كيف سيتعامل الجيش الإسرائيلي مع حرب الشوارع في غزة؟
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
أحد الأسئلة الرئيسية التي تطرح الآن حول الأحداث الجارية في فلسطين تتمحور حول ما إذا كانت إسرائيل ستغزو بالفعل غزة برا في الوقت القريب.
وفي هذا السياق، يقدم مقال بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية تلخيصا لجوانب قتال الشوارع والصعوبات التي ستواجهها إسرائيل إن هي قررت المضي قدما في خطوة الغزو.
ووفقا لكاتب المقال أستاذ الدراسات الدولية والسياسية بجامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية ديفد كيلكولين، فإن حرب الشوارع تمثل معضلة تكتيكية صعبة، إذ يتعين على الجهة المقاتلة تأمين كل غرفة وزاوية وشارع وسطح منزل قبل الانتقال إلى المنطقة التالية، مما يتطلب أعدادا هائلة من القوات وكمية كبيرة من الأسلحة في البر والجو والبحر، كما أن نتائج هذا الغزو ستختبر دعم المجتمع الدولي لإسرائيل.
ويشير الكاتب إلى أن معظم الصراعات التي وقعت في هذا القرن حدثت في المساحات الحضرية مثل مدن الفلوجة والموصل والرمادي العراقية، ومدينة ماراوي الفلبينية، ومدينتي باخموت وماريوبول الأوكرانيتين، وذلك لأن الحروب تجري حيث يعيش الناس، أي في المدن.
ولأن معظم الناس يعيشون على السواحل، فإن ساحة الحروب الحضرية تتضمن البر والبحر والجو. ومع تزايد نطاق الأسلحة البعيدة المدى التي تمتلكها الجيوش، أصبح من الممكن استهداف المناطق الداخلية برا بواسطة الأسلحة البحرية، مما يعني أنه يمكن أيضا استهداف السفن باستخدام الأسلحة البرية، الأمر الذي يعني أن البحر الأبيض المتوسط سيتأثر بشكل كبير بالغزو.
ويقول الكاتب إن قتال المدن يستهلك العديد من الموارد الحربية والبشرية، وبالتالي عادة ما يكون المتخصصون كالمخططين العسكريين والقناصين والمسعفين، عرضة للهجوم لأهميتهم، كما يستخدم هذا النوع من القتال المركبات المدرعة ووحدات المشاة لحمايتها، والمدفعية وقذائف الهاون والصواريخ.
إستراتيجية هجومويتيح هذا التنوع رصد الأهداف عن قرب وعن بعد، وخلق إستراتيجية هجوم تشتت العدو وتكشف نقاط ضعفه، حيث يهدف المخططون لخلق وضع يعرض العدو فيه نفسه لنوع من الأسلحة مثل المسيرات من الأعلى أثناء محاولته تجنب تهديد آخر، ومثل مواجهة فرقة مشاة أو دبابة على الأرض، ولكن يصعب تنفيذ هذه الخطط على أرض المعركة.
ويؤكد المقال أن حرب المدن تحدث برا وجوا وبحرا. أما برا، فيواجه كل من الجنود والمدنيين المشاركين في القتال بالمناطق الحضرية تحديات جسدية ونفسية شديدة، حيث يؤثر الإحساس بالخطر المستمر والتعب والتهديد الدائم من جميع الاتجاهات، ورعب القتال عن قرب أيضا، سلبا على نفسية وفكر المقاتلين، وعادة ما تكون المعارك مربكة وقصيرة، وغالبا ما تتضمن اشتباكات مع أهداف في نطاق قريب لا يزيد عن 50 مترا.
وفي الجو، تستخدم الغارات الجوية لمهاجمة العدو وتفريقه، مما يجعله عرضة للهجمات البرية.
كما تعد المراقبة واستطلاع أجهزة الاستشعار الجوية والفضائية أمرا بالغ الأهمية للمناورة في البيئات الحضرية المزدحمة والمعقدة.
والأنظمة البحرية مهمة أيضا حيث تمكّن السفن الحربية، وحاملات الطائرات والمسيرات والصواريخ المطلقة من البحر، المقاتلين من المناورة عن طريق البحر خارج البيئة الحضرية المعقدة، وتسمح السيطرة البحرية أيضا بإنزال القوات البرمائية المحمولة بالمروحيات في مواقع غير متوقعة، مما يؤدي إلى زعزعة دفاعات العدو.
ولفت الكاتب إلى أن كلا من حماس وإسرائيل تمتلك بعض أو كل هذه الأنظمة البحرية. إذ تمتلك البحرية الإسرائيلية زوارق هجومية سريعة وسفنا حربية وقوات خاصة بحرية، مشيرا إلى أن للجيش الإسرائيلي خبرة في حرب المدن اكتسبها في جنين بالضفة الغربية عام 2002، وجنوبي لبنان خلال الحرب مع حزب الله في عام 2006، والأراضي الفلسطينية.
كما أن لدى حماس وحدات النخبة، وهي قوات خاصة بحرية قادت غارة بحرية على شاطئ زيكيم في إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، واستولت على قاعدة عسكرية جنوب عسقلان.
جثث لفلسطينيين قُتلوا في استهداف إسرائيلي للمستشفى المعمداني وسط غزة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي (الفرنسية)وأشار إلى أن أحداث 7 أكتوبر بدأت كهجوم صادم ومباغت، ولم يكن من المتوقع أن تتصاعد إلى معركة مكلفة وطويلة الأمد، وستصعب البيئة المعقدة والحضرية الكثيفة في غزة فهم ما سيحدث للقوات البرية، ويشعر مخططو الجيش الإسرائيلي بالقلق من انضمام لاعبين إقليميين آخرين، مثل حزب الله في لبنان أو المليشيات المدعومة من إيران في سوريا، مما قد يخلق حربا متعددة الجبهات، وقد يدفع ذلك إسرائيل إلى شن ضربة استباقية على اللاعبين الإقليميين قبل دخول غزة، ولكن مثل هذه الضربة ستكون مقامرة عالية المخاطر.
خسائر بين المدنيينكما تنطوي الحملة البرية في غزة على مخاطر إستراتيجية، فتدمير الممتلكات وقتل المدنيين وطرد السكان -وهي أفعال يعدها الكثيرون تطهيرا عرقيا- قد تضر بشرعية إسرائيل الأخلاقية وسمعتها، وتؤدي لفرض وقف سياسي للهجوم بغض النظر عن التقدم العسكري على الأرض، ونرى مثالا لذلك في معركة الفلوجة الأولى في العراق عام 2004، حيث تم إصدار قرار سياسي بوقف الجنود ومشاة البحرية الأميركية، لأن التأثير الإستراتيجي لفقدان الشرعية الأخلاقية يمكن أن يكون شديدا على إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وعلق الكاتب بأن "الجيش الإسرائيلي كان يهدف في البداية إلى فصل مقاتلي حماس عن المدنيين في غزة، وذلك في المقام الأول لحماية السكان وتحديد الأهداف المشروعة، ولكن تبيّن لاحقا صعوبة تحقيق ذلك بسبب قوات العدو التي غالبا ما تكون متوزعة بين المدنيين الذين قد يستخدمون كدروع بشرية". وقد صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري بأن تركيز إسرائيل قد تحول من الدقة في الهجوم إلى الضرر والدمار لجعل غزة قاعدة مستحيلة لحماس.
وأردف أن الجهود الإسرائيلية الرامية إلى تشجيع المدنيين على المغادرة عبر نقاط العبور الرسمية أو الممرات الإنسانية المحددة، لن تنجح كليا استنادا لما حصل في ماراوي في الفلبين والموصل في العراق.
وختم المقال بأن كل هذه العوامل تشير إلى أن الهجوم البري على غزة من المرجح أن يكون مروعًا، مع عواقب وخيمة. ولكن كما يعلم كل جندي، قد يظل ذلك ضروريًا، وقد يبدأ قريبًا جدا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.