جفّت ضمائرهم وما جفت دموع الأبرياء
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
جفّت ضمائرهم وما جفت #دموع_الأبرياء
المهندس #مدحت_الخطيب
جاء في كتب التفسير والسيرة قصة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك دون عذر، فهجرهم رسول الله، وأمر الصحابة ألا يكلموهم حتى يقضي الله في أمرهم، واستمر الحال على ذلك خمسين ليلة، حتى أن كعب بن مالك «رضي الله عنه» وصف وضعه حينذاك، وقد كان أحد الثلاثة، بقوله: «قد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحبت»، ولما أنزل الله توبته عليهم، وسمع كعب الخبر انطلق يسابق الريح إلى مسجد رسول الله، فلما دخل المسجد قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحه وهنأه.
تذكرت هذه القصة يوم أمس وأنا أتابع ما يحدث في غزة وأهلها الصامدين وقبل أن أتعمق في هذا الموضوع وأسهب خصوصا في هذا الزمن الصعب الذي يحتاج منا إلى وقفات لا وقفة، وبعد أن تصدعت رؤوسنا لعشرات السنين بكلام المتحضرين وتجار حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة وحتى الحيوان أقول:-
أين أنتم من هذا كله!!! أم أن نساء وأطفال غزة ليسوا من البشر!!!
أين أنتم من صُراخ الأطفال الأبرياء والنساء من هذا كله وهم يعانون حربا كونية على بلادهم يقتلون فيها- ليل نهار-!!!
أين أنتم من تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والتي تحدثت عن تعرض حياة 180 مولودا جديدا موضوعين في حاضنات للخطر، بسبب النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات!!!
أين أنتم من 50 ألف امرأة حامل في القطاع تعيش الألم والحسرة والخوف وتكاد أن تلد طفلها بين الركام قيصريا ألف مرة كل يوم من شدة القصف والخوف والجوع ونقص الأدوية!!!
أين أنتم من استشهاد أكثر من 2400 طفلا لا ذنب لهم باجرام بني صهيون، كتبوا بدمهم الطاهر هذا النداء، لحماية الباقين على قيد الحياة من إخوانهم واقرانهم فهل من مجيب!!!
أين أنتم من 1000 حالة غسيل كلى في القطاع معرضة أيضا للخطر في حال توقف المولدات عن العمل!!!
أين أنتم من 10000 مريض سرطان يبكون- ليل نهار- من سرطان ينهش أجسادهم وسرطان يلتهم بلادهم ويهدد حياتهم!!!
يا دعاة الإنسانية بعد اليوم لا تحدثوننا عن عهرهم وتحيزكم، اليوم في غزة تكشف لنا العالم كله على حقيقته، اليوم في غزة جفت الأقلام وتمزقت الصحف، وخُطت صفحاتنا بالدم ، وكشفت نواياكم بكل وضوح….
صدقوني هذه المواقف أظهرت لنا جائحة أخطر من كورونا اسمها النفاق العالمي لم نشاهدها من قبل، وكشفت لأهل غزة معادن الناس وجودة أخلاقهم!!!
صدقوني كل شخص في غزة اليوم يحتاج لرجل مثل طلحة في حياته ولكن هيهات هيهات، فقناعتي تقول إن تلك أشياء لا تُشترى بل هي هبات ربانية يهبها الله لمن يشاء،..
صدقوني اليوم أهل غزة يستنجدون بالعرب رغم خذلان الكثيرين منهم وبالعلن يقولون نحن في أقسى الظروف لم نبع اسم العرب فلماذا بعتونا الى القتلة وقاطعي الطريق بثمن بخس!!!
صدقوني أطفال غزة يصرخون ولسان حالهم يقول نحن لا نملك خبزا ودواء، نحن جُعنا، وجرحنا، غير إنا نحمل الجرح، بصبر الأنبياء…
صدقوني أرامل غزة تدعوا عليكم وتقول عن أي إنسانية تتحدثون وعن أي حقوق تدافعون يا تجار الكون الجديد!!!
في الختام حال أهلنا في عزة يقول ملايين البشر يعيشون في محيطك في عز الرخاء جميعهم حولك ورقابهم تفديك إن احتجتها فقط بالكلام والهتاف والصراخ….فوالله أثبتت لنا الأحداث التي نعيشها اليوم أن القوم في السر غير القوم في العلن ألا من رحم ربي، وسيبونا من عمليات التجميل والتزويق التي تخرج هنا وهناك… مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: مدحت الخطيب فی غزة
إقرأ أيضاً:
رمضـان علـى الأبـواب.. فمـا أشبـه اليـوم بالبارحـة!
أيام قليلة وتشرق شمس أول يوم في شهر رمضان المبارك، أيام وتبدأ معها دورة حياة أخرى لطالما انتظرناها عامًا كاملًا. ستأتي ليالي النور والضياء والخير والبركة، شهر يذكرنا بما قد مضى من أيامنا الخوالي، أيام تقربنا أكثر من الله تعالى عن غيرها من أيام الله وشهوره العظيمة. في هذا الشهر الفضيل عبر لا تُحصى، وموعظة ورثاء لأيام قد مضت من أعمارنا دون أن ندرك كيف تمضي الأيام سريعًا وتذهب بلا عودة.
إذا كان طرفة بن العبد هو أول القائلين عبارة «ما أشبه اليوم بالبارحة»، فإنها أيضًا مقولة شهيرة يرددها الكثير منا على ألسنتهم، لا سيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الآراء والمبادئ. فمنذ شهور قليلة ماضية، كان هناك رمضان ثم ارتحل بكل ما فيه من أحداث وخصوصية لهذا الشهر العظيم، وها نحن اليوم نعد أيامًا أخرى ليعود إلينا من جديد، فما أسرعها من أيام!
ما نحن فيه اليوم هو حال ما سبق توديعه، وكأن الأيام تعيد نفسها، لكنها ليست بنفس الحال الذي تركتنا عنده، فمن لحظة إلى أخرى هناك عالم يأتي وآخر يرحل نحو الغياب، وليس للإنسان قدرة على إيقاف ساعة الزمن أو توالي الأيام.
رمضان ليس مجرد شهر هجري يأتي إلينا زائرًا كل عام، وإنما هو ناقوس يذكرنا بما قد نسيناه من حقوق وواجبات كتبها الله تعالى علينا، فهو أيضًا يزكي النفوس، ويعيد العقول إلى رشدها وصوابها، وهو فانوس مضيء يوقد شعلة الإيمان في قلوب الناس. في كل عام يأتي إلينا، يطرق أبواب قلوبنا الوجلة من خطوب الزمن، ويغرس في عقولنا خيم الذكريات التي ربما قد نسينا فصولًا منها. فرمضان وهج يجعلنا نتذكر من كانوا إلى جانبنا في رمضان السابق، وهذا العام يأتينا وقد أصبحت أماكنهم خالية من وجوههم المختفية في ثرى الأرض البعيدة.
رمضان هو أيضًا ضياء رباني ينير العقول بشعاع العلم والإيمان، ويقربنا نحو الخالق عز وجل في السماوات العلا. ففي كل ليلة من ليالي رمضان الفضيل تتجلى الخيرات، وتتنزل الرحمات، وتفيض البركات على العباد، وتُقضى الذنوب، وتُغفر الزلات، ويعتق الله عز وجل برحمته رقاب العباد.
إذا كانت البيوت قد استعدت لاستقبال شهر رمضان بإعداد قائمة عريضة من النواقص التي تشتمل عليها المائدة الرمضانية، فإن ما نصنعه بهذا يُعد عبئًا ماديًا تتحمله الأسر، ومع ذلك أصبح ضمن أولويات الشهر الفضيل، ومهمة لا بد من إتمامها بكل تفاصيلها. وهنا يظهر لنا كيف يمكن أن يكون هذا الشهر الفضيل فاتحة خير وثواب عظيم عندما نحس بما يحتاجه الآخرون من عطاء، وهم يتعففون عن مدّ أيديهم إلى الناس.
أيضًا، من الأمور المهمة والضرورية لاستقبال شهر رمضان الفضيل هو جانب الاستعداد النفسي والفطري الذي يجب أن يستشعره الإنسان المسلم في نفسه قبل حلول أيام الشهر المبارك. وهو جانب مهم يجب أن يكون موجودًا لدى الجميع، حتى وإن اختلفت مستوياتهم العمرية. لهذا الشهر منزلة عظيمة عند جميع المسلمين، ففيه أبواب يفتحها الله لعباده التائبين العائدين إلى رشدهم، والمقلعين عن فعل المعاصي. كما أنه فرصة ذهبية لكل من يريد أن يتقرب إلى الله تعالى من خلال الصيام والقيام وتقديم أعمال الخير لوجهه الكريم، بالعطاء الذي لا تشوبه شبهة الرياء ولا تفاخر بين الناس.
يأتي رمضان ليفتح صفحات قد لا تُفتح في شهور أخرى غيره، فهناك تلاحم مجتمعي، وقرب ديني، وعطاء لا ينضب معينه، بل يزيد من الخير والثواب أكثر فأكثر.
وقد يسأل سائل منا: لماذا نحب رمضان؟
نحبه لأنه شهر يزكي نفوسنا من شوائب الذنوب والتقصير في حقوق الله تعالى. نحبه لأنه يجمعنا على المحبة الخالصة لوجهه الكريم. نحبه لأنه يغرس في قلوبنا معاني الألفة والعمل الصالح، ويطرح عن ظهورنا النزاعات والشقاق والتفرقة، وينشئ جسور الود، ويشيع بيننا مبادئ التسامح، «فمن عفا وأصلح فأجره على الله». لذا، فإن لرمضان منزلة عظيمة في قلوب الناس لا يمكن أن تتكرر كثيرًا، فالمسلم الحقيقي هو الذي يُقبل على الله طالبًا منه العفو والصفح، راجيًا أن يمنحه العفو والغفران، ويمحو عنه الذنوب والمعاصي.
كما لا ننسى أبدًا أن لرمضان خصوصية مجتمعية، سواء في المنزل أو خارجه. فهناك منازل تُزين بزينة تبعث الفرح في النفوس، سواء لدى الصغار أو الكبار، كما أن هناك التزامًا بين الأسرة وبعضها البعض بالأمور الدينية، كالصيام والقيام وقراءة القرآن. وفي ليالي شهر رمضان، نشعر جميعًا بنفحات إيمانية عظيمة تتجسد في قلوب كل الصائمين، فهو شهر عظيم بكل ما فيه من خير للبشرية.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
«(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)» (البقرة: 185).
لقد خص الله تعالى شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كما أنه شهر تُفتح فيه أبواب التوبة والغفران. وشهد رمضان الكثير من الأحداث الزمنية المحورية التي لا تُنسى من صفحات التاريخ الإسلامي.
إذًا، نحن على مقربة من شهر عظيم، فيه من الخير العميم. فلنستعد له بما نستطيع حتى ننال الثواب والجزاء من الله عز وجل، ونسأله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يرحم موتانا وموتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم بلغنا رمضان، لا فاقدين ولا مفقودين، واجعلنا من أهل الجنة.