واشنطن – في حين أن تصرفات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تُعدّ غير مسبوقة في الطريقة التي تدعم بها واشنطن هجمات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، إلى درجة رفض الدعوة لوقف إطلاق النار، يكشف التاريخ الأميركي أن نهج بايدن لا يختلف جذريا عن السياسة الأميركية طويلة الأمد تجاه فلسطين وإسرائيل.

وأظهرت إدارة بايدن تطرفا في تقديمها للدعم الأميركي العسكري والدبلوماسي والعاطفي والسياسي، في أعقاب بدء معركة "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث زار بايدن إسرائيل وشارك في أعمال مجلس وزراء الحرب، وكرر دعم إدارته وأن بلاده تقف شريكا كاملا إلى جانب إسرائيل في حربها على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ويكشف كتاب خالد الجندي "النقطة العمياء: أميركا والفلسطينيون من بلفور إلى ترامب"، عند وضعه في سياق أحداث طوفان الأقصى وما تبعها، أن نهج بايدن هو "تتويج للنهج الأميركي التقليدي في التعامل مع إسرائيل والفلسطينيين، وهو نهج يتميز باتساقه الملحوظ عبر الإدارات الجمهورية والديمقراطية".

ويشير عنوان الكتاب (صدر في 2019 عن دار نشر معهد بروكينغز) إلى عمى الحكومات الأميركية كونهم وسطاء في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في جوانب عدة:

أولا- أن واشنطن كانت عمياء عن التباين الشاسع في القوة بين الطرفين، ومارست باستمرار ضغوطا غير متناسبة على الطرف الأضعف (الفلسطينيين)، مع القليل من الضغط المقابل على الطرف الأقوى بكثير (إسرائيل).

ثانيا- كانت الولايات المتحدة عمياء عن "الديناميات" الداخلية للسياسة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، غالبا ما بنت سياساتها الخاصة حول السياسة الإسرائيلية ،وتراجعت باستمرار أمام القادة الإسرائيليين.

ثالثا- أن الولايات المتحدة كانت عمياء عن حقيقة أن تحويل القادة الفلسطينيين إلى ما تعدّه هي وإسرائيل "شركاء سلام مناسبين" قد أدى إلى تآكل شرعيتهم السياسية وتفتيت السياسة الفلسطينية، مما أدى تاريخيا إلى ظهور جماعات المقاومة ضد إسرائيل، وعلى رأسها حركة حماس.

 

بايدن (يمين) خصص تمويلا يصل إلى 14 مليار دولار لإسرائيل خلال حربها على غزة (رويترز)

 

العمى الأميركي تاريخيا

يقدم خالد الجندي، وهو المستشار السابق للقيادة الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل، ومدير برنامج فلسطين والشؤون الفلسطينية الإسرائيلية بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، تفسيرا متوازنا وشاملا لأكثر من قرن من السياسة الأميركية بشأن القضايا الفلسطينية.

ويوضح الكتاب أن تجاهل واشنطن جاء نتيجة ضغوط السياسة الداخلية الأميركية والعلاقة الخاصة مع إسرائيل، التي لها جذور تاريخية عميقة، تعود إلى وعد بلفور في 1917 والانتداب البريطاني، وإن اختلف حجم "النقطة العمياء" على مر السنين ومن إدارة إلى أخرى، إلا أنها تبقى موجودة دائما.

يغطي القسم الأول من الكتاب إدارات ترومان وأيزنهاور وكينيدي، التي رفضت جميعها التعامل مع مسألة تقرير المصير الفلسطيني، حيث أذعن الرؤساء الأميركيون بشكل مطرد لرفض إسرائيل إعادة أي لاجئ فلسطيني من 1948، وهو ما سمح للرئيس ليندون جونسون -أول رئيس يحافظ على "تقارب شخصي مع الدولة اليهودية"-، بإنكار وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مع توسيع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، ومنع الإجراءات التي تعارضها إسرائيل في الأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإن معظم الكتاب يفصّل تاريخ السياسة الأميركية بعد 1967، وهي الفترة التي شهدت الظهور البطيء، ثم التراجع المطرد لما نعرفه الآن باسم "عملية السلام".

ويروي خالد الجندي خطة "إبقاء الفلسطينيين خارج العملية الدبلوماسية" خلال إدارات نيكسون وفورد وريغان، وهو جهد قاده هنري كيسنجر، برفضه التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية لأطول فترة ممكنة، وأثبت كارتر أنه الاستثناء من هذه القاعدة، ولكن كما يوضح الكتاب، كانت يداه مقيدة إلى حد كبير بأفعال أسلافه.

ونتيجة لأطروحة كيسنجر القائلة بأن "ضعف منظمة التحرير الفلسطينية سيكون نعمة للسلام والاستقرار"، فقد شهدت المنظمة انخفاضا في شرعيتها بين الفلسطينيين، وفقدت القدرة على السيطرة على الفصائل الفلسطينية المختلفة، مما مهد الطريق لارتفاع الهجمات ضد إسرائيل، وظهور حركة حماس في أواخر ثمانينيات القرن العشرين.

تطور العمى الأميركي

منذ بدء مفاوضات أوسلو في 1993، مالت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى تجاهل، أو التقليل من شأن التفاوت الهائل في القوة بين الجانبين، وتجاهلت واشنطن أن العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست علاقة صراع فحسب، بل علاقة احتلال تسيطر فيه إسرائيل بشكل مباشر على حياة ملايين الفلسطينيين.

ونظرا للروابط الوثيقة بشكل غير عادي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتأثير المفرط للوبي المؤيد لإسرائيل، كان من الأسهل والأقل تكلفة من الناحية السياسية بالنسبة للمسؤولين الأميركيين التركيز على جوانب؛ مثل: إصلاح السلطة الفلسطينية وتحسين الأمن الإسرائيلي، بدلا من الضغط على القادة الإسرائيليين بشأن قضايا؛ مثل: المستوطنات الإسرائيلية، أو احترام الحقوق الفلسطينية.

وكتب خالد أنه على الرغم من الأهمية الرمزية لاتفاقيات أوسلو، فإن النقاط العمياء التي سادت عملية صنع السياسات في إدارات كلينتون وبوش وأوباما على حد سواء، ضمنت أن عملية السلام ستحقق عكس أهدافها المقصودة تماما: تشجيع المتطرفين والمتشددين على كلا الجانبين، وزيادة العنف، وتوسيع الاحتلال الإسرائيلي.

عزز الرؤساء الثلاثة اختلال توازن القوى من خلال التركيز -حصريا- على إصلاح المؤسسات السياسية الفلسطينية، دون معالجة الزيادة الهائلة في عدد المستوطنين الإسرائيليين خلال سنوات أوسلو، واكتفوا بالتنديد ببناء المستوطنات، وادعوا أنهم يدعمون قرار الأمم المتحدة رقم 242، بينما كانوا "يثيرون ثقوبا فيه" من خلال اختراع ثغرات للسماح "بالنمو الطبيعي" للمستوطنات.

وزاد الثلاثة من الضغط على القيادة الفلسطينية للامتثال للمطالب الأميركية والإسرائيلية، مع التقليل في الوقت نفسه من قيمة هذا الامتثال، وهو ما ساعد على زيادة تآكل شرعية السلطة الفلسطينية، واستبعاد بعض الفصائل الفلسطينية من المفاوضات.

يقول الكاتب، إن القادة الإسرائيليين تمكنوا من الإبقاء على الاحتلال إلى أجل غير مسمى، ولم يشعروا بأي ضغوط للتفاوض لتغيير الوضع الراهن في أوقات السلم، وفي خلال فترات تصاعد العنف، كان القادة الإسرائيليون "يفتقرون تماما إلى الإرادة" للدخول في مفاوضات، كما أن تزويد إسرائيل بحوافز اقتصادية وعسكرية وسياسية لا حدود لها تقريبا، لم يجعل قادتها أكثر استعدادا لتقديم تنازلات، بل سمح لهم هذا "بتحمل.. تكاليف الاحتلال".

ومن ناحية أخرى، واجه القادة الفلسطينيون مشكلة معاكسة؛ فقد سعوا لأكثر من 4 عقود إلى تحقيق سلام دائم مع إسرائيل على أساس التسوية المتبادلة، لكنهم "افتقروا إلى القدرة، سياسيا وماديا، على تحقيق ذلك".

الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون بعد توقيع اتفاقية أوسلو بواشنطن (رويترز) نتائج العمى الأميركي

لقد استثمرت الولايات المتحدة كثيرا من الوقت والمال والجهد في السعي لتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني وحل الدولتين، ومع ذلك فإن المحاولات الأميركية للتوسط لإنهاء الصراع باءت بالإخفاق مرارا وتكرارا.

ويكمن في قلب هذه الإخفاقات عاملان حاسمان هما: القوة الإسرائيلية والسياسة الفلسطينية. وفي نهاية المطاف تعثرت جهود صنع السلام الأميركية، نتيجة لعدم رغبة واشنطن في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي المتعمق بالأساس.

وربما كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الأكثر قسوة على الفلسطينيين؛ بوقفها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والاستغناء عن مصطلح "الاحتلال"، وإنهاء التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن، وما تبع ذلك من نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، والاعتراف بها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، إلا أن تصرفات الرئيس الديمقراطي الذي سبقه قد مهدت لذلك؛ فقد كافأ باراك أوباما إسرائيل بأكبر حزمة مساعدات عسكرية أميركية في تاريخها، عقب توقيعه الاتفاق النووي مع إيران في 2015، إلا أن ما فعله بايدن في دعم العدوان الإسرائيلي على المدنيين بقطاع غزة، يفوق أي دعم سابق تلقته إسرائيل على مدار تاريخها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

بايدن يستبعد الحرب الشاملة وأنباء عن هجوم إسرائيلي وشيك على إيران

قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا يعتقد أن هناك حربا شاملة ستندلع في الشرق الأوسط. وأضاف بايدن في تصريحات للصحفيين خلال عودته إلى البيت الابيض أن بلاده ساعدت اسرائيل بالفعل وستقوم بحمايتها. يأتي ذلك في وقت كشفت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن التقديرات تشير إلى شن هجوم إسرائيلي على إيران خلال الأيام القليلة المقبلة ردا على الهجوم الصاروخي.

وأضاف بايدن "لا أعتقد أنه ستكون هناك حرب شاملة في الشرق الأوسط. أعتقد أننا نستطيع تجنب هكذا سيناريو. ولكن هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به، لقد ساعدنا إسرائيل بالفعل. وسنقوم بحمايتها".

وفي وقت سابق أشار بايدن إلى أن إسرائيل لن تنتقم من إيران اليوم، مشددا على أن واشنطن لا تعطي الإذن للإسرائيليين بشأن ردهم المتوقع. وأكد الرئيس الأميركي في تصريحات صحفية من البيت الأبيض وجود نقاشات بشأن احتمال توجيه إسرائيل ضربة لمنشآت النفط الإيرانية. وأضاف ردا على سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة سترفع من أسعار النفط، أن الأعاصير ترفع أسعار النفط أيضا، على حد تعبيره.

وفي واشنطن، قالت نائبة الرئيس الأميركي  كامالا هاريس، لشبكة "سي بي إس"، إنها لا تتوقع إطلاقا دخول قوات أميركية للقتال إلى جانب إسرائيل، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تعمل على دعم القدرات الإسرائيلية فيما سمته الدفاع عن نفسها.

من جانبها، قالت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) سابرينا سينغ في ردها على سؤال لمراسل الجزيرة إن بلادها لا تسعى إلى أي صراع مع أي دولة بما فيها إيران، لكنها شددت على أن من حق إسرائيل الرد على الهجوم الإيراني عليها وأن واشنطن تتشاور معها بشأن هذا الرد.

وقد أعلنت هيئة أركان الجيش الأميركي أن رئيس الأركان أجرى مع نظيره الإسرائيلي محادثات لتقييم الهجوم الإيراني، وأنه أثار معه الحاجة إلى مراقبة أي تهديدات إضافية من طهران أو وكلائها على حد البيان الأميركي.

هجوم وشيك

في غضون ذلك، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن التقديرات تشير إلى شن هجوم إسرائيلي على إيران خلال الأيام القليلة المقبلة.

وأشارت تلك المصادر إلى أن الإدارة الأميركية تضغط لتخفيف الرد خشية استهداف إسرائيل منشآت نفطية.

كما بينت المصادر وجود محادثات أمنية وسياسية مع الإدارة الأميركية في محاولة لصياغة ما وصفته برد متوازن، لافتة إلى أن الرد على إيران سيتم عبر التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يوم الأربعاء مشاورات مكثفة تعقد على المستويين السياسي والأمني، استعدادا لهجوم على إيران من المحتمل تنفيذه في الأيام المقبلة. في حين نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر سياسية أن مجلس الوزراء الأمني المصغر قرر تنفيذ ما وصفته برد قاس على الهجوم الإيراني.

وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن الرد على إيران قد يشمل أكثر من خيار وليس بالضرورة أن يكون عبر ضربات جوية، ونقلت عن مصدر إسرائيلي أنه يجب على تل أبيب ألا تذهب بعيدا جدا في ردها، لكن المصدر قال: "سيكون أقوى بكثير من الرد على هجوم أبريل/نيسان" الماضي.

وفي السياق، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوهم سرا أنهم لا يشعرون بالحاجة إلى الرد على إيران بطريقة فورية وواسعة النطاق.

مع ذلك، يخشى مسؤولون أميركيون وأوروبيون أن تضرب إسرائيل أهدافا اقتصادية إيرانية، مما قد يؤدي إلى رد فعل تصعيدي خطير، لأن إيران تعتبر الهجمات على صناعة النفط والغاز الخاصة بها خطا أحمر، وفق الصحيفة الأميركية.

وأشارت الصحيفة إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا قلقون من أن واشنطن لا تمارس ضغوطا كافية على إسرائيل.

وقد قال مسؤولون أميركيون إن المسؤولين الإسرائيليين لم يناقشوا ضرب المواقع النووية الإيرانية في محادثات خاصة مع المسؤولين الأميركيين، وأضافوا أن نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في صد الصواريخ الإيرانية، للمرة الثانية عزز الثقة داخل إسرائيل.

وفي محادثات خاصة، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم سيردون بطريقة محسوبة، كما قال المسؤولون الأميركيون إن هناك ضغطا على إسرائيل لمعرفة غايتها الإستراتيجية النهائية، لأنها تخوض حربا على جبهات متعددة، بما في ذلك غزة ولبنان والضفة الغربية.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الأربعاء عن مسؤولين إسرائيليين أن تل أبيب لا تخطط حاليا لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأشارت الصحيفة نقلا عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أن تل أبيب قد تستهدف مواقع إنتاج النفط وقواعد عسكرية إيرانية.

وأطلقت إيران وابلا من الصواريخ على إسرائيل أول أمس الثلاثاء، في هجوم قالت إنه للرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله والقائد في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان.

مقالات مشابهة

  • إدارة بايدن: إسرائيل ستدرس رداً معتدلاً لا يؤدي إلى انتقام إيراني
  • ما عقوبة بث القنوات التليفزيونية دون ترخيص؟.. القانون يجيب
  • حرب تحت الأرض.. كيف طورت الفصائل الفلسطينية قدراتها بعد عام من عدوان إسرائيل؟
  • بايدن عن الانتخابات الأميركية: لا أعرف هل ستكون سلمية أم لا
  • رسائل بريد إلكتروني تظهر علم واشنطن المسبق بإمكانية حدوث جرائم حرب بغزة
  • رسائل تكشف مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية بغزة
  • لافروف : أميركا تشجع العدوان الصهيوني على لبنان
  • بايدن يستبعد الحرب الشاملة وأنباء عن هجوم إسرائيلي وشيك على إيران
  • قطاع النفط الأميركي يئنّ تحت ضغط صدمات الشرق الأوسط وسياسات بايدن
  • تلاشي آمال التقارب الإيراني الأميركي بعد الهجوم الأخير