لجريدة عمان:
2024-11-25@11:17:27 GMT

شعر: أَربَعُ قَصَائِدَ

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

1- السَّاهِرَانِ إِلَىٰ الصَّبَاحِ

يَتَحَدَّثَانِ عَنِ الزَّمَانِ

كَأَنَّمَا خَرَجَا عَنِ السَّاعَاتِ

وَانقَطَعَتْ ضَرُورَاتُ الحَيَاةِ

عَنِ الحَيَاةِ، وَلَم يَعُد إِلَّا التَّفَلْسُفُ

وَالتَّأَمُّلُ فِي جِدَارٍ شَائِخٍ...

نَظَرِيَّةً نَظَرِيَّةً حَتَّىٰ يَسُودَ الصَّمتُ

يُعلِنُ أَنَّ فِي الكَلِمَاتِ مَعنًىٰ ظَاهِرًا

لَيسَ الَّذِي نَحتَاجُهُ،

وَوَرَاءَها مَعنًىٰ خَفِيًّا

وَهْوَ عَينُ مُرَادِنَا

[لَولَا احتِيَاجِي لِلكَلَامِ

لَصِرتُ صَخرًا أَعجَمَ

احتَبَسَتْ حَيَاتِي فِي

تَجَاعِيدِي، وَعَبَّدَنِي الـمُرُورُ

عَلَيَّ حَتَّىٰ أَستَحِيلَ سُدًىٰ]

***

يَتَحَدَّثَانِ عَنِ الـمَكَانِ

كَأَنَّمَا وَجَعُ الجِهَاتِ خُرَافَةٌ

لَيسَ الذَّهَابُ وَلَا الإِيَابُ

سِوَىٰ الجُلُوسِ هُنَا أَمَامَ بُحَيرَةٍ

فِي سَاعَةِ العَصرِ الرَّهِيفَةِ

هَٰهُنَا جِهَةٌ بِلَا جِهَةٍ

رِيَاحٌ تَنثُرُ الـمَعنَىٰ هَبَاءً طَائِشًا

خَلَلٌ ضَرُورِيٌّ

لِقَافِلَةٍ تَمُرُّ سَرِيعَةً

فِي قَصدِهَا لِمَلَاذِهَا

[لَولَا احتِيَاجِي لِلكَلَامِ

لَكُنتُ فَخًّا غَادِرًا

وَيَدَايَ تَختَطَّانِ فِي

وَجهِ الفَرِيسَةِ مَا

تُرِيدُ مُدًىٰ]

***

يَتَحَدَّثَانِ عَنِ الكَلَامِ

وَعَن خَيَالِ الـمُعجَمَاتِ

وَمَا تَنَاسَاهُ الـمُؤَلِّفُ فِي السُّطُورِ

وَمَا اجتَبَاهُ الشَّاعِرُ الـمَلِكُ الَّذِي

هُوَ سَيِّدُ الكَلِمَاتِ

وَهْوَ يُعِيدُ تَخلِيقَ الكَلَامِ أُلُوهَةً صُغرَىٰ

وَيُنشِئُ مُعجَمًا مِمَّا نَقُولُ وَلَا نَقُولُ

وَلِلكَلَامِ كَلَامُهُ أَيضًا

يُرِيدُ إِبَانَةً عَن نَفْسِهِ فِي نَفْسِنَا

هُوَ ظِلُّنَا .

. هُوَ نُورُنَا

[لَولَا احتِيَاجِي لِلكَلَامِ

لَحَاطَنِي فَقرٌ

طَوِيلٌ شَاحِبٌ

وَلَصَارَ صَمتِي

سَيِّدًا كَصَدًىٰ]

***

يَتَحَدَّثَانِ.. دَقِيقَةً فَدَقِيقَةً

وَالوَقتُ يَسحَبُ خَيطَهُ عَجِلًا

وَيَنكَشِفُ الصَّبَاحُ بِوَجهِهِ

يَتَوَاعَدَانِ عَلَىٰ الكَلَامِ غَدًا

إِذَا انتَصَفَ الظَّلَامْ

مَا أَوحَشَ الإِنسَانَ

لَولَا اِحتِيَاجٌ لِلكَلَامْ

2- ثَلَاثُ أُغْنِيَاتٍ مَجَازِيَّةٍ

أُغنِيَةٌ أُولَىٰ

قَالَ: «المجَازُ طَرِيقُنَا فِي

لَيلِ غُربَتِنَا، وَفِي دَربِ

الرُّجُوعِ إِلَىٰ مَنَابِعِنَا».

فَنَامَت طِفلَةٌ فَوقَ القَصِيدَةِ

بَعدَمَا فَقَدَتْ خَرِيطَتَهَا

وَغَنَّتْ قَافِيَةْ

***

هَٰذَا المجَازُ نَجَاتُنَا

حَتَّىٰ وَلَو لَم نَختَرِعهُ؛

لِأَنَّهُ هُوَ دَولَةُ الأَحلَامِ

فِي كَلِمَاتِنَا وَابنُ الظُّنُونِ الآتِيَةْ

***

هُوَ دَهشَةُ التَّنزِيلِ

عِندَ مَتَاهَةِ التَّأوِيلِ

نَبعٌ مُشبَعٌ بِالـمَاءِ حِينًا

نَجمَةٌ تَهتَزُّ حِينًا

تَحتَ رِجْلٍ حَافِيَةْ

أُغنِيَةٌ ثَانِيَةٌ

قَد أَرهَقُوا هَٰذَا المجَازَ

فَصَارَ مِثلَ كَلَامِنَا العَادِيِّ

لَم يَسطَعْ، وَلَم يَلمَعْ

تَهَرَّأَ مِن تَدَاوُلِهِ

مِتَىٰ سَتَصِيرُ «كَيفَ الحَالُ؟»

مِن بَابِ المجَازْ؟!

***

وَغَدًا سَيُنكِرُنَا المجَازُ

نَسِيرُ مِن فَوضَى إِلَىٰ فَوضَىٰ

تَصِيرُ مُهَمَّةُ الكَلِمَاتِ

إِتقَانَ النَّشَازْ

***

وَيَمُرُّ أَهلُ الشِّعرِ فَوقَ سُطُورِنَا

مُتَعَجِّبِينَ: «لِأَيِّ قَومٍ يَنتَمِي

هَٰذَا الكَلَامُ؟ إِلَىٰ الجَنُوبِ،

أَمِ الشَّمَالِ، أَمِ العِرَاقِ،

أَمِ الحِجَازْ؟!».

أُغنِيَةٌ ثَالِثَةٌ

وَأَقُولُ: «إِنَّ مَجَازَنَا أُنثَىٰ

وَدَربُ الـمُفرَدَاتِ مُفَخَّخٌ

بِتَحَرُّشٍ.. وَوَرَاءَهُ تَقِفُ

الكِلَابُ الوَاثِبَةْ.

***

ضَحِكَ المجَازُ، وَقَالَ: «قَد لُدِغَتْ

هُنَا مِن قَبلُ، إِنَّ الشَّاعِرَ اللَّمَّاحَ

يُلدَغُ مَرَّةً لَا مَرَّتَينِ؛ لِأَنَّهُ مُتَشَكِّكٌ

فِي أَيِّ شَيءٍ. فَلتَدَعنِي؛ كَي أَمُرَّ

إِلَىٰ الطَّرِيقِ الغَائِبَةْ»

***

فَوضَىٰ الإِشَارَاتِ الكَثِيرَةِ فِي الطَّرِيقِ: مُرِيبَةٌ

فَوضَىٰ النُّجُومِ عَلَىٰ السَّمَاءِ: مُرِيبَةٌ

فَوضَىٰ الكَلَامِ: مُرِيبَةٌ

فَلنَستَرِحْ حَتَّىٰ نَرَىٰ شَيئًا

فَنَتبَعُهُ بِصِدقِ

الأُمنِيَاتِ الكَاذِبَةْ!

3- شَاعِرٌ لَا أَعرِفُهُ

شَفِيفٌ كَأَنَّ الوَجُودَ مِيَاهٌ

خَفِيفٌ كَأَنَّ يَدَيهِ هَوَاءٌ

يُحَرِّكُ مَا عَنَّ دُونَ انتِبَاهٍ

وَيُخفِي الظِّلَالَ وَرَاءَ الظِّلَالِ

وَلَا يَدَّعِي حِكمَةً فِي الفِعَالِ

مُجَرَّدُ حَدسٍ.. يُصَدِّقُ مَا ظَنَّ

دُونَ ارتِيَابْ

***

يَنَامُ وَحِيدًا؛ لِئَلَّا تُزَاحِمَهُ الحُلمَ

أُنثَىٰ، وَيَحلُمُ دَومًا بِأُنثَىٰ.. لَدَيهِ

فَدَادِينُ فِي الحُلمِ.. كَادَ يَصِيرُ

إِلٰهَ الخَيَالِ/ إِلٰهَ السَّرَابْ

***

يُطَمئِنُ كُلَّ الوَحِيدِينَ.. يُشعِلُ

أُصبُعَهُ فِي الظَّلَامِ لَهُم، وَيُغَنِّي

كَأُمٍّ تَهُشُّ الكَوَابِيسَ عَن طِفلِهَا:

«لَا تَخَفْ يَا صَغِيرِي.. أَنَا هَٰهُنَا

وَيَدِي سَتَصُدُّ الذِّئَابْ».

***

وَفِي اللَّيلِ يَجلِسُ خَلفَ القَصَائِدِ

يَشحَذُ مُفرَدَةً مِن خَيَالٍ شَحِيحٍ

يُنَادِي عَلَىٰ عَبقَرِ الشَّعَرَاءِ، وَيَبكِي

كَلَامًا.. يُمَزِّقُهُ.. لَا يُلَائِمُهُ.. وَيُجَنُّ،

وَيَهوِي عَلَىٰ الأَرضِ مِثلَ

نَدًىٰ فِي الضَّبَابْ

***

يَقُولُ: «أَنَا ضِدُّ نَفسِي، وَضِدُّ

الكَلَامِ، وَضِدُّ الخَيَال، وَضِدُّ

الزَّمَانِ، وَضِدُّ تَضَادِّي، وَضِدُّ

الحَيَاةِ، وَضِدُّ الممَاتِ،

وَضِدُّ دُرُوسِ الغُرَابْ»

***

يُؤَرجِحُ سَاقًا، وَيَغمِزُ عَمدًا

لِشَخصٍ يَرَاهُ جَلِيًّا وَلَسنَا نَرَاهُ

يُنَادِي عَلَىٰ شَبَحٍ غَارِقٍ فِي التَّلَاشِي

يَضُمُّ يَدَيهِ عَلَىٰ فَخِذَيهِ، يُوَارِي

الدُّمُوعَ بِوَردَتِهِ، ثُمَّ يَصرُخُ حَتَّىٰ

يَصِيرَ المدَىٰ وَاسِعًا وَاسِعًا،

وَيَغِيبُ الوُجُودُ،

يَغِيبُ الغِيَابْ...

4- خَائِفٌ مِنَ الحَيَاةِ

أَنَا خَائِفٌ مِن كَلَامٍ صَرِيح

سَيَفضَحُنِي كَمَرَايَا تُعِدُّ مَكِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ فِي انتِظَارٍ فَسِيح

يُجَرِّدُني مِن هِبَاتِ الخَيَالِ الفَرِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ مِن جُنُونٍ يَسِيح

يُقَلِّبُنِي فِي هُمُومِ الظُّنُونِ الجَدِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ مِن حَيَاةٍ عَنِيدَةْ!

***

أَنَا خَائِفٌ مِن مَجَازٍ عَمِيق

يُضَيِّعُ فِي بِئرِهِ مَا تُرِيدُ القَصِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ مِن خَيالٍ رَشِيق

تُشَرِّدُ رُوحِي سُؤَالاَتُ تِيهِي العَدِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ مِن سَحَابٍ طَلِيق

يَرُوحُ كَثِيفًا وَلَم يَروِ أَرضِي البَعِيدَةْ

أَنَا خَائِفٌ مِن حَيَاةٍ وَحِيدَةْ

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ل ول ا ا ک ل م ات

إقرأ أيضاً:

عدد جديد من «بانيبال» يسلط الضوء على «القضية الفلسطينية في قلب الأدب»

أصدرت مجلة بانيبال عددها الخامس عشر، لتواصل رحلتها فـي استكشاف الأدب العربي المعاصر وتسليط الضوء على قضايا إنسانية شديدة الارتباط بالواقع الراهن. فـي هذا العدد، تتصدر القضية الفلسطينية المشهد الأدبي، حيث تقدم المجلة أعمالًا لكُتّاب وشعراء فلسطينيين، جنبًا إلى جنب مع نصوص لكتّاب من دول عربية أخرى؛ لتخلق فسيفساء أدبية غنية تجمع بين الذاكرة والخيال والمقاومة.

وفـي هذا العدد، خصصت المجلة مساحة واسعة لتسليط الضوء على التجربة الفلسطينية من خلال أعمال مبدعين فلسطينيين، من أبرزهم سامر أبو هواش، الذي يُنشر ديوانه «من النهر إلى البحر» بالكامل، الديوان يعيد صياغة مآسي الشعب الفلسطيني، مستعينًا بالتناص مع أعمال شعرية عالمية، مثل «الأرض اليباب» لتوماس إليوت، ليحوّل الألم والاحتضار الجماعي إلى قصائد تحتفـي بالذاكرة والمقاومة.

كما تتضمن المجلة قصائد داليا طه التي تمزج بين الخيال الرمزي والواقع المرير، حيث تحول الألم الفلسطيني إلى رؤى شعرية تنطق بالمقاومة والجمال. وتشمل أيضًا أعمال رنا زيد وفرح حليمة هوب، التي تسرد قصصًا مؤثرة عن الشتات الفلسطيني، فـي استحضارٍ للألم الإنساني وتطلعات الحرية.

وعلى صعيد آخر، يبرز فـي العدد فصل من رواية الكاتبة العمانية هدى حمد، «لا يُذكرون فـي مجاز». بأسلوبها المتفرد، تخوض هدى فـي عوالم الشخصيات النسائية؛ لتكشف عن عمقها النفسي وعلاقتها بالمجتمع المحيط، تواصل هدى حمد من خلال هذا النص استكشاف الحدود بين الواقع والخيال، مكرسةً حضورها كواحدة من أبرز الكاتبات العمانيات فـي الساحة الأدبية العربية.

ولم تغفل المجلة فـي هذا العدد التنوع الثقافـي، حيث استضافت الشاعر الكولومبي الإسباني خوان بابلو روا، الذي يكتب عن الحياة اليومية بنبض إنساني عميق، كما تنشر فصلًا من رواية الكاتبة المصرية ريم بسيوني «الحلواني: ثلاثية الفاطميين»، وتحتفـي بأسلوبها فـي سرد التاريخ من خلال شخصيات نابضة بالحياة.

يؤكد العدد الجديد من «بانيبال» التزامه بنقل صوت المهمشين والمقهورين، حيث يركز على الأدب كوسيلة لرسم ملامح الذاكرة الجماعية وإحياء القضايا المنسية. من خلال نشر قصائد ونصوص تسرد آلام الفلسطينيين فـي غزة والمنفى، يتوجه هذا العدد إلى القارئ العالمي برسالة واضحة: الأدب لا ينفصل عن السياسة والإنسانية، بل يتقاطع معهما ليبني جسورًا بين الشعوب.

مقالات مشابهة