القوات الداخلية الأمريكية المؤرخ اليهودي المشهور على مستوى العالم «إيلان بابي»، وذلك أثناء رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واحتجزته لمدة ساعتين.

في تلك الأثناء كان «إيلان بابي» يبلغ من العمر 69 عامًا، وقد وُجّهت إليه العديد من الأسئلة في الشأن السياسي وأمور أخرى، كان من بين الأسئلة سؤال عن رأيه في حماس، كما سُئل إن كان يعتبر ما تقوم به القوات الإسرائيلية في قطاع غزة «إبادة جماعية» أم لا، فأجاب بـ«نعم»، ومما طُلب إليه تقديم أرقام هواتف معارفه من الجالية العربية والجالية الإسلامية المقيمة في أمريكا.

وبعد أشهر من استجوابه من قبل الأمن الداخلي الأمريكي، وتحديدًا في شهر ديسمبر، تم استبعاد «إيلان بابي» من برنامج «الصراع» حول الشرق الأوسط الذي يقدمه بودكاست «بي بي سي» في اليوم الذي كان من المفترض أن يسجل فيه رأيه، دون إبداء أسباب واضحة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن «إيلان بابي» واحدٌ من المؤرخين الإسرائيليين الذين يسعون جاهدين للبحث عن الحقيقة فيما يتعلق بـ«حرب الاستقلال» الإسرائيلية في عام 1948. وبالحديث عن الحرب، فإنها بدأت عندما أعلنت إسرائيل استقلالها بعد تقسيم دولة فلسطين، وهذا الأمر باركته واعترفت به الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إضافة إلى دول أخرى، وفي المقابل واجهت خطة التقسيم هجومًا من عدة دول أعربت عن رفضها لما يحدث، منها مصر والعراق ولبنان وسوريا والأردن، وبعد انتهاء الحرب في يوليو من عام 1949، كانت الدولة الجديدة قد أُقيمت فعليًّا على مساحة تزيد عمّا تم الاتفاق عليه بالخُمس، وقد رفضت العودة إلى ما تم الاتفاق عليه.

ومنذ ذلك الحين فقد أطلق العرب والفلسطينيون على عام 1948 عام «النكبة»، إذ شهد تهجيرًا جماعيًّا للفلسطينيين بشكل عنيف، وطردهم من أرضهم، ويُشار إلى أن عام النكبة خلّف وراءه حوالي 750 ألف لاجئ فلسطيني رحلوا إلى الدول العربية.

وهذا ما يعترف به «إيلان بابي»، الذي يبحث في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني والتاريخ المتداخل بينهما، ويُعرف «إيلان بابي» بأنه مدافع شرس عن حقوق الفلسطينيين، وقد أصدر كتابًا ذاع صيته في عام 2007 حول إنشاء دولة إسرائيل، وحمل الكتاب عنوان «التطهير العرقي في فلسطين»، إلى جانب كتب أخرى أصدرها، وكتابه الأخير بعنوان «الضغط من أجل الصهيونية على جانبي الأطلسي»، الذي سعى من خلاله إلى فهم كيفية تشكيل مجموعات ضاغطة تؤيد إسرائيل، سواء أكانت في بلد إقامته المملكة المتحدة، أو في أمريكا، أكثر الدول حماسة في الدفاع عن إسرائيل.

لذلك نجد هذا الاهتمام بـ «إيلان بابي»، فهو الباحث في شؤون اللوبي الإسرائيلي، وهو ضحية هذا اللوبي ومساعيه الهادفة إلى إسكاتِه وعدم ظهوره في وسائل الإعلام، إلى جانب الحد من ظهور وجهات النظر المؤيدة للجانب الفلسطيني.

لوبي «عدواني»

هذه حكاية لوبي يُوصف بأنه «عدواني»، ويسعى بكل شغف إلى طمس الروايات التي تتناول سلب الفلسطينيين أراضيهم ومعاناتهم، خوفًا من أن تمنح تلك الروايات شرعية للمطالب الفلسطينية بإقامة دولة، أو أن تستجلب تعاطفًا دوليًا مع الفلسطينيين في ظل حرمانهم من حقوقهم السياسية والمدنية في الأراضي المحتلة.

بدأت هذه القوى الضاغطة المؤيدة لإسرائيل منذ القرن التاسع عشر، لكنها اتخذت أشكالًا أكثر وضوحًا وتنظيمًا بعد عام 1948، وقد خصص المؤرخ «إيلان بابي» جزءًا كبيرًا من كتابه للحديث عن الجماعات البرلمانية الضاغطة، مثل «أصدقاء إسرائيل في حزب العمال» ويسمون اختصارا (LFI)، و«أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين» (CFI) في المملكة المتحدة، وكذلك لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) في الولايات المتحدة. وتُعرف هذه الأخيرة بإنفاقها موارد مالية ضخمة لضمان التزام الحكومة الأمريكية بالأهداف الإسرائيلية.

ويؤكد «إيلان بابي» في كتابه أن اللوبي الإسرائيلي العدواني يعاني من القلق، إذ قلّما نجد دولة تسعى بهذا القدر من الإلحاح لـ«إقناع العالم ومواطنيها بأن وجودها شرعي».

وبمناسبة الذكرى السنوية لهجمات السابع من أكتوبر التي نفذتها حركة حماس، كتب الصحفي في «الجارديان» جوناثان فريدلاند، وهو من أصول إسرائيلية من جهة والدته، قائلاً: «بالنسبة لكثير من المراقبين من الخارج، تبدو إسرائيل قوة إقليمية كبرى، مدعومة من قوة عظمى عالمية، وتبدو في موقع القوة والأمان. لكن من الداخل، لا يبدو المشهد كذلك. فالإسرائيليون يرون مجتمعهم صغيرًا ـ بحجم ولاية نيوجيرسي ـ محاصرًا ومعرضًا للخطر».

ولشرح هذا التناقض، كتب فريدلاند أن إسرائيل، رغم كونها «دولة ذات جيش قوي مرعب»، إلا أن يهودها شعروا يوم السابع من أكتوبر بأنهم «عاجزون، تمامًا كما كان أسلافهم في البلدات اليهودية الصغيرة في أوروبا الشرقية (الشتيتل)».

ويُشير «إيلان بابي» إلى أن مصطلح «اللوبي الإسرائيلي» لا يدل على كيان موحد، بل هو مجموعة متنوعة من «الأفكار، والأفراد، والمؤسسات». وعندما يتحدث عن «اللوبي الصهيوني»، فهو يعني الأفراد أو المجموعات التي تنشر دعاية مؤيدة لإسرائيل، وتسعى في الوقت ذاته إلى تشويه صورة أي شخص «يدين أو ينتقد إسرائيل أو الصهيونية». إلا أن هذه المجموعات تتغير بمرور الوقت من حيث تكوينها، واتجاهاتها، وأساليبها، كما يشير «إيلان بابي».

يروي كتاب «إيلان بابي» قصة منظمات وأفراد «مخلصين» عملوا، منذ القرن التاسع عشر، على إقناع صانعي السياسات والحكومات بضرورة إقامة وطن قومي لليهود.

الاستعمار والفصل العنصري

منذ أوائل القرن العشرين، بدأت الصهيونية تتكيّف مع الظروف السياسية المعاصرة، فصورت نفسها على أنها حركة من أجل «الحق في تقرير المصير الوطني»، تنسجم مع نموذج «حقوق الأقليات».

ويستند «إيلان بابي» إلى أعمال المفكر والناقد الفلسطيني الأمريكي الراحل «إدوارد سعيد»، ليؤكد أن الصهيونية بدأت ترتبط أكثر فأكثر بسرديات الحداثة الغربية والتقدم، ومن خلال هذا الارتباط ـ كما يرى ـ ساهمت الصهيونية في ما يُعرف بـ«الاستشراق»، وهو الفهم الغربي النمطي للعالم العربي والإسلامي باعتباره متخلفًا وغير متطور.

ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، كان يُنظر إلى الفلسطينيين على أنهم، في أحسن الأحوال، «مشهد غريب»، وفي أسوأ الأحوال، «إزعاج بيئي»، على حد وصف «إيلان بابي». ومؤخرًا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن ارتباط الفلسطينيين بأرض غزة لا يتعدى كونه «صفقة عقارية ضخمة». ومع ترسخ ثقافة مناهضة العنصرية في الغرب، أصبحت إسرائيل ــ كغيرها من الدول ــ تخشى المقارنات التي تُعقد بينها وبين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. لكن هذه المقارنات ليست جديدة، إذ تعود إلى عقود مضت. وفي العقود الأخيرة، عزز اللوبي الإسرائيلي خطاب «معاداة السامية» ليستخدمه كأداة دفاعية، يصفها «إيلان بابي» بأنها «تسليح لمعاداة السامية من أجل كسب الدعم العام لإسرائيل».

ويذكر أن إسرائيل كانت على علاقة تحالف عسكري وثيق مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قبل أن تتسلم السلطة حكومة «المؤتمر الوطني الإفريقي» المناهضة للفصل العنصري عام 1994، وفي وقت سابق، رفعت جنوب إفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين. وفي سرد مؤلم، يتناول «إيلان بابي» حملة شرسة شنها اللوبي الإسرائيلي ضد زعيم حزب العمال البريطاني السابق «جيريمي كوربن»، والذي دعا إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين.

فعلى سبيل المثال، اتهمت صحيفة «جويش كرونيكل» كوربن بأنه على صلة بـ«منكرين للهولوكوست، وإرهابيين، ومعادين صريحين للسامية»، بحسب ما ورد في كتاب «إيلان بابي». وقد تنحى كوربن عن زعامة الحزب في عام 2019.

وفي عام 2020، خلص تقرير صادر عن «هيئة المساواة وحقوق الإنسان» في المملكة المتحدة إلى أن الثقافة السائدة داخل حزب العمال خلال قيادة كوربن «في أحسن الأحوال، لم تبذل ما يكفي لمنع معاداة السامية، وفي أسوأ الأحوال، قد يُنظر إليها على أنها قبلت بها ضمنًا».

ويشير «إيلان بابي» إلى أن حالات معاداة السامية داخل حزب المحافظين البريطاني تُعامَل بمعايير أخف بكثير. فعلى سبيل المثال، وصف السياسي المحافظ «جايكوب ريس موغ» بعض الأعضاء اليهود في حزبه بأنهم «من النخبة المستنيرة (الإلوميناتي) الذين يسعون للسيطرة على السلطة». ويرى «إيلان بابي» أن هذا التفاوت في المعاملة يرجع إلى كون كوربن كان في موقع سياسي مؤثر «يمكن أن يؤثر في السياسات البريطانية تجاه إسرائيل».

اللوبي والولايات المتحدة

في النصف الثاني من كتابه، يوجّه «إيلان بابي» اهتمامه نحو الولايات المتحدة، التي أصبحت اليوم الراعي الجيوسياسي الأبرز لإسرائيل. ويؤكد أن واشنطن حريصة على استثناء إسرائيل من أي مساءلة أمام القانون الدولي.

ويتناول «إيلان بابي» نشأة «المجلس الأمريكي الصهيوني للطوارئ»، الذي يُعد سلفًا لمنظمة «إيباك» (AIPAC)، وقد بدأ هذا المجلس نشاطه في خمسينيات القرن العشرين. ومن أبرز نجاحات هذه المنظمات في بداياتها، إقناع الولايات المتحدة بدعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947، والذي دعا إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، مع وضع القدس تحت إدارة دولية خاصة.

وقد أسفر ذلك عن اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، والتي انتهت بقيام دولة إسرائيل على مساحة أكبر من تلك التي خُصّصت لها في قرار التقسيم. ويُعد الاعتراف السريع من جانب الولايات المتحدة بإسرائيل في ذلك الحين إنجازًا مبكرًا مهمًا للوبي الإسرائيلي.

ومن الإنجازات الرئيسية لهذا اللوبي، استمرار تدفق السلاح والمساعدات إلى إسرائيل، وكذلك استخدام الولايات المتحدة لموقعها الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسلطتها الدولية بشكل عام، لتمكين إسرائيل من التملص من تنفيذ عدد لا يُحصى من قرارات الأمم المتحدة.

لكن «إيلان بابي» يُوضح أن اللوبي لم ينجح دومًا في فرض إرادته. فمنذ نشأته، كان عليه أن يواجه وزارة الخارجية الأمريكية، التي اتسمت ــ في بعض أجنحتها ــ بمواقف أكثر تشككًا تجاه إسرائيل، بل و«مؤيدة للعرب» أحيانًا، نظرا إلى أن الوزارة توظف خبراء في شؤون الشرق الأوسط غالبًا ما يكونون أكثر تعاطفًا مع شعوب المنطقة. وكانت هناك فترات من التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من بينها خمسينيات القرن الماضي، حين علّقت واشنطن مؤقتًا المساعدات الاقتصادية لتل أبيب.

ويُبرز «إيلان بابي» أن استراتيجيات الضغط التي تطورت منذ خمسينيات القرن الماضي تستحق التوقف عندها. فإذا تردد الجهاز التنفيذي الأمريكي (الرئاسة والإدارة) في تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، فإن اللوبي الإسرائيلي يلجأ إلى كسب دعم الكونجرس. أما في المملكة المتحدة، فيسعى اللوبي لكسب تأييد أعضاء البرلمان من حزبي العمال والمحافظين، من خلال تنظيم رحلات مدفوعة إلى إسرائيل عبر منظمات حليفة، مثل «أصدقاء إسرائيل في حزب العمال» و«أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين».

وفي الولايات المتحدة، تدعم منظمة إيباك (AIPAC) الحملات الانتخابية للمرشحين المؤيدين لإسرائيل، كما تنظم مؤتمرات ضخمة تستعرض فيها القوة والنفوذ، يشارك فيها مشرعون وسياسيون من الصف الأول. ومن بين من حضروا هذه المؤتمرات دونالد ترامب، والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ونائب الرئيس الأسبق مايك بينس، حيث عبّروا جميعًا عن التزامهم القوي بالوقوف إلى جانب إسرائيل.

اللوبي والمجتمع المدني

يؤكد «إيلان بابي» أن سعي اللوبي الإسرائيلي لاستمالة النخب السياسية يُهدد بتوسيع الهوة بين هذه النخب ــ السياسية والإعلامية ــ من جهة، والمجتمع المدني العالمي من جهة أخرى، بما يشمله من نقابات عمالية وكنائس وجمعيات أكاديمية ومنظمات غير حكومية ومجموعات ناشطة. ويمكننا أن نلحظ ذلك جليًّا في ظل الحرب الجارية على غزة. وفي العقود الأخيرة، تنامى أيضًا حجم الاختلاف داخل المجتمع اليهودي الأمريكي حيال سياسات إسرائيل. إذ بات جزءٌ معتبر من الجاليات اليهودية في الشتات يعيد التأكيد على قيمه التقدمية، المستمدة من تجربة اليهود مع الاضطهاد وغياب الدولة، وذلك في تعاطيه مع قضية إسرائيل.

يشير «إيلان بابي» إلى بروز منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» عام 1996، والتي تصف نفسها بأنها «أكبر منظمة تقدمية يهودية مناهضة للصهيونية في العالم». كما يتطرق إلى لوبي «جي ستريت» الصهيوني الليبرالي، الذي يدعو إلى قيام وطن يهودي ديمقراطي في إسرائيل عبر تسوية تفاوضية يوافق عليها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

يسعى «جي ستريت» إلى تطبيع صورة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ملتزمة بحل الدولتين، ويشعر بعدم الارتياح إزاء دور إسرائيل كقوة احتلال. وقد أعلن بوضوح رفضه «أي اقتراح بأن تقوم إسرائيل أو الولايات المتحدة بترحيل سكان غزة قسرًا أو احتلال القطاع».

ويلفت «إيلان بابي» إلى أن المجتمع المدني البريطاني يشهد دعمًا قويًا لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وربما يعود ذلك إلى شعور بريطانيا بالذنب الاستعماري بعد أن ساهمت في تمكين قيام دولة إسرائيل ثم انسحبت دبلوماسيًّا من الساحة. أما اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، والذي يجد صوتًا دائمًا في وسائل إعلام مردوخ على وجه الخصوص، فيعمل باستمرار على ترسيخ الربط الذهني بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل.

الخيبة عن قرب

ورغم نفوذه الكبير في الوقت الحاضر، لا يعتقد «إيلان بابي» أن مستقبل اللوبي الإسرائيلي كقوة سياسية مضمون بالضرورة. إذ يؤكد، طيلة الكتاب، أن هذا اللوبي مدفوع في جوهره بانعدام الأساس الأخلاقي لدولة إسرائيل. وكباحث تاريخي حريص، يعتقد أن معظم جهود هذا اللوبي هي في صدام مباشر مع الحقيقة نفسها.

فمثلًا، غالبًا ما يُصوَّر مؤيدو حقوق الفلسطينيين على أنهم معادون للسامية، مع أن دوافعهم الحقيقية تنبع في العادة من الإحساس بالظلم الواقع على الفلسطينيين نتيجة الاحتلال، ومن فهم نضالهم من أجل نيل حقوقهم المدنية والسياسية.

هذا لا يعني إنكار وجود معاداة السامية، فهي قائمة وقد تتداخل أحيانًا مع النقد الموجَّه إلى إسرائيل. وكما كتب دينيس ألتمن العام الماضي: «لقد أيقظ ردّ إسرائيل المتصاعد على هجمات حماس صورًا نمطية عمرها قرون عن اليهود باعتبارهم غرباء وأصحاب نفوذ مطلق»، ما يجعل التمييز بين معاداة إسرائيل وكراهية اليهود في بعض الأحيان غير واضح.

لكن لائحة الذين خاب أملهم في الخطاب الإسرائيلي تضم شخصيات بارزة، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والصحفي المخضرم في الشؤون الدولية جون ليونز، الذي عمل مراسلًا في الشرق الأوسط. وقد كتب ليونز في كتابه «شرفة تطل على القدس» عن تعرضه في السابق «لكل الأساطير التي روّجتها جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل»، لكنه بات اليوم من أبرز المدافعين عن حقوق الفلسطينيين بعدما عايش النزاع عن قرب.

أما الكاتب الأمريكي من أصول إفريقية، تا نيهيسي كوتس، فقد فتحت زيارته إلى فلسطين في مايو 2023 عينيه على نظام شبّهه بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وبنظام جيم كرو العنصري في جنوب الولايات المتحدة.

«الضعيف الشجاع»

وفي ختام كتابه، يرى «إيلان بابي» أنه لم يعد ممكنًا الترويج لصورة «داوود الإسرائيلي الضعيف والشجاع» الذي يقاتل «جالوت العربي» الضخم في سبيل البقاء. هذه الصورة، وإن كانت قد دعمت إسرائيل في الوعي الغربي بعد المحرقة، فإنها تعتمد على تصور دائم لليهود كضحايا، متجاهلة تحولات موازين القوى.

وقد حذّر المؤرخ الإسرائيلي الأمريكي البارز والمتخصص في دراسات المحرقة، عمر بارتوف، في نوفمبر 2023 من «نية إبادة» تتجلى في الخطاب السياسي الإسرائيلي المُمعن في نزع الإنسانية عن الفلسطينيين خلال الحرب على غزة.

ويُعدّ تحريك جنوب إفريقيا لدعوى إبادة جماعية ضد إسرائيل، وكذلك المساعي التي يقودها المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤشرات على أن الدرع الدولي الذي طالما حمى إسرائيل من المحاسبة على «انتهاكاتها للعدالة والقانون الإنساني»، قد بدأ يتشقق ــ بحسب ما يخلص إليه «إيلان بابي» في خاتمة كتابه. وفي مقابلة أجراها مع قناة الجزيرة في يناير الماضي، وصف «إيلان بابي» أحداث الشهور الخمسة عشر الأخيرة بأنها «محاولة من قيادة صهيونية جديدة لإكمال المشروع الذي بدأ في عام 1948، والمتمثل في السيطرة الكاملة على كل أرض فلسطين التاريخية، والتخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين». ويعتقد «إيلان بابي» أن إسرائيل ستعتمد بشكل متزايد في تفوقها العسكري على «اليمين المتطرف في دول الشمال العالمي»، بما يشمل إدارة ترامب، وكذلك على أنظمة استبدادية وديكتاتورية في الجنوب العالمي.

ومع تصاعد الاستعمار الإسرائيلي وقمع الفلسطينيين وتكثيف العمليات العسكرية التي تستهدف إفراغ مناطق فلسطينية من سكانها، يرى «إيلان بابي» أن إسرائيل ستُهجر تمامًا من قِبل ما تبقى من المجتمع المدني التقدمي والنخبة الفكرية المتعلمة ــ بما في ذلك كبار باحثي دراسات الإبادة الجماعية، الذين ينبغي أن نصغي لتحذيراتهم.

من المهم ألا يتم تجاهل كتاب «إيلان بابي»، وأن نُدرك بوضوح مدى التحدي الذي يُشكّله اللوبي الإسرائيلي لحرية التعبير والتضامن مع المظلومين.

نيد كورتويز أستاذ مشارك في الدراسات الأدبية بجامعة ويسترون بأستراليا

عن آسيا تايمز

مقالات مشابهة

  • الانتهاء من تسجيل وتسكين لعدد 1250مكلفه خدمة عامة دفعه 104 منذ بداية شهر فبراير 2025 ليصبح اجمالي المكلفات 5783 في الدقهلية
  • بينهم أطفال وأسرى سابقون.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 20 فلسطينيًا من “الضفة” خلال 24 ساعة
  • بأمر القانون.. تأهيل مراكز الرعاية الصحية لتقديم خدمات التأمين الصحي
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 51.201 شهيدٍ
  • أكثر 374 ألف خدمة طبية قدمتها وزارة الصحة خلال الربع الأول من العام ‏الجاري
  • بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.. قطعان المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى ويعتدون على ممتلكات الفلسطينيين بالضفة 
  • الحق اشتري.. خصم كبير على ساعات Apple Series 10
  • ما هي أسباب قلق اللوبي الإسرائيلي إلى حدٍّ كبير!؟
  • 3 تصنيفات لبيع أسطوانات غاز البترول السائل.. و30 اشتراطًا جديدًا
  • القصف الإسرائيلي على خان يونس وغزة يسفر عن استشهاد وإصابة عدد من الفلسطينيين