الخليج الجديد:
2024-07-02@00:03:49 GMT

تناقضات الهيمنة النقدية للدولار

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

تناقضات الهيمنة النقدية للدولار

تناقضات الهيمنة النقدية للدولار

تقاتل أميركا ضد أي تهديد للهيمنة النقدية لعملتها الدولار على الاقتصاد العالمي.

صراعات متزايدة وانفضاض تدريجي عن نظام نقدي يسمح لدولة واحدة بالإدارة النهائية للسياسات النقدية العالمية وفق مصلحتها الخاصة.

تردد أن اتجاه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لسياسة تسعير النفط العراقي باليورو (بترويورو) بدل بترودولار أهم أسباب قرار أميركا بغزو العراق.

لدى كل فريق من الثلاثة أسبابه الموضوعية لاختلاف توقّعاته بشأن مستقبل الدولار، والأفق الزمني المختلف لحساباته، كذا أولوياته التي ينصب عليها غالب اهتمامه.

ذروة هذا التناقض ما تثيره عمليات التيسير الكمّي والمديونية الأميركية المُتصاعدة من مخاوف وتناقضات؛ بما تتضمّنه من ضعف متزايد في القوة الحقيقية للدولار كمخزن قيمة.

* * *

ربما لا يذكر الكثيرون الفرنسي دومينيك شتراوس الرئيس الأسبق لصندوق النقد الدولي خلال الفترة 2007-2011، الذي استقال مضطراً من منصبه في مايو عام 2011 بعد اتهامه بالتحرش بعاملة فندق وبعدة اتهامات أخرى مشابهة، التي ثبت لاحقاً عدم صحتها وتبرئته منها جميعاً.

لكن ما يجب ألا ينساه أحد أنه كان تقريباً أول مسؤول على هذا المستوى الرفيع يدعو لإصلاح النظام النقدي العالمي قبل ثلاثة أشهر فقط من واقعة استقالته الاضطرارية، حيث دعا لزيادة دور حقوق السحب الخاصة المكوّنة من سلة العملات الكبرى في العالم، وضمنها -تصريحاً لا تلميحاً- زيادة دور اليوان الصيني في السلة المذكورة.

وبما يضمن مزيداً من استقرار الاقتصاد العالمي والتنسيق بين مكوّناته المختلفة؛ بما يفترض التوازن بينها بالضرورة، بما يتضمّنه كل ذلك منطقياً من تأكيد للأثر السلبي للهيمنة النقدية المُطلقة للدولار، ومن ضرورة تقليص دوره النسبي.

وبغض النظر عن مدى ارتباط ما يبدو كمؤامرة واضحة على الرجل بهذا السبب تحديداً أو بغيره (لنلاحظ أنه لم يُعِد أي مسؤول لاحق للصندوق الحديث بهذا الوضوح والمباشرة عن مسألة بهذه الأهمية للاقتصاد العالمي بأسره وتدخل في صلب اختصاصات الصندوق).

فالمؤكد أن الولايات المتحدة تقاتل حقاً ضد أي تهديد للهيمنة النقدية لدولارها على الاقتصاد العالمي، حتى أن البعض قد أشار مراراً وتكراراً إلى أن اتجاه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لسياسة البترويورو بديلاً عن البترودولار كان أهم أسباب قرار الولايات المتحدة بغزو العراق، الذي كان كسيحاً عاجزاً عن أي تهديد سياسي أو عسكري حقيقي بعد حصار لثلاثة عشر عاماً منذ حرب عاصفة الصحراء.

ولا شك أن نزعة كهذه للقتال في سبيل استمرار هيمنة ما، إنما تدل ليس فقط على المكاسب الهائلة من تلك الهيمنة، بل تدل كذلك على مخاوف متزايدة من اهتزازها وشعور حقيقي ببوادر هشاشتها وتراجع مشروعيتها على الأقل، واليوم بعد 20 عاماً من غزو العراق، لا يمكننا تجاهل الحديث المتزايد مؤخراً عن نهاية هيمنة الدولار، حتى خارج الدوائر التقليدية المعادية للولايات المتحدة، الداعية لإنهاء هيمنة الدولار لأسباب إيديولوجية أو قومية، فتزايد الحديث بحد ذاته لا يخلو من الدلالة عن ظهور بوادر ضعفها بوضوح، فضلاً عن تزايد الشكوك بشأن مشروعية تلك الهيمنة وتعاظم الرغبة في إنهائها.

وبدايةً لا بد من تدقيق السؤال، ماذا نعني بنهاية هيمنة الدولار؟

لأن كثيراً من الجدالات بشأن هذه المسألة تخلط بين أسئلة مختلفة في الحقيقة انطلاقاً من مطاطية السؤال، فالبعض يعرّفها بواقعية باعتبارها مجرد تراجع الدولار عن دوره كعملة السيولة الدولية الأولى الوحيدة (بما يتوافق مع موقف شتراوس سالف الذكر)، بينما يتساءل البعض الآخر عن مدى إمكانية وجود بديل حقيقي يقوم بنفس مهام الدولار بتصوّر ستاتيكي محافظ عن عالم المستقبل (لا يرى الانعكاسات الحتمية للتغيّرات في الاقتصاد العيني على بنيته المالية)، فيما يتطرف بعضّ ثالث بتصوّراته إلى أحلام طفولية ضارة بانهيار الدولار نفسه انطلاقاً من عداء أعمى للولايات المتحدة (فلا يفرّق بين نهاية هيمنة الدولار ونهايته هو نفسه).

والواقع أن لدى كل فريق من الثلاثة أسبابه الموضوعية لاختلاف توقّعاته بشأن مستقبل الدولار، والأفق الزمني المختلف لحساباته، كذا أولوياته التي ينصب عليها غالب اهتمامه.

فالفريق الأول يرى في الواقع المباشر بوادر الضعف الواضحة في الاقتصاد الأميركي وتراجع مصداقية الولايات المتحدة حتى بين حلفائها، لكنه يدرك مدى صعوبة وبطء تحوّل بضخامة تغيير عملة السيولة الدولية، خصوصاً الدولار الذي اكتسب مكانته في سياق عولمة غير مسبوقة تاريخياً للاقتصاد العالمي بدرجة ارتبط معها تقريبًا مصير الاثنين ببعضهما البعض، الدولار والعولمة، بشكل يصعب فصمه في المدى المنظور دونما أضرار بالغة بالجميع، بما في ذلك خصوم الولايات المتحدة أنفسهم، وهو قول يحمل قدراً معتبراً من الوجاهة؛ بإدراكه للصعوبات المحيطة بتحوّل معقد كهذا، لا يدفع للتعجيل به سوى إساءة استخدام الولايات المتحدة لهيمنتها النقدية.

يكاد الفريق الثاني يتفق مع الأول كنتيجة عملية، وإن كان بتصوّر ستاتيكي أكثر محافظةً -تحليلياً وقيمياً- يرى أنه لا رجعة عن العولمة واستمرار اتساع التجارة الدولية؛ فلا يرى -ولا يقبل- إمكانية مرور العالم بتحوّلات في الأوزان النسبية للاقتصادات القومية وفي نطاق وهيكل التجارة العالمية، وبمراحل ركودية تعيد ترتيب أوضاعه وتوازناته؛ بما ينعكس بالضرورة على بنيته المؤسسية المالية والنقدية، معتقداً على أساس ذلك، وفي ظل الصعوبة الحقيقية لإيجاد بديل فوري من العملات القائمة، باستحالة التحوّل عن الدولار، حتى ولو بنظام أكثر حياداً، متبنّياً على أساس ذلك أقصر المواقف نظراً؛ بوهم إمكانية الحفاظ على مرونة الاقتصاد العالمي بمجرد استمرار المؤسسات القائمة، حتى ولو تغيّرت معطياته الحقيقية وتفاقمت تناقضاته القومية، وحتى لو أظهرت المؤشرات بوادر ركود كبير منتظر، وتراجع معتبر في التجارة الدولية طوال العقد الأخير، ناهيك عن تراجع الوزن النسبي للاقتصاد الأميركي في الاقتصاد العالمي عما كان عليه وقت إقرار الدولار عملةً للسيولة الدولية.

أما الفريق الثالث فيقصر نظره على التناقضات طويلة الأجل الكامنة في صلب وجود العملة الأميركية، ليس فقط من زاوية التناقض على صعيد تعارض المصالح بين اتباع الولايات المتحدة سياسات نقدية وطنية الأفق وكون عملتها عملة السيولة الدولية التي تؤثر على مُجمل الاقتصاد العالمي؛ بما يثيره ذلك من صراعات متزايدة وانفضاض تدريجي عن نظام كهذا يسمح لدولة واحدة بالإدارة النهائية للسياسات النقدية العالمية بما فيها مصلحتها الخاصة، بل كذلك، وكذروة هذا التناقض، ما تثيره عمليات التيسير الكمّي والمديونية الأميركية المُتصاعدة من مخاوف وتناقضات؛ بما تتضمّنه من ضعف متزايد في القوة الحقيقية للدولار كمخزن قيمة، وما تسبّبه من تفارق بين قيمته الحقيقية والاسمية كوسيط تبادل؛ بما يتضمّنه ذلك من خسائر لغير الأميركيين بالخصوص، وتدفّق للقيم الحقيقية من دول العالم إلى الولايات المتحدة كريع إمبريالي.

والواقع أن لهذا الجدل والخلاف حول الموقف جذوره في الواقع، مُتمثلاً في حقيقة انتقالية الوضع وتعقيده بشكل يحتمل كافة التأويلات المذكورة، ففعلاً يواجه استمرار الدولار كعملة السيولة الدولية تحديات حاسمة على المدى الطويل تتجلّى آثارها في اتجاهات حتمية لتراجعه عن مكانته المركزية، لكنه في ذات الوقت لا يزال يحظى بنقاط قوة لا جدل فيها تطيل من عمر هيمنته، ناهيك عن غياب أي بديل كاف في الأجل المنظور؛ بما يبطئ من فاعلية هذه التحديات والاتجاهات لأجل لا يمكن تسميته في الوقت الراهن.

*مجدي عبد الهادي كاتب وباحث مصري في الاقتصاد والاجتماع الاقتصادي.

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدولار صدام حسين أميركا صندوق النقد الدولي الاقتصاد العالمي الأزمات الاقتصادية الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة هیمنة الدولار فی الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

«الوطنية للتنمية المستدامة» تؤكد أهمية دور «الخاص»

دبي: «الخليج»

أكدت «الأمانة العامة للجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة» أهمية الدور المحوري الفاعل للقطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يمتلكه من إمكانيات تشكل محركات للتحسين وتحقيق التنمية المستدامة، في ظل ما يشهده العالم من تطورات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية عدّة ومتسارعة.

جاء ذلك خلال ورشة تحضيرية نظمتها اللجنة، بالتعاون مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة في الإمارات، لتحديد الأولويات والمبادرات والمشاريع والأفكار التي ستعرضها خلال جلسات «منتدى الأمم المتحدة السياسي الرفيع بشأن التنمية المستدامة»، في نيويورك المقرر عقده من 8 إلى 17 يوليو، تحت شعار «تعزيز خطة 2030 والقضاء على الفقر في أوقات الأزمات المتعددة.. التنفيذ الفعال لحلول مستدامة ومرنة ومبتكرة».

أضاءت الورشة على أهمية دور القطاع الخاص ومساهمته الفاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الفقر (الهدف الأول)، والقضاء على الجوع (الهدف الثاني)، والعمل المناخي (الثالث عشر)، والسلام والعدل والمؤسسات القوية (السادس عشر)، وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف (السابع عشر) إلى جانب الاحتفاء بأفضل الممارسات، وتبادل المعرفة وتقديم حلول بنّاءة وتوصيات لتحديات أهداف التنمية المستدامة.

شارك في الورشة أنيتا لبيار، رئيسة إقليم الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، وبيرنغير بويل، المنسّقة المقيمة للأمم المتحدة في دولة الإمارات، وعمر خان، رئيس مركز الدراسات والبحوث التجارية في غرفة تجارة دبي، والبروفيسور مارك إسبوزيتو، أستاذ السياسة العامة في «كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية» ومركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد، وعدد من القيادات التنفيذية يمثلون نحو 80 شركة، من مختلف القطاعات، الذين تبادلوا الأفكار في أفضل الخبرات والتجارب والممارسات المستدامة. وناقشوا الحلول المبتكرة لتحقيق الأهداف العالمية، مع التركيز على أهمية تبني ممارسات تجارية مستدامة تسهم في بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة.

وأكد عبدالله ناصر لوتاه، رئيس اللجنة، أن إعلان دولة الإمارات تمديد مبادرة «عام الاستدامة»، لتشمل عام 2024 الجاري يعكس حرص القيادة الرشيدة على ترسيخ الممارسات المستدامة لتتحول إلى سلوك مجتمعي، ما يشكّل رافعة للجهود الوطنية لتعزيز أهداف التنمية المستدامة وحافزاً لمشاركة كل فئات المجتمع في تحقيقها.

وشدد على أهمية الدور المحوري للقطاع الخاص في تحقيق تلك الأهداف، وأن تعزيز الشراكات وتبادل المعرفة والخبرات بين القطاعين الحكومي والخاص، يشكل دعامة مهمة في تحقيق مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً للجميع. مشيراً إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حصيلة العمل الجماعي بروح الفريق الواحد بين مختلف القطاعات، ما يحتم الحرص على بناء الشراكات محلياً وعالمياً، من أجل مستقبل مستدام للإنسان والمجتمعات، وكوكب الأرض عموماً.

فيما أكد المهندس وليد سلمان، رئيس مجلس إدارة الاتفاق العالمي للأمم المتحدة في الإمارات، أهمية الجلسات الحوارية في تأكيد الالتزام المشترك، بين الاتفاق العالمي، وحكومة دولة الإمارات، بخطة التنمية المستدامة لعام 2030، مع الإضاءة على الدور الجوهري للتشاور مع القطاع الخاص في تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.. إذ يعدّ محركاً رئيسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يعزز التغيير التحويلي عبر الابتكار، وخلق فرص العمل، والممارسات المسؤولة.

وقال «تتمتع الشركات في دولة الإمارات بمكانة فريدة تؤهلها للقيادة بالنموذج الحسن، ما يدل على أن ممارسات الاستدامة في مجتمع الأعمال يمكن أن تدفع التقدم العالمي».

مقالات مشابهة

  • مستقبل الأمن السيبراني على مائدة المؤتمر العالمي للجوال في شنغهاي
  • بنك الولايات المتحدة يحذر: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تُعيق سلسلة التوريد وتهدد الاقتصاد الأمريكي
  • QNB يتوقع تحسن الاقتصاد العالمي
  • تعاظم تأثيرات العمليات البحرية اليمنية على الاقتصاد الأمريكي
  • «الوطنية للتنمية المستدامة» تؤكد أهمية دور «الخاص»
  • الاقتصاد الأمريكي في خطر بسبب الكهرباء
  • الهيمنة الأمريكية تتداعى!
  • دراسة تكشف تأثير تعاسة الموظفين على الاقتصاد العالمي .. فيديو
  • كينيدي جونيور: العقوبات الأمريكية عززت الاقتصاد الروسي
  • تراكمت على الرصيف العائم..الأمم المتحدة تنقل مساعدات إلى غزة