ضم كتاب "السينما السعودية: قراءة نقدية تاريخية" الصادر مؤخراً عن دار "جسور للثقافة والنشر" السعودية، وضمن السلسلة المعرفية من مهرجان أفلام السعودية، الذي كانت انطلاقته عام 2008 والتي تهدف إلى نقل المعرفة المتخصصة في مجال فن السينما، ضم مقالات قصيرة ومتوسطة الطول حول عدد كبير من الأفلام السعودية القصيرة والطويلة التي شاهدها الناقد المصري "عصام زكريا" على مدار أكثر من عشرين عاماً، وجاءت في خمسة فصول، لتعطي بقعة ضوء على بدايات السينما السعودية ونشأتها وتطورها وأبرز ملامحها.

مؤلف الكتاب تابع مسيرة السينما السعودية على مدار العقدين الماضيين، منذ الأفلام الأولى التي عرضت في "مهرجان العالم العربي" بباريس، ثم مهرجانات "الخليج" و"دبي" و"أبو ظبي" وغيرها، ومن خلال تعرفه وصداقته لبعض صنّاع الأفلام السعوديين الشباب في تلك الفترة، التي شهدت تجاربَ فنية واعدة ومتميزة، وهي ما خصص لها الفصل الأول من هذا الكتاب.

وقد تابع الناقد زكريا المسيرة السينمائية السعودية في طفرتها ما بعد 2018 عبر المهرجانات العربية والدولية التي يحضرها، وعبر منصتي "شاهد VIP" و"نتفليكس"، وكذلك الأعمال المتوفرة على بعض المواقع الالكترونية و"يوتيوب".. ومن بين هذا الكم الذي يقدر بالمئات من الأفلام (ما بين أفلام قصيرة ووثائقية وروائية طويلة) اختار الأعمال الأبرز في تصوره، نظراً لجودتها الفنية، أو لحصولها على جوائز ومشاركات في مهرجانات دولية، أو للنقلة النوعية التي أحدثتها تاريخياً، كما راعى أن تعبّر عن أنماط الإنتاج المختلفة من شركات خاصة أو منصات أو جهات دعم رسمية.

ذروة انتعاش

ويشير المؤلف إلى أن السينما السعودية تشهد حالياً ذروة انتعاش واعدة، تسعد كل محب وهاوٍ للسينما والفنون والثقافة، بعد أن حققت خلال سنوات ما تحققه سينمات أخرى في عقود.. كما أشار إلى أنه تتوافر للسينما في السعودية حالياً معظم المقومات التي تقوم عليها صناعة السينما: المواهب.. التعليم والتدريب.. الدعم الحكومي الكبير مادياً ومعنوياً.. فضلاً عن دور العرض السينمائي التي تشهد نمواً متسارعاً.. ومواقع تصوير جيدة، وجمهور متعطش لارتياد دور العرض السينمائي بعد طول غياب.

حقائق وأرقام

ومضى المؤلف بالإشارة إلى أن السعوديين لم يكونوا منقطعين عن الوسائط البصرية أو الأفلام كما يتصور البعض، بل هم من أكثر الشعوب استخداماً لـ "يوتيوب" والوسائط الإعلامية الأخرى.

ويشكّل الشباب تحت سن الثلاثين 70% من تعداد السكان في المملكة، وكثير من هؤلاء الشباب لديهم إلمام ملحوظ بعلوم الكومبيوتر والتقنيات الحديثة، وكثير منهم خارج وداخل المملكة يرغبون في العمل بالسينما، وبعضهم تلقى تعليماً عالياً في كليات ومعاهد السينما في الخارج وعادوا، أو يرغبون بالعودة لعمل أفلام في السعودية.

وعلى مدار العقدين الماضيين قام عدد كبير من هؤلاء الشباب بصنع أفلام قصيرة ووثائقية، وحركة، وبرامج.. لبثها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعضهم لجأ إلى مسلسلات الإنترنت المعروفة باسم webisode.. وعلى الرغم من فتاوى التحريم ومنع السينما رسمياً، فقد نجح عدد منهم في صناعة أفلام قصيرة أو طويلة شارك بعضها في مهرجانات خارج المملكة، وربما كان أهمها مهرجان معهد العالم العربي في باريس (الذي استمر بمعدل دورة كل عامين من نهاية التسعينيات حتى 2006 قبل أن يتوقف)، ثم مهرجان الخليج السينمائي الذي كان يعقد في دبي وكذلك المهرجانات التي كانت تقام في الدول العربية الأخرى.

البداية.. خليجية

كما أشار المؤلف إلى أن بداية ظهور السينما السعودية "الجديدة" (تمييزاً لها عن التجارب الأولى في الستينيات والسبعينيات)، كانت مع أسبوع "أفلام من الخليج" الذي نُظِّم في الإمارات لعدة سنوات مع مطلع الألفية، ثم مهرجان "دبي السينمائي الدولي" الذي انطلق 2004، ثم مهرجان "أبو ظبي الدولي" الذي بدأ 2007، وفي العام التالي انطلق "مهرجان الخليج" المخصص للسينما الخليجية.. ويأسف لتوقفت المهرجانات الثلاثة بعد عدة سنوات.

وثمة إشارة للمفارقة الخاصة وهي أن السينما السعودية، على عكس معظم بلاد العالم، كانت حتى 2018 لديها صنّاع أفلام، وأفلام، وجمهور، ولكن ليس لديها دور عرض سينمائي. لكن بجانب الدعم الرسمي الذي خصص مبالغ كبيرة، وبالتوازي معه، تأسست العديد من شركات الإنتاج المستقلة منذ بداية العقد الأول للألفية.

ظواهر في المشهد السينمائي

من الظواهر الجديرة بالملاحظة في المشهد السينمائي السعودي وجود صعود تدريجي لأفلام التحريك animation، وأعداد الذين يتعلمون فنون التحريك وكذلك الشركات العاملة في مجال التحريك، ربما أكثر من أي بلد عربي آخر، وملاحظة الحضور الكثيف لأنواع فنية بعينها، التي يميل إليها صنّاع الأفلام الشباب، حسب طبيعة تكوينهم الثقافي والاجتماعي.. من الأنواع الأكثر تردداً في المشهد السينمائي الأفلام التي تتناول التاريخ الثقافي في المملكة منذ نهاية السبعينيات وحتى الصحوة الحالية، مع التركيز على وضع الفنون، خاصة التصوير والسينما، والنظرة إليهما بين الماضي والحاضر.

أما النوع الثاني هو الرعب والتشويق، وهو نوع يميل إليه كثيراً جمهور وصنّاع أفلام اليوم، ومعظم هذه الأعمال متأثر بالأفلام الأمريكية، بل بالأنواع الشعبية الرخيصة من أفلام الرعب الأمريكية.

النوع الثالث "أفلام البحث عن الجذور والهوية" كـ فيلم "الطريق" أو "الرحلة"، يبتغون منها الاكتشاف الجمالي للصحراء والطبيعة الجغرافية لشبه الجزيرة، واكتشاف أنماط الحياة لبعض المناطق والقرى ذات التقاليد العريقة.

النوع الرابع ينتمي للسينما الجماهيرية وفقاً للنموذجين الأمريكي والمصري (والهندي أحياناً)، وتتراوح هذه الأعمال بين الكوميدي والاجتماعي والأكشن.. ولكن يلاحظ في أغلبها تواضع المستوى الفني، بصرياً وشعرياً، كعادة هذا النوع الذي يسعى للترفيه أو التوجيه.. ويلاحظ المؤلف الحضور النسائي، والنسوي، البارز في المشهد السينمائي السعودي، فهناك عدد يتزايد باستمرار من المخرجات والكاتبات، وبشكل عام فإن معظم الأفلام التي تقوم بصنعها نساء تتناول هموم المرأة ومتاعبها في العالم العربي، أو تتناول موضوعات اجتماعية واقعية، على عكس صنّاع الأفلام الرجال الذين يميل عدد كبير منهم للخيال والأنواع الخيالية.

نختتم بالإشارة إلى أن الكتاب قراءة نقدية لا تخلو من المعرفة والمتعة للمشهد السينمائي السعودي، الذي يحتاج -كما رأى مؤلفه- إلى حركة نقدية تواكب وتدعم وتقيّم وتقوّم هذا المشهد.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة السعودية السینما السعودیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

أفلام وثائقية تنافس على جوائز مهرجان الجونة السينمائي.. القائمة الكاملة

كشف مهرجان الجونة السينمائي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم الأحد للإعلان عن تفاصيل الدورة السابعة من المهرجان، عن عدد من الوثائقيات المتميزة التي تتنافس على جوائز مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة.

وتضم قائمة أفلام الوثائقيات ما يلي:

أبي

يعرض فيلم أبي في المهرجان وهو من إنتاج رومانيا وألمانيا وهولندا، ومدته 82 دقيقة، ويروي قصة سنوات من القطيعة بين لينا وأبيها العنيف، حيث تكتشف أن والدها قد أصبح بدوره ضحية عنف، وحين تقرر مساعدته في فضح الظلم الذي تعرَّض له، تتفتَّح جراح الماضي.

فيلم احكيلهم عَنَّا

الفيلم إنتاج ألمانيا والأردن والسعودية، مدته 92 دقيقة، حيث تشق مجموعة من المراهِقات العربيات والكرديات طريقهن وسط تعقيدات التمييز المُقنَّع والضغوط العائلية، وبجرأة يعرضن أحلامهن وصراعاتهن أمام الكاميرات.

ذاكرتي مليئة بالأشباح

فيلم ذاكرتي مليئة بالأشباح إنتاج سوري ومدته 75 دقيقة، وهو مرثية بصرية تستكشف واقعًا مُحاصَرًا بين الماضي والحاضر والمستقبل في مدينة حمص السورية، ومن خلف صورة السكان المنهَكين الباحثين عن حياة طبيعية تبرز ذكريات مدينة يسكنها الدمار والفقد.

رفعت عيني للسما

فيلم من إنتاج مصر، فرنسا، الدنمارك، قطر، السعودية، ومدته 100 دقيقة، وتدور قصته في قرية نائية جنوب مصر، تتمرد مجموعة من الفتيات على العادات فتُشكِّلن فِرقة من الفتيات فقط لأداء العروض المسرحية في الشارع.

وشارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي وحصد جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي، وكذلك مسابقة أسبوع النقاد عمل ثانٍ.

سيلَما

إنتاج لبنان وقطر، ومدته 89 دقيقة، وهو عبارة عن بحث يمتد لسنوات عدة في محاولة لاستعادة السيرة الذاتية لـ«سيلَما»، أو السينما كما عُرفت في طرابلس بلبنان، عبر أربعين صوتًا وأكثر من ألف صورة توثِّق أثر الأمكنة والذاكرة.

طاردة العشيقات

إنتاج الصين والولايات المتحدة، ومدته 94 دقيقة، ويتحدث عن «وانغ» التي في تعمل في وظيفة «طاردة العشيقات» التي استحدثها انتشار الخيانات الزوجية، تحاول وانغ إنقاذ علاقة زوجين على وشك الانفصال، وبينما نتابع جهودها، يتأرجح تعاطفنا مع الزوج مرة ومع الزوجة مرة أخرى.

معجزة تحوُّل الطبقة العاملة إلى أجانب

الفيلم من إنتاج سويسرا وإيطاليا ومدته 130 دقيقة، وتدور قصته حول مهاجر يرصد انهيار ثقافة الطبقة العاملة التي تشكَّلت في سويسرا على مدى أكثر من 100 عام على يد الحزب الديمقراطي الاجتماعي والنقابات العمالية اليوم أصبحت تُدعى طبقة الأجانب.

موت بلا رحمة

إنتاج المملكة المتحدة ومدته 85 دقيقة، وهو لـ عائلتان سوريتان تجمعان خيوط المأساة وتكشفان عن الفساد والأكاذيب وعدم كفاءة الحكومة التي أدت إلى تفاقم كارثة زلزال فبراير 2023 ونجم عنها وفاة 50 ألف شخص جنوب تركيا.

الموسيقى التصويرية للانقلاب

إنتاج بلجيكا وفرنسا وهولندا ومدته 150 دقيقة، حيث في فبراير 1961، يقتحم عازفو موسيقى الجاز وناشطات من ذوات البشرة السمراء مقر الأمم المتحدة في نيويورك احتجاجًا على اغتيال باتريس لومومبا.

وشارك الفيلم في مهرجان صندانس السينمائي وحصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

نحن في الداخل

الفيلم من إنتاج لبنان وقطر والدنمارك مدته 177 دقيقة، بعد 15 عامًا من الغياب، تعود فرح إلى طرابلس اللبنانية لتمكث مع والدها الكهل، فتلك فرصتها الأخيرة لتصبح جزءًا من عالمه، ويحاول الاثنان إيجاد لغة مشتركة لمحادثتهما الختامية.

نوع جديد من البرِّيَّة

إنتاج النرويج ومدته 84 دقيقة، وتدور قصته في مزرعة صغيرة في غابة نرويجية معزولة، اختارت عائلة أن تعيش حياة حرة في البرية، لكن حادثًا مأساويًّا يضطرهم إلى ترك مزرعتهم المثالية وشق طريقهم وسط المجتمع الحديث.

وشارك الفيلم في مهرجان صندانس السينمائيـ وحصد جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل فيلم وثائقي دولي عمل ثانٍ.

يتعلَّم

الفيلم إنتاج فرنسي ومدته 105 دقائق، وتدور قصته في مدرسة ماكارينكو الابتدائية، حيث يود الأطفال أن يتعلموا ويمرحوا، ويدرك الأساتذة أنهم لا يُدرِّسون المناهج فحسب بل يُعلِّمون قيم الحياة، يتدرب الأطفال لكي يصبحوا مواطنين صالحين وبشرًا أيضًا.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل انطلاق النسخة الثالثة من مهرجان FMD في سينما زاوية
  • “السينما السعودية: المنجز والتطلع”
  • مهرجان الإسكندرية السينمائي يعلن عن 30 فيلم يتنافسون على جوائز شباب مصر
  • الحرب فى السينما المصرية
  • نجيب ساويرس: السينما كانت وما تزال قادرة على تحسين حياة الناس
  • عرض السلم والتعبان وعُمر المختار وقشر البندق في مهرجان الجونة السينمائي
  • أفلام وثائقية تنافس على جوائز مهرجان الجونة السينمائي.. القائمة الكاملة
  • مهرجان الجونة السينمائي يعرض أفلامًا كلاسيكية في دورته السابعة
  • مهرجان الجونة يكشف عن أفلام مسابقة الأفلام القصيرة بدورته السابعة
  • تعرف على أعضاء لجان تحكيم مهرجان الإسكندرية السينمائي