« إن كلمة حكاية لها الحق في الوجود»
- بورخيس-
تتبع ليلى عبدالله في مجموعتها القصصية الجديدة «فهرست الملوك» أسلوبا أفقيا في القص، وهو أسلوب صار مهجورا، تقدم به عادة الحكايات القديمة ذات الدفق الشفوي، مثل حكايات الجدات بهيئتها الواضحة في التقسيم من بداية ووسط ونهاية، إلى جانب حملها في طياتها رسالة عادة ما تكون وعظية تسطر العبر من مكائد الدهر وغدر القريب.
رمزية الوعي والخوف:
جاءت المجموعة في خمسة عشر قصة قصيرة تشغل مساحة تقع بين ثلاث وست صفحات للقصة الواحدة، أي بين القصيرة والمتوسطة في الحجم، وذلك حسب احتشاد كل قصة بالشخصيات، وأيضا حسب موضوعها المتراوح بين حياكة الدهاء من أجل النجاة ووصف الحدث والانتقال من شخصية عامة إلى شخصية ملكية عليا أوامرها نافذة تتميز بالطاعة العمياء والتقلب المزاجي وتغليب السخط على الرحمة. قصص تدور رحاها حول العلاقة العمودية بين الحاكم ورعيته. علاقة تتسم بالتقلبات والأهواء من طرف الملوك والملكات، والامتثال المطلق من طرف الرعايا أو الشعب الذين يظهرون عادة في هيئة الحلقة الأضعف، لكنها أيضا من يستحوذ على عنصر المغامرة والإقدام وصعود المخاطر حتى نهاياتها. وهذا عادة ما يوفره القالب الحكائي القديم الذي يسمح واسعا بأن يصب فيه الكاتب دلالات رمزية مضمرة عديدة تتعلق بالعلاقة بين الحاكم والشعب، التي تصب بالنسبة للحكايات القديمة في سياق الأدب القصصي العجيب والغريب، قريبة من حيث الهيئة والشكل بقصص الأطفال أو قصص ما قبل النوم المعروفة في أدبيات الشعوب عبر العالم. لا شك أن الكاتبة لم تقصد أن تكتب قصص أطفال أو مراهقين، إنما استعانت بهذا القالب التقليدي لإسقاط أحوال معاصرة معاشة مع الاكتفاء بالرمز وحده لكي يحمل أبعاد هذه العلاقة السلطوية بين القوة والضعف، مع عدم إهمال السخرية المضمرة في القصص، مثلا في قصة «ذواق الملك» نرى أن رجلا عاش جائعا طوال حياته وفقيرا ولكن هذه الحياة تنقلب حين يغامر بامتهان عمل تذوق طعام الملك، فيعيش -رغم الخوف الذي يترصده والتهديد بالموت في أي لحظة، بسبب احتمالية أن يكون الطعام مسموما- شبعا مستمرا إلى أن أصيب بداء الملوك «النقرس»!، بينما الملك الذي أصيب بالوسواس من أن أعداءه يدسون له السم عاش في هزال وجوع، أي أن الفقير انتهت حياته بما تنتهي به حياة الملوك والملكات من شبع، بينما الملك تنتهي حياته بما تنتهي به حياة المدقعين في الفقر من جوع وفاقة: «وبعد ثلاث سنين قضيتها في القصر. قضى الملك نحبه بسبب سوء التّغذية، وظلّت المؤامرات تعيش بعده، وقد عدت إلى أسرتي التي تحسّنت أحوالها بفضل ما أرسله لها من بريق الذّهب، إلّا أنّني عدت مريضًا بالنّقرس».
وفي قصة تمثال الملك، تنتبه الكاتبة إلى أن ذلك التعظيم للصورة الغائبة للزعيم، مربوطة في عمقها بالوعي، وعي الخوف الذي يأتي مع نضوج العقل، حيث إن الأطفال لا يبالون لأن وعيهم لا يصل إلى مدارك هذا الخوف، وفي ذلك لمحة طريفة من الكاتبة: «كانت نساء القرية يقتربن من التّمثال بحذر، ويحرصن على تغطية وجوههن حياء، ثمّ قمن يتهافتن عليه مسحًا وتلميعًا، حتّى يبرق تحت أشعة الشّمس كأنّه قطعة ذهب إلى أن انتهى بهنّ المطاف للتّبرك به، وتقديم النّذور، بينما أخذ الرّجال ينحنون أمامه مبدين الولاء الكامل له والذّود عنه في مختلف الظّروف، أما الأطفال فإنّهم عندما يقفون أمامه يشعرون بالدّهشة لما يقوم به الكبار، فهم لا يرون فيه سوى ملامح متحجّرة».
أدوار الرعية
فيما يوحي العنوان بأن القصص في مجملها تسلط الضوء على الملوك والملكات، نجد أن الرعية يشكلون كذلك الجزء المكمل للمشهد، فلا وجود للملوك بدون رعية، أو أن الملك بدونهم لا مكان له حتى وإن استحوذ على كرسي الحكم، وفي هذا السياق تشكل الرعية في معظم القصص الأساس والركيزة، وبدلالة مباشرة، كما في قصة «الكرسي» التي تسرد قصة حرب طاحنة من أجل كرسي العرش بين أخوين توأمين يرى كل منهما أحقيته في السلطة، والسبب أن الأب لم يحسم قبل وفاته أمر تعيين أحدهما في الملك. «ظهروا متوافقين - كما ينبغي لأيّ توأمين- واعتقد الملك الأب أنّهما سيظلّان هكذا حتّى بعد رحيله، لذا لم يكتب وصيته بأحقيّة أيّ منهما في الحكم، بل كانت رؤيته الشّخصية أن يتوليا حكم البلاد معًا، بما أنّ الحياة دفعتهما في السّاعة ذاتها من رحم واحد، ولهما القدرات عينها، فلماذا يسعى إلى مخالفة الطبيعة، ليفضّل أحدهما على الآخر في تولي مقاليد الحكم؟! وكلّما نصحه وزراؤه بخطورة قراره، بددت ضحكاتهما - التي كانت ترنّ في أنحاء القصر- شكوكه، متيقنًا أنّ وفاقهما سيضمن الحياة المزدهرة للبلاد من بعده» ولكن الذي حدث أنهما - حين توفي أبوهما- قسما شعب المملكة إلى شعبين متحاربين حتى أفنى بعضهم البعض الآخر، ثم قتل الأخ أخاه، ولكنه حين استولى على الكرسي لم يجد شعبا يحكمه، وفي ذلك دلالة على أن الكرسي بلا شعب أو رعية لا وجود له، وبالتالي لا يمكن أن يكون للقصة وجود. أيضا في قصة «نهاية شعب لا يسمع» نجد شيئا شبيها بذلك، حيث أن الشعب أو الرعية هم صلب القصة ونسغها، فبسبب ولادة طفل أصم للملكة، وحتى لا تجرح مشاعر الابن تم القرار بأن يمتنع الشعب عن الكلام، وهنا تميل الحكاية إلى جانب السخرية، حين يرتاح الأزواج من ثرثرات زوجاتهم، وترتاح الزوجات من طلبات أزواجهن. كذلك في «قصة جحافل الشيطان» تشكل الرعية صلب القصة، حين يعيشون على وهم أن الملك كان سببا في قوة البلاد ومنعتها من دخول الأعداء وبالتالي توفير الحياة الآمنة المستقرة للبلاد، تتحول هذه الميزة مع الوقت إلى وهم بسبب الجوع الذي يصيب الرعية واضطرارهم إلى الهجرات الجماعية لتسحب بالتالي القيمة الفعلية للعرش في غياب شعب أو رعية تبرر وجوده وتمتثل لأوامره ونواهيه: «لكن بعد مرور عشرين سنة ما عاد النّاس يعيرون أهمّيّة لنداءات بوّاق الملك، الذي ظلّ يزعق بصوته وحيدًا في ساحة المدينة الخاوية، فالمجاعة اجتاحت البلاد وأهلكت العباد، الذين ما عادوا قادرين على القيام بشؤون حياتهم اليومية. والنّاس بعد مرور عشرين سنة صارت أصواتهم لأوّل مرّة تعلو ليس بالدعاء أو الصّلاة، بل لطلب الطّعام والدّواء والماء النّظيف».
تكملة رحلة شهرزا وأليس في بلاد العجائب:
تتميز القصص أيضا بانفتاحها على أمهات الحكايات الشعبية المعروفة، ولكن عن طريق فتح طريق جديد لنهاياتها المعروفة والمستقرة في الأذهان، فشهرزاد تظهر في قصة «ليلة سقوط شهرزاد» في نفس دورها المعروف في كتاب ألف ليلة وليلة، حين تحكي الحكايات قبل النوم للملك شهريار، ولكن في نهاية أيام الحكي الألف ليلة وواحدة، وبعد أن نضب معين حكاياتها، يقرر «شهريار» في النهاية قتلها في ساحة عامة. ولكن الذي يدافع عنها هم أبطال حكاياتها حين يتجسمون بشرا ويتقدمون جميعهم لحمايتها من القتل: «كان هناك علي بابا وبرفقته أربعون حراميًا. كما رأت السندباد وبرفقته بدر البدور. ووقف بالقرب منهما معروف الإسكافي. كانت محاطة بالشخصيات التي ظلت طوال تلك الليالي المديدة تُسربهم من رأسها لتُمتع الملك شهريار. هم أنفسهم حملوها على أكتافهم إلى حيث الملك شهريار الذي بدا مبهوتًا من هذه الحشود الزّاحفة نحوه. وقف عاجزًا أمامهم. يعلو الهلع وجهه، فمن أين جاء هؤلاء الثّوّار؟! وكيف اقتحموا مملكته في غمضة عين؟ أين حراسه، حماة عرشه وسلطانه؟ وماذا تفعل شهرزاد بينهم؟!» نجد أيضا ابتكارا مشابها في قصة «ملكة القلوب» التي تجدد وتستثمر الحكاية العالمية المعروفة «أليس في بلاد العجائب»، وتبتكر لها امتدادات ونهايات جديدة، عن طريق «شخصية «ملكة القلوب» غريمة «أليس» التي استقرت بعد زواجها وإنجابها الأبناء، فما كان من ملكة القلوب إلا أن سعت ليكون لها ابناء أيضا، ولكنها في لحظات الطلق تأمر بقطع رؤوسهم بسبب تقلب مزاجها، ثم تندم على فعلتها إلى أن رأت الأرنب الأبيض وهو أحد شخصيات حكاية أليس في بلاد العجائب، واستعانت به لحظة الولادة، ولكن الذي حدث أن ولدها جاء متسلطا ومهووسا بقطع الرؤوس، وكان من ضمن ضحاياه ملكة القلوب نفسها. المغامرة التجريبية بالذهاب في إثر حكايات قديمة راسخة في ذهن القارئ ولكن عن طريق البحث لها عن امتدادات ونهايات جديدة، يشبه الأمر تذييل قصص قديمة بجديد مبتكر، مثل ريش الطاووس الذي يجدد ألوانه كل صباح انطلاقا من ذيله الريشي بألوانه الزاهية، وكأنه يعلمنا كيف نهزم النهايات وننعشها بالصمت أو الكلام. لم تسكت ليلى في حكاياتها عن الكلام المباح لأن الصباح يجب أن يتجدد بقصص وإن بدت قديمة الهيكل، إلا أنها يمكنها أن تسبر زمنا آخر وواقع معاش متجدد.
خلاصة في التجريب
التجريب نتاج تراكم قراءات وانطلاقا منها «أي هذه القراءات» يمكنك الشروع بثقة في بناء عالم مواز متجدد، ليلى عبدالله في حكاياتها وعبر صب قصص في القالب العتيق، تجرب ولادة مرموزات جديدة انطلاقا من العلاقة الإشكالية القديمة بين سلطة لا تُرى وواقع لا يعاش خارج الإملاءات وقوانين المزاج الكوني. الحكايات تبدأ بالتذوق وتنتهي بجنود الورق، وكأن اسم ليلى الذي يمكنه أن يدلل أيضا على سحر كتاب الليالي العربية، يدفعها لابتكار حكاياتها المعبأة بألوان المعاني والعبر، مع جماليات لغوية تتراءى بين ريش الأحلام وعطر الحكايات وتجليات الواقع المبتلى بإملاءات آلهة كونية لا سبيل ممهدا لفهمها ومناقشتها.
محمود الرحبي كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ليلى زاهر تتصدر التريند بسبب سعر فستانها
عادت من جديد ليلى أحمد زاهر لتصدر التريند مرة أخرى، وذلك بعد تكريمها بمهرجان الأفضل في ٢٠٢٤ حيث تألقت بفستان وردي بسيط مطرز من الأكتاف وتميزت ليلى في هذا اليوم بالأناقة.
وتركت ليلى شعرها منسدلا على كتفها كما اكتفت بوضع بمكياج بسيط وألوان ترابية رقيقة.
وتساءلت الكثير من الفتيات عن سعر فستان ليلى وعلى غير المتوقع سعره ١٧٤ ألف جنيه.
وحضرت ليلى أحمد زاهر الحفل مع خطيبها الفنان هشام جمال.
يُذكر أن آخر أعمال ليلى زاهر، هو مسلسل أعلى نسبة مشاهدة بطولة الفنانة الشابة سلمى أبوضيف في أول بطولة مطلقة لها، ويشاركها كل من انتصار، محمد محمود، فرح يوسف، هند عبدالحليم، إسلام إبراهيم، والعمل من تأليف سمر طاهر، وفكرة وإخراج ياسمين أحمد كامل .
من ناحية أخرى ، ردت شقيقتها ملك أحمد زاهر على المنتقدين لاختيارها لملابسها ، مشيرة أنها لم تعُد طفلة وأسلوب ملابسها يتناسب مع عمرها وللمناسبات التي تذهب إليها.
وظهرت ملك أحمد زاهر، في مقطع فيديو من خلال خاصية "ستوري" على موقع تبادل الصور والفيديوهات "إنستجرام"، وردت فيه على المنتقدين وقالت: "في واحدة بتقولي أنتي مكبرة نفسك كده ليه؟ مش عارفة أفاجئك بس أنا مش صغيرة ومش طفلة، أنا أه شباب بس مش طفلة".
تابعت أن هذا التعليق كان على الصور التي نشرتها خلال اجتماعها مع "صندوق الأمم المتحدة للسكان – مصر"، موضحة أنها سفيرة لمبادرة هامة فمن الطبيعي أن ترتدي مثل هذه الملابس، وقالت: "أنا سفيرة لمبادرة مهمة عادي ألبس كده، أنتي عيزاني ألبس سبونج بوب وأنا رايحة الاجتماع".
واستكملت، ملك أحمد زاهر: "وفي ناس بتكتب لي كنتي أحلى وأنتي تخينة، خسيتي ليه حرام عليكي؟ أنتوا عايزين مني إيه؟ ما كفاية بقى".