بقلم: جعفر العلوجي ..
مشكلة حقيقية تعتري الوسط الإعلامي بقوة أخذت تمتد وتتجذر مع ظهور أي حدث رياضي على الساحة، وتكمن في مصادرة الرأي او تجييره باتجاه واحد فقط للمديح وتلميع الصور والسطحية في الطروحات، وخلاف ذلك عليك أن تتحمل وزر ما تكتبه نقدا او تصحيحا لحالة معينة تكون حاضرة في الإجراءات الرياضية التي تخص الاتحادات، وقد ابتدعت هذه الآلية للأسف الشديد عن طريق شراء الذمم وتأليف جيش من (الجحوش الالكترونية) تطلق كالقطعات لتكون حماة أهداف للسيد الرئيس الذي يقوم باستئجارهم للدفاع عنه مقابل أثمان بخسة جدا، ولا يكذب هؤلاء خبرا في قبول المهمة والتصدي عبر انتشارهم في المواقع الالكترونية لينبروا مدججين بالأسلحة ومجهزين للنيل من الأقلام التي تحاول التصحيح بالنقد او الإشارة الى مكامن الخطأ، وقد استفحلت هذه الظاهرة الشاذة اجتماعيا الى أبعد الحدود وصارت عرفا قائما بذاته للسياسيين وأصحاب المناصب بعد أن أثمرت في الوسط الرياضي المريض أصلا بعشرات الأقلام لأشباه الصحفيين والإعلاميين، وصار لزاما على من يريد الكتابة والتعبير الانزواء او اختيار التصادم الوضيع مع هؤلاء بالأساليب العشائرية والتهديد والوعيد والصراخ والعراك .
حالة مؤسفة جدا تنذر باختفاء المهنية وانحطاط بمستوى الإعلام الى أسفل درجة ممكنة وليس من آلية حقيقية للسيطرة على هؤلاء وكبح جماحهم، سوى بتشخيصهم وعزلهم وهي مهمة تشاركية يجب أن تكون للأقلام الشريفة والشخصيات المهمة في الإعلام كلمة الفصل فيها لأنها واحدة من أبواب الفساد بأبشع صوره وتشجيع الفاسدين على العمل بمطلق الحرية طالما كان هناك من يغطي ويتستر ويقابل من أجل أفعالهم باسم الصحافة والإعلام وبآلية مخزية جدا.
ولمن يريد او يتابع جوانب المسرحيات البائسة فليرى بوضوح ما يحصل اليوم لجيوش رئيس اتحاد الكرة مثلا وبعد الإعلان عن دوري نجوم العراق او دوري المحترفين على الورق فقط وما حصل لمن أشر نقاط الخلل في الدوري الكروي او أشار إليها ، حالات يندى لها الجبين من الوضاعة في العمل والسوقية في الرد، وعلى رأي أحد الزملاء كلما أمعن هؤلاء بألفاظهم الساقطة وطريقة طروحاتهم المخزية في الرد كلما ارتفع سقف الإكراميات لهم .
نضع هذه المشكلة او المتفجرات الموقوته أمام أنظار المسؤولين من أي طرف له تأثير لعلهم يسعفوننا بحلول عاجلة تعيد لإعلامنا الرياضي هيبته .
همسة ..
همسة بأذن المسؤول او رئيس الاتحاد والمتنفذ، لا تنسى أن حبل الكذب قصير جدا مهما ظننت أنه طويل ويكفي لاستمرار أكاذيبكم، وعليكم أن تدركوا أن الشارع الرياضي والجماهير أثقف وأكبر سعة في العقل من أن تنطلي عليهم هذه الإعلانات البائسة .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
في لحظات المفصل التاريخي، حين تتبدل المصائر ويُعاد تشكيل الوعي الجماعي، يكون للعقلاء والتاريخ كلمتهم، وهي كلمة قد تأتي متأخرة، لكنها تحمل قسوتها التي لا ترحم. غير أن هذه الكلمة ليست بالضرورة صرخةً في الميادين أو خطبةً على منابر الجدل، فقد تكون صمتًا مدويًا في وجه الخطاب الشعبوي، أو تأملًا باردًا في مسرح العواطف الملتهبة. والعقل، في صورته الأصيلة، ليس نزاعًا بين الذوات، بل سيرورةٌ لفهمٍ أعمق، حيث لا يكون العقل مجرد سلطةٍ إجرائية تحكم المواقف، بل معيارًا يزن المقولات في ميزان الحقيقة.
كتب الدكتور الوليد مادبو مقاله الأخير في نقد الأستاذ شوقي بدري، مستخدمًا لغةً مشحونةً بالتقريع، تتداخل فيها الذاتية مع الموضوعية، والنقد مع الاستعداء. غير أن الأزمة هنا ليست في حدّة اللغة فحسب، بل في الطبيعة الاستدلالية التي أسس عليها مقاله، والتي تستدعي وقفةً نقدية تتجاوز الشخصي إلى الكلي، من حيث طبيعة التفكير ومنهجية التحليل.
المغالطة المنهجية الخطاب بين الشخصي والتاريخي
ليس من الحكمة أن يُقرأ الواقع بمسطرة الذات، فتُختزل التناقضات المركّبة في ازدواجية "المهرّج والعالم"، أو "المؤدلج والمستقل". فالفكر في جوهره ليس مجرد تراكم أسماء أو انتماء أكاديمي، بل هو ميدانٌ مفتوحٌ للجدل الحر والتفاعل المعرفي. حين يجعل الكاتب من ذاته معيارًا للفرز بين "المتطفلين" و"الجادين"، فإنه يقع في مأزق فلسفي عميق: كيف يمكن للعقل أن يكون حكمًا وهو طرفٌ في الخصومة؟
يتخذ مادبو في طرحه موقفًا يتأرجح بين المدافع عن القيم والمحلل البارد، لكنه في جوهر خطابه يستخدم لغةً معياريةً أخلاقية تحاكم الآخر من منطلق ذاتي. وهنا يظهر التناقض: كيف يمكن استدعاء معايير الفكر النقدي، بينما يُمارس الإقصاء والتهكم في ذات اللحظة؟ إن النقد الفلسفي، كما صاغه فلاسفة مثل هابرماس أو ألتوسير، ليس خطابًا يعتمد على الشخصنة، بل هو تفكيكٌ لبنى التفكير وإعادة بناء المفاهيم وفق منطقٍ متماسك، لا وفق انفعالات اللحظة.
إشكالية السلطة المعرفية والاستعراض الخطابي
حين يلجأ الكاتب إلى تعداد الشخصيات التي تتلمذ على أيديها – من طه عبد الرحمن إلى الجابري – فإنه يسعى إلى تأسيس سلطةٍ معرفية قائمة على الانتماء أكثر من البرهان. لكن العلم، كما أشار إليه غاستون باشلار، لا يُكتسب بالانتساب إلى الأسماء، بل بالقدرة على مساءلة الأفكار دون تحصينها بهالةٍ من القداسة. فالسؤال الفلسفي الحقيقي ليس "مع من درست؟"، بل "كيف تفكر؟"، وهذا ما لم يقدمه المقال.
إن استدعاء المرجعيات الفكرية لا يصنع معرفة، بل قد يكون مجرد تمرينٍ خطابي لإضفاء الشرعية على موقفٍ مسبق. ولذلك، فإن الوعي الفلسفي يقتضي تفكيك المسلّمات بدلًا من إعادة إنتاجها في قوالبَ جديدةٍ لا تخرج عن النسق نفسه.
قراءة التاريخ: بين السردية الخطية والتعقيد البنيوي
يتحدث مادبو عن التهميش كمسارٍ امتد لقرنين من الزمان، مصورًا التاريخ بوصفه خطًّا مستقيمًا من القهر والاستعلاء العرقي. غير أن قراءة التاريخ من هذا المنظور تعكس اختزالًا شديدًا لجدلية السلطة والمجتمع، حيث تُختصر الصراعات السياسية والاقتصادية في ثنائية "مضطهِد ومضطهَد".
إن تحليل التاريخ لا يمكن أن يكون فعلًا انتقائيًا يستدعي فقط ما يخدم موقفًا آنيًا، بل هو عملٌ بنيوي يُعيد تشكيل الوعي وفق تعقيد العلاقات الاجتماعية والسياسية. وكما أشار ميشيل فوكو، فإن السلطة لا تعمل ككيانٍ أحادي، بل تتجلى في أنماطٍ متغيرةٍ من الهيمنة والتفاوض والمقاومة، مما يجعل من أي تفسيرٍ أحادي للتاريخ نوعًا من التبسيط الأيديولوجي الذي يفقده قيمته التحليلية.
ازدواجية الخطاب ومشكلة المعيارية الانتقائية
إن وصف الجيش السوداني بأنه "غير قومي وغير مهني" مع الدعوة لمقاومته، في الوقت الذي يُنتقد فيه الدعم السريع باعتباره فاقدًا للمشروعية، يكشف عن مشكلةٍ معيارية في الخطاب. فإذا كان الجيش يعاني من أزمةٍ بنيوية، فإن الدعم السريع لا يخرج عن كونه تجلّيًا أكثر فجاجةً لنفس الإشكاليات، مما يجعل من غير المنطقي انتقاد أحدهما باعتباره "إرثًا يجب مقاومته"، بينما يُعامل الآخر بوصفه "خطأً تكتيكيًا يجب تصحيحه".
هنا تبرز إشكاليةٌ فلسفية تتعلق بازدواجية المعايير في الخطاب السياسي: كيف يمكن رفض منظومةٍ كاملة، ثم التعامل مع أحد منتجاتها على أنه "حالة استثنائية" تستحق المراجعة بدلًا من الإدانة المطلقة؟ إن النقد المتماسك لا يكون بالانتقاء، بل بالقدرة على الاحتفاظ بثبات المعايير بغض النظر عن الظرف السياسي.
في البدء كان العقل حاجة السودان إلى خطابٍ متزن
إن الأزمة السودانية اليوم ليست أزمة أشخاص، بل أزمة وعي، حيث يُستبدل النقد العقلاني بالهجوم الشخصي، ويُستبدل التحليل العميق بالسرديات التبسيطية. فحين يتنادى البعض بالألقاب، متناسين جوهر القيم التي يدّعون الدفاع عنها، يكون التاريخ في موقف الحكم، حتى وإن تأخر في النطق بكلمته.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء- هل ننتظر أن يحكم التاريخ أم نحاول أن نحكم عقولنا قبل أن تصدر الأحكام؟ إن وعي اللحظة يقتضي الخروج من دائرة الشخصنة إلى فضاء النقد الفلسفي، حيث تُختبر الأفكار لا الأشخاص، وتُناقش الخطابات لا الذوات. فالتاريخ قد يكون قاسيًا، لكن العقل أحيانًا يكون أشد قسوة، حين يُطالبنا بأن نكون على مستوى ما ندّعيه من قيمٍ ومبادئ
zuhair.osman@aol.com