جريدة زمان التركية:
2024-11-25@06:24:34 GMT

الهاربون

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

الهاربون

بقلم: ماهر المهدي

القاهرة (زمان التركية)- التأمل والتفكر فيما مضى في قديم الأزمان وفي حديثها على صفحات التاريخ وفي ذاكرة البشرية جزء هام من مصادر القوة لدى الإنسان والتي تعينه على تفهم نفسه وعلى إدراك قدراته المختلفة الجسدية والعقلية والنفسية وغيرها من القدرات.

كما أن التأمل والتفكر في وقائع التاريخ على مر العصور والسنين قد يكشف لنا كل يوم المزيد من المعرفة حول الكون الذي نعيش فيه وما به من مخلوقات نعرف بعضها وندرك بعضها.

السنون تمر فرادا وعقودا قليلة وكثيرة وهي تدهس الأحداث والناس والأسماء والأسرار وتثير الرياح والعواصف وستائر التراب وتلملم أشياءها جميعًا في رحلتها إلى منتهاها. ولا تترك السنون شيئًا مما يخصها وراءها. فإذا هدأت أحوالها وحان الوقت لتحط رحالها، نشرت ما لديها جميعًا بلا كذب ولا رياء ولا غش لصالح أحد أو ضد أحد.

فالكل أمام الأيام والشهور والسنين سواسية لا تميز أحدهم قرابة ولا تبعد أحدهم ضغينة أو ثأر، من يتوقف أمام لوحة الحياة يرى -في بعض أجزائها المتفرقة حول العالم- طغاة كان لهم الحكم وسطعت نجومهم يومًا، فأحبوا العمى على الرؤية، ورأوا أنفسهم وتمنوا أن يكونوا -في أفضل حال- في صور وحوش مخيفة لم تر من قبل ولم يعرف لها أحد منشأ ولا موطنًا، وجعلوا أعزة الناس حولهم أذلة وهم ينتشون في سعادة وشماتة لا مبرر لها سوى مرض قلوبهم. فكانوا يرون في كل ظلم وفي كل اعتداء على الغير نصرًا عزيزًا وفوزًا مؤزرًا وهم لا يكسبون إلا كراهية الناس والأشياء من حولهم. فلم يكونوا على علم إلا بسبل البطش بالناس والاستيلاء على ما للغير في شتى بقاع الأرض. وكثرت عليهم أمراضهم النفسية والعقلية، فاستباحوا كل شيء وتعدوا الحدود ظالمين مقبوحين ربما حتى في عيون من حولهم من الأتباع المتوحشبن الذين ساندوهم في حملات القهر والبطولات الزائفة.

وعندما خارت قوى الأشاوس المزعومين في التراب، سقطت الغطرسة المطلبية بالذهب المسروق والدم المسفوك على الأرض مفتتة مهانة كأصحابها. وهرع الأتباع المتوحشون الى كل حدب وصوب كالجرذان المذعورة وهم يستخفون ثيابهم ويتنكرون لصورهم ولأسمائهم التي كانت ملء السمع والأبصار مكسوة بكل الخوف والقسوة، لعلهم يجدون في جحور المهملات مأمنا ينجون فيه من الحساب ومن العقاب ومما صنعت أيديهم من الأهوال. لقد نسي القساة جميعًا عبر السنين وفي مختلف بقاع الارض أن لكل شيء أجلًا، ولكن من خلق الناس والكون كله لا ينسى ولا ينام ولا يغير سنته فى خلقه يوما ما، عونًا للناس ولخلقه جميعًا وحفظا للحقوق.

إن الهروب من المسؤولية ليس إلا عملًا لئيمًا لا يأتيه إلا لئيم، لأنه ينطوي على هجر المسؤولية المعلقة برقبة الهارب الفار من الكرامة إلى موارد الذل والهوان بعد أن تجاوز الحدود وفعل ما فعل وآذى من آذى. والهروب للضعفاء جبن وخسة ونذالة لا تمحى ولا تزول، فماذا يكون الهروب لأصحاب العظمة وأرباب الزعامة والقيادة؟ وماذا يسمى هروب القاهرين المتجبرين القساة باسم الشجاعة وباسم الوطنية وباسم السمو؟ إن أسماء الطغاة والسارقين وأتباعهم من المعتدين لن تنجوا أبدًا في الدنيا من حساب الناس ومن حساب الأيام. وللسماء عدالة لا تخطأ ولا تخدع سواء من مؤمن أو من غير مؤمن. ويبقى سؤال هام إلى الهاربين الفارين: كيف بدا الهروب في أعينكم وكيف اقتنعتم به؟ بطولة جديدة أم بطولة مختلفة لا بأس بها أم اعترافًا بهزيمة لم تتصوروها أبدًا وأنكرتموها حين بدت جلية في الأفق؟

Tags: الإنسانالتأملالتاريخالحضارة

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: الإنسان التأمل التاريخ الحضارة جمیع ا

إقرأ أيضاً:

السديس: وسائل التواصل أفسدت العلاقات بسبب الطعن في دين الناس وأعراضهم

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبدالعزيز السديس، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.

بعد ظهور أهل البدع.. السديس: أمتنا الإسلامية تعيش واقعا مريرا الشيخ عبد الرحمن السديس: الإسلام نهى عن التوسل بالأموات والتمسح بالقبور

وقال الدكتور عبد الرحمن بن عبدالعزيز السديس، خلال خطبة الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة، إن الإسلام أرسى أسس وقواعد الأخوة والمحبة، والتواصل والمودة، وفي غِمار الحياة ونوائبها، ومَشاقِّ الدُّنيا ومَبَاهِضها، وفي عالم مُصْطَخبٍ بالمشكلات والخُصُومات، والمُتَغيرات والنزاعات، وفي عصر غلبت فيه الماديات وفَشَت فيه المصالح والأنانيات، حيثُ إن الإنسان مَدَنِيٌّ بِطَبْعِه، واجتماعِيٌ بفطرته، تَبْرُزُ قَضِيَّةٌ سَنِيَّةٌ، مِنْ لوازم وضرُورَاتِ الحياة الإنسانية، تلكم العلاقات الاجتماعية ومَا تقتضِيه مِن الركائز والروابط البشرية، والتفاعل البنَّاء لِتَرْقِية الخُلُق والسلوك، وتزكية النفس والروح؛ كي تسْمو بها إلى لُبَاب المشاعر الرَّقيقة، وصفوة التفاهم الهَتَّان، وقُنَّة الاحترام الفَيْنان، الذي يُحَقِّقُ أسمى معاني العلاقات الإيجابية، المُتكافلة المتراحِمة، وأنبل وشائجها المُتعَاطِفة المُتَلاحِمة، التي تَتَرَاءى في الكُرَب بِلَحْظ الفؤاد، وتَتَنَاجَى في النُّوَبِ بِلَفْظِ السُلُوِّ والوِدَاد ".

وأضاف السديس، أن الأيام لا تزال تتقلب ببني الإنسان حتى ساقته إلى عَصْرٍ سَحقته المَادّة، وأفنته الكَزَازة الهَادَّة، ونَدر في العالم التراحم والإشفاق، والتَّبَارُرَ والإرفاق، وفَقَدَ تَبَعًا لِذَلك أَمْنَه واسْتِقْرَاره، ومَعْنَى الحياة فيه، وفَحْوى الإحسان الذي يُنْجِيه، ولا يخفى على شريف علمكم أَنَّ مُخالَطة النَّاس تُعَرِّض المَرْء لا مَحَالة لخطأ سَوْرَتِهم، وخَطل جهالتهم، لذا كان ولا بد من وقفة جادَّة ؛ لتَعْزيز الروابط الاجتماعية، فالشعارات البرَّاقة، لا تكشف كُرَبًا، ولا تبدِّدُ صَعْبًا، ولا تُغيثُ أمَّة مَرْزُوءة ولا شعْبًا، ما لم تُتَوَّج بالمواقف والأفعال، يَتَسَنَّمُ ذِرْوَةَ سَنَام ذلك: الاحترام المتبادل؛ فهو أساس العلاقات الاجتماعية الناجحة، ويشمل ذلك؛ التقدير الشخصي، وتقدير واحترام المشاعر والآراء، والتفهم لمواقف الآخرين، فإن ذلك يؤصِّل ويسهم في تقوية الروابط، وتعزيز الأواصر.

وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا ساغ عقل قبول القناعات، واستمراء الآراء والحريات، فغير سائغٍ على الإطلاق أن تتحول القناعات إلى صراعات، والحريات إلى فتنٍ وأزمات، لاسيما والأمة تعيش منعطفًا تاريخيًا خطيرًا، ومرحلة حرجة من أشد مراحل تاريخها، فمن أهم موجبات الوحدة، ومقتضيات التضامن والاعتصام، التغاضي والتغافل، والصبر والتسامح، وحُسْنُ الظن والتماس الأعذار، قال تعالى : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾، ويتبع ذلك من جميل الوُدِّ والتعامل الحسن عدم الإكثار من اللَّوْمِ والعِتَاب، والتَّشَكِّي في الحديثِ والخِطَاب، فإنها تَقْطَع الأواصر بغير حِجَاب وليست تدوم مودة وعتاب ، فقلوب أهل الإيمان دمَّاحة، ونفوسهم لِلْوُدِّ لَمَّاحة.

وأكد الدكتور السديس، أنَّ النّسيج الاجتماعي المُتراص الفريد يحتاج إلى صَقْل العلاقات الاجتماعية، والتحلي بمحاسن الآداب المرعية، ومعالي القيم الخُلقية، والمُدارة الإنسانية، وجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر، وعِفَّة اللسان، وسلامة الصدور، ولقد تميز الإسلام بنظـام اجتماعي وإنساني فريد ، وسبـق بذلك نُظُم البَشَر كلها؛ ذلك لأن العلاقات الاجتماعية في هذا الدين، مُنبثقـة من جوهر العقيدة الصافية، مبينًا أن مما تتميز به المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو مصدر قِيَمِهَا الإنسانية والاجتماعية ومقياس مُثلها العُليا، والإسلام ليس قاصرًا على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات.

وأشار إلى أن ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي العجب العُجَاب، مِمَّا يُفسد العلاقات، ويقطع حِبَال الوُدِّ في المجتمعات، من الطَّعْنِ في دين الناس وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، فيتلقفها الدَّهْمَاءُ، وتَلُوكُهَا الرُّوَيْبِضَةُ، في نَشْر للشائعات وترويجٍ للأراجيف والافتراءات، مما يجب معه الحذر في التعامل مع هذه المنصات المنتحلة، والمواقع المزيفة، التي تكثر فيها الغثائية، ومحتوى الغوغائية.

وأوضح أن الإسلام جاء رائدًا للتَّراحم والتعاطف بل هو الذي أنْمى ذيَّاك الخُلُق في الخافِقَين وأصَّله، وحضّ عليه وفَصَّلَه، قال تعالى:﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وتلكم الخلال الرَّحيمة، والشِّيَم النبيلة الكريمة، التي عَنَّت العالم إدْراكَها، لَهِيَ الأمل الذي تَرْمُقه الأمم الجهيدة والشُّعوب، وتَهْفُوا لها أبَرُّ القلوب، لذا يجب تَعْزيز قِيَمنَا الرَّبانية الومَّاضة؛ كالرحمة والعَدْل والصِّدق والوفاء، والبِر والرِّفق والصَّفاء، والأمَانة والإحسان والإخاء، وسِوَاها مِن كرائم الشِّيم الغرَّاء والشمائل الفيحاء، التي تُعد مصابيح للإنسان تضيء دربه، وهي صِمَام أمن وأمان لصاحبها من الانحلال الأخلاقي، وحياة الفوضى والعبث والسقوط في مهاوي الضلال وجلب التعاسة والشقاء لنفسه وأهله، خاصة بين الرُّعاة والرعية، والعلماء والعامة، وفي حلائب العلم وساحات المعرفة في مراعاة لأدبِ الخِلافِ والبُّعد عن التراشق بالكلمات والتلاسن بالعبارات، وتضخيم الهِنَات، فضلًا عن اتهام النِّيَّات وكَيْلِ الاتهامات، والتصنيفات. ومع الوالدين والأقارب والجيران، وكذا الزملاء في بيئة العمل.

وفي مجال العلاقات الزوجية، أعلى الإسلام قيم الاحترام والاهتمام، ومتى علم الزوجان الحقوق والواجبات زانت العلاقات، ونعما سويًا بالسعادة الزوجية، والهناءة القلبية، لذا أوصى الله جل وعلا الأزواج بقوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾،. حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجات بقوله:" فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ" ، فكيف تُقَام حياة أو يؤسس بيت وسط الخلافات الحادة، والمناقشات والمُحَادَّة؟، وأنَّى يهنأ أبناء الأسرة بالمحبة وينعمون بالوُدِّ في جو يغلب عليه التنازع والشِّقَاق والتناحر وعدم الوِفَاق. وهل تستقيم حياة بغير المَوَدَّة والرَّحمة ؟، وكلها معارك الخاسر فيها الإنسان، والرابح فيها الشيطان ، ألا ما أحوج الأمة الإسلامية إلى تفعيل فن التعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، ليتحقق لها الخير في الدنيا والآخرة. والله عز وجل يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾.

وذكر الشيخ السديس أن وقوع الاختلاف بين الناس أمر لا بد منه؛ لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم، ولكن المذموم بَغْيُ بعضهم على بعض، فالاختلاف أمر فطري، أما الخِلاف والشِّقاق، والتخاصم والفِراق، فهو المنهي عنه بنصوص الشريعة الغرَّاء. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.

مقالات مشابهة

  • صواريخ حزب الله تُجبر 4 ملايين مستوطن على الهروب إلى الملاجئ
  • حكم تبادل التهنئة في بداية السنة الميلادية الجديدة
  • دعم أمريكي ”غير مباشر” لتصعيد الحوثيين بالبحر الأحمر حولهم إلى تهديد عالمي.. تحليل غربي يفجر مفاجأة
  • محمد العدل يكشف عن سبب وفاة محمد رحيم (صورة)
  • الصحة تنعى علام: عرف بقربه من الناس وخسارة كبيرة
  • الموت يفجع مي عز الدين بأقرب الناس اليها
  • حقيقة الاتصالات التحذيرية ورسائل التهديد على هواتف اللبنانيين
  • الحيرة القاتلة
  • إما ازدواج طريق «المطرية- بورسعيد».. أو إغلاقه!
  • السديس: وسائل التواصل أفسدت العلاقات بسبب الطعن في دين الناس وأعراضهم