تشكل الحرب الأوكرانية، والصراع الأمريكي - الصيني حول تايوان، والحرب الاقتصادية والتكنولوجية بينهما، إضافة إلى التنافس على النفوذ على مساحة العالم، واحدة من أوجه المواجهة بين كل من الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، في محاولتهما لتغيير النظام الدولي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، من أجل إقامة نظام دولي جديد أكثر عدالة ومساواة.
الرئيس بايدن يعترف بأن العالم يحتاج إلى نظام دولي جديد
الكرملين التقط دعوة بايدن وأعرب عن تأييده لبناء نظام عالمي جديد
وقد تشكل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط الناجمة عن الحرب في قطاع غزة عاملاً جديداً، في إطار الصراع على هذا النظام، خصوصاً في حال توسع الاشتباكات وانخراط الولايات المتحدة فيها مباشرة، حيث إن بكين وموسكو سوف تضطران للخروج عن موقفهما المتوازن الحالي، لأنهما تعتبران أن الولايات المتحدة تعمل على تغيير المعادلة القائمة في المنطقة لمصلحتها.
الرئيس الأمريكي جو بايدن قال مؤخراً: "أعتقد أن لدينا فرصة، إذا كنا جريئين بما فيه الكفاية، وواثقين بما فيه الكفاية، لتوحيد العالم كما لم يحدث من قبل"، وأضاف: "لقد أمضينا 50 عاماً في فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث عملت الولايات المتحدة بشكل جيد جداً، لكن هذا النظام فقد زخمه نوعاً ما.. نحن بحاجة إلى نظام عالمي جديد"، لكنه قال أيضاً: "الولايات المتحدة قادرة على بناء هذا النظام".
الرئيس بايدن يعترف بأن العالم يحتاج إلى نظام دولي جديد، لكن أي نظام ؟ إنه يريد أن تقوم الولايات المتحدة ببنائه، أي ترميم النظام الحالي بمقاييس أمريكية، بحيث تظل واشنطن ممسكة بكل تفاصيله وآلياته، من دون أي دور للقوى الأخرى، وهذا يعني تجميل ما هو قائم على أن يحمل اسم نظام دولي جديد.
بايدن يدرك أن النظام العالمي الحالي الذي تتفرد بلاده بقيادته لم يعد يعمل، بل بات يشكل عبئاً ثقيلاً على العلاقات الدولية، وعلى الأمن والسلام العالميين، لكنه بدلاً من الإقرار بالفشل النهائي لهذا النظام والقبول بنظام دولي جديد وفق قواعد جديدة، لجأ إلى شكل من أشكال التمويه بقبول نظام تبنيه الولايات المتحدة من دون مشاركة أحد.
الكرملين التقط دعوة بايدن، وأعرب عن تأييده لبناء نظام عالمي جديد، لكنه اختلف معه حول قدرة الولايات المتحدة على بناء هذا النظام، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن بايدن يتحدث عن نظام عالمي "يتمحور حول أمريكا، أي أن العالم يدور حول أمريكا.. لن يحدث مثل هذا بعد الآن"، أضاف، "إن النظام العالمي الجديد يجب أن يقوم على القانون الدولي والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا".
هل يعتبر تصريح بايدن حول النظام الدولي الجديد بداية تغيير في الموقف الأمريكي ولو بشكل تدريجي، بعد أن أدرك أن النظام الحالي بدأ يلفظ أنفاسه؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل أمريكا أوكرانيا روسيا الولایات المتحدة نظام عالمی هذا النظام
إقرأ أيضاً:
روسيا في سوريا... انتكاسة ومرونة استراتيجية أيضاً
اعتبر البعض في الغرب انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وقرار روسيا بالوقوف جانباً والسماح بحدوث ذلك، مؤشراً على التمدد الإمبراطوري المفرط لموسكو وتراجع نفوذها الإقليمي.
سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، ولكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين
وحسب هذا التفكير من الواضح أن "العملية العسكرية الخاصة" الجارية التي يشنها الكرملين في أوكرانيا تضغط على الجيش الروسي إلى درجة جعلته عاجزاً عن وقف المد المتدحرج للمتمردين، فكان عاجزاً وغير راغب بدعم النظام أكثر من ذلك.
ورغم جاذبية هذه الرواية، دعا الباحث البارز في معهد الأمن القومي بجامعة ميسون جوشوا هيومينسكي المحللين الغربيين إلى الحذر من التركيز الكبير على فكرة أن روسيا كانت عاجزة عن المساعدة ومن عدم التركيز بشكل كاف على واقع بسيط مفاده أنها كانت غير راغبة بذلك.
وبحسب الكاتب فإن من المرجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رأى في دعم روسيا للأسد ترتيباً منخفض الكلفة نسبياً وعالي التأثير، لكن مع تقدم المتمردين، خسر فائدته.
استخفاف بالدب الروسيوكتب هيومينسكي في موقع "بريكينغ ديفنس" أن الاستراتيجية تتلخص أساساً في المقايضات، وهنا يبدو أن موسكو اتخذت قراراً واضحاً بأن الفائدة المترتبة على مواصلة دعم نظام الأسد لم تكن تستحق الكلفة.
وشكل سقوط بشار الأسد انتكاسة لموسكو، فمنذ التدخل في سوريا سنة 2015، قدم الكرملين دعماً مالياً وسياسياً كبيراً للأسد، وهذا الاستثمار يعد صغيراً نسبياً عند تقييمه بالمقارنة مع الموارد التي ضختها أمريكا في المنطقة مثلاً، وبالمقابل اكتسب الكرملين موطئ قدم في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. وكانت قواعده البحرية في البلاد بمثابة محطة لإعادة التزود بالوقود في البحر المتوسط ونقطة انطلاق للعمليات في أفريقيا.
احتمالان متساويانوسارع البعض للإشارة إلى تأثير أوكرانيا على العمليات الروسية في سوريا، لكن بحسب الكاتب، يشكل هذا سوء فهم لدور موسكو في البلاد، الذي اقتصر إلى حد ما على توفير القوة الجوية والمستشارين، مع بعض المقاولين العسكريين من القطاع الخاص.
والسؤال هو هل كانت روسيا لتكون أكثر استعداداً لمواجهة تقدم المتمردين دون الحرب الأوكرانية؟ هذا محتمل بحسب الكاتب، لكن من المحتمل أيضاً أن النظام قد أصبح قضية خاسرة، فالسرعة التي انهار بها، تعكس ضعفاً عسكرياً وتنظيمياً وتكتيكياً كبيراً، وأي هجوم مضاد بالنيابة عن النظام سيكون باهظ الثمن مادياً وعسكرياً.
كما أثبت نظام الأسد لموسكو أنه شريك متقلب وصعب، إذ رفض التعامل مع المعارضة، جعل البلاد جزءاً من نفوذ إيران.
مصير القوات الروسيةويضيف الكاتب أنت الموقف الروسي الجديد في سوريا ما زال غير معروف، وتشير التقارير الأولية إلى أن القوات الروسية تعيد تموضعها داخل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، وربما تخلي البلاد بالكامل.
ومن المرجح وفق الكاتب أن تلعب الكراهية المؤكدة تجاه روسيا بسبب قسوتها بالنيابة عن نظام الأسد، وتمكينه من البقاء في السلطة، دوراً في التطورات.
ومع ذلك، لا يوجد ما يضمن أن تسعى هيئة تحرير الشام إلى طرد القوات الروسية بشكل دائم من البلاد، بل قد تسعى إلى تحويل موسكو من خصم إلى مجرد طرف محايد.
انتكاسة ومرونة وبحسب الكاتب فإن تقاعس الكرملين عن دعم الأسد، يرسل رسالة إلى الأنظمة الأوتوقراطية في أفريقيا، بأن موسكو مستعدة لمواصلة دعم النظام طالما كان فائزاً وقادراً على الاحتفاظ بالسلطة ــ وراغباً بالاستماع إلى نصيحة الكرملين. وعندما يصبح النظام غير قادر على القيام بذلك، يتخذ الكرملين قراراً استراتيجياً ويغير مساره.ويختم الكاتب أن سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، لكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين الاستراتيجية. والتركيز فقط على الانتكاسة وتفويت المرونة يخاطر بمفاجأة استراتيجية سواء في سوريا أو في أماكن أبعد.