السومرية نيوز – دوليات

تطرق موقع Responsible Statecraft الأمريكي، الى خطاب المكتب البيضاوي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وطلب خلاله دعم أوكرانيا وإسرائيل، فيما أكد أن بايدن ردد شعوذات سياسية يرجع تاريخها إلى ذروة فترة القطب العالمي الأوحد. وذكر الموقع الأمريكي، في تقرير له، أن "خطاب المكتب البيضاوي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وطلب خلاله دعم أوكرانيا وإسرائيل، يُمكن وصف بأنه كان خطاباً مليئاً بالتصريحات الأيديولوجية وخالياً من أي مبررات حقيقية لسياسات إدارته، ويبدو الخطاب شبيهاً بخطابات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن الذي ورط واشنطن في حروب لا تنتهي بالعراق وأفغانستان"، مبيناً أن "بايدن ردَّد شعوذات سياسية يرجع تاريخها إلى ذروة فترة القطب العالمي الأوحد".



وشدّد بايدن على أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم كلتا الحربين الجاريتين واللتين تخوضهما أوكرانيا وإسرائيل لأنها "الأمة التي لا تُقهر"، ولأن "القيادة الأمريكية هي التي تحافظ على تماسك العالم".

كما أكّد الرئيس أن نجاح أوكرانيا وإسرائيل يُعَدُّ "ضرورياً للأمن القومي الأمريكي".

لكن بايدن لم يؤيد ذلك الزعم سوى بنظرية الدومينو المنقحة، التي تقول إن الإخفاق في مكانٍ ما سيؤدي لكوارث في كل مكان.

ومن المستبعد أن تكتفي الولايات المتحدة بالبقاء في خانة الداعمين إذا كان نجاح أوكرانيا وإسرائيل "ضرورياً" للأمن القومي الأمريكي بحق. ولا شك أن تفادي الولايات المتحدة للتدخل المباشر في كلا الصراعين -حتى الآن- يُعد دلالةً قوية على عدم قناعة بايدن بأن المصالح الأمريكية الضرورية معرضة للخطر هناك.

وربما يكون من الأفضل من وجهة نظر أمريكية أن تنتصر كلتا الدولتين غير الحليفتين في الحرب، لكن ذلك الانتصار لا يمكن أن يكون ضرورياً لأمن الولايات المتحدة، حسب الموقع.

كما أن دعم بايدن لحرب إسرائيل الوحشية ضد غزة يبدو حتى الآن مفيداً بشكل كبير لروسيا.

ويُهوِّل بايدن من المخاطر القائمة حتى يستطيع طلب المزيد من الدعم لكلتا الحربين، في وقت يجب خلاله نقاش كل منهما على حدة.

ويتمثل الخطر هنا في أن بايدن قال علناً إن مصالح البلاد الحيوية على المحك، لكن تلك المصالح ليست كذلك في كلتا الحربين. ويؤدي هذا إلى خلق فخ محتمل للولايات المتحدة. إذ سهّل بايدن على المتشددين أن ينتقدوه، مستخدمين تصريحاته إذا تدهور الوضع في أي من الصراعين.

وبعدها سيتعرض لضغوط من أجل إلزام الولايات المتحدة بخوض المزيد من الحروب التي ستكون باهظة التكلفة.

لقد اختار بايدن دمج حربي أوكرانيا وإسرائيل في الخطاب نفسه من أجل حشد الدعم وتمويلهما معاً، لكن من المستبعد أن ينجح ذلك في إقناع المشككين؛ لأن الصراعين مختلفان بما يكفي من عدة نواحٍ بارزة، لدرجة أنه من الصعب التعامل بجديةٍ مع محاولة دمجهما في المعركة العالمية ذاتها. ويُمكن القول إن الجمع بين بوتين وحماس في خطاب بايدن يُشبه خطابات عصر بوش، مما يُذكرنا بالأخطاء التي قد تنتج عن الجمع بين خصومٍ مختلفين جذرياً.

إذ تحتل روسيا الأراضي التي صادرتها بالقوة وبصفةٍ غير قانونية في الحرب الأوكرانية، أما إسرائيل فهي المحتل غير الشرعي في الصراع الدائر بينها وبين حماس، وهي تحتل أرض شعب آخر منذ زهاء نصف قرن.

ولا شك أن التاريخ الطويل لتجريد الفلسطينيين من أملاكهم واضطهادهم تحت الحكم الإسرائيلي يحول دون التعامل مع كلا الصراعين باعتبارهما قصص ديمقراطيات محاصرةٍ متشابهة. لكن بايدن حاول فعل ذلك لتبرير المسارعة بإرسال المزيد من المساعدات العسكرية إلى أقوى دول المنطقة.

ويستحق بايدن بعض الثناء لأنه أقر بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، حسب الموقع الأمريكي، (علماً بأن حماس فازت بآخر انتخابات تشريعية فلسطينية)، لكن دعمه الثابت لحملة الجيش الإسرائيلي -والحصار الخانق على غزة- يكشف للعالم أنه لا يحترم ذلك الفارق عملياً.

وزعم بايدن أن الخصوم "سيواصلون المضي قدماً" إذا لم يتم إيقافهم، و"سيستمر ارتفاع وتيرة التهديدات للولايات المتحدة والعالم"، لكن تلك الفكرة تبدو مستبعدةً تماماً في كلتا الحالتين، حيث تفتقر روسيا إلى القدرات اللازمة لشن حرب هجومية ضد دول أخرى بخلاف أوكرانيا، وحتى في حال تَحقَّق السيناريو الأسوأ وهُزِمت أوكرانيا، فستكون الحكومة الروسية انتحاريةً إذا حاولت الاستمرار في التوغل غرباً داخل أراضي الناتو.

ويبدو أن رغبة الرئيس الأمريكي في تهويل التهديد الأكبر من روسيا تدفعه للتشكيك في قدرة الناتو على ردع أي هجوم. أما في الصراع الآخر، فمن المرجح أن يستمر تصاعد التهديدات على أمريكا إذا ربطت نفسها بإسرائيل بشكلٍ وثيق، بالتزامن مع شن الأخيرة لحربها المدمرة في غزة.

ويُمكن القول إن افتراض كون الولايات المتحدة "أُمةً لا تُقهر" وأن قيادتها "تحافظ على تماسك العالم" هي فقرات من كتاب عقيدةٍ فقدت مصداقيتها، وليس هذا صحيحاً.

إذ تُقدِّم لنا فيتنام والعراق وسوريا الكثير من الأمثلة على أن "القيادة" الأمريكية عمّقت الانقسامات وفاقمت الصراع على حساب الجميع، حيث وأدت تلك القناعة بكون أمريكا "لا تُقهر" إلى إشعال مجموعة من أسوأ السقطات والجرائم في التاريخ الأمريكي الحديث، وكان لها دورا كبيرا في تقويض والإضرار بالأمن الأمريكي والعالمي خلال الـ25 عاماً التي تلت تصريح وزير الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بالجملة لأول مرة.

ويعني ذلك خوضها حروباً أجنبية طيلة ما تبقى من وجودها
ومن المؤكد أن القناعة بأن أمن بقية العالم يعتمد على التدخل الأمريكي المستمر هي قناعة شديدة العجرفة، حيث إن تطبيق تلك القناعة على السياسة يحكم على الولايات المتحدة بخوض أو التورط في الحروب الأجنبية طيلة ما تبقى من وجودها، ولن يؤدي ذلك إلى تماسك العالم، بل سيكون له تأثير مدمر يُزعزع استقرار العديد من المناطق، بالتزامن مع استمرار المحاولات الأمريكية لإثبات كونها "أمةً لا تُقهر" رغم تدهورها النسبي.

وتجدر الإشارة إلى أن صياغة مادلين لم تكتف بالتأكيد على أن العالم يعتمد على الولايات المتحدة، بل قالت إنه يعتمد على الولايات المتحدة لأننا "نقف شامخين وننظر إلى المستقبل نظرةً أبعد من بقية الدول، ولهذا يحق للولايات المتحدة أن تستخدم القوة عندما ترى الأمر مناسباً".

وقد صرح المؤرخ الأمريكي أندرو باسيفيتش بأن مزاعم مادلين هي مجرد هراء، قائلاً: "لا تنظر الولايات المتحدة إلى المستقبل نظرةً أبعد من أيرلندا، أو إندونيسيا، أو أي بلدٍ آخر، بغض النظر عن مدى قدمه أو حداثة تكوينه".

ولا تتمتع الولايات المتحدة ببصيرة مميزة أو تفهم العالم أكثر من الدول الأخرى، بل يبدو واضحاً في العديد من الحالات أن قادتنا يعانون لرؤية الأشياء الموجودة أمام ناظريهم مباشرةً.

"نحن أقوى قوة في التاريخ".. مقولة ستؤدي إلى التدمير الذاتي
وقد يكون أكثر جانب مقلق في مطالبة بايدن بدعم أكبر لكلتا الحربين هو أنه يتجاهل مدى انتشار الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. فخلال مقابلة أجراها مع برنامج 60 Minutes، تجاهل الرئيس المخاوف حيال تحمُّل الولايات المتحدة للكثير من الأعباء الإضافية على عاتقها، وقال: "نحن الولايات المتحدة الأمريكية بربكم. نحن أقوى أمة في التاريخ -لا أقول في العالم، بل في تاريخ العالم بأسره. تاريخ العالم بأسره. ونستطيع إنجاز كلا الأمرين مع الحفاظ على دفاعنا الدولي الشامل".

وتنُم تصريحات بايدن عن شعور بالغطرسة. فتجاهل حدود القوة الأمريكية يدفع بحكومتها عادةً إلى تجاوز حدودها بطرق خطيرة تدمر الذات.

وربما أرضى خطاب بايدن غرور المؤمنين بدور أمريكا "التي لا تُقهر"، لكنه لن يؤثر في الأمريكيين الذين لا يشاركونه القناعة نفسها. ولن يؤثر كذلك في العديدين الذين يريدون من حكومتهم أن تولي عنايةً أكبر للمشكلات المحلية في هذا البلد.

ومن المحتمل أن تنجح دعوة بايدن الشبيهة بالمواعظ الدينية داخل الكونغرس على المدى القريب، عن طريق استغلال الدعم القائم مسبقاً لإسرائيل في حشد دعمٍ أكبر لأوكرانيا. لكنها قد تؤدي إلى إحباط الرأي العام عن دعم كلا الصراعين بسبب الطلب المتزايد باستمرار على الموارد الأمريكية. وربما يُؤكد الرئيس أنه "استثمار ذكي سيؤتي ثماره"، لكنه يبدو لأعداد متزايدة من الأمريكيين أشبه بإهدار المال على مساعٍ خائبة.

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: أوکرانیا وإسرائیل الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی لا ت قهر

إقرأ أيضاً:

خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة

 

خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة

عمار نجم الدين

تصريحات وزير الإعلام السوداني لقناة الجزيرة اليوم خالد الإعيسر تعكس بوضوح استراتيجية النظام في الخرطوم التي تعتمد على تكرار الكذبة حتى تصير حقيقةً في نظر مُطلقيها. عندما يصف الوزير الدعم السريع بـ”الخطأ التاريخي” ويزعم تمثيل السودانيين، فإنه يغفل حقائق دامغة عن طبيعة الصراع وأدوار الأطراف المختلفة فيه.

في خضم هذه الدعاية، يُظهر الواقع أن الانسحاب الأخير لقوات الدعم السريع من سنجة، تمامًا كما حدث  في انسحاب الجيش في مدني  وجبل أولياء وانسحاب الدعم السريع  من أمدرمان، ليس إلا فصلًا جديدًا من فصول التفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الانسحابات لم تكن وليدة “انتصار عسكري” كما يدّعي النظام، بل هي نتيجة مباشرة لمفاوضات سرية أُجريت بوساطات إقليمية، خاصة من دول مثل مصر وإثيوبيا وتشاد، وأسفرت عن اتفاق لتبادل السيطرة على مواقع استراتيجية وضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة.

ما حدث في سنجة هو نتيجة لتفاهمات وُقعت في أواخر أكتوبر 2024 في أديس أبابا تحت ضغط إقليمي ودولي. الاتفاق، الذي حضرته أطراف إقليمية بارزة، مثل ممثل رئيس جنوب السودان ووزير خارجية تشاد، شمل التزامات متبادلة، من بينها انسحاب الدعم السريع من مواقع محددة مثل سنجة ومدني، مقابل:

ضمانات بعدم استهداف القوات المنسحبة أثناء تحركها من المواقع المتفق عليها. تبادل السيطرة على مناطق استراتيجية، حيث التزم الجيش السوداني بانسحاب تدريجي من مناطق مثل الفاشر، مع الإبقاء على وحدات رمزية لحماية المدنيين. التزام بوقف الهجمات لفترة محددة في المناطق المتفق عليها لتسهيل التحركات الميدانية وإعادة توزيع القوات.

انسحاب الجيش السوداني من الفاشر سوف يكون تدريجيًا، يُظهر أن الطرفين يعيدان ترتيب أوراقهما ميدانيًا وفق التفاهمات السرية، لا على أساس أي انتصارات عسكرية كما يدّعي النظام.

النظام في الخرطوم، كعادته، يسعى إلى تصوير هذه التطورات الميدانية كإنجازات عسكرية، معتمدًا على خطاب تضليلي يخفي حقيقة أن ما يحدث هو نتيجة لاتفاقات سياسية تخدم مصالح الطرفين أكثر مما تحقق أي مكاسب للشعب السوداني.

ادعاء الوزير بأن النظام يمثل السودانيين، في مقابل القوى المدنية التي “تتحدث من الخارج”، هو محاولة أخرى لإقصاء الأصوات الحقيقية التي تمثل السودان المتنوع. هذه المركزية السياسية، التي لطالما كرست التهميش ضد الأغلبية العظمى من السودانيين، تعيد إنتاج نفسها اليوم بخطاب مكرر يفتقر لأي مصداقية.

الحديث عن السلام وفق “شروط المركز” هو استمرار لنهج الإقصاء، حيث يرفض النظام الاعتراف بالمظالم التاريخية، ويمضي في فرض حلول تخدم مصالحه السياسية دون النظر إلى جذور الأزمة. السلام الحقيقي لا يتحقق بشروط مفروضة من الأعلى، بل بإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تضمن العدالة والمساواة.

خطاب النظام حول “الانتصارات العسكرية” و”مواجهة المؤامرات الدولية” ليس سوى وسيلة لتبرير القمع الداخلي وتحريف الحقائق. الحقيقة الواضحة هي أن الانسحاب من سنجة وستتبعها الفاشر وغيرها من المناطق تم نتيجة مفاوضات سياسية بوساطة إقليمية، وليس نتيجة “نصر عسكري” كما يزعم النظام. هذه الممارسات تفضح زيف الرواية الرسمية وتؤكد أن الأزمة الراهنة ليست صراعًا بين دولة ومليشيا، بل هي امتداد لصراع مركزي يهدف إلى تكريس الهيمنة والإقصاء.

إذا كان النظام السوداني يسعى حقًا لإنهاء الحرب وبناء السلام، فعليه أولًا التوقف عن الكذب والاعتراف بمسؤولياته في خلق هذه الأزمة. السودان اليوم أمام مفترق طرق حاسم، والاختيار بين الحقيقة أو الكذبة سيحدد مصير البلاد لسنوات قادمة.

 

الوسومالفاشر حرب السودان سنجة

مقالات مشابهة

  • أزمة السودان أسوأ من أوكرانيا وغزة
  • وزارة الخارجية والمغتربين: تواصل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الجماعي انتهاج سياسات تقوض الأمن والاستقرار حول العالم وذلك من خلال استمرار دعمها اللامحدود لكل من نظام زيلنيسكي في أوروبا والكيان الصهيوني في منطقتنا
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
  • أستاذ علاقات دولية: الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن مسار نتنياهو
  • الكرملين: الولايات المتحدة تتخذ خطوات متهورة ويثير التوترات بشأن الصراع في أوكرانيا
  • قراصنة يخترقون بعمق شركات اتصالات كبرى فى الولايات المتحدة
  • مساعدة وزير الخارجية الأمريكية الأمريكي تؤكد دعم واشنطن لمغربية الصحراء
  • روسيا أخطرت أمريكا قبل 30 دقيقة بإطلاق صاروخ MIRV على أوكرانيا.. ماذا نعلم للآن؟
  • زعيم كوريا الشمالية..لم يشهد العالم فوضى ووحشية مثل المنتشرة حاليا بسبب أمريكا
  • معضلات «إعادة أمريكا عظيمة» عالمياً