كان يسكن معنا فى الحى شخص اشتهر بكرمه،عفة لسانه وقوفه مع الغير ساعة المرة و الحلوة...... وكانت له مقولة مشهورة يعرفها و يحفظها كل أفراد الفريق، وكان يرددها عندما يعجب و يقدر أحد الأشخاص .....كان يقول بفخر ( ياخى ده زول سودانى ) !. لم أفهم معنى التعبيرالا عندما أصبحت أكبر عمرا ....فهمت انه يقصد ( البساطة .
وجدت نفسى استخدم ذات التعبير عندما قابلت فى مسيرة حياتى ثلاث شخصيات سودانية....هم غادروا الحياة منذ فترة، و لكن تركوا أثارهم و بصمات إبداعهم على كل الجبهات التى عملوا بها، أما على المستوى الشخصى فذكراهم راسخة فى ذهنى.
السفير فخر الدين محمد
كانت علاقته بشقيقتى خالدة و زوجها عثمان محجوب عثمان كما كانت زوجته سعاد صديقة حميمة لخالدة....امتدت تلك العلاقة و توثقت لتشمل كل أفراد الأسرة من الجانبين. فخرالدين محمد كان من الرعيل الأول الذى عمل بالخارجية فى عدة سفارات وترك بصماته بها و لا زال العاملين بالخارجية يتحدثون عنه بتقدير و احترام.
مما يميز السفير فخرالدين اهتماهه و ابداعه فى مجالات بعيدة عن الدوبلوماسية، فقد كان مثقفا يمتلئ بالمعرفة كما كان فنانا، فقد برع فى النحت و تعامل مع الذهب و الفضة كما رسم لوحات مبدعة. لا زلت أتذكر لوحتة الرائعة ل " قطة " معلقة على جدار استقبال منزل شقيقتى بالعمارات. كعادة الأسر فى السودان بعلاقاتها فقد التقيته مرارا لكن لم تكن لى معه علاقة مباشرة للعامل العمرى و المهنى الذى يستوجب الاحترام.
كان أول تعامل مباشر معه عندما حضر سفيرا فى موسكو عن حكومة السودان فى بداية سبعينات القرن الماضى، و كنت وقتها بالجامعة فى مدينة موسكو إبان حقبة الاتحاد السوفيتى. فى ذلك الوقت كانت علاقة اتحاد الطلبة السودانيين متأزمة مع حكومة الديكتاتور نميرى كما أصدر الأتحاد قرارا بمقاطعة السفارة و عدم التعامل معها الا فى المسائل الرسمية.
أتذكر استدعتنى ادارة الجامعة و أخبرتنى بان السفير السودانى يريد مقابلتى لأسباب شخصية ، كنت أعلم بمجئيه لكن لم أكن مهيئا أو مستعدا للقائه، خاصة اننى كنت أعمل ضمن الكادر القيادى السياسى فى الجامعة فى تلك الفترة كما كنت من المنادين بمقاطعة السفارة.
الاستدعاء سبب لى ازعاجا و قلقا، لكن لم يكن هنالك بد من الذهاب الى مقابلته. فى اليوم الموعود ذهبت للقائه، و كان منزله ملحقا داخل السفارة و قد أستقبلنى هاشاً باشاً ....شعرت بانه يتعامل معى كشقيقه الأصغر سنا ....سألنى عن الدارسة و هل محتاج و شقيقتى شاديه و كانت تزاملنى الجامعة فى ذلك الوقت لأى شئ يمكن أن يفعله، أخبرته ان أمورنا متيسرة و لا نحتاج لشيئا.
قام و ذهب الى الداخل و أحضر معه لفافة ذكر لى انها ملابس مرسلة من شقيقتى خالدة ثم أضاف انه يطمح أن نتغدى أنا و شادية معه طبيخ سودانى فى منزله فى أى يوم نختاره ....شكرته مع وعد بالحضور لكن لم نذهب اليه أبدا حتى حتى انتهاء خدمته فى موسكو و عودتى الى السودان.
عند لقائى بخالدة فى السودان و سؤالها عن أحوالى..... ذكرت لى فى مجرى الحديث ان فخرالدين أخبرها عند سؤالها عنى، ذاكرا لها اننى لم آتى لزيارته مرة أخرى، و بما أنه يعرف مقاطعة اتحادهم للسفارة فقد تفهمت وضعه و لم الح فى دعوته حتى لا اقوم باحراجه بين زملائه و أصدقائه.......السفير فخر الدين ( كان زول سودانى ).
قاسم أمين
كان قاسم أمين المناضل العمالى العظيم عضوا باللجنة المركزية للحزب الشيوعى كما كان ممثلا للحزب فى اتحاد نقابات العمال العالمى بمدينة براغ جمهورية تشوسلوفاكيا سابقا. فى ذلك الوقت كان عثمان محجوب زوج شقيقتى خالدة الملحق الثقافى فى السفارة السودانية ببراغ و شقيقتى خالده معه.
فى أحد الأيام أتى مسؤول الطلبه السودانيين، الروسى الجنسية مسرعا و يبدوا عليه الأهتمام و الأضطراب و أخبرنى بأنى مطلوب للذهاب مساءاً لمقابلة شخصية حزبية مهمة، و قد تفهمت اضطرابه فقد كان ذلك الزمن وقت سطوة و قوة الحزب الشيوعى السوفيتى.
انزعجت أيضا لأنى لم أعرف الغرض من طلبى كما لم أكن أعرف الشخص الذى يريد مقابلتى. ذهبت المساء الى محل اقامة الشخصيات المهمة ووجدت قاسم امين منتظرنى فى قاعة الأستقبال. بالطبع كنت أعرفه و كما يقول أهلنا ( من بعيد )....أولا لفارق السن و ثانيا لسنوات النضال و التضحيات التى تماثل عمرى.جلست فى حضوره العارم و قد عرف بخبرته ما يعترينى، فبدأ يتحدث فى اريحية و بساطة جعلت حائط الجليد الذى كان يقوم بينى و بينه يذوب سريعا. كان انسانا بسيطا،حبوب و عارفا بالاضافة الى كاريزما طاغية....بعد فترة بسيطة شعرت كأنى أعرفه منذ عشرات السنين. أخبرنى ان شقيقتى خالدة قد أرسلت لى معه بعد الأغراض....قلت فى سرى ( خالدة دى ترسل كمان حاجات مع قاسم أمين....معقول )!....مما أدهشنى انه كان يتعامل معى بشكل طبيعى و كأنه ملزم بتوصيل تلك الأشياء !
جلست اتجاذب معه اطراف الحديث و بالطبع مصغيا أكثر منه متحدثا فقد كنت أعلم انه لن تتح لى الفرصة مرة أخرى لمقابلته و الحديث بأريحية معه.......قاسم أمين الزول الثانى السودانى.
الشاعر صلاح أحمد أبراهيم
الشاعر المبدع الكبير صلاح أحمد أبراهيم و الذى كنا نتلقف دواوينه فى ستينات القرن الماضى لقراءتها و حفظ كثيراً من قصائدها عن ظهر قلب ،و هو الشقيق لفاطمة أحمد ابراهية الغنية عن التعريف. و برغم انه يسكن العباسية و أنا اسكن الموردة بالقرب منه الا اننى لم التقيه....السبب قد يكون فارق السن....عمله الدبلوماسى الذى يجعله يتنقل كثيراً و لا استبعد الموقف السياسى فقد كان مفصولا من الحزب و فى تلك السن و نحن صغارا كنا نتعامل بعقلية القطيع !
فى هذه المرة أروى هذه الحكاية على لسان ابنة شقيقتى الهام أحمد عبدالله عطا، فقد ذهبت الى باريس لمؤتمر لحقوق الانسان و كان وقتها صلاح أحمد ابراهيم السفير السابق مقيما بها.عندما عرف صلاح ان أنور زاهر هو خال الهام و شقيق والدتها فريدة، ارسل اليها لمقابلته.........قالت الهام و الحديث لها ( ذهبت لمقابلته و رحب بى كثيرا و بعد الاستقبال المرحب و الاسترسال فى الحديث، سألنى عن خالى أنور و هو يعلم باختفائه و عمله السرى.اخبرته اننى لا أقابل خالى عمر ( كان ذلك اسمه الحركى و المعروف به لدى الأسرة و الذى طغى على أسمه الحقيقى ) الا نادرا و ذلك يحدث بعد فترات طويلة.
قال لى اذا استطعت مقابلته فقد اشتريت له أشياء يمكن أن تفيده فى ظروف العمل السرى، و قام باعطائى لفافة بها بعد الملابس الداخلية و " راديو " مفتخر يعمل بحجارة البطاريات.....و ذاكراً إن ذلك ما يحتاجه.
عندما قمت بتوصيل الأشياء الى شقيقى أنور أو عمر سمه ما شئت فى مكان أختفائه، لم يقل شئيا و لكن هز رأسه فى تقدير و امتنان......صلاح أحمد أبراهيم هو الزول السودانى الثالث.
عدنان زاهر
اكتوبر 2023
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: صلاح أحمد لکن لم
إقرأ أيضاً:
نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ43 لتحرير سيناء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر ستبقى بوحدة شعبها، وبسالة جيشها ورعاية ربها رافعة الرأس، عزيزة النفس، شديدة البأس، ترعى الحق وترفض الظلم.
جاء ذلك خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لعيد تحرير سيناء.
وجاء نص كلمة الرئيس السيسى بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ"43" لتحرير سيناء:
نحتفل فى هذا اليوم المجيد، بالذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء .. تلك البقعة الطاهرة من أرض مصر، التى طالما كانت هدفا للطامعين، وظلت على مدار التاريخ، عنوانا للصمود والفداء .. سيناء؛ التى نقشت فى وجدان المصريين، حقيقة راسخة لا تقبل المساومة.. بأنها جزء لا يتجزأ من أرض الكنانة محفوظة بإرادة شعبها وجسارة جيشها، وعزيمة أبنائها الذين سطروا أروع البطولات، حفاظا على ترابها المقدس.
لقد كان الدفاع عن سيناء، وحماية كل شبر من أرض الوطن، عهدا لا رجعة فيه، ومبدأ ثابتا فى عقيدة المصريين جميعا، يترسخ فى وجدان الأمة جيلا بعد جيل، ضمن أسس أمننا القومى.. التى لا تقبل المساومة أو التفريط.
وإننا إذ نستحضر اليوم هذه الذكرى الخالدة، فإننا نرفع الهامات، إجلالا للقوات المسلحة المصرية، التى قدمت الشهداء، دفاعا عن الأرض والعرض، مسطرة فى صفحات التاريخ، ملحمة خالدة من البذل والتضحية .. جنبا إلى جنب مع رجال الشرطة المدنية، الذين خاضوا معركة شرسة، لاجتثاث الإرهاب من أرض سيناء الغالية.
كما نذكر بكل فخر، الدبلوماسية المصرية وفريق العمل الوطنى، فقد أثبتوا أن الحقوق تنتزع بالإرادة والعلم والصبر، وخاضوا معركة قانونية رائدة، أكدوا بموجبها السيادة المصرية على طابا.. عبر تحكيم دولى .. فكان ذلك نموذجا ساطعا.. فى سجل الانتصارات الوطنية.
شعب مصر الكريم، لقد أثبتم، برؤيتكم الواعية، وإدراككم العميق لحجم التحديات، التى تواجه مصر والمنطقة، أنكم جبهة داخلية متماسكة، عصية على التلاعب والتأثير .. وأن الوطن فى أيديكم، وبوعيكم وفطنتكم، محفوظ إلى يوم الدين.
وفى ظل ما تشهده المنطقة، من تحديات غير مسبوقة، تستمر الحرب فى قطاع غزة، لتدمر الأخضر واليابس، وتسقط عشرات الآلاف من الضحايا، فى مأساة إنسانية مشينة.. ستظل محفورة فى التاريخ.
ومنذ اللحظة الأولى، كان موقف مصر جليا لا لبس فيه، مطالبا بوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن والمحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية بكميات كافية، ورافضا بكل حزم، لأى تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم.
إن مصر تقف - كما عهدها التاريخ - سدا منيعا، أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية .. وتؤكد أن إعادة إعمار قطاع غزة، يجب أن تتم وفقا للخطة العربية الإسلامية، دون أى شكل من أشكال التهجير، حفاظا على الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وصونا لأمننا القومى.
إننا نؤكد مجددا، أن السلام العادل والشامل، لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقا لمقررات الشرعية الدولية .. فذلك وحده، هو الضمان الحقيقى، لإنهاء دوائر العنف والانتقام، والتوصل إلى السلام الدائم والتاريخ يشهد، أن السلام بين مصر وإسرائيل، الذى تحقق بوساطة أمريكية، و نموذج يحتذى به، لإنهاء الصراعات والنزعات الانتقامية، وترسيخ السلام والاستقرار.
واليوم، نقول بصوت واحد: "إن السلام العادل، هو الخيار الذى ينبغى أن يسعى إليه الجميع" .. ونتطلع فى هذا الصدد، إلى قيام المجتمع الدولى، وعلى رأسه الولايات المتحدة، والرئيس ترامب تحديدا، بالدور المتوقع منه فى هذا الصدد.
وكما كان تحرير سيناء واجبا مقدسا، فإن السعى الحثيث لتحقيق التنمية فى مصر، هو واجب مقدس أيضا ..وإننا اليوم، نشهد جهودا غير مسبوقة، تمتد عبر كل ربوع مصر، لتحقيق نهضة شاملة، وبناء مصر الحديثة.. بالشكل الذى تستحقه.
وفى الختام، حرى بنا الوقوف وقفة إجلال وإكبار، أمام شهدائنا الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم، فداء للوطن، ودفاعا عن المواطنين وستبقى مصر بوحدة شعبها، وبسالة جيشها ورعاية ربها، رافعة الرأس.. عزيزة النفس.. شديدة البأس، ترعى الحق وترفض الظلم.
كل عام وأنتم بخير ومصر فى أمان ورفعة وتقدم ودائما وأبدا "تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.