أبرزها البطيخ.. قائمة بأشهر رموز النضال والمقاومة الفلسطينية (صور)
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
السومرية نيوز - دوليات
عند الحديث عن تاريخ المقاومة الفلسطينية، والحركات المختلفة التي تمَّت على فترات زمنية مختلفة من أجل التعبير عن الحرية، وصد الاحتلال، لاستعادة الأرض من جديدة، يمكن الإشارة إلى أبرز الرموز التي ظهرت، وأصبحت تعبِّر بشكل واضح عن النضال المستمر، والتضامن الدائم بين الفلسطينيين.
وغالباً ما يكون العلم الفلسطيني، وخريطة الدولة الفلسطينية، أول ما يتبادر إلى أذهاننا فيما يتعلق برموز النضال والمقاومة، إلا أن هناك رموزاً أخرى، والتي أصبحت ذات معنى كبير لكل فلسطيني وعربي، ولها دور في تعزيز الانتماء والتضامن فيما يخص هذه القضية.
نستعرض لكم في هذه المادة أبرز رموز المقاومة والنضال الفلسطينية، ودورها الكبير في مختلف المجالات، والأحداث التي شهدتها فلسطين منذ النكبة إلى غاية الآن.
الكوفية.. الشال الفلسطيني
يُعتبر الشال الفلسطيني "الكوفية" واحداً من بين الرموز غير الرسمية لدولة فلسطين وذلك منذ عقود، وهو عبارة عن قطعة من القماش يبلغ طولها متراً مربعاً، كان يرتديها الرجال الريفيون والبدو الفلسطينيون قديماً، لحماية رؤوسهم ورقابهم من الشمس في الصيف، والبرد في الشتاء.
فقد كانت تغطية الرأس مبدأ مهماً في الثقافة الفلسطينية التقليدية قديماً، وكانت الكوفية توفر تهوية جيدة للعمال والفلاحين، من خلال طيات القماش، لذلك كانت شائعة بشكل كبير بينهم.
وقد جاءت تسمية الشال الفلسطيني بـ"الكوفية" إشارة إلى مدينة الكوفة العراقية التي تقع جنوب بغداد على طول نهر الفرات، إذ ظهرت، حسب بعض الروايات، في القرن السابع، أثناء معركة بين القوات العربية والفارسية بالقرب من هذه المدينة.
إذ قيل إن العرب استخدموا الحبال المصنوعة من وبر الإبل لتأمين أغطية رؤوسهم والتعرف على رفاقهم في خضم المعركة، ليقوم العرب بالاحتفاظ بغطاء الرأس ذلك تذكيراً لهم بانتصارهم، وهي التي سُميت الكوفية بعد ذلك.
بدأ استعمال الكوفية للمقاومة، بعد خسارة الدولة العثمانية سيطرتها على أراضي الشرق الأدنى خلال الحرب العالمية الأولى، والثورة العربية ضد الحكم الاستعماري البريطاني عام 1936. إذ كان الفلسطينيون يستخدمون الكوفية وسيلة لتغطية وجوههم لإخفاء هويتهم وتجنب الاعتقال من طرف السلطات البريطانية، لتصبح بعد ذلك رمزاً واضحاً للتضامن، فيما تحولت إلى رمز للنضال والمقاومة بعد النكبة سنة 1947.
وقد تم تكريس ظهور الكوفية رمزاً للمقاومة، بعد الظهور الدائم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، خلال الستينيات من القرن العشرين، وهو يرتديها على رأسه، ويدلي الطرف الأطول على كتفه اليمنى، إذ كان يتم تفسير هذه الحركة على أنها تشبيه لخريطة فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي.
أما عن دلالات شكل الكوفية، فإن هناك مجموعة من التفسيرات، وهي تشبيه لشبكة السيد، أو خلية النحل، أو ضم الأيدي، أو علامات التراب والعرق الممسوحين من جبين العامل، فيما يقول آخرون إن التصميم يمثل سنابل القمح، في إشارة إلى أريحا، إحدى أولى المدن المعروفة بزراعة الحبوب.
إذ إن تلك التطريزات عبارة عن لغة تحكي قصة وواقعاً بالنسبة للشخص الفلسطيني، ومعنى للحياة، وتاريخ طويل من الصراع من أجل الحرية، والاستقلال بأرض الأجداد.
غصن الزيتون.. رمز الصمود الفلسطيني
يعتبر غصن الزيتون رمزاً آخر من رموز النضال والمقاومة والحرية والصمود، الذي رافق الشعب الفلسطيني منذ عدة عقود، خصوصاً بعد سنة 1974، بعد أن استعمل هذا التعبير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقد استخدم ياسر عرفات غصن الزيتون في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في هذا المنبر الدولي من أجل تحديد مصيرهم في تقرير دولة مستقلة، تعبيراً منه عن استعداده للتفاوض منه من أجل إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، شريطة أن تكون جميع حقوق الشعب الفلسطيني محفوظة ومعترفاً بها.
وقال الرئيس الفلسطيني الراحل في الخطاب، الذي ما زال محفوراً في ذاكرة الكثيرين من الفلسطينيين، ومناصري القضية الفلسطينية، إنه يحمل بندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى، وإنه لا يسمح لأحد بإسقاط الغصن من يده، تعبيراً على أنه رمز للسلام والصمود والمقاومة الدائمة والمستمرة إلى بعد حين.
ومنذ زمن بعيد، كان يعتبر غصن الزيتون رمزاً صريحاً للإعلان عن السلام والمحبة والرحمة في الثقافات والديانات المختلفة.
أما بالنسبة للشعب الفلسطيني، فقد ارتبط تاريخه واقتصاده بشكل كبير بشجرة الزيتون، فهي تعود إلى آلاف السنين، وتشكل مصدر رزق لآلاف المزارعين، وهي أبرز ما يشهد على أحقية أهل الأرض بالأرض، ومعاناتهم الطويلة بسبب الاحتلال.
إذ إن شجرة الزيتون الفلسطينية، كالفلسطينيين، لم تسلم من اضطهاد دولة الاحتلال، الذين قاموا بقطعها وحرقها، مصادرتها، رغبة منهم في محو الهوية الفلسطينية وقطع جذورها.
وقد تم استعمال غصن الزيتون في الكثير من المحافل، والمناسبات، والأغاني الداعمة للقضية الفلسطينية، تعبيراً عن الرغبة في السلام، والنضال الدائم والتحدي والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يستجب لغصن الزيتون الذي حمله ياسر عرفات سنة 1974، واستمر في شن حروبه المستمرة إلى غاية سنة 2023، آخرها في شهر أكتوبر، على قطاع غزة.
حنظلة.. ناجي العلي الطفل رمز النضال
طفل صغير، في العاشرة من عمره، يرتدي ملابس مهترئة، يضع يديه وراء ظهره، ويتجول حافي القدمين في عالم مليء بالظلم والصراعات، إنه الرسم الكاريكاتيري لحنظلة، الرمز الشهير الآخر للقضية الفلسطينية، الذي ظهر للعالم لأول مرة سنة 1969 في جريدة السياسة الكويتية.
قام برسم الطفل حنظلة الرسام الفلسطيني ناجي العلي، الذي اشتهر برسوماته العديدة التي تعبّر عن مقاومة الاحتلال، ورفضه الكامل والقطعي للوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، خصوصاً أنه كان من بين ضحايا النكبة، بعد أن غادر مجبراً رفقة عائلته أرضه إلى مخيم عين الحلوة في لبنان وعمره لم يتجاوز 10 سنوات.
فقد استوحى ناجي العلي رسمته الشهيرة، والتي تحولت إلى أحد رموز المقاومة الشهيرة، من قصته الشخصية، وما عاشه مكرهاً في طفولته، رفقة آلاف الأطفال الآخرين، الذين كبروا مضطرين في مخيمات للاجئين، بعد أن كانوا يعيشون حياة طبيعية كما بقية الأطفال.
ومن بين المعاني التي يرمز لها الطفل حنظلة، الذي استوحى ناجي اسمه من الصحابي حنظلة بن أبي عامر، الذي استشهد في غزوة أحد، هي توقف الزمن به في عمره الصغير هذا، منتظراً عودته إلى أرضه فلسطين، مع تعجبه الكبير حول ما يحدث من حوله حول أحداث كبرى، يصعب على عقله الصغير أن يستوعبها.
في عام 1973، أدار حنظلة ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره، كرد فعل على حرب أكتوبر ومحاولات التسوية الأمريكية للقضية الفلسطينية.
وقد بقي الطفل حنظلة في هذا الموقف إلى أن توفي ناجي العلي، باستثناء بعض المرات التي ظهر فيها حنظلة مواجهاً للقارئ، أو رامياً حجارة على الاحتلال، أو كاتباً على الجدار، كونه توقيعاً شهيراً لناجي العلي الدائم.
وما زال لغاية يومنا هذا يعتبر الطفل حنظلة رمزاً قوياً وصوتاً صارخاً من أجل الحرية، وضد الاحتلال الإسرائيلي، يتم اعتماده من طرف بعض الفنانين والنشطاء المدافعين عن القضية الفلسطينية.
البطيخ.. المقاومة الإلكترونية
في ظل الدعم الذي يقوم به الكثير من الفنانين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للقضية الفلسطينية، عبر مختلف المنصات، والتضييق الكبير على حرية النشر والتعبير عن الرأي عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بحقوق الفلسطينيين في أرضهم التي يتم احتلالها منذ سنة 1947، تم اللجوء إلى حيلة ذكية للتعبير عن الرأي، والتي تحولت إلى رمز جديد للمقاومة في عصر "السوشيال ميديا" وهي البطيخ.
إذ حسب ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية سنة 2021، فقد اعتمد الفلسطينيون صورة البطيخ، لتجنب القوانين التي تحظر استخدام العلم الفلسطيني بألوانه، الأحمر والأخضر والأبيض والأسود، في مواقع التواصل الاجتماعي وذلك لأنه يحمل نفس ألوان العلم.
وليس فقط لأن البطيخ يحمل نفس لون العلم الفلسطيني، ولكن لأنه كذلك يعتبر واحدة من بين الفواكه المحلية الفلسطينية التي تزرع بشكل كبير في المدن الفلسطينية، الشيء الذي يجعله مناسباً ليكون رمزاً جديداً للمقاومة، وصوتاً ضد القمع الحاصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد تم اختيار البطيخ، سواء من خلال الصور، أو الصور التعبيرية "الإيموجي"، ليكون تمويهاً وتحايلاً على خوارزميات الشبكات الاجتماعية التي تحظر كل شيء أو صوت داعم، خصوصاً داخل حدود الأراضي الفلسطينية.
وقد صرَّح خالد حوراني، الفنان الفلسطيني المقيم في رام الله بالضفة الغربية، والذي ظهرت أعماله ضمن صور البطيخ المتداولة على الإنترنت: "الفن أحياناً يمكنه أن يكون سياسياً أكثر من السياسة نفسها".
لكن قبل بداية الحظر على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن رمزية استعمال البطيخ تعود إلى تكتيكات التنظيمات الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى، في الفترة التي سبقت معاهدات أوسلو عام 1993.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی للقضیة الفلسطینیة غصن الزیتون ناجی العلی یاسر عرفات من بین من أجل
إقرأ أيضاً:
تحت سماء بيروت.. حيث المكان والمقاومة بطلان لا ينفصلان
تعد إشكالية الإنسان في المكان هي "إشكالية وعي الذات بوجودها وإمكانياتها وحقوقها. وهي مشكلة وجودية"، وهو ما أكدته فاطمة الوهيبي، في كتابها "المكان والجسد والقصيدة المواجهة وتجليات الذات"، وهو أيضا الأمر ذاته الذي توضحه الروائية اللبنانية عواطف الزين، في إطار إبداعي، عبر روايتها الأحدث "تحت سماء بيروت"، والصادرة عن سلسلة الكتاب الفضي، التي يصدرها نادي القصة برئاسة الكاتب محمد السيد عيد، بالقاهرة.
وشهد نادي القصة مساء أمس الاثنين، مناقشة الرواية حيث ناقشها كل من: الكاتب محمد السيد عيد، د.السيد نجم، د.زينب فرغلي، وأدارتها الكاتبة منى ماهر.
بداية تحدثت الكاتبة والقاصة منى ماهر متناولة عنوان الرواية "تحت سماء بيروت"، موضحة ذلك الربط بين البطلة الجميلة "فرح"، والمدينة الجميلة أيضا "بيروت"، فالبطلة هنا تخوض حربا لإثبات ذاتها خاصة أنه ليس سهلا أن تنتقل فتاة من الجنوب لتعيش في بيروت، وفي المقابل هناك حرب أكبر تهدد بيروت وهذه الحرب تعرقل مسيرة بيروت وكما تعرقل حرب البطلة مع المجتمع مسيرتنا، وهي التي تخوض حروبا خلال رحلتها لإثبات ذاتها.
بينما قدمت دكتوره زينب فرغلي ورقة بعنوان "قراءة في أشكال الكتابة عن الذات"، متسائلة: كيف نكتب عن ذواتنا؟ مؤكدة أن الأساليب قد تعددت وظهر حديثا من المصطلحات ما تسبب في إشكالية دارت حول الفرق بين التخيل الذاتي والرواية السير ذاتية، فهل هناك فرق بين المصطلحين أم أنهما يختلفان نتيجة لاختلاف الترجمات فقط؟
مؤكدة أن العلاقة بين الذات والآخر والواقع والمتخيل قد غيبها الجموح البنيوي بما أتته النظرية البنيوية من فكرة موت المؤلف، ولا شيء خارج النص، فانحصر كل شيء في النص، ثم جاءت مرحلة ما بعد الحداثة لتعيد المؤلف إلى مشهد النص بعد إقصائه عن إبداعه، مما جعل المؤلف يعلن عن وجوده الطاغي عن طريق المتخيل الذاتي وغيره.
ثم قسمت دكتورة زينب تناول الذات في الرواية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول أن يتحدث الكاتب عن نفسه بشكل مباشر مثلما فعل العقاد وطه حسين، الشكل الثاني أن يتحدث الكاتب عن نفسه ولكن يكون متخفيا خلف شخصية أخرى ويجعل من نفسه آخر، الشكل الثالث اتخذ من فن الترجمة إطارا جماليا أي حلية، فيتخذ الكاتب الجانب الجمالي إطارا لذاتيته مثل رواية "من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ"، لمحمد مستجاب.
منتقلة للحديث عن العنوان الذي اعتبرته بؤرة الحدث ومثيرا لأفق التوقعات عند المتلقي، مختتمة بالحديث عن أزمة الجنوب، أي جنوب في أي بلد عربي، تعاني فيه المرأة ويلات التقاليد، مردفة بتناول تكنيك السرد الذي اعتمد تقنية الراوي في معظم أحداث الراوية.
د.السيد نجم: مقاومة من نوع آخر
فيما تناول دكتور السيد نجم الرواية من زاويه أدب المقاومة، قائلا إن المحور الرئيس الذي تعبر عنه التجربة، تجربة الكاتبة في ذاتيتها أنها تجربه مقاومة، دوافعها تنويرية، بمعنى مقاومة كل ما يعيق الطموح والعطاء، فالبطله تعيش في الجنوب، وللجنوب تقاليد قاسية جدا، تجاه الأنثى.
مؤكدا أن رواية "تحت سماء بيروت" تعبر عن روح العطاء والإنجاز في شكل تجربة ذاتية، فهي تضم سيرة ذاتيه وبعدا روائيا في آن واحد، فمسألة التخييل والشخصيات الأحدث هي التي تفرق بين السيرة والرواية، وكلها عوامل تتوافر في تلك الرواية.
واستطرد دكتور سيد نجم أن هناك جانبين للمقاومة بالرواية، الجانب الشخصي، وهو تجربة الكاتبة، وكيف أنها قاومت العادات والتقاليد، خاصة أنها تتعامل مع الذكور، ثم تناولت الجانب الخاص بالمقاومة داخل الوطن، ويتمثل في ذكرها للتواريخ والأسماء، فمثلا عن عام 1943 والذي تحررت فيه لبنان، وعام 46 ويمثل جلاء آخر جندي فرنسي عن لبنان، عام 72 يمثل الاعتداء على الجنوب، وهكذا حتى حلول 78 الاعتداء الاسرائيلي على جنوب لبنان واضطرارها للسفر.
مختتما حديثه بأن كل تلك الرموز تعد مقاومة راقية تحفل بكل عناصر المقاومة من البحث عن الهوية، الدفاع عن الأرض والحب.
فيما أكد الكاتب الكبير محمد السيد عيد، أن الكاتبة تحكي عبر روايتها سيرة بيروت وسيرة الوطن عامة وهو لبنان.
مؤكدا أن السيرة هنا تتعامل مع فترة زمنية طويلة، أي مع الشخص في مختلف مراحل عمره، ولكل مرحلة سيرة، فقد اعتدنا في تراثنا أن تدور السير حول حياة الأبطال "ذات الهمة، المهلهل.. " لكن في العصر الحديث لم يعد هناك أبطال، فتم ابتداع نوع جديد من السير، مثلما نرى في رواية "حضرة المحترم"، لنجيب محفوظ، والتي تتحدث عن رجل ينتمي لقاع المجتمع فاستطاع أن يكافح حتى يصل إلى درجة مدير عام، و"الوتد"، لخيري شلبي، التي تتحدث عن فلاحة، إذن فالبطل هنا أصبح من نوع آخر.
منتقلا للتفرقة بين السيرة الذاتية كسيرة وكعمل روائي، مؤكدا أن الرواية تروي السيرة لكنها تحوي خيالا وشخصيات ليست بالضرورة أن تكون حقيقية، فالسيرة توثق بالتواريخ وغيرها.
متابعا أن تلك الرواية هي سيرة ثلاثية: سيرة البطلة، سيرة بيروت، سيرة الوطن لبنان، فهي امتداد لتاريخ وجزء سابق للرواية تتحدث فيه عن طفولة وصبا البطلة، أما تلك الرواية فتتحدث عن مرحلة الشباب، والتي ارتبطت هنا بالمكان، فسيرة البطل لا تنفصل عن المكان، فهما مرتبطان بالضرورة، فسيرة البطلة مرتبطة بالمدينة، وتتحدث في اجزاء كثيرة عن تفاصيل بيروت، حتى المناطق المهجورة كالمنجرة وغيرها، فالمكان هنا حاضر وجزء رئيس ويحوي أحداثا مهمة، فللمكان دور مواز لدور البطلة.
فالبطلة تحكي عن قصة كفاح فتاة نازحة من الجنوب تقرر أن تستقل وتعمل وتثبت ذاتها، وهي أثناء كل هذا تتعرض للكثير من المشاكل التي تواجهها نتيجة جنسها.
فيما قال الكاتب الكبير فؤاد مرسي، في تعليقه على الرواية: نحن لسنا إزاء رواية، وإنما إزاء لعب روائي، هذه الرواية التي تبدو في شكلها أنها تتحدث عن أزمة البطلة "فرح"، إلا أنني لم أستقبل الرواية على أنها رواية "فرح"، فتلك الرواية هي رواية الراوي الذي بدأت الرواية برصد تأمله لبيروت وشوارعها، ويستدعي علاقته ببيروت ويبحث في بيروت عن نقطة محددة يتحد فيها مع هذا المكان ومع الوجود، فإذا به يختار فرح لتكون هي المعادل الشخصي لهذا الموضوع، فتنقلنا الكاتبة من أزمة الراوي لأزمة فرح، ويبدأ الراوي بمتابعة سيرة بيروت عبر فرح نفسها، التي تهزم في النهاية بقيام الحرب الأهلية فتضطر لمغادرة بيروت، كما هو نفسه يضطر لإغلاق الشباك، ويتوقف عن تأمل بيروت ويسحب الستارة ليعلن تبرئته وتبرئة فرح مما يحدث ببيروت.
فهذه الرواية تبدو رواية تبرئة الذات مما حدث، وكان عواطف تقسم نحن لم نفعل هذا، بل كنا نأمل أن تكون بيروت هي الحضن الأوسع والأرحب لنا لكن الحرب فاجأتنا، فغاب هذا الراوي الوجداني النوستاليجي، الذي يقف يتأمل العالم باحثا عن نقطة ما تصبح هي انطلاق لسماء أرحب، ثم يختفي ويظهر، فتلعب معنا الكاتبة تلك اللعبة، فهناك رواية مكتوبة ورواية مسكوت عنها، وهي رواية هذا الراوي التي تطمح عواطف الزين أن يكتبها كل قارئ بنفسه.