تحتفل مدينة دسوق بمولد إبراهيم الدسوقي سنويًا بشكل كبير. الاحتفال يشمل الفعاليات والأنشطة الدينية التي تستقطب ملايين الزوار من داخل مصر وخارجها. ويُعتبر هذا الاحتفال من أكبر الاحتفالات الدينية في مصر ويعكس مكانة القطب الدسوقي وتأثيره على الثقافة والديانة في المنطق، في هذا التقرير سنتعرف أكثر على الدسوقي بوصفه قطب من أقطاب الصوفية.

إبراهيم الدسوقي هو شخصية بارزة في تاريخ التصوف الإسلامي. يُعرف بشيخ الدسوقية ويُعتبر واحدًا من أبرز أقطاب التصوف، يمتد إرثه وتأثيره على مرّ العصور، وتاريخه يظهر لنا كفصل مهم في تطوير التصوف والعلوم الدينية في العالم الإسلامي. سنتناول في هذا التقرير الحياة والإرث العلمي لإبراهيم الدسوقي.

ميلاده وحياته

إبراهيم الدسوقي وُلد في مدينة دسوق بدلتا مصر في عام 653 هـ. كان ينتسب نسبيًا إلى الإمام الحسين رضي الله عنه، وتشير الروايات إلى أنه كانت هناك بشرى قبل ولادته بأنه سيكون وليًّا، حيث  تنقل كتب الصوفية أن هناك وليًا اسمه محمد بن هارون، كان على صلة بوالد الدسوقي، وكان كلما رآه وقف له وكرمه، فلما سأله الناس عن ذلك قال: "إن في ظهره وليًّا يبلغ صيته المشرق والمغرب"، وبعد ذلك لم يعد يقوم عندما يراه، فسألوه، فقال: "إن القيام لم يكن لشخص أبي المجد بل لبحر في ظهره، وقد انتقل إلى زوجته"، في إشارة لحمل زوجته بالسيد إبراهيم.

مع ولادة الدسوقي، تحرك ابن هارون لمنزل أبي المجد، وكانوا في يوم الشك في هلال رمضان، فسأل ابن هارون أم الدسوقي إذا كان رضع في هذا اليوم، فقالت إنه منذ الفجر لم يرضع، فقال لها: إنه سيرضع بعد أذان المغرب، في إشارة إلى أن الدسوقي صام في أول أيام ميلاده، ولذلك أمر ابن هارون أهل البلدة بالصوم.

وقد تربي منذ الصغر في بيئة دينية تمتزج بين العلم الشرعي والتصوف، فقد كان جد السيد إبراهيم لوالدته هو أبو الفتح الواسطي خليفة الطريقة الرفاعية بمصر، ولذلك فقد تربى على التصوف منذ صغره، وخصوصًا أن خاله (شقيق والدته من جهة الأم) السيد أبو الحسن الشاذلي قد أولاه برعاية كبيرة. 

بدايته في العلم

تعلم إبراهيم الدسوقي العلم منذ صغره وتلقى تعليمه الديني والشرعي، وبسبب تفرده بالعلم والزهد والتفاني في الطاعة، تميز بسرعة وبدأ يجتذب تلاميذه الذين أرادوا أن يتعلموا منه ويستفيدوا من علمه.

التأثير في التصوف والصوفية

إبراهيم الدسوقي كان واحدًا من أبرز الشخصيات في تاريخ الصوفية والتصوف في مصر والعالم الإسلامي.

وقام بتأسيس الطريقة الدسوقية، وهي إحدى الفرعيات الصوفية التي اشتهرت بتعاليمها وتفاني أتباعها في الطاعة والزهد، يُعرف أتباعه بالبرهانية نسبةً إلى اسمه إبراهيم الدسوقي وبالإبراهيمية أيضًا نسبةً إلى اسمه. كما أنه ترك بصمته في مجال العلوم الدينية والروحية، وعُرف بتأثيره العميق في تطوير التصوف ونشره.

الدور الاجتماعي والسياسي

ذاع صيت طريقة إبراهيم الدسوقي في مصر والعديد من البلدان، ونتيجة تفرده بعلمه على علماء عصره، فقد أصدر السلطان الظاهر بيبرس البندقداري قرارًا بتعيينه شيخًا للإسلام لدولة المماليك، وهو منصب يعدل منصب المفتي الأكبر حاليًا، وقد ظل في هذا المنصب، واستقال منه بعد وفاة الظاهر بيبرس، ليعود الدسوقي ليستكمل تعليم تلاميذه.

إبراهيم الدسوقي لم يكن عالمًا فقط بل كان له دور بارز في الساحة الاجتماعية والسياسية أيضًا. عاش في فترة تاريخية هامة وشهد تحديات كبيرة مثل الصراعات مع التتار والصليبيين. قدّم الدعم للسلطان الظاهر بيبرس في معركته ضد الصليبيين في معركة عكا، والتي انتهت بنصر إسلامي هام. كما اعترض على سياسات فرض الضرائب غير المبررة على المصريين، وقام بإرسال رسالة للسلطان لتغيير هذه السياسات.

الإرث العلمي

إبراهيم الدسوقي قدّم العديد من المؤلفات العلمية التي لها مكانة خاصة في التصوف والشريعة الإسلامية. من أشهر مؤلفاته "الجوهرة"، وهو الكتاب الوحيد المنسوب له الذي تم نشره. يعتبر هذا الكتاب المرجع الرئيسي لطريقته. كما ألّف كتبًا أخرى مثل "الرسالة" و "برهان الحقائق"، والتي تحتوي على تعاليمه ونظرياته في مجال الزهد والطريقة.

الوفاة والتأثير الثقافي

تقول الروايات الصوفية، إن الدسوقي لما شعر بدنو أجله، أرسل إلى أخيه السيد موسى أبى العمران، الذي كان في القاهرة، فأمره أن يبلغه السلام، ويسأله أن يطهر باطنه قبل ظاهره.

وذهب الرسول إلى السيد موسى أبى العمران، ودخل عليه المسجد وهو يقرأ على طلابه كتاب الطهارة، فأخبره برسالة أخيه، فلما سمعها، طوى الكتاب وسافر إلى دسوق، فلما وصل وجد أخاه تُوفي وهو ساجد.

توفي إبراهيم الدسوقي عام 696 هـ وهو في عمر الـ43 عامًا. دُفِن في مدينته دسوق، وأُقيم على ضريحه زاوية صغيرة تحولت بمرور الزمن إلى مسجد يعرف اليوم بمسجد سيدي إبراهيم الدسوقي أو المسجد الإبراهيمي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مدينة دسوق التصوف الإسلامي إبراهیم الدسوقی فی هذا

إقرأ أيضاً:

حين ينقلب الماركسي على الحداثة- قراءة في تناقض عبدالله علي إبراهيم

عبدالله علي إبراهيم، الأكاديمي والباحث السوداني، يُعدّ شخصية مثيرة للجدل في السياق الفكري والسياسي السوداني. يُعرف بكتاباته التي تجمع بين العمق الأكاديمي والنقد اللاذع، والتي تُظهر ازدواجية واضحة في موقفه من قضايا الثورة والتغيير في السودان. ورغم أنه يُعلن انتماءه السابق للحزب الشيوعي، إلا أن أطروحاته الحالية كثيراً ما تتسم بنقد قوى الثورة الحداثية، مما يُثير تساؤلات حول التزامه الفكري وتحولاته السياسية.

الإطار الفكري لعبدالله علي إبراهيم , الخلفية الشيوعية أن انضمامه السابق للحزب الشيوعي السوداني يُظهر انحيازاً أولياً لفكر الطبقة العاملة والنضال ضد الرأسمالية. لكن طرحه الراهن يعكس خيبة أمل واضحة تجاه المشروع الشيوعي، وربما النظام الثوري ككل.
النقد المتكرر لقوى الثورة ويُركز في كتاباته على تصوير قوى الثورة، خاصة القوى المدنية، بأنها فاقدة للرؤية والاستراتيجية. ويتهمها بالتذبذب الطبقي والقصور في إدارة الثورة. هذا النقد يبدو امتداداً لموقف فكري يعتبر القوى الحداثية في السودان انعكاساً لبرجوازية صغيرة مذبذبة، وهي رؤية متجذرة في الأدبيات الشيوعية الكلاسيكية.
تناقض الالتزام الفكري
عبدالله علي إبراهيم يدّعي الالتزام بمبادئ الفكر التقدمي، لكنه في الوقت نفسه يبدو عدائياً تجاه الحركات المدنية الحداثية، التي تشترك في الكثير من القيم الأساسية مع تلك المبادئ. هذا التناقض يُضعف صدقية موقفه، ويُظهره كحالة من الاستعلاء الفكري على الثورة نفسها.
مقارنة بين التزامه الفكري وعدائه لقوى الثورة
البعد التزامه الفكري عداؤه لقوى الثورة
المنهج الطبقي يؤكد على التحليل الطبقي في النظر للأحداث. يتهم قوى الثورة بأنها تنتمي إلى "برجوازية صغيرة مذبذبة".
القيم التقدمية يُفترض أنه مؤيد للتحرر والعدالة الاجتماعية. ينتقد قوى الثورة الحداثية التي تسعى لتحقيق هذه القيم.
الموقف من الطبقات الشعبية يدعي الانحياز للعمال والمزارعين. يُهمل الحراك الشعبي ويُقلل من دوره في التغيير.
النقد الأكاديمي يُقدّم تحليلات عميقة ومبنية على مفاهيم ماركسية. يتحول نقده إلى وسيلة لتقويض مصداقية القوى الثورية.
السؤال عن الدوافع هنا مهم وعلينا التحليل في ذهنية هذا"الماركسي الذي خان الطبقة وقوى الثورة"
الأثر الشخصي
يبدو أن عبدالله علي إبراهيم يحمل خيبة أمل شخصية من تجربته في الحزب الشيوعي أو من قوى الثورة، مما يجعله يميل إلى نقدها باستمرار. هذا التحول قد يكون ناتجاً عن شعور بفقدان السيطرة أو الدور القيادي في المشهد الثوري.
الأكاديمية مقابل الالتزام الثوري وما بين هما ,انحيازه إلى التحليل الأكاديمي المجرد يُظهره كمنفصل عن الواقع السياسي، وهو ما يثير استياء كثير من قوى الثورة التي تنتظر دعماً فكرياً يوحد الصفوف بدلاً من تفريقها.
النخبوية الفكرية وطرحه يعكس نوعاً من النخبوية، حيث يُقلل من قدرة الجماهير الثورية على قيادة التغيير. وربما يرى أن النخبة المثقفة، التي يعتبر نفسه جزءاً منها، هي الأجدر بإدارة التحولات.

وأخير اري أن عبدالله علي إبراهيم، رغم غزارة إنتاجه الفكري، يبدو أسيراً لماضٍ شيوعي لم يتجاوزه بشكل كامل، ومع ذلك يُمعن في انتقاد القوى المدنية والحداثية التي تقود الثورة السودانية. هذا الموقف يُفسر على أنه محاولة لفرض رؤية نقدية "للنأي بالنفس" دون الالتزام بوضوح مع قوى التغيير. التناقض بين التزامه المعلن بالمبادئ التقدمية وعدائه لقوى الثورة الحداثية يُظهره كصوت نقدي منفصل عن الواقع الثوري، مما قد يُضعف تأثيره ويُبعده عن الجمهور الذي يسعى لتحقيق تطلعاته في الحرية والسلام والعدالة.

 

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • وسط أجواء من الفرح والإيمان.. حفل ترانيم الميلاد يضيء كنيسة الشهيدة دميانة| صور
  • متحف كفر الشيخ يحتفل باليوم العالمي اللغة العربية.. ورشة فنية وجولة إرشادية
  • حين ينقلب الماركسي على الحداثة- قراءة في تناقض عبدالله علي إبراهيم
  • الاحتفال باليوم العُماني للتبرع بالأعضاء.. ومبادرات لتطوير برنامج الزراعة
  • محافظ مطروح يفتتح مدرستين بالتزامن مع الاحتفال بالعيد القومي
  • إبراهيم محمد حكمًا لمباراة حرس الحدود والمصري
  • للتمكن من الاحتفال بالكريسماس.. ألمانيا تطلق سراح مئات السجناء بشكل مبكر
  • نحلّق بالضاد .. شعار طيران ناس احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية
  • محافظ كفر الشيخ يشهد الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية
  • على هامش الاحتفال بيوم اللغة العربية.. الضويني يفتتح معرضًا للفنون التشكيلية والخط