سودانايل:
2025-01-03@09:36:23 GMT

سرديات …. ناس سودانيين !

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

كان يسكن معنا فى الحى شخص اشتهر بكرمه،عفة لسانه وقوفه مع الغير ساعة المرة و الحلوة...... وكانت له مقولة مشهورة يعرفها و يحفظها كل أفراد الفريق، وكان يرددها عندما يعجب و يقدر أحد الأشخاص .....كان يقول بفخر ( ياخى ده زول سودانى ) !. لم أفهم معنى التعبيرالا عندما أصبحت أكبر عمرا ....فهمت انه يقصد ( البساطة .

...الكرم ....التواضع...المروة ....عفة اللسان و احترام الغير و احترام مواقفهم فى الحياة....مساندة الآخرين دون منّ ).
وجدت نفسى استخدم ذات التعبير عندما قابلت فى مسيرة حياتى ثلاث شخصيات سودانية....هم غادروا الحياة منذ فترة، و لكن تركوا أثارهم و بصمات إبداعهم على كل الجبهات التى عملوا بها، أما على المستوى الشخصى فذكراهم راسخة فى ذهنى.

السفير فخر الدين محمد
كانت علاقته بشقيقتى خالدة و زوجها عثمان محجوب عثمان كما كانت زوجته سعاد صديقة حميمة لخالدة....امتدت تلك العلاقة و توثقت لتشمل كل أفراد الأسرة من الجانبين. فخرالدين محمد كان من الرعيل الأول الذى عمل بالخارجية فى عدة سفارات وترك بصماته بها و لا زال العاملين بالخارجية يتحدثون عنه بتقدير و احترام.
مما يميز السفير فخرالدين اهتماهه و ابداعه فى مجالات بعيدة عن الدوبلوماسية، فقد كان مثقفا يمتلئ بالمعرفة كما كان فنانا، فقد برع فى النحت و تعامل مع الذهب و الفضة كما رسم لوحات مبدعة. لا زلت أتذكر لوحتة الرائعة ل " قطة " معلقة على جدار استقبال منزل شقيقتى بالعمارات. كعادة الأسر فى السودان بعلاقاتها فقد التقيته مرارا لكن لم تكن لى معه علاقة مباشرة للعامل العمرى و المهنى الذى يستوجب الاحترام.
كان أول تعامل مباشر معه عندما حضر سفيرا فى موسكو عن حكومة السودان فى بداية سبعينات القرن الماضى، و كنت وقتها بالجامعة فى مدينة موسكو إبان حقبة الاتحاد السوفيتى. فى ذلك الوقت كانت علاقة اتحاد الطلبة السودانيين متأزمة مع حكومة الديكتاتور نميرى كما أصدر الأتحاد قرارا بمقاطعة السفارة و عدم التعامل معها الا فى المسائل الرسمية.
أتذكر استدعتنى ادارة الجامعة و أخبرتنى بان السفير السودانى يريد مقابلتى لأسباب شخصية ، كنت أعلم بمجئيه لكن لم أكن مهيئا أو مستعدا للقائه، خاصة اننى كنت أعمل ضمن الكادر القيادى السياسى فى الجامعة فى تلك الفترة كما كنت من المنادين بمقاطعة السفارة.
الاستدعاء سبب لى ازعاجا و قلقا، لكن لم يكن هنالك بد من الذهاب الى مقابلته. فى اليوم الموعود ذهبت للقائه، و كان منزله ملحقا داخل السفارة و قد أستقبلنى هاشاً باشاً ....شعرت بانه يتعامل معى كشقيقه الأصغر سنا ....سألنى عن الدارسة و هل محتاج و شقيقتى شاديه و كانت تزاملنى الجامعة فى ذلك الوقت لأى شئ يمكن أن يفعله، أخبرته ان أمورنا متيسرة و لا نحتاج لشيئا.
قام و ذهب الى الداخل و أحضر معه لفافة ذكر لى انها ملابس مرسلة من شقيقتى خالدة ثم أضاف انه يطمح أن نتغدى أنا و شادية معه طبيخ سودانى فى منزله فى أى يوم نختاره ....شكرته مع وعد بالحضور لكن لم نذهب اليه أبدا حتى حتى انتهاء خدمته فى موسكو و عودتى الى السودان.
عند لقائى بخالدة فى السودان و سؤالها عن أحوالى..... ذكرت لى فى مجرى الحديث ان فخرالدين أخبرها عند سؤالها عنى، ذاكرا لها اننى لم آتى لزيارته مرة أخرى، و بما أنه يعرف مقاطعة اتحادهم للسفارة فقد تفهمت وضعه و لم الح فى دعوته حتى لا اقوم باحراجه بين زملائه و أصدقائه.......السفير فخر الدين ( كان زول سودانى ).

قاسم أمين
كان قاسم أمين المناضل العمالى العظيم عضوا باللجنة المركزية للحزب الشيوعى كما كان ممثلا للحزب فى اتحاد نقابات العمال العالمى بمدينة براغ جمهورية تشوسلوفاكيا سابقا. فى ذلك الوقت كان عثمان محجوب زوج شقيقتى خالدة الملحق الثقافى فى السفارة السودانية ببراغ و شقيقتى خالده معه.
فى أحد الأيام أتى مسؤول الطلبه السودانيين، الروسى الجنسية مسرعا و يبدوا عليه الأهتمام و الأضطراب و أخبرنى بأنى مطلوب للذهاب مساءاً لمقابلة شخصية حزبية مهمة، و قد تفهمت اضطرابه فقد كان ذلك الزمن وقت سطوة و قوة الحزب الشيوعى السوفيتى.
انزعجت أيضا لأنى لم أعرف الغرض من طلبى كما لم أكن أعرف الشخص الذى يريد مقابلتى. ذهبت المساء الى محل اقامة الشخصيات المهمة ووجدت قاسم امين منتظرنى فى قاعة الأستقبال. بالطبع كنت أعرفه و كما يقول أهلنا ( من بعيد )....أولا لفارق السن و ثانيا لسنوات النضال و التضحيات التى تماثل عمرى.جلست فى حضوره العارم و قد عرف بخبرته ما يعترينى، فبدأ يتحدث فى اريحية و بساطة جعلت حائط الجليد الذى كان يقوم بينى و بينه يذوب سريعا. كان انسانا بسيطا،حبوب و عارفا بالاضافة الى كاريزما طاغية....بعد فترة بسيطة شعرت كأنى أعرفه منذ عشرات السنين. أخبرنى ان شقيقتى خالدة قد أرسلت لى معه بعد الأغراض....قلت فى سرى ( خالدة دى ترسل كمان حاجات مع قاسم أمين....معقول )!....مما أدهشنى انه كان يتعامل معى بشكل طبيعى و كأنه ملزم بتوصيل تلك الأشياء !
جلست اتجاذب معه اطراف الحديث و بالطبع مصغيا أكثر منه متحدثا فقد كنت أعلم انه لن تتح لى الفرصة مرة أخرى لمقابلته و الحديث بأريحية معه.......قاسم أمين الزول الثانى السودانى.

الشاعر صلاح أحمد أبراهيم
الشاعر المبدع الكبير صلاح أحمد أبراهيم و الذى كنا نتلقف دواوينه فى ستينات القرن الماضى لقراءتها و حفظ كثيراً من قصائدها عن ظهر قلب ،و هو الشقيق لفاطمة أحمد ابراهية الغنية عن التعريف. و برغم انه يسكن العباسية و أنا اسكن الموردة بالقرب منه الا اننى لم التقيه....السبب قد يكون فارق السن....عمله الدبلوماسى الذى يجعله يتنقل كثيراً و لا استبعد الموقف السياسى فقد كان مفصولا من الحزب و فى تلك السن و نحن صغارا كنا نتعامل بعقلية القطيع !
فى هذه المرة أروى هذه الحكاية على لسان ابنة شقيقتى الهام أحمد عبدالله عطا، فقد ذهبت الى باريس لمؤتمر لحقوق الانسان و كان وقتها صلاح أحمد ابراهيم السفير السابق مقيما بها.عندما عرف صلاح ان أنور زاهر هو خال الهام و شقيق والدتها فريدة، ارسل اليها لمقابلته.........قالت الهام و الحديث لها ( ذهبت لمقابلته و رحب بى كثيرا و بعد الاستقبال المرحب و الاسترسال فى الحديث، سألنى عن خالى أنور و هو يعلم باختفائه و عمله السرى.اخبرته اننى لا أقابل خالى عمر ( كان ذلك اسمه الحركى و المعروف به لدى الأسرة و الذى طغى على أسمه الحقيقى ) الا نادرا و ذلك يحدث بعد فترات طويلة.
قال لى اذا استطعت مقابلته فقد اشتريت له أشياء يمكن أن تفيده فى ظروف العمل السرى، و قام باعطائى لفافة بها بعد الملابس الداخلية و " راديو " مفتخر يعمل بحجارة البطاريات.....و ذاكراً إن ذلك ما يحتاجه.
عندما قمت بتوصيل الأشياء الى شقيقى أنور أو عمر سمه ما شئت فى مكان أختفائه، لم يقل شئيا و لكن هز رأسه فى تقدير و امتنان......صلاح أحمد أبراهيم هو الزول السودانى الثالث.

عدنان زاهر
اكتوبر 2023

elsadati2008@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: صلاح أحمد لکن لم

إقرأ أيضاً:

الإمام المهدي … ثلاثون عاما من العطاء !!

بقلم - صديق السيد البشير*

siddigelbashir3@gmail.com

(1)

هكذا تبدو من بعيد استراحة جامعة الإمام المهدي الواقعة في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، والتي تزينت في حلة جديدة، بتصميم معماري مميز، بعد أن نجحت إدارة الجامعة في تشييدها، لتشكل قيمة مضافة لمباني الجامعة، المتوزعة على مدن الولاية المختلفة، هذا إلى جانب مضى الإدارة بخطى واثقة لتنفيذ مشروعات جديدة، تكفى هي الأخرى لإحداث نقلة نوعية، علما ومعرفة.
(2)
بعزيمة وإصرار بائنين ، وبعقول تنقل التجارب لأياد ترسم الخطط الطموحة وأخرى تحمل مشاعل العلم والتنوير والتحديث، أنجزت إدارة الجامعة تزويد المعامل الخاصة بمجمع الطب والعلوم الصحية بضاحية القوز، غربي مدينة كوستي بحزمة من الأجهزة والمعدات الطبية، جهد يأتي مواكبة لعصر التطور التقني الذي تعيشه مؤسسات التعليم العالي في أرجاء المعمورة، ما يمكن الطلاب والعلماء من إجراء التجارب المعملية، بحثا ونتائج.
(3)
ست وثلاثون جامعة كانت تتخذ من العاصمة السودانية الخرطوم، يممت وجهها شطر جامعة الإمام المهدي، لتبادلها ذات المحبة، محبة التعاون المثمر، خدمة لطلاب العلم والمعرفة، بعد أن توقفت الدراسة في قاعاتها، كانت جامعة الإمام المهدي تفتح لها القلوب والعقول قبل القاعات والمعامل والاستراحات، حيث وفرت لها الجامعة بيئة دراسية ملائمة، لتبدأ في استئناف الدراسة وعقد الامتحانات بكل سهولة ويسر، في تعاون يصفه ممثلوا الجامعات بالبناء والمثمر.
(4)
أربعون عاما أكملتها جامعة الإمام المهدي من عمرها المديد في مسيرتها القاصدة نحو تطبيق رؤيتها الموضوعة على ديباجة التأسيس قبل سنوات، وذلك توفيرا لبيئة دراسية نظرية تطبيقية مناسبة لطلاب العلم والمعرفة، ما يمكنهم من ولوج سوق العمل على مختلف الصعد، ووضع خريجوها بصمات مميزة في كتاب العلم والعمل داخل وخارج السودان.
(5)
بين ورش تنعقد، وندوات تقام، ومحاضرات تقدم، واجتماعات تنجز، تنظيرا وممارسة، هكذا تتحول كليات الجامعة إلى خلية نحل، لإنجاز الخطط والبرامج، بما يمكن من إحداث التغيير المنشود في مرافقها المختلفة، بما ينعكس إيجابا على حاضرها المشرق وغدها الزاهر بعديد المنجزات، عملا، علما ومعرفة.
(6)
من تدريبات عملية للطلاب، إلى بحوث علمية ينجزها العلماء، تناقش هي الأخرى قضايا البلاد، تأتي ضمن حزمة من البرامج والمشروعات تسعى لتنفيذها إدارة جامعة الإمام المهدي في المستقبل، بما يمكنها من إحداث التغيير على المستويين، الداخلي، والخارجي.
*صحافي سوداني  

مقالات مشابهة

  • أحلام تُشعل الحماس: “آتية… استعدوا!”
  • قم للمعلم… وكفي
  • ريال مدريد «2 من 10» في «ميستايا»!
  • جلوس القرفصاء
  • الأسد المرقسى
  • الإمام المهدي … ثلاثون عاما من العطاء !!
  • غزة المنسيِّة
  • باتنة…إصابة 4 أشخاص في إنقلاب شاحنة محملة بالدواجن بمروانة
  • كيف تكشف لغة الجسد عن الحب: دليل شامل
  • في وداع رفيق العُمر: البروفسور عبدُالله أحمد جلاّب