بسم الله الرحمن الرحيم.
أعترف أنني لست أديباً ، و لست مؤهلاً علمياً لتقديم نقد فني، أو رؤية فنية، لرواية "أخت البداية" للكاتب السوداني الدكتور سامي حامد طيب الأسماء. لكني كقارئ عام في مجالات المعرفة أعترف أنها أمتعتني و أدهشتني.
لقد صدرت الرواية مؤخراً في القاهرة من (دار صفحات للنشر و التوزيع) في ثوب قشيب ، و طباعة أنيقة، و تمددت أحداثها عبر أربع و أربعين و مائتي صفحة من الحجم المتوسط ، بلغة راقية سلسة، مضبوطة التعابير و التركيب ، و إن لم تخلو من بعض الأخطاء الطباعية القليلة الناتج معظمها عن تشابك حروف كلمات متجاورة.


أعجبني في الجو العام للرواية شعوري كقارئ كأنما هي تخصني بالحكاية، و تحكي لي بصوت مسموع عن أحداث متشابكة ما أن أستوعب أحداها حتى تجدني أريد أن أستمر في القراءة لمعرفة التالي تتابعا مشوقاً للأحداث ، حتى و إن بدأ غضروف الظهر يشكو طول الجلوس، و العيون تدمع من طول مسح الحروف.
ليس هذا فحسب..بل أني منذ الصفحات الأولى شعرت أن الذي بين يدي ليس مجرد قصة خيالية أو واقعية، أو هي مزيج من واقع و خيال ، بل هو ، بجانب إمتاعه الأدبي ، يمثل سياحة تاريخية و سياسية و مجتمعية في دنيا السودان و السودانيين الذين كتب الله عليهم "قُوْمَة نَفَس" في ديارهم بسبب سلسلة أحداث سياسية تطاولت زمنياً ، و تناثرت بذكاء شديد، في ثنايا الرواية ، و واقع شتات أنفس و أهل و نزوح و هجرات قادت الكثيرين ،طوعاً أو كرهاً، إلى ديار ليست ديارهم ، و مجتمعات ذات عادات متباينة و مختلفة .
فالقصة التي تحكيها لنا سطور الرواية تمثل في جوهرها العام توثيقاً في قالب أدبي لمعايشة السودانيين لمجتمعات عربية شتى ، بخاصة في مصر و الجزيرة العربية و أرض الشام . تأتي القصة في كل من تلك المواقع متحدثة باللهجة المحلية للبلد المعين ، و بسلاسة و عفوية و عمق مما جعلني أحس مراراً و كأن المؤلف قد عاش في كل تلك البقاع ،و تشبع بدقائق لهجاتها و عاداتها إلى درجة الإتقان ،حتى بدا سرده في كل حالة علي حدة و كأنه لغة أم سلسة، و غير مُصطَنَعَةٍ أو مُتَكلَّفَة.
أما سياسياً و وطنياً ، فإن رواية ( أخت البداية ) يتناثر بين طياتها سجل عجيب ، و متماسك ، لكل الأحداث السياسية الرئيسية التي شهدتها الساحة السودانية منذ بُعَيد الإستقلال و حتى عهد الإنقاذ الإخواني الذي ظننا لوهلة أنه آخر الديكتاتوريات التي ظل يفجعنا بها العسكر كلما و جدت الديمقراطية سبيلا إلى ربوع بلادنا الحبيبة.
يطل كل ذلك بسلاسة ضمن أحداث الرواية، و بشكل طبيعي ، و بدون إقحام مصطنع ليؤرخ و يوثق و ينتقد ، بدون أن يُشعِرَك أنه خرج من إطار الحَكِي و أحداثه المترابطة و المتصاعدة، فتتوثق أحداث غَيَّر بعضها مسار تاريخ السودان الحديث ، و ترك بعضها الآخر بصمات بقيت في حياة و مستقبل الكثير من السودانيين، و من الأجانب الذين عشقوا السودان ، و سعوا لتطويره كل بطريقته ، لكن تحكي لنا الرواية كيف دفع هؤلاء الأجانب أثماناً غالية إضطرتهم للهجرة هم أيضاً بعيداً عن السودان ، تاركين خلفهم ذكريات و مصالح و صداقات أبرزت الرواية جوانب منها لطيفة و شديدة الإيجابية.
و بجانب هذا و ذاك مما تتركه رواية( أخت البداية ) من إنطباع في الذاكرة و في النفس عن أحداث تمازجت بين الواقع و الخيال ، فإن القارئ سيخرج منها بالعديد من الدروس الحياتية. يأتي علي رأس ذلك حتمية تفادي التَسَرُّع في الأحكام علي الناس و الأحداث دون أخذ فرصة كافيةللتحقق،
و بخاصة عندما تكون الأحكام مبنية علي أفكار مسبقة غير ناضجة أو غير مؤسسة. كذلك تثبت الرواية بياناً بالعمل ، و ليس عاطفة جندرية ، أن المرأة السودانية لا تقل عن الرجل السوداني مروءة ، و صبراً ، و تضحية.
ثم بجانب ما تحمله الرواية من توثيق ادبي و سياسي و مجتمعي ، فإنها تبلور واقع شتات، قديم و جديد، عاشه اهل السودان قسراً في معظم الأحيان، لكنهم لم يرغبوه أو يصنعوه بأنفسهم، بل صنعه بعض بنيهم ،طمعاً و جهلاً، و دفع سواد الشعب ثمنه تخلفاً ، و تخريباً داخلياً، و شتاتاً و تهجيراً في أصقاع الدنيا !!!
و يبقى في النهاية تساؤل هل فعلاً عايش المؤلف تلك المجتمعات العربية المتباينة و عرف خباياها ، و لهجاتها إلى درجة الإتقان التي تبدو واضحة عبر صفحات الرواية !!! و مع إعجابي بإحتواء النص علي الكثير من الكلمات العامية السودانية ، إلا إنه لم يعجبني ما لحق بعضها من شرح في الهوامش ، لإيماني بان لهجتنا العامية ذات أصول عربية قحة .. و هنا لا بد من الترحم على الأديب الطيب صالح ، لأنه في ظني أن رواية ( أخت البداية ) تنبئ بأن "طيب صالح" آخر يلوح في الأفق ، و ها هو يقدم لنا رواية تستحق الإقتناء و التأمل.
شكراً دكتور سامي و معذرة للتطاول .

بروفيسور
مهدي أمين التوم
24 أكتوبر 2023 م
mahdieltom23@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث

هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صَخر، كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكُنيته أبو هريرة، لأنه وجدَ هِرَّة فحملها في كُمه، فقيل له: أبو هريرة. حَمَلَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عِلماً كثيراً، وحَدَّثَ عنه عدد كبير من الصحابة والتابعين، روى عنه نحو ثمانمئة رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين وغيرهم.. وكان قدومه وإسلامه في أول سنة سبع من الهجرة، عام خيبر. وكان أبو هريرة رضي الله عنه من فقراء المسلمين، فانضمَّ إلى أهل الصُّفَّة في المسجد النبوي، قال أبو هريرة: «لقد رأيتُنِي أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقولوا: مجنون»، واستغل فراغه في ملازمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحفظ سنَّتِه وتبليغها للمسلمين، فكان حفظُ أبي هريرة الخارق من معجزات النُّبوة، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟»، قلتُ: أسألك أن تعلمني مما عَلَّمَكَ الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدبُّ عليها، فحدثَني، حتى إذا استوعبتُ حديثَه قال: «اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ»، فأصبحت لا أُسْقِطُ حرفاً مما حدَّثَنِي.
وقال: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين، والأنصار لا يُحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بِمِثْلِ حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صَفْقٌ بالأسواق، وكنتُ ألْزَمُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملءِ بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكيناً من مساكين الصُّفَّةِ، أعي حين ينسون، وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثٍ يحدِّثُه: «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»، فبسطت نَمِرَةً عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، جمعتُها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك من شيء» (رواه البخاري). وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
واحتج المسلمون قديماً وحديثاً بحديثه، وفقهه، بل إن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتأدَّب معه، ويقول: «أَفْتِ يا أبا هريرة». وأصح الأحاديث: ما جاء عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.. وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وما جاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدِّثهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً، قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي هريرة بالمحبة هو وأمّه.

أخبار ذات صلة شخصيات إسلامية.. طلحة بن عبيد الله شخصيات إسلامية: عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودِ.. أول من جهر بالقرآن

مقالات مشابهة

  • شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث
  • سلفاكير يكشف تفاصيل أحداث الناصر
  • «مصطفى بكري»: الجيش السوداني يقترب بشدة من ساعة الحسم
  • قرقاش: الجيش السوداني وشركاؤه من الإخوان المسلمين يناورون لتبرير رفضهم للسلام
  • الجيش السوداني يعلن تحقيق انتصارات على الدعم السريع في عدة محاور
  • مؤتمر دولي بلندن منتصف أبريل لـ«السلام وحماية المدنيين» في السودان .. وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: زيارة وفد بريطاني للتشاور
  • حكومة جنوب السودان تكشف تفاصيل أحداث الناصر وموقف مشار
  • رحلة إلى جهنم .. مقطع مسلسل من رواية قنابل الثقوب السوداء
  • الدستور الانتقالي السوداني لعام 2025 ما بين التأسيس الجديد والتحديات الراهنة
  • خصوبة الشر.. سرد 60 عاما من الذاكرة الجزائرية بأسلوب الرواية السوداء