صحيفة أثير:
2025-01-19@17:42:55 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب: مشهدان من غزة

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب: مشهدان من غزة

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

لقد تجاوز ما حدث، وما يحدث بضراوة هذه الأيام في غزة قدرة المعاجم اللغوية على إيجاد مفردات تصف بشاعته، وكأن الإنسان العربي لا شيء، على حد توصيف الشاعر والروائي الأردني الراحل تيسير سبول حينما قال في روايته (أنت منذ اليوم) : ” وخيّل إليَّ أن المسألة كلّها سؤالٌ واحد: شعبٌ نحن أم حشيّة قشّ يتدرّب عليها هواة الملاكمة، منذ هولاكو حتى هذا الجنرال الأخير”.


راح المشهد الكلي في غزة إلى أقصى درجات بشاعته التي تنذر بالكارثة. وفي خضم تلك المشاهد، تضج مشاهد بعينها تشير إلى أن البسيطة على أعتاب مرحلة جديدة من التردي الكبير، ومن السقوط في حفرة العتمة المطبقة؛ تردي ينذر بجاهلية جديدة، تصاغ على نحو متقن لا نعرف إلى أين تتجه.
أطفال غزّة ينظفون باحة المعمداني
لن ينس التاريخ أبدًا أن الأطفال الغزِّيون أخذوا في صباح الرابع عشر من أكتوبر 2023م ينظفون باحة مشفى (المعمداني) مما حلَّ به من قمامة طارئة؛ كانوا يفعلون ذلك ومسامعهم تتلقف صدى الضربات الصاروخية، وأنين الجرحى، وأثر الحزن في وجوه الناس، وابتهالات الذين فروا من ويلات الحرب، يحتمون بالمشفى، وبما تبقى لديهم من أمل بأن المدارس، والمشافي، والأطفال، والعجائز، والأشجار، والطيور، والقطط، ودمى الصغار، خارج أهداف البنادق، وخارج شاشات الطائرات الحربية، التي حينما يصبح الهدف في عقر الدائرة الإلكترونية، يتهادى إلى مسمع الطيار، أو منفذ الرماية، صوتُ آمر بالضغط على الزناد، ضغطة تنهي حياة كثير من البشر الذي يحلمون بالحياة، ولم يتوقفوا عن الغناء لأجلها منذ اللجوء الأول، ومنذ أول شهيد سال دمه على تراب بلاد يعرف المتوسطُ حزنها؛ فلا تتوقف أمواجه عن الصراخ بوجه من اغتالوا الحقيقة، وهي تمشي على قدمين واثقتين، في وضح النهار.
رأيت تسجيلًا سُئل فيه طفل فلسطيني من غزة: ما الذي ترغب أن تكون عليه حينما تكبر؟ قال ووجهه يعلن عن ابتسامة يختلط فيها الحزن بالشكيمة: نحن لا نكبر، نحن نستشهد في هذا العمر تقريبًا.
يخاف أطفال غزة مثلهم مثل أي طفل في هذا العالم، مع هذا تعلموا كيف يقصون خوفهم أمام هول كل تلك الكوارث. لكن العالم لا يخاف، بل يُصفق للوحوش البشرية التي أوغلت كثيرًا في الدمار، كأنه في حلبة نزال مثل تلك التي كان يقوم بها الرومان حين كانوا يأتون بأحد المساجين المتمردين، يطلقون عليه أسدًا، ويقولون له: إن قتلته نجوت. لكن ما إن يفعل السجين ذلك أمام المتفرجين؛ حتى يُفتح باب آخر، تنطلق منه أسود أخرى، وتبقى تنهشه، إلى أن يتلاشى تمامًا.
أي روائي ذاك الذي يقوى على أن يصف بصدقه السردي تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الإيمان البشري بالحياة لدى أطفال رغم بشاعة كل ما يحدث إلا أنهم فعلوا ما على البشرية أن تفهم إحالته العميقة، في عالم عقيم بامتياز، عالم بات يسرع نحو التوحش بسرعة قصوى أكثر مما مضى، وفَتَح باب التأويل لفعل طفولي يستبق قمامة البارود الحارقة، وقسوة الإنسان التي يصمت العالم أمامها بمستوى غير مسبوق على الإطلاق، وكأن غولًا قادمًا من فضاءات معتمة أكثر مما نعرف، يلوي ألسنتهم، ويهددها بالبتر إن لم تقل ما دُبر في ليل دامس.
الأطفال أكثر حساسية لما يحدث حولهم، تمامًا مثل القماش الأبيض إن مسه حبر شربه بسهولة موجعة، يعرفون ما يدور حولهم، يخافون مما سيحدث، يحلمون بألا تمتد يد الحرب أكثر من استطالتها اللعينة، ومع ذلك كانوا ينظفون باحة (المعمداني)، كأن الروح المعدنية في القذائف خجلت من ذاتها، وأقلعت عن طاعة ذلك الإصبع الذي يأمرها بالانطلاق لتشيع الدمار، وتستبدل الحياة بالموت.
طفل غزّي يحتمي بالشجرة
لن ينسى التاريخ ذلك الطفل الذي وُجد متشبثًا بالشجرة احتماء من القصف الإسرائيلي على غزة. كان معفرًا بالتراب، من رأسه إلى أخمص قدميه، تتحلق يداه، وقدماه حول الشجرة، وهو يرتجف. أي تأويل هذا الذي يأخذنا إلى مقصده من الاحتماء بالشجرة غير الخوف، والسعي إلى ملاذ آمن. كيف ينام العالم الذي ينحدر نحو القاع، بسرعة مذهلة، وهو ينظر إلى طفل، ما وَجد مهربًا من عصف القنبلة، وحرارتها، وسوادها، وشظاياها، سوى صدر تلك الشجرة. هل نفسر تلك اللحظة الفارقة في تاريخ ذلك الطفل؟ أم نفسر صمود الأشجار أمام فظاعة ما يجري بلا أية هوادة.
مما لا شك فيه على الإطلاق أن العالم بكل قيمه، وقوانينه، ومعاهداته، ومبادئ شرعيته، وبكل ما فيه من حديث عن الحضارة، والعدالة، والسلم الاجتماعي، والتعايش؛ بات وهمًا خالصًا، وكأنه عبر إلى عصر جديد من الظلمة.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

وزير الزراعة يبحث مع الوفد الزراعي الأردني التعاون بين البلدين

 

استقبل علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي وفدا رفيع المستوى من قيادات وزارة الزراعة بالمملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة يمثلهم د أحمد القرعين مدير مديرية الإنتاج الحيواني والدكتور عبد الرحمن بكر مدير مديرية البيطرية والصحة الحيوانية والدكتو رائد المشايخ مديرية زراعة عمان والمهندس محمد الخواجا مديرية الإنتاج الحيواني والمهندس أحمد العويدى وحدة الرقابة الداخلية 
بحضور المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة وبعض قيادات الوزارة واعضاء مجلس ادارة الجمعية المصرية التعاونية لتربية الخيول العربية،
وخلال اللقاء أكد فاروق أننا نتطلع إلى الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين ليس فقط لتبادل الصادرات ولكن إلى مستوى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي في ظل العلاقات الوطيدة والمتميزة بين القيادة السياسية في مصر والأردن، 
وزير الزراعة أكد أيضا على سرعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماعات اللجنة الفنية الزراعية المصرية الاردنية المشتركة والتي عقدت بالقاهرة الشهر الماضي برئاسة وزيرا الزراعة في البلدين، حيث انتهت اللجنة الى تعزيز  تبادل السلع الزراعية وتصدير الخيول والاسماك الى المملكة الاردنية الهاشمية، بعد استيفاء
المنظومة الحجرية الخاصة بالخيول وكذلك المنشات المعتمدة لتصدير الاسماك للاتحاد الاوروبى،
وكذلك تسهيل تسجيل المبيدات الزراعية الاردنية وفقا للمعايير المتبعة وتشجيع الاستثمارات الاردنية فى مجال انتاج وصناعة المبيدات فى مصر كما تم الاتفاق على التعاون فى مجال التدريب وبناء القدرات فى مجال الاستزراع والتفريخ السمكى.


وكان الوفد الأردني قد قام بزيارة للقاهرة قام خلالها بزيارة العلاقات الزراعية الخارجية وهيئة الخدمات البيطرية ومعهد صحة الحيوان كما قاموا بزيارة بعض مزراع الخيول ومستشفى ومحجر الشرطة البيطري

من ناحيتهم وجه الوفد الاردني الشكر الى وزير الزراعة على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وابدى اعجابه الشديد بما شاهده من امكانيات وتطور لدى الجانب المصري في مجال الخيول
سواء من ناحية الاجراءات التنظيمية او المعامل المتخصصة ،وكذا ما تحتويه مستشفى الشرطة البيطري من معدات واجهزة طبية متقدمة جدا ،علاوة على المستوى المتقدم والمتميز الذي يتميز به وادي الفروسية ومحجر الخيول التابعان لوزارة الداخلية ،انتهاءاً بتميز وتفرد الخيل العربي المصري ومستوى مزارع تربية الخيول التي قاموا بزيارتها. واعربوا عن رغبتهم في تنظيم برامج تدريبية وبناء قدرات للكوادر البيطرية الاردنية في جمهورية مصر العربية في مجال تناسليات الخيول وصحة الخيوان بمعاهد مركز البحوث الزراعية وكذا في مجال الطب والعلاج البيطري بمستشفى الشرطة البيطري.

مقالات مشابهة

  • الأردني عمار مرضي ضمن المفرج عنهم بالمرحلة الأولى.. من هو؟
  • وزير الزراعة يبحث مع الوفد الزراعي الأردني التعاون بين البلدين
  • خالد ميري يكتب: مصر وصناعة السلام
  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • الأردني علي القيسي بطلاً لدولية "محاربي الإمارات"
  • الأردني القيسي بطل «دولية محاربي الإمارات»
  • الإفراج عن الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بعد 200 يوم من السجن
  • الإفراج عن الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي بعد 200 من السجن
  • تسريب اسم برنامج رامز جلال في رمضان 2025.. تفاصيل
  •  محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟