صحيفة أثير:
2024-09-18@11:39:35 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب: مشهدان من غزة

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب: مشهدان من غزة

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

لقد تجاوز ما حدث، وما يحدث بضراوة هذه الأيام في غزة قدرة المعاجم اللغوية على إيجاد مفردات تصف بشاعته، وكأن الإنسان العربي لا شيء، على حد توصيف الشاعر والروائي الأردني الراحل تيسير سبول حينما قال في روايته (أنت منذ اليوم) : ” وخيّل إليَّ أن المسألة كلّها سؤالٌ واحد: شعبٌ نحن أم حشيّة قشّ يتدرّب عليها هواة الملاكمة، منذ هولاكو حتى هذا الجنرال الأخير”.


راح المشهد الكلي في غزة إلى أقصى درجات بشاعته التي تنذر بالكارثة. وفي خضم تلك المشاهد، تضج مشاهد بعينها تشير إلى أن البسيطة على أعتاب مرحلة جديدة من التردي الكبير، ومن السقوط في حفرة العتمة المطبقة؛ تردي ينذر بجاهلية جديدة، تصاغ على نحو متقن لا نعرف إلى أين تتجه.
أطفال غزّة ينظفون باحة المعمداني
لن ينس التاريخ أبدًا أن الأطفال الغزِّيون أخذوا في صباح الرابع عشر من أكتوبر 2023م ينظفون باحة مشفى (المعمداني) مما حلَّ به من قمامة طارئة؛ كانوا يفعلون ذلك ومسامعهم تتلقف صدى الضربات الصاروخية، وأنين الجرحى، وأثر الحزن في وجوه الناس، وابتهالات الذين فروا من ويلات الحرب، يحتمون بالمشفى، وبما تبقى لديهم من أمل بأن المدارس، والمشافي، والأطفال، والعجائز، والأشجار، والطيور، والقطط، ودمى الصغار، خارج أهداف البنادق، وخارج شاشات الطائرات الحربية، التي حينما يصبح الهدف في عقر الدائرة الإلكترونية، يتهادى إلى مسمع الطيار، أو منفذ الرماية، صوتُ آمر بالضغط على الزناد، ضغطة تنهي حياة كثير من البشر الذي يحلمون بالحياة، ولم يتوقفوا عن الغناء لأجلها منذ اللجوء الأول، ومنذ أول شهيد سال دمه على تراب بلاد يعرف المتوسطُ حزنها؛ فلا تتوقف أمواجه عن الصراخ بوجه من اغتالوا الحقيقة، وهي تمشي على قدمين واثقتين، في وضح النهار.
رأيت تسجيلًا سُئل فيه طفل فلسطيني من غزة: ما الذي ترغب أن تكون عليه حينما تكبر؟ قال ووجهه يعلن عن ابتسامة يختلط فيها الحزن بالشكيمة: نحن لا نكبر، نحن نستشهد في هذا العمر تقريبًا.
يخاف أطفال غزة مثلهم مثل أي طفل في هذا العالم، مع هذا تعلموا كيف يقصون خوفهم أمام هول كل تلك الكوارث. لكن العالم لا يخاف، بل يُصفق للوحوش البشرية التي أوغلت كثيرًا في الدمار، كأنه في حلبة نزال مثل تلك التي كان يقوم بها الرومان حين كانوا يأتون بأحد المساجين المتمردين، يطلقون عليه أسدًا، ويقولون له: إن قتلته نجوت. لكن ما إن يفعل السجين ذلك أمام المتفرجين؛ حتى يُفتح باب آخر، تنطلق منه أسود أخرى، وتبقى تنهشه، إلى أن يتلاشى تمامًا.
أي روائي ذاك الذي يقوى على أن يصف بصدقه السردي تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الإيمان البشري بالحياة لدى أطفال رغم بشاعة كل ما يحدث إلا أنهم فعلوا ما على البشرية أن تفهم إحالته العميقة، في عالم عقيم بامتياز، عالم بات يسرع نحو التوحش بسرعة قصوى أكثر مما مضى، وفَتَح باب التأويل لفعل طفولي يستبق قمامة البارود الحارقة، وقسوة الإنسان التي يصمت العالم أمامها بمستوى غير مسبوق على الإطلاق، وكأن غولًا قادمًا من فضاءات معتمة أكثر مما نعرف، يلوي ألسنتهم، ويهددها بالبتر إن لم تقل ما دُبر في ليل دامس.
الأطفال أكثر حساسية لما يحدث حولهم، تمامًا مثل القماش الأبيض إن مسه حبر شربه بسهولة موجعة، يعرفون ما يدور حولهم، يخافون مما سيحدث، يحلمون بألا تمتد يد الحرب أكثر من استطالتها اللعينة، ومع ذلك كانوا ينظفون باحة (المعمداني)، كأن الروح المعدنية في القذائف خجلت من ذاتها، وأقلعت عن طاعة ذلك الإصبع الذي يأمرها بالانطلاق لتشيع الدمار، وتستبدل الحياة بالموت.
طفل غزّي يحتمي بالشجرة
لن ينسى التاريخ ذلك الطفل الذي وُجد متشبثًا بالشجرة احتماء من القصف الإسرائيلي على غزة. كان معفرًا بالتراب، من رأسه إلى أخمص قدميه، تتحلق يداه، وقدماه حول الشجرة، وهو يرتجف. أي تأويل هذا الذي يأخذنا إلى مقصده من الاحتماء بالشجرة غير الخوف، والسعي إلى ملاذ آمن. كيف ينام العالم الذي ينحدر نحو القاع، بسرعة مذهلة، وهو ينظر إلى طفل، ما وَجد مهربًا من عصف القنبلة، وحرارتها، وسوادها، وشظاياها، سوى صدر تلك الشجرة. هل نفسر تلك اللحظة الفارقة في تاريخ ذلك الطفل؟ أم نفسر صمود الأشجار أمام فظاعة ما يجري بلا أية هوادة.
مما لا شك فيه على الإطلاق أن العالم بكل قيمه، وقوانينه، ومعاهداته، ومبادئ شرعيته، وبكل ما فيه من حديث عن الحضارة، والعدالة، والسلم الاجتماعي، والتعايش؛ بات وهمًا خالصًا، وكأنه عبر إلى عصر جديد من الظلمة.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

الفيلم الروائي «ماما» يحصد جائزة أفضل فيلم مصري بـ مهرجان ميدفيست

حصد الفيلم الروائي القصير «ماما» جائزة أفضل فيلم مصري بـ مهرجان ميدفيست، لتصل جوائزه حتى الآن لـ 5 جوائز، وهو من بطولة كل من مي الغيطي ودانيال شريف.

الفيلم الروائي القصير «ماما» من تأليف وإخراج ناجي إسماعيل، وإنتاج كوثر يونس ومعها منتج مشارك مارك لطفي، ومونتاج ساندرو كنعان، ومدير تصوير مصطفى الششتاوي وستايلست ريم العدل و موسيقى تصويرية محمد الصماد وديكور ياسر الحسيني ومهندس الصوت سامح نبيل.

وتدور قصته حول فتاة تستعد لاستقبال عامها الواحد والعشرون، في الوقت الذي تخفي فيه سرا مرعبا لحماية نفسها وشقيقها.

آخر أعمال مي الغيطي

وكان مسلسل «مسار إجباري»، آخر أعمال ميار الغيطي، وحقق العمل نجاحا كبيرا خلال فترة عرضه ضمن مسلسلات رمضان 2024.

وشارك في بطولة مسلسل «مسار إجباري» عدد من كبير من نجوم الفن منهم أحمد داش، عصام عمر، صابرين، بسمة، ياسمينا العبد وعدد آخر من الفنانين، والعمل من إخراج نادين خان.

أحداث مسلسل مسار إجباري

دارت أحداث مسلسل «مسار إجباري» في إطار اجتماعي لايت، حول الشابين حسن وحسين، حيث أنهما في مقتبل العمر عكس بعض تماماً في كل شيء، ويكتشفون أنهم أخوة بعد أن صرح لهم والدهما بالسر الذي ظل دائماً يحاول التستر عليه، يأتي ذلك رغم أن كلا منهما مختلف عن الآخر.

اقرأ أيضاًبطريقة رومانسية.. النجمة التركية نسليهان أتاغول تفاجئ جمهورها بجنس مولودها الأول

«مبسوط جدا».. محمد أنور يشارك ردود أفعال الجمهور على مسلسل «ديبو»

مقالات مشابهة

  • ‏كتابات في زمن الطوفان: حكاية المقاتل الفلسطيني الذي أدهش العالم
  • علي يوسف السعد يكتب: «200 يوم حول العالم»
  • الفيلم الروائي «ماما» يحصد جائزة أفضل فيلم مصري بـ مهرجان ميدفيست
  • إيران تفاجئ العالم وتكشف معلومات جديدة عن الصاروخ اليمني الذي استهدف “تل أبيب”
  • رحيل الروائي والمفكر اللبناني إلياس خوري
  • الروائي والمفكر اللبناني إلياس خوري يفارق الحياة عن 76 عاماً
  • صاحب رواية باب الشمس.. رحيل الروائيّ والكاتب اللبنانيّ إلياس خوري
  • يسري نصر الله ينعي الروائي إلياس خوري برسالة مؤثرة
  • مدير مكتب العاهل الأردني الذي صار رئيسا للوزراء.. من هو جعفر حسان؟
  • عن 76 عاماً... رحيل الروائي والمفكر إلياس خوري